السبت، 20 أبريل 2019

التوازن في الأنظمة الدستورية


التصميم
المحور الأول    :     السلطة والحرية وطبيعة العلاقة بينهما مع القانون الدستوري
المطلب الأول  :      مفهوم السلطة والحرية وحدودهما
                    الفقرة الأولى: مفهوم السلطة وحدودها
1-مفهوم السلطة
                         2-حدود السلطة
                    الفقرة الثانية: مفهوم الحرية وحدودها
               1-مفهوم الحرية
               2-حدود الحرية
المطلب الثاني  :   تنظيم العلاقة بين السلطة والحرية في القانون الدستوري المقارن
                 الفقرة الأولى   :  القانون الدستوري وسيلة لضمان الحرية
                        الفقرة الثانية   :    القانون الدستوري أداة لتنظيم السلطة
             الفقرة الثالثة  :   القانون الدستوري أداة  للتوفيق بين السلطة و الحرية
المحور الثاني   :   توازن السلطة و الحرية في الأنظمة الدستورية المقارنة
المطلب الأول:   توازن السلطة و الحرية في النظامين الفرنسي و الأمريكي
                       الفقرة الأولى:  النظام الأمريكي
                       الفقرة الثانية : النظام  الفرنسي
        المطلب الثاني  : توازن السلطة و الحرية في النظام المغربي

مقدمة
لاشك أن الصراع الأزلي بين السلطة والحرية في إطار القانون الدستوري, قد مر بمراحل تاريخية مختلفة ومتباينة تدرجت فيها سطوة السلطة على الحرية ، وهذه الأخيرة لم تعدم الوسيلة في صراعها ضد طغيان السلطة وتعسفها وصولا إلى تحقيق التوازن المنشود بينهما. وفي عصرنا الحالي فإن نظرة تلقى على نظم العالم قاطبة، الذي أصبح بفضل وسائل الاتصال والانتقال الحديثة قرية صغيرة، تظهِر أن هاجس البشرية الحديث أصبح حقوق الإنسان وحرياته و الحكم الديمقراطي. لذا نجد العديد من الوثائق الدولية و النظم الدستورية في مختلف دول العالم في الوقت الراهن ، تؤكد على وجوب احترام الدولة وهيئاتها لحقوق الإنسان وكفالة هذه الحقوق بالطرق القانونية السليمة ، البعيدة عن التحكم والانحراف والطغيان ، حتى ولو كانت هذه النظم تمارس أنواع الظلم والطغيان من حيث الواقع الفعلي . فإذا كان القائمون على الحكم في الدولة يسيئون استعمال السلطة ويستبدون بها،  فسيكون الخطر في هذه الحالة أشد وأمضى ،لأن سلطة الدولة واسعة وقوتها ضخمة ، ويكون الفرد أعزلا في مواجهتها . ومن هنا بدأ السعي الحثيث إلى الوصول إلى حل يوفق بين عناصر مختلفة ومتصارعة ، هي السلطة والحرية ، القوة والقانون . وكيف يمكن إيجاد الدولة التي يقوم فيها نظام الحكم على قواعد وأسس دستورية ملزمة ، لا يستطيع الحكام أن يخرقوها أو يتجاوزوها دون أن يلقوا، ما يلقوا ، من الوسائل القانونية والسياسية الرادعة والضامنة لعدم إقدامهم على ذلك أو معاقبتهم إذا ما أقدموا عليه . وبذلك يستقر النظام العام ، وتزول الفوضى  ولا يعاني أحد من ظلم القانون أو يخشى من فساد تطبيقه . ويتأتى ذلك من خلال الوصول إلى النظام الدستوري والسياسي الذي يوفر البيئة الملائمة لإقامة نوع من التوازن بين السلطة والحرية , لأن تغليب السلطة على الحرية يؤدي إلى الاستبداد وانتهاك الحقوق والحريات , وتغليب الحرية على السلطة ينتهي إلى انتشار الفوضى والعشوائية وما يستتبع ذلك من انهيار الدولة والمجتمع . ويتحقق هذا التوازن من خلال التوفيق بين ضرورات السلطة وطبيعة وظيفتها وأهدافها , وبين أهمية الحرية وقدسيتها وتعلقها بالإنسان وكيفية توفير الحياة الآمنة والهادئة وتحقيق اكبر قدر من الرفاهية والسعادة له , كونه الهدف النهائي من إقامة الدولة وسلطتها السياسية وما قرر لها من سلطات وإمكانات . فلا يمكن تصور وجود الدولة أو سلطتها السياسية إلا في إطار المجتمع الإنساني ومن خلاله , حسب الأصول الديمقراطية , كما أن الحرية ما هي إلا نظام قانوني لا يمكن ضمان حسن التمتع به وممارسته إلا في إطار المجتمع المنظم بالقانون , والذي يكتسب شرعيته وهيبته وتتحقق له فاعليته وتأثيره والالتزام به , من خلال عنصر الجزاء الذي لا يمكن تصور وجوده وتحقيقه إلا في إطار الدولة وسلطتها وأجهزتها المختلفة. وعلى الرغم من أهمية موضوع التوازن بين السلطة والحرية في الأنظمة الدستورية ، كونه المحور الأساسي الذي تدور حوله بقية موضوعات القانون الدستوري الأخرى ، فهو الهدف النهائي الذي يسعى إليه هذا القانون ، إلا انه لم يحظى بما يستحقه من البحث والدراسة ، كما حصل مع بقية الموضوعات . ومن أجل الإلمام بدراسة موضوع التوازن بين السلطة والحرية  سنعمل على تقسيم هذا البحت إلى محورين :

المحور الأول :  مفهوم السلطة و الحرية  و طبيعة العلاقة بينهما  في              القانون  الدستوري.
المحور الثاني   :  توازن السلطة و الحرية في الأنظمة الدستورية     
                                         المقارنة .  
المحور الأول : السلطة و الحرية و طبيعة العلاقة بينهما في القانون الدستوري
لاشك أن بيان مفهوم كل من السلطة و الحرية ، و هما طرفا العلاقة الدستورية و محورها الأساس يشكل مقدمة أساسية لازمة لبحت موضوع توازن السلطة و الحرية في الأنظمة الدستورية ، و من أجل الوصول إلى  تحديد مفهوم السلطة و الحرية ، و تحديد طبيعة العلاقة بين السلطة و الحرية تقسم هذا المحور إلى مطلبين : الأول لبيان مفهوم السلطة و الحرية ،  و الثاني لبيان تنظيم العلاقة بين السلطة و الحرية  في القانون الدستوري .
المطلب الأول :   مفهوم السلطة و الحرية و حدودهما
و للوقوف على مفهوم السلطة و الحرية و حدودهما نقسم هذا المطلب إلى فقرتين
الفقرة الأولى : تحديد مفهوم السلطة و حدودها
أولا : مفهوم السلطة
تعتبر السلطة السياسية من أهم الأركان و العناصر الأساسية في تكوين الدولة، بل هي حجر الزاوية في كل تنظيم سياسي، حتى لأن بعض الفقهاء يعرف الدولة بالسلطة و يقول أنها " تنظيم لسلطة القهر " 1. و من أجل الوصول إلى تحديد مفهوم السلطة  .
 - تعريف السلطة  : لما كانت السلطة تجمع بين الخير و الشر ، و بين المشروعية و عدم المشروعية، و قد يترتب عليها مساوئ الاستبداد و الطغيان و قهر الحريات و انتهاكها ، لذا لم يكن موقف الكتاب السياسيين و القانونيين واحدا من السلطة السياسية ، حيت رفضها البعض و قبلها الآخرون ، و نظرا لاختلاف اتجاهاتهم و رغباتهم و تأثرهم بالسلطة السياسية التي كانوا يعيشون في ظلها 2 .
لذا نجد فريقا منهم يذهب إلى أن السلطة السياسية ما هي إلا تنظيم سيء ، لا ضرورة له لاستغلال الأفراد و اضطهادهم ، و تأسيسا على ذلك فانه يجب القضاء عليها و إقامة مجتمعات لا مكان فيها للسلطة السياسية و أن القضاء على مساوئ السلطة يمر من خلال القضاء على السلطة نفسها لذا لا يهتمون بوضع تعريف لها ، و هم بهذا الموقف من السلطة قد أغفلوا المزايا التي تعود على المجتمع من وجودها ، و لم يستطيعوا أن يقدموا بديلا عمليا عنها قابلا للتطبيق و من هذه المدارس الرافضة للسلطة  هي المدارس ذات الاتجاه المثالي الخيالي و مدرسة الثورة على الطغيان و المدرسة الفوضوية و أخيرا المدرسة الماركسية 3.
بينما يرى فريق أخر أن السلطة السياسية ضرورية و لازمة لحفظ المجتمع و انتظامه ، و أنه إن كانت شرا إلا أنها شر لابد منه ، إلا أن المنادين بهذا الاتجاه لم يتفقوا على تعريف واحد للسلطة السياسية ، و من أهم هذه التعاريف ، تعريف الفقيه" ذي جوفينيل " ، و تعريف الفقيه " جورج بوردو " .
 و بالنسبة لتعريف العلامة الكبير" بيرنارد دي جوفونيل " بأنها "الأمر لذاته و بذاته ". أي أنها لا تتكون من طبيعة واحدة و إنما من طبيعتين هي الأنانية و الاجتماعية ، فهي ليست ملاكا خالصا و لا شيطانا بحتا ، و أنها خليط من هذا و ذاك و هي في جمعها لهاتين الطبيعتين المتناقضتين فإنها تتناغم مع طبيعة الإنسان و تأتي على شاكلته ، و يبدو أن هذا منطقيا لطالما أنها لا تمارس إلا من قبل الإنسان 4.
أما بالنسبة لتعريف الفقيه الفرنسي جورد بوردو فقد لاقى رواجا و قبولا بين عدد غير قليل من الكتاب ، حينما عرفها" بأنها قوة في خدمة فكرة ". قوة نابعة من الوعي الاجتماعي      و مخصصة لقيادة الجماعة بحتا عن الخير المشترك و قادرة إذا لزم الأمر أن تجبر الأفراد على التزام المواقف التي تأمر بها   5.
أما الفقيه موريس دي فيرجيه فيرى أن للسلطة السياسية معنيان ، أولهما معنوي و الأخر مادي ، فالسلطة السياسية بمعناها المعنوي تعني القوة و القدرة على السيطرة الني يمارسها الحاكم ، أو مجموع الحكام على المحكومين . و التي تتمثل في إصدار القواعد القانونية الملزمة للأفراد و في إمكانية فرض هذه القواعد على الأفراد المادية . أما السلطة السياسية في معناها المادي أو العضوي فتعني أجهزة الدولة التي تقوم بممارسة السلطة بمعناها المعنوي،  و التي يطلق عليها عادة اصطلاح الحكومة و أجهزتها التنفيذية 6 .  
الفقيه اندريه هوريو فيعرف السلطة على إنها قوة إرادة تتجلى لدى الذين يتولون عملية حكم جماعة من البشر فتتيح لهم فرض أنفسهم بفضل التأثير المزدوج للقوة والكفاءة ويرى أن السلطة إذا كانت ترتكز على القوة فقط فإنها تغدو بحق سلطة الواقع ولا تصبح السلطة قانونية إلا برضا وموافقة المحكومين 7 .
الفقرة الثانية : حدود السلطة
لاشك أن الاتجاه السائد في الفقه الدستوري ينادي بتقييد سلطة الدولة و وضع الحدود اللازمة عليها لضمان عدم تعسفها أو لمنعها من التعدي والمساس بحقوق الأفراد وحرياتهم.
وان مفهوم السيادة لا يعني – كما كان يصورها الفقه التقليدي – أن تكون السلطة مجردة من كل قيد إذ إن إطلاق السيادة هو إطلاق نسبي 8 . وقد برز في هذا الاتجاه أربع نظريات تحاول كل منها أن تقف على الأساليب الواجبة الإتباع لفرض القيود على السلطة والتي سنوردها إتباعا:
أولا : نظرية الحقوق الفردية
يستند أنصار هذه النظرية في تقييد السلطة إلى فكرة مماثلة لتلك التي نادى بها فلاسفة العقد الاجتماعي ، وذلك بالاستناد إلى أن الإنسان كان يتمتع في حياته الفطرية السابقة لنشوء الدولة بطائفة من الحقوق الأساسية اللصيقة به والمولودة  معه فهي حقوق طبيعية سابقة لنشوء الدولة ،ولا يمكن التنازل عنها أو سقوطها بمرور الزمان وان انتقاله إلى الحياة الجماعية المنظمة من جهة ونشوء سلطة الدولة و وجودها في فترة لاحقة على وجود الحقوق والحريات ، من جهة أخرى ، لذا فإنه لا يسوغ لهذه السلطة أن تتخذ كل ما من شأنه أن ينتهك أو يمس أو ينتقص من هذه الحقوق ، لذا فإن السلطة تظل دائما مقيدة و ملزمة باحترام هذه الحقوق و عدم انتهاكها أو المساس بها ، لأن هذه الحقوق و الحريات هي سبب نشوء الدولة و سلطتها 9.
 ثانيا : نظرية القانون الطبيعي
يذهب أنصار هذه النظرية ، و على رأسهم "جوروسيوس ووبوفندوروف" إلى أن تقييد السلطة الحاكمة يتم من خلال القيود المستمدة من القانون الطبيعي ، و الذي يقيد الدولة و يعتبر نموذج لها يجب أن لا تخالفها و أن تستهدي به فيما تضعه من قوانين ، و غير ذلك من أفكار و مبادئ الحق و العدالة و المساواة في صورها المجردة ، و التي هي بحق ضوابط لازمة لتحقيق التوازن و الاستقرار في ممارستها لوظائفها في المجتمع ، و قد أنتجت هذه النظرية من حيت استنادها إلى قانون غامض و غير محدد ليس له تعريف منضبط لحد الآن بالإضافة الى أن القيود التي توجبها هي عبارة عن ضوابط معنوية أو أدبية أو سياسية غير محددة لا ترتب الإلزام القانوني الكافي لسلطة الدولة و تقييدها  10.
ثالثا: نظرية التحديد الذاتي
 ويذهب أنصار هذه النظرية إلى أن القانون الوضعي هو مصدر القيود التي تفرض على سلطة الدولة ، و لأن الدولة التي تضع القانون تكون ملزمة بما ورد فيه من قيود إلى أن يتم إلغاؤه و تعديله صراحة أو ضمنا ، و من هنا يلاحظ أن مصدر القيود على هذه النظرية هو ما يطلق عليه اليوم مبدأ سيادة القانون ، أي خضوع الجميع حكاما و محكومين لسلطة القانون ، ولقد كان الفقه الألماني هو من نادى بهذه النظرية  للتوفيق بين اتجاهين فقهيين متعارضين ، الأول ينادي بإطلاق سلطة الدولة و عدم خضوعها لأي قيد حفاظا على سيادتها الكاملة ، و الثاني يؤكد على إيراد المزيد من القيود على سلطة الدولة للحفاظ على حقوق الأفراد الأساسية و حمايتها من التعسف و الانتهاك 11 .
وقد انتقدت هذه النظرية من قبل الفقه الفرنسي ، حيت أن القيود التي تعيب هذه النظرية هي مستمدة من القانون الوضعي الذي تسنه الدولة نفسها ، و بالتالي فإنها لا تمثل قيودا حقيقية على الدولة ، بحيث يمكن أن تتحلل منها في أي وقت شاءت ، و في هذا الصدد يقول العلامة " ديجي DUGUIT"  أن الخضوع الاختياري لا يعد خضوعا ، كما أن السجن الذي يترك مفاتحه بيد السجين لا يعد سجنا 12.
رابعا : نظرية التضامن الاجتماعي
و هي النظرية التي نادى  بها الفقيه الفرنسي  العميد   " ديجي DUGUIT"  التي تبدو نقطة البدء فيها محاولة إخضاع الحاكم و المحكومين على السواء لقاعدة التضامن الاجتماعي و التي تعد أساس القانون ، استنادا لحقيقة أن الإنسان كائن اجتماعي بفطرته لا يستطيع العيش إلا في كنف جماعة تتعاون وتتكافل فيما بينها لإشباع حاجاتها المتماثلة والمشتركة وهذا التضامن يفرض على السلطة الحاكمة قيودا مستمدة من ضمير الجماعة ويلزمها بالقيام بكل ما من شانه تحقيق هذا التضامن والمحافظة عليه إلا أن هذه النظرية قد تعرضت لانتقادات شديدة أدت إلى هدمها من أساسها حيت أن التضامن الاجتماعي ليس هو الحقيقة العملية الوحيدة في المجتمع ، إذ أن التنافس من أجل البقاء هو من الغرائز المتأصلة في النفس البشرية و أن ردود الأفعال هاته  هي انعكاس لأمر معنوي لا يمكن تحديده قانونا أو إفراغه في نصوص محددة 13.
وفي النهاية يمكن القول أن كل من النظريات السابقة لا تصلح لتقييد سلطة الدولة وعدم إطلاقها ، و أن كلا منها يمس طرفا من الحقيقة ، و من ثم فإنه يتعين قبولها مجتمعة لتحقيق التقييد المطلوب للسلطة 14.
الفقرة الثانية : مفهوم الحرية و حدودها
أولا :  مفهوم الحرية
من أجل الوقوف على مفهوم الحرية و تحديده ، يجب علينا أولا أن نلقي الضوء على حقيقة اختلاف هذا المفهوم باختلاف الزمان و المكان ، و هو ما يطلق عليه نسبية مفهوم الحرية ، استنادا إلى هذه الحقيقة سنحاول أن نقف على تعريف الحرية ثم محاولة بيان حدودها .

1 - نسبية مفهوم الحرية: لاشك أن مفهوم الحرية مفهوم نسبي ، يختلف باختلاف الزمان  و المكان ، فمفهوم الحرية في النظام اليوناني القديم يختلف عن مفهومها لذا مفكري الثورة الفرنسية  ، و هذا الأخير يختلف بدوره عن مفهومها في القرن العشرين ، في هذا الصدد فقد كانت الولايات الشمالية في أمريكا تحارب الولايات الجنوبية إبان الحرب الأهلية الأمريكية ، و كل منهما يحارب من أجل مفهوم معين للحرية ، يختلف عن مفهوم الطرف الاخر15.
 2 - تعريف الحرية : لما كنا قد انتهينا فيما سبق إلى أن مفهوم الحرية هو مفهوم نسبي يختلف باختلاف الزمان و المكان ، لذا لم يكن لها تعريف ثابت و محدد ، فقد نحى الكتاب و الفقهاء إلى اتجاهات مختلفة في تحديده ، و على الرغم من اتفاقهم على عناصر معينة فيها ، و هذا ما يزيد في صعوبة البحت عن نقطة التوازن بين السلطة و الحرية 16. و بمكن التمييز بين اتجاهين اثنين  في هذا الصدد .
 الاتجاه الأول : يذهب إلى أن الحرية التي يتمتع بها الفرد  في ظل نظام معين هي تلك الحريات التي يعترف بها و يحددها هذا النظام من هذا الاتجاه تعريف الفيلسوف  جون لوك للحرية بأنها الحق في فعل ما تسمح به القوانين  كذلك تعريف الفيلسوف جان جاك روسو للحرية  بأنها عبارة عن طاعة لإرادة عامة ويضيف إلى ذلك بالقول إن احد المهام التي تقع على عاتق النظرية السياسية أن تحسم الأمر بين مطالب السلطة والحرية و أن تعين الحدود المناسبة ومن ثم فان الإكراه القانوني هو ثمن يدفع مقابل الحريات الايجابية التي من هذا النوع لأننا نتنازل عن القليل فقط لنستعيد المزيد وكذلك تعريف الفقيه مونتيسكيو للحرية  بأنها الحق فيما يسمح به القانون والمواطن الذي يبيح لنفسه ما لا يبيحه القانون لن يتمتع بحريته ، لان باقي المواطنين سيكون لهم القوة نفسها ،لذا تبدو الحرية وفقا لوجهة نظر أصحاب هذا الاتجاه وكأنها منحة من قبل السلطة لهذا يختلف مفهومها باختلاف الأنظمة السائدة 17 .
أما الاتجاه الثاني : فيرى أن الحرية تستمد من الطبيعة الإنسانية سواء اعترفت بها الأنظمة الوضعية أم لم تعترف ومن هذا القبيل تعريف الأستاذ اندريه هوريو( للحرية بأنها سلطة ولكن قبل أن تكون سلطة على الآخرين أنها سلطة على الذات إن الإنسان حر لأنه يفضل عقله سيد نفسه ) 18 من هذا الاتجاه أيضا تعريف الدكتور ماجد الراغب الحلو بأنها يتمتع بها الفرد بسبب طبيعته البشرية أو نظرا لعضويته في المجتمع وكذلك تعريف الدكتور زكرياء ابراهيم للحرية بأنها الملكة الخاصة التي تميز الإنسان من حيث هو موجود عاقل يصدرمن أفعاله عن إرادته هو لا عن أية إرادة أخرى ، فالحرية تعني انعدام القيد الخارجي 19.
ونشير أخيرا إلى اختلاف الفقه في مسألة التمييز بين اصطلاحي الحق والحرية فقد ذهب البعض إلى أن الحق ما هو إلا حرية اعترف بها القانون أي أن الحرية أوسع مدلولا من الحق وذهب آخرون إلى العكس من ذلك وانتهوا إلى أن الحق أوسع من الحرية إلا أن الاتجاه الغالب في الفقه يتجه إلى استخدام اصطلاحي الحق والحرية  كمترادفين .تأسيسا على أن كلاهما يرد إلى طبيعة واحدة .وان التفرقة بينهما هي تفرقة شكلية بحثة . لان تمتع الفرد بحرية معينة يعني أن الحق في ممارستها أو عدم ممارستها و نحن بدورنا نؤيد الاتجاه الغالب .
ثانيا  :    حدود الحرية
لاشك أن التأكيد على الحرية والحرص على احترامها وضمان ممارستها لا يعني بحال من الأحوال أن تكون مطلقة من كل قيد أو تنظيم فلا وجود للحرية المطلقة في ظل المجتمع المنظم بالدولة لان وجودها على فرض حصوله يعني انهيار الدولة وانتشار الفوضى ذلك أن مجال ممارسة الحرية هو المجتمع والذي يقضي فرض قيود وشروط لممارستها حفاظا لحريات الآخرين والنظام العام للجماعة وفي هذا الصدد يقول الأستاذ الآن أن الحرية لا تسير دون نظام كما أن النظام لا قيمة له دون حرية  .
لذا ينتهي البعض إلى أن تحقيق التوازن ما بين السلطة والحرية يتأتى من خلال أمرين. أولهما يتمثل في التسليم بضرورة السلطة وضرورة تدعيمها وتقويتها إلى الحد الكافي لتحقيق الأمن والسلم الجماعيين والثاني يتمثل في عدم المغالاة في دعمها و تقويتها حتى لا ينتهي بها الأمر أن تصبح قوة مادية استبدادية لا ترعى حرمة ولا تحترم حقا لأحد .لذا ينتهي الأمر إلى ضرورة الاعتراف بمبدأ تحديد السلطة العامة وإخضاعها لبعض القيود وذلك للحيلولة بينها وبين التحكم والاستبداد  .
وهدا وان تنظيم ممارسة الحرية ووضع القيود عليها لا يعني انتهاكها و  إهدارها وإنما يعني العمل على أن لا يضر شخص يمارس حريته بحقوق الآخرين وحرياتهم وان لا يضر بالنظام العام للمجتمع ويشترط في هذا التنظيم أو التقييد للحرية أن لا يكون إلا بقانون صادر عن سلطة تشريعية منتخبة و لا يجوز لسلطة أخرى منتخبة وضع القيود على الحرية إلا إذا كانت تحمل تفويضا بذلك وان لا يصل مدى هذا التنظيم والتقييد إلى حد المصادرة الكلية للحق والحرية .وان يكون هذا التقييد والتنظيم ضمن الحدود المعقولة .وان يقرر من اجل مصلحة عامة ولأسباب ومبررات قوية تستدعي هذا الإجراء   .
المطلب الثاني: التوازن بين الحرية والسلطة في الفقه الدستوري
لعل من الموضوعات التي أثارت مجموعة من الخلافات بصددها بين الفقه الدستوري خاصة التقليدي منه مقابلة بالفقه الحديث موضوع السلطة والحرية، حيث أثير التساؤل حول موقف القانون الدستوري من هذا الموضوع، وما إذا كان يتولى تنظيم السلطة، أم تنظيم الحرية، أم أنه يتولى تنظيم الأمرين معا ؟
للإجابة على هذا التساؤل يمكن التمييز بين ثلاثة اتجاهات مختلفة.
أولا: القانون الدستوري هو وسيلة لضمان الحرية
اتجه الفقه الدستوري التقليدي إلى الربط بين القانون الدستوري والنظام الديمقراطي الحر، حيث ساد الاعتقاد لدى هذا الفقه أن الدستور يرتبط بمضمونه، أو أنه لا يكفي القول بوجود الدستور أن يتضمن القواعد المنظمة للسلطة السياسية في الدولة وإنما يجب أن يتضمن فضلا عن ذلك وجود القواعد التي تكفل الحريات الخاصة بالأفراد وتصون حقوقهم  20  .
ويتزعم هذا الاتجاه الأستاذ بوريس مركين– عميد كلية العلوم السياسية بجامعة نيويورك- حيث عرف القانون الدستوري في كتابه الذي ظهر في الفترة ما بين الحرب العالمية الأولى والثانية بعنوان (الاتجاهات الحديثة في القانون الدستوري) بأنه "فن أو آلية تنظيم الحرية" une technique de la liberté"  21  .
وفي الواقع لم يكن هذا الربط من جانب الفقه التقليدي بين الدستور والنظام الديمقراطي الحر وليد الصدفة، أو بمعنى آخر لم يأت هذا الربط من فراغ، وإنما يستند في أساسه إلى موجة الحركات الدستورية التي انتشرت في بدايات القرن الثامن عشر، كأثر للفلسفات السياسية التي ارتكزت على أفكار القانون الطبيعي والعقد الاجتماعي وحقوق الإنسان، وقد استند هذا الفقه إلى الدستور الأمريكي الصادر سنة 1787، أقدم الدساتير المكتوبة الذي وضع على أساس فلسفة المذهب الفردي الحر وفكرة الحكومة المقيدة، كما استند أيضا إلى إعلان حقوق الإنسان والمواطن الصادر إبان الثورة الفرنسية سنة 1789، بصفة خاصة نصت عليه المادة السادسة عشر من أن "كل مجتمع لا يكفل الضمانات الضرورية لحقوق الأفراد ولا يقرر مبدأ الفصل بين  السلطات هو مجتمع ليس له دستور   22  .
وعلى هذا النحو كان الربط من جانب الفقه التقليدي بين الدستور والنظام الديمقراطي الحر، فالدستور لا يوجد في نظره إلا في الدولة التي تؤمن لفلسفة ومبادئ المذهب الفردي الحر الذي يقوم الحكم فيها على أسس ديمقراطية تكفل الحقوق والحريات الفردية وبالتالي ينتهي وجود الدستور تماما في الدول ذات الحكم المطلق أو الشمولي  23  .
ثانيا : القانون الدستوري هو أداة لتنظيم السلطة
ذهب جانب من الفقه الدستوري الحديث إلى القول بعدم صوابية الرأي الذي نادى به الفقه التقليدي بالربط بين القانون الدستوري والنظام الديمقراطي الحر، وذلك لأن الفكر التقليدي يضيق كثيرا من فكرة الدستور والقانون الدستوري، حيث لا يعترف بوجود دستور في خارج البلاد ذات النظام الديمقراطي النيابي.
ولهذا فإن الفقه الدستوري الحديث يتجه في غالبيته إلى هجر الفكرة التي نادى بها الفقه التقليدي، ويرى أن كل دولة ينطبق عليها شروط قيام الدولة لابد وأن يكون لها حتما وبالضرورة دستور أيا كانت طبيعة نظام الحكم فيها، وأيا ما كانت الفلسفة التي تدين بها يحدد شكل الدولة ونظام الحكم فيها، ويبين السلطات العامة من حيث كيفية تكوينها واختصاصها وعلاقاتها بعضها ببعض وموقفها إزاء المواطنين  24 .
وقد تزعم هذا الاتجاه الفقيه الفرنسي "مارسيل بريلو" ، الأستاذ بكلية الحقوق في جامعة باريس، حيث يرى بأن القانون الدستوري يجب أن يعرف بأسلوب يتعلق بفن أو بتنظيم السلطة، أي أنه القانون الذي عن طريقه يتم تأسيس السلطة السياسية، ويحدد كيفية ممارستها وانتقالها في الدولة .
وبذلك يوجد القانون الدستوري طبقا لهذا الاتجاه في دول النظام الديمقراطي وفي دول الحكم المطلق أو الشمولي على حد سواء، ولم يعد وجود الدستور مقتصرا على البلاد ذات الأنظمة الديمقراطية الحرة  25  .
ثالثا: القانون الدستوري هو أداة التوفيق بين السلطة والحرية
ظهر اتجاه في الفقه الدستوري الحديث يهدف إلى التوفيق بين السلطة والحرية، وهذا الاتجاه يتزعمه الفقيه الفرنسي الأستاذ "أندريه هوريو" الذي يرى أن القانون الدستوري في جوهره هو فن التوفيق بين السلطة والحرية في إطار الدولة  26 .
وعلى هذا الأساس رفض الأستاذ أندريه هوريو تحديد مهمة القانون الدستوري في تنظيم الحرية فقط، أو في تنظيم السلطة فقط، ورأى أن المهمة الأساسية للقانون الدستوري تتحدد في إيجاد الحل التوفيقي بين ضرورة وجود السلطة، وضرورة ضمان الحريات الفردية، وذلك لأن ممارسة السلطة ليست غاية في ذاتها، وإنما هي وسيلة لتحقيق المصلحة العامة، وبالتالي مصلحة جميع المحكومين، كما أن الحرية ليست مطلقة بلا حدود، بل لابد من حدود وضوابط معينة لممارستها بواسطة سلطة منظمة، وإلا انقلبت بالضرورة إلى نوع من الفوضى  27  .
ولا شك في أن ما ذهب إليه الأستاذ هوريو هو الاتجاه الأقرب إلى المنطق والصواب إذ لا يعقل أن تنحصر موضوعات القانون الدستوري في تنظيم السلطة فقط دون أن تتناول القيود التي توضع على هذه السلطة، والتي تشكل ضمانة لحماية حقوق الأفراد وضمان حرياتهم وإلا أصبحت تحكمية واستبدادية، وذات الشيء أيضا بالنسبة للحرية حيث لا يعقل أن تكون هي محور دراسات القانون الدستوري دون أن توضع حدود وضوابط معينة لكيفية مباشرتها من قبل الأفراد، وإلا تحولت هذه الحرية إلى فوضـى  28  .
ولهذا فقد قيل بحق الحرية أنها لا تزدهر إلا إذا قامت السلطة برعايتها والدفاع عنها، والسلطة يجب أن تباشرها الهيئات الحاكمة في حدود معينة لا تتجاوزها، وهو ما يقوم به القانون الدستوري حيث يعمل عل حماية الحرية والسلطة معا، وذلك بإيجاد نوع من التوازن بينهما بحيث لا تطغى إحداهما على الأخرى، وصولا إلى تحقيق التعايش السلكي فيما بينهما 29 .
المحور الثاني  : توازن السلطة و الحرية في الأنظمة الدستورية
المطلب الأول :   توازن السلطة و الحرية في النظــــــام الأمريكي ﴿ النظــــــام الرئـــــــاســــي﴾
يعتبر النظام السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية النموذج الأصيل للنظام الرئاسي ويتميز هذا النظام بالفصل التام بين السلطات فهناك من جهة  رئيس الدولة الذي يرأس السلطة التنفيذية وينتخب عمليا مباشرة من الشعب ويساعده في مهامه الوزراء الذين يعتبرون مسؤولين أمامه فقط ، ومن جهة  أخرى الكونغرس الذي يتولى السلطة التشريعية وإذا نظرنا إلى نصوص الدستور الأمريكي فإننا نجد أن الخصائص أو المبادئ الأساسية لهذا الدستور تتلخص في ثلاثة خاصيات :
الخاصية الأولى: مبدأ الفصل التام بين السلطتين التشريعية والتنفيذية أي بين البرلمان من جهة والرئيس ووزرائه من جهة ثانية وذلك مع مراعاة التوازن أو المساواة بين هاتين السلطتين فهناك فصل تام بينهما حيث  لا ترجح كفة ميزان سلطة على الأخرى و لا تستطيع إحداهما أن تسيطر على الثانية.
الخاصية الثانية : من خصائص النظام الأمريكي كما أقر بها الدستور هي وجود سلطة تنفيذية قوية تتركز في يد رئيس الجمهورية. فالرئيس الأمريكي يجمع بين رئاسة الدولة ورئاسة الحكومة.
الخاصية الثالثة : من خصائص النظام الأمريكي كما تقرر في الدستور هي رجحان كفة مجلس الشيوخ على كفة مجلس النواب في ميزان السلطات أي أنه يعد أقوى سلطة من مجلس النواب.وقد أخد مبدأ الفصل بين السلطات معيارا لتمييز صور الأنظمة السياسية الديمقراطية النيابية المعاصرة، وإذا كان الأمر كذلك فإن تجسيده في النظام الرئاسي يبدو واضحا لشدة تطبيقه بأقصى حد ممكن وقد حدد فقهاء القانون الدستوري الأركان الرئيسية للنظام الرئاسي من خلال دراستهم واستقرائهم لدستور الولايات المتحدة الأمريكية وبينوها في ما يلي   30  :
1-حصر السلطة التنفيذية في يد رئيس الدولة المنتخب من الشعب.
2- الفصل الشديد بين السلطات .

الفقرة الأولى: السلطة التنفيذية حصر السلطة التنفيذية في يد رئيس الدولة المنتخب من الشعب. إن أول ما يعرف به النظام الرئاسي في أنه النظام الذي ترجح فيه كفة رئيس الدولة في ميزان السلطات.ورئيس الدولة في النظام الرئاسي مناط به السلطة التنفيذية. وهذا ما نصت عليه الفقرة الأولى في المادة الثانية من دستور الولايات المتحدة الأمريكية حيث جاء فيها " تناط السلطة التنفيذية برئيس الولايات المتحدة الأمريكية " وهو الذي يشغل هذا المنصب لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد بانتخاب جديد ولا يجوز بعدها تجديد هذه الولاية بأي صورة من الصور .
فرئيس الولايات المتحدة الأمريكية  وهو رئيس الدولة هو نفسه رئيس السلطة التنفيذية الذي يجمع بين كافة صلاحيات واختصاصات السلطة التنفيذية فهو رئيس الدولة ورئيس الحكومة وما يسمون بالوزراء في النظام البرلماني ليسوا إلا مجرد مساعدين له يأتمرون بأمره وينفذون سياسته بشكل كامل ولذا فهم ليسوا وزراء وإنما هم كتاب الدولة.
مادام رئيس الدولة هو صاحب السلطة التنفيذية بشكل كامل فإنه لا يوجد في النظام الرئاسي مجلس للوزراء كما هو كائن في النظام البرلماني ولا توجد قرارات تخرج عن إرادة غير إرادته. مثل ذلك ما حدث عندما دعا الرئيس الأمريكي لنكولن مساعديه (الوزراء) للاجتماع"وكان عددهم سبعة لا و واحد نعم و نعم هي التي تغلب ".
و لذلك فلا عجب في أن نرى رئيس الولايات المتحدة الأمريكية هو صاحب السلطة الفعلية والقانونية للسلطة التنفيذية على المستوى الوطني والمستوى الدولي.
فعلى المستوى الوطني الداخلي يناط بالرئيس حماية الدستور وتطبيق القوانين واقتراح مشروعات القوانين ودعوة الكونغرس إلى عقد دورات استثنائية وتوجيه رسائل شفوية للكونغرس وتعيين كبار القضاة  وتعيين المساعدين ( الوزراء) وكبار الموظفين.
أما على المستوى الدولي فرئيس الدولة هو المسؤول بصورة أساسية عن علاقات الولايات المتحدة الأمريكية بالدول الأجنبية ويجري الاتصالات الرسمية بحكوماتهم ولذلك قيل بأن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية هو الدبلوماسي الأول .
وإذا كان النظام الأمريكي المطبق في الولايات المتحدة الأمريكية قد اتخذ نموذجا للنظام الرئاسي فإنه من المنطقي القول بأن هذا النظام لا يصح إلا في الدول ذات الحكومات الجمهورية اذ أنه لا يتلاءم مع الأنظمة الأخرى.لهذا فإن من لزوميات النظام الرئاسي أن يتولى الشعب انتخاب رئيس الجمهورية عن طريق الاقتراع العام سواء كان مباشرا أو غير مباشر 31.  
ومن هنا تأتي مكانة وقوة رئيس الدولة الذي يتساوى فيها مع البرلمان بشرعية الديمقراطية الشعبية.ولكنه بالرغم من القاعدة الشعبية التي تستند إليها مشروعية اختيار رئيس الدولة إلا أن نجاحه في مهامه وصلاحياته يتوقف عن فطنته وسياسته في القيادة بل وقدرته على كسب
المؤيدين في الكونغرس، ولذلك فهو يعتمد بشكل كبير على أنصاره في البرلمان والسعي إلى تكوين أغلبية برلمانية تدعمه في سياساته وقراراته ، ومع ذلك فإن حاجة رئيس الدولة في النظام الرئاسي لدعم البرلمان . يجب ألا يقلل من قوة رئيس الدولة المستمدة كما ذكرنا بشكل أساسي من الشعب نفسه وهذا ما أكده الرئيس الأمريكي" ودرو ويلسون " بقوله" إن الرئيس هو صوت الشعب في كافة الأمور وحسبه أن ينجح في اكتساب ثقة الأمة وإعجابها" ولن تستطيع أية قوة الوقوف أمامه ولا تستطيع أي قوى أن تتضافر ضده . إن بريق مركزيته يؤخذ بالعمق وإنه لا يمثل دائرته الانتخابية ولكنه يمثل كل الشعب وإذا تحدث فهو لا ينظر إلا إلى الصالح العام وإذا نجح في فهم أحاسيس الشعب ورغباته ودافع عنها وعمل على تحقيقها ببسالة فلن تقف أية قوة في طريقه ولن يتجاوب الشعب مع رئيسه بحماسة وغيرة ما لم يتصف بصفات العظمة وحسن إدراك الأمور، ويمثل ما مكنت القاعدة الشعبية ، رئيس الدولة بأن يقف على رأس هرم الدولة فإن الدستور قد ألقى على عاتق رئيس الدولة أعباء كثيرة وأناط به مجموعة واسعة من المهام جعل الرئيس ترومان يصفها في إحدى خطبه بأنها مجموعة ضخمة وهائلة من السلطات تجعل قيصر واجنكيز خان ونابليون يقضمون أظافرهم حسرة وغيرة .
من أهم السلطات والصلاحيات
1- رئاسة الدولة ورئاسة السلطة التنفيذية
2- رئاسة الإدارة الفدرالية حيث يناط برئيس الدولة مهام تأمين سير المرافق العامة وتعيين الموظفين الفدراليين وعزلهم مع ملاحظة أن تعيين كبار الموظفين بحاجة إلى موافقة مجلس الشيوخ
3- قيادة الجيش وتوجيه العمليات الحربية ولقد زادت أهمية هذه المهام خاصة بعد تنامي قوة الولايات المتحدة الأمريكية وصيرورتها كأقوى دولة في العالم بالرغم من أن الدستور قد نظم كيفية إعلان الحرب وعقد المعاهدات وعلاقة هذه الأعمال برقبة الكونغرس الأمريكي
4- الصلاحية التأشيرية حيث يملك الرئيس حق إصدار الأوامر واللوائح .
5- رئيس الولايات المتحدة الأمريكية وحسب الدستور هو المسئول الأعلى عن علاقة دولته بالدول الأخرى إلا أنه يستعين في كثير من الأحوال بوزير خارجيته الذي يسمى في الولايات المتحد ة بسكرتير الدولة
6- حق العفو وتخفيض العقوبة وقد مارس الرئيس فولد هذا الحق في 7 يوليوز 1984 بحق سلفه الرئيس نيكسون التي ارتكبها الأخير في القضية المعروفة" ووتر كيت".
هذه هي أهم الصلاحيات المناطة برئيس الدولة في النظام الرئاسي الأمريكي في الظروف العادية بل إنه يملك سلطات واسعة وكثيرة في الظروف الاستثنائية من الأمر بالاستيلاء على الأموال العامة. وتعبئة  الأشخاص من أجل الدفاع عن الوطن.
ثانيا: السلطة التشريعية
أولا : الكونغرس
لقد تبنت معظم الدول ازدواجية التمثيل ويعود ذلك أساسا إلى الطبيعة الفدرالية أو إلى الرغبة في تمثيل المجالس المحلية والهيئات المهنية.
ويسمى برلمان الولايات المتحدة الأمريكية الكونغرس و يتكون من مجلسين:
مجلس النواب: وهو يمثل الشعب الأمريكي باعتباره كيان واحد ويضم 437 عضوا منتخبين لسنتين على أساس ممثل واحد لكل 400 ألف ناخب تقريبا بالاقتراع الفردي
مجلس الشيوخ: وهو يمثل الولايات بحيث تنتخب كل ولاية شيخين بصرف النظر عن نسبة عدد السكان فمدينة ألاسكا البالغ عدد سكانها 225000 لها نفس الوزن الذي لولاية نيويورك التي يبلغ عدد سكانها 17 مليونا  وينتخب  لمدة 6 سنوات ويتجدد ثلثهم كل سنتين .
صلاحيات الكونغرس:
إن صلاحيات الكونغرس الأساسية هي التشريع وقد حددت الفقرة الثامنة من المادة الأولى من دستور الولايات المتحدة الأمريكية المواضيع التي يقوم فيها الكونغرس بممارسة السلطة التشريعية  .
صلاحيات أخرى :
للكونغرس بالإضافة إلى الصلاحيات التشريعية جملة صلاحيات أخرى:
السلطة الدستورية :
1- فالكونغرس يتمتع بسلطات تأسيسية بحق اتخاذ المبادرة لتعديل الدستور
2-  يتمتع الكونغرس بسلطة انتخابية استثنائية  32  .
السلطات القضائية:
يمارس الكونغرس سلطات قضائية عن طريق إجراء الاتهام الجنائي الذي يعطي مجلس النواب حق اتهام الموظفين الفدراليين وذلك بتهم حددها الدستور ( الخيانة،الرشوة) يقوم مجلس الشيوخ بإجراء المحاكمة والعقوبة 33 .
سلطات هامة أخرى :
موافقة مجلس الشيوخ لتعيين السفراء والقناصل وكتاب الدولة وكبار الموظفين  34 .
ثانيا  : العلاقات بين الرئيس والكونغرس
يقوم دستور الولايات المتحدة كما سبق أن ذكرنا على مبدأ فصل السلطات.
وهذه الظاهرة واضحة بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية ، فالكونغرس لا يستطيع إكراه الرئيس ووزرائه على الاستقالة ، والوزراء لا يستطيعون الاشتراك في جلسات الكونغرس ومن جهة ثانية لا يستطيع الرئيس حل الكونغرس ولكن لمن الخطأ أن يعتقد الشخص بأن هناك انفصالا مطلقا بين السلطتين التنفيذية والتشريعية فالرئيس يمتلك وسائل للتأثير على الكونغرس كما للكونغرس وسائل للتأثير على الرئيس .
وسائل تأثير الرئيس على الكونغرس:
لرئيس الولايات المتحدة وسائل هامة للتأثير على الكونغرس فبمقتضى أحكام الدستور له أولا حق الاعتراض التوقيفي على القوانين الصادرة من الكونغرس وفي هذه الحالة يعود القانون إلى الكونغرس ولا يمكن تنفيذ هذا القانون إلى إذا أقره الكونغرس مرة أخرى بأغلبية الثلثين .
لم يستعمل رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية الأوائل حق الاعتراض إلا نادرا ولكن ضغط النقابات والهيئات المطلبية والمنظمات المهنية فضلا عن الخلافات بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية لأسباب سياسية دفعت برؤساء الولايات المتحدة من ولاية جاكسون إلى استعمال حق الفيتو بصورة واسعة فقد استعمله روزفلت خلال فترة ولايته التي دامت أكثر من اثني عشر سنة ستة مائة وواحد وثلاثين مرة لنقض قوانين وقرارات اتخذها الكونغرس  35 .
المشاركة في اقتراح قوانين :
ليس للسلطة التنفيذية حق اقتراح القوانين لأن التشريع من اختصاص السلطة التشريعية وحدها ،ولكن يستطيع الرئيس أن يتدخل في هذا الشأن بصورة غير مباشرة كأن يطلب الرئيس من أحد أعضاء حزبه في مجلس الشيوخ أن يقدم مشروع قانون الذي أعد صيغته مكتب الرئيس .
وسائل تأثير الكونغرس على الرئيس:
الإتهام الجنائي: أعطى الدستور الأمريكي مجلس النواب حق اتهام رئيس الجمهورية والسكرتيرين وجميع الموظفين الفدراليين وذلك في تهم حددها الدستور.
إن وسيلة التأثير الفعالة التي يمتلكها الكونغرس اتجاه الرئيس تكمن في سلطته المالية فالكونغرس هو الذي يصدق على الموازنة العامة وهو الذي يوافق أو يرفض الإعتمادات التي تطلبها الحكومة وبهذا يستطيع أن يفرض سلطاته على الإدارة العامة .
وفي جهة أخرى أصبحت لجان الكونغرس القضائية تقوم من خلال سلطات التحقيق الممنوحة لها بممارسة رقابة صارمة على السلطة التنفيذية.

ثالثا : السلطة القضائية
إن التنظيم القضائي في الولايات المتحدة الأمريكية جد معقد فهناك محاكم خاصة لكل ولاية كما توجد محاكم خاصة بالدولة الفدرالية وتوجد محاكم مقاطعات وهناك محاكم مجمعة تشبه محاكم الاستئناف وأخيرا توجد المحكمة العليا التي تتمتع بصلاحيات واسعة جدا حيث تسهر على الرقابة على دستورية القوانين وتنظر في جميع الأحوال الأخرى التي ذكرتها الفقرة الثانية من المادة الثالثة من الدستور الأمريكي  36 .
الفقرة الثانية: الضمانات القانونية
1- مبدأ الفصل بين السلطات :
مبدأ الفصل بين السلطات يعد من المبادئ الجوهرية التي تتأسس عليها الدولة الديمقراطية في البلاد الغربية الفضل في نظرية الفصل بين السلطات إلى مونتيسكيو في كتابه الشهير روح القوانين الذي أصدره عام 1748 وذلك انطلاقا أن لهذا الفصل ما يبرره نتيجة لتشعب وتعدد إعمال وظائف الدولة مما يوجب أن تختص كل سلطة من سلطات الدولة بوظيفة معينة وبالتالي يمكن لكل واحدة من هذه السلطات مراقبة السلطات الأخرى وان تحول بينها وبين الاستبداد بسلطاتها والخروج بها عن الحدود التي رسمت لها . وكما قال مونتيسكيو في نظريته التي عبر فيها عن رأيه في مسالة الفصل بين السلطات انه لا مكان للحرية متى اجتمعت السلطات التشريعية والتنفيذية في يد شخص واحد وأيضا لا مكان للحرية إذا لم تنفصل سلطة القضاء عن كل من السلطتين التشريعية والتنفيذية وكذلك أن تركيز السلطات الثلاث في يد شخص واحد أو هيئة واحدة وفقا لرأي مونتيسيكيو فان ذلك من شانه أن يؤدي حتما إلى ضياع الحريات الفردية وانه كلما اجتمعت السلطات في يد واحدة يؤذي في النهاية إلى اختفاء حريات الأفراد .
يرى مونتيسيكيو أيضا انه لكي نضمن حريات الأفراد وحقوقهم لابد من تقسيم وتوزيع سلطات الدولة الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية على هيئات منفصلة ومتوازنة وفي ضل الفصل بين السلطات يكون لكل هيئة أو سلطة من السلطات الثلاث حق التصرف والتقرير في حدود وضيفتها كما يكون لها وسائل لتقييد السلطات الأخرى ومنعها من الشطط ويركز مونتيسيكيو على هذه الفكرة قائلا انه يجب على السلطة أن توقف السلطة  بمعنى أن كل سلطة من السلطات يجب أن تراقب السلطة الأخرى وتردها إلى حدودها إن هي تجاوزتها  .
حيث يقول جيمس ماديسون لن تكون هناك حرية بحيث في توزيع الاختصاصات والصلاحيات بين السلطات الثلاث على نحو تراقب فيه السلطة بالسلطة وتمارس نوعا من الرقابة على بعضها البعض تم إرساء مبدأ الرقابة والتوازنات الذي جعل كل سلطة من السلطات تمارس نوعا من الرقابة والنفوذ على السلطات الأخرى .
وبالتالي فان تلك الرقابة المتبادلة بين السلطات وبالذات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية من شانها أن تحقق الحماية لحقوق وحريات الأفراد وان تحقق مبدأ سيادة الشرعية في الدولة 37 .
أولا : مزايا مبدأ الفصل بين السلطات
1- حماية الحريات ومنع الاستبداد تلك هي الميزة الأولى الأساسية لمبدأ الفصل بين السلطات   و المبرر الأساسي للأخذ بهذا المبدأ فلا توجد الحريات ولا حماية لها بدون الفصل بين السلطات وبالذات الفصل بين السلطة التشريعية التي تضع القوانين و بين السلطة التنفيذية التي تتولى تنفيذها .
وحتى لا تتحقق إساءة استعمال يجب أن تعمل على أن السلطة توقف السلطة أي يجب أن نفصل بين السلطات حتى تتقيد كل سلطة بالسلطة الأخرى بناء على وسائل الرقابة المتبادلة بين السلطات وهكذا يكون مبدأ الفصل بين السلطات بما يحققه من رقابة متبادلة هو الكفيل بصيانة لحقوق الأفراد وحرياتهم وتركيزها في يد واحدة أو هيئة واحدة لابد أن يؤدي إلى التحكم والاستبداد وضياع هذه الحقوق والحريات .
2- إتقان وحسن أداء وظائف الدولة :
الميزة الثانية لمبدأ الفصل بين السلطات هي أن يحقق مبدأ الفصل بين السلطات مبدأ تقسيم العمل والتخصص الذي من شأنه أن يحقق إتقان كل هيئة لوظيفتها وحسن أدائها .
فقد لاحظ مونتسيكيو أن وظائف الدولة – أية دولة – هي ثلاث وظائف ، الوظيفة التشريعية التي تتمثل  في صنع و إقرار القوانين وتعديلها والوظيفة التنفيذية التي تتضمن تنفيذ هذه القوانين وإقامة الأمن و العلاقات الدبلوماسية وأخيرا الوظيفة القضائية التي تتمثل في تطبيق القوانين على المنازعات بين الأفراد و الإدارة التنفيذية .
3-ضمان احترام مبدأ سيادة القانون :
وأخيرا من المزايا العامة لمبدأ الفصل بين السلطات الثلاث انه يؤدي إلى ضمان احترام مبدأ سيادة القانون في الدولة بحيث نضمن خضوع السلطات الحاكمة للدستور والقانون وليس فقط لأنه إذا اجتمعت وتركزت السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية في هيئة واحدة فلا ضمان لإحترام القانون ،ولكن لان هذه الهيئة ستقوم بوضع القوانين وتعديلها بناء على الحالات الفردية الطارئة 38 .
ثانيا : عيوب مبدأ الفصل بين السلطات
1-تعدد الهيئات التي تمارس السلطة العامة من منطلق مبدأ السلطات قد تؤدي إلى إضعاف هذه السلطات وتجزئة المسؤولية .
2- تواجه استحالة عملية في تحقيق الفصل التام بين الهيئات العامة في الدولة وذلك باعتبار أن الدولة كيان واحد لا يتجزأ .
3-لا حاجة لهذا المبدأ في الوقت الحاضر إذ انه مع حركة انتشار الديمقراطية وقيم حقوق الإنسان في العصر الحاضر أصبحت لا حاجة إلى هذا المبدأ .
3- مبدأ المساواة في الحريات الفردية في الدستور الأمريكي : كثير من الكتاب المعاصرين يفضلون اصطلاح الحقوق والحريات العامة ولكن الاصطلاح الأدق هو اصطلاح الحقوق والحريات الفردية وهذا هو التعبير عن مفهومها باعتبارها حقوق وحريات للفرد ولكل فرد من الشعب وعلى قدم المساواة .
ولقد قدم إعلان الحقوق الصادر لسنة 1789  مجموعة من الحقوق وأشارت إليها التعديلات العشرة الأولى وأشار دستور الولايات المتحدة الأمريكية الصادر سنة 1787 في مواضيع كثيرة إلى مبدأ المساواة فجاء فيه يتمتع مواطنو كل ولاية بجميع المزايا والضمانات التي يتمتع بها المواطنون في الولايات الأخرى وجاء فيه أيضا تأكيد على حق المواطنة وجعله لجميع الأشخاص الذين يولدون في الولايات المتحدة الأمريكية لأنهم أصبحوا مواطنين بناء على حق الإقليم.
وقد اقترنت الحريات الفردية بالمساواة فالحقوق والحريات الفردية يتمتع بها كل الأفراد على قدم المساواة وقد عبرت المادة الأولى من إعلان حقوق الإنسان الأفراد يولدون ويعيشون أحرارا ومتساوين في الحقوق ولا يجوز التمييز الاجتماعي بينهم إلا على أساس المصلحة العامة.
وعليه يمكن تقسيم الحقوق والحريات الفردية إلى عدة أنواع .
أولا: الحريات الشخصية :
الحريات الشخصية تتصل بالإنسان وحياته الخاصة مثل حقه في الأمن وحقه في الانتقال بحرية . والحريات الشخصية هي حريات جوهرية كما نرى من الأمثلة فهي أساس ضروري لإمكانية التمتع بالحقوق والحريات الأخرى . فمثلا لا جدوى ولا قيمة  لحق الانتخاب والترشيح ولا لحرية الرأي أو الاجتماع وتكوين الجمعيات والأحزاب لا قيمة لكل هذه الحريات بدون كفالة وضمان حق الأمن وحرية المسكن وحرية التنقل .
حق الأمن ومعناه أن يشعر الإنسان بالأمن والأمان في حياته الخاصة فلا يقبض عليه ولا يحبس أو يعتقل إلا بإذن أو أمر قضائي صادر عن جهة مختصة .
ثانيا : حرية الفكر والحريات الذهنية
1-بما قي ذلك الاحتفالات والتجمعات الدينية فهي حرة بشرط هام عدم الإخلال بالنظام العام الآداب حرية الرأي.
وهي الحرية الأم بالنسبة لسائر الحريات الفكرية في الحقيقة ولها جانبان  الأول حرية كل إنسان في التفكير وتكوين رأيه ومعتقداته الخاصة إزاء القضايا السياسية والاجتماعية والجانب الأخر الأكثر أهمية وهو حرية الإنسان في التعبير عن رأيه بالأساليب السليمة غير العنيفة سواء بالقول أو الكتابة أو التصوير أو السينما أو المسرح وحرية الرأي في جوهر النظم الديمقراطية الحرة 43 .
1-حرية التعليم
وهي تتكون من ثلاث حقوق:
 الأول : هو حق الفرد في أن يعلم الغير وينشر علمه وأفكاره على الناس وهذا يتصل بحرية الرأي فالتعليم هنا وسيلة لإيصال المعلومات و الآراء
والحق الثاني : هو حق الفرد في أن يتعلم ، أي حقه  في أن توفر له الدولة قدرا كافيا من التعليم، وعلى قدم المساواة مع الآخرين
والحق الثالث: حق الفرد في اختيار أستاذه،  أي نوع التعليم أو المعهد بحرية وتلك الحرية بجوانبها قد ترد عليها بعض القيود بمقتضى القانون وتحقيقا للصالح العام .
2- حرية الصحافة و وسائل الإعلام وهي تتضمن حرية الأفراد في إنشاء الصحف والمجلات مع مراعاة شروط القانون كما تتضمن حق الصحفيين والأفراد في التعبير عن أرائهم في الصحف كما تشمل هذه الحرية عدم جواز الرقابة على الصحف و وسائل الإعلام وأخيرا تتضمن هذه الحرية عدم جواز مصادرة الصحف أو وقفها أو إلغائها بالطريق الإداري فلا يجوز ذلك إلا بحكم قضائي للقانون بسبب جريمة محددة .
كما يجب حماية الصحف وحرية الرأي ضد خطورة تأثير رأس المال الأجنبي ويتكفل القانون بذلك .
ثالثا : حرية التجمع
وهي تشمل من ناحية أولى حرية الأفراد في عقد الاجتماعات لمناقشة قضية عامة اجتماعية أو سياسية وبالتعبير الحر في الرأي بالخطب والمحاضرات والندوات والحوار .كذلك تشمل حرية التجمع من ناحية ثانية حرية الأفراد في تكوين الجمعيات لتحقيق أغراض مشتركة اجتماعية أو ثقافية أو دينية أو سياسية وأيضا حرية الأفراد في الانضمام للجمعيات المنشاة.
 ومن ناحية ثالثة حرية التجمع تشمل أيضا حرية تكوين الأحزاب السياسية وحرية الانضمام إليها . و الأحزاب هي بمثابة جمعيات لها عادة نظام خاص يحدده القانون ويجب أن يسمح هذا النظام بالحرية الحزبية في الإنشاء والانضمام إليها 44 .
رابعا  : الحريات أو الحقوق السياسية
وهي تشمل من ناحية أولى الحقوق التي تسمح للأفراد بالمشاركة في الحياة السياسية وفي التعبير عن السيادة الشعبية وممارستها وهذا يشمل حق الانتخاب بإقرار نضام الاقتراع العام الذي يستبعد كل قيد يتمثل قي شروط الثروة أو شرط الكفاءة العلمية أو الانتماء إلى طبقة معينة حتى تتسع دائرة الشعب السياسي كما يشمل أيضا حق الترشيح بغير قيود للمجالس النيابية وأيضا المجالس المحلية كما يشمل كذلك حق الاشتراك في الاستفتاءات العامة .
ومن ناحية أخرى تشمل الحريات والحقوق السياسية حق تولي الوظائف العامة والحقوق والحريات السياسية تكون قاصرة على المواطنين دون الأجانب .
3-  مبدأ سيادة القانون
أ – مبدأ سمو الدستور
في الدول الديمقراطية التي تقوم على السيادة الشعبية واحترام الحقوق والحريات الأفراد يجب أن تخضع الدولة بسلطتها وهيئاتها وحكامها لسيادة  القانون تماما مثلما يخضع له الأفراد وهيئاتها الخاصة ولن يتحقق هذا إلا بوجود دستور وخضوعها له من حيث تكوين السلطات العامة والالتزام بمباشرة الاختصاصات التي نص عليها وعدم الخروج عليه وان يتبنى هذه الحقوق والحريات العامة .
إن سيادة الدستور أمر مسلم به في الولايات المتحدة الأمريكية وان الدستور يضع القواعد والمبادئ العليا التي تنضم سلطات الدولة وتضمن حريات الأفراد ومن تم يجب أن تعلو أحكام الدستور على قرارات السلطة التنفيذية وليس هذا فقط بل يجب أن تعلو أحكام الدستور أيضا على القوانين التي تقرها السلطة التشريعية لأنه مهما كانت هذه السلطة ممثلة الشعب أو الأمة وتعبر بالتالي عن إرادة المواطنين الذين انتحبوا أعضاء البرلمان . إلا أن هذه السلطة التشريعية تبقى مجرد سلطة منشاة تجد أساس وجودها وصلاحياتها في نصوص الدستور إلا على الذي أسسها حيث أن البرلمان كسلطة تشريعية تضع القوانين العادية يستمد سلطته و شرعيته و اختصاصه من الدستور وكذلك السلطة التنفيذية التي تصدر المراسيم واللوائح والإجراءات الفردية تستمد اختصاصها وشرعيتها من الدستور وأيضا السلطة القضائية وأساس شرعية الأحكام التي تصدرها مصدرها نصوص الدستور .

4-الرقابة الدستورية
الرقابة على دستورية القوانين في الولايات المتحدة الامريكية:
وقد ضلت هذه التجربة طوال القرن 19 وبداية ق 20 هي التجربة الوحيدة في الرقابة القضائية هي دستورية القوانين، حيث ساهمت عدة عوامل سياسية موضوعية في بلورة خيارات الدستورين الأمريكيين مما أدى إلى ترسيخ مبدأ الحرية في الوثيقة الدستورية وتسييجها بالضمانات اللازمة لإيجاد مخرج لهذه المعادلة السياسية والبحث في كيفيات ضمان الحريات الفردية وحمايتها من تعسف وتجاوز الحكومة وفي نفس الوقت ضمان عدم إساءة استخدام هذه الحريات من قبل الأفراد أنفسهم وباعتبار أن الدستور هو تجسيد لإرادة الأمة في كيفية تنظيمها وتسيير مؤسساتها و المنظم للتوافق بين الحرية والسلطة داخل المجتمع من جهة وبصفته القانون الأساسي في الدولة من جهة و بصفته القانون الأساس في الدولة من جهة أخرى فهو يحتل المرتبة الأولى في قوانين الدولة التي عليها الالتزام و التقيد بما و رد فيه من أحكام وبدلك يتحقق مبدأ الشرعية الذي يعني خضوع الحكام والمحكومين للدستور هذا يعني التقييد بمبدأ تدرج القوانين حيث يخضع التشريع الأدنى للتشريع الأعلى منه درجة وبالتالي لا يجب أن يتعارض قانون عادي مع أحكام الدستور أي أن تكون القوانين الصادرة في الدولة تخضع لمبدأ الانسجام بين القوانين. وبالتالي فإن الدستور هو مصدر كل النشاطات القانونية في الدولة حيث تتحدد السلطات واختصاصاتها التي عليها التقييد بما هو وارد في الدستور وفي حالة تعسف وتجاوز السلطات لاختصاصاتها ستخضع لمبدأ الرقابة على دستورية القوانين.
نشأة الرقابة الدستورية على القوانين في أمريكا:
إن أول ظهور للرقابة القضائية على دستورية القوانين كانت في الولايات المتحدة الأمريكية ولعل أول تاريخ لإقرار حق القضاء الأمريكي في الرقابة على دستورية القوانين يعود لعام 1786م وهو  تاريخ سبق إنشاء المحكمة الاتحادية العليا وعند إنشاء المحكمة الاتحادية العليا لسنة 1789م حيث بدأت تمارس اختصاصاتها فقد صدر عنها قرار شهير بخصوص الأخذ بمبدأ الرقابة على دستورية القوانين وكان ذلك في قضية ماربوري ضد ماديسون عام 1803م في القرار الصادر من القاضي مارشال كان مبنيا على التحقق أولا من القانون المراد تطبيقه فإذا تبت للمحكمة بأن القانون المراد تطبيقه مخالف للدستور الذي هو أعلى تشريع في الدولة فلها أن تمتنع عن تطبيق هذا القانون.
وقد أورد القاضي مارشال حججا برر فيها  في حق المحاكم في الرقابة على دستورية القوانين:
1- أن الدستور هو أسمى تشريع في الدولة وعلى باقي التشريعات احترامه و عدم مخالفته .
2- نص الدستور الأمريكي بأنه على القاضي قبل ممارسته مهامه أن يقسم على احترام الدستور وتطبيق نصوصه .
3-  أن المادة الثالثة من الدستور الأمريكي تنص على أن وظيفة السلطة القضائية تمتد إلى كافة المنازعات التي تنشأ في ضل الدستور.
مفهوم الرقابة على دستورية القوانين:
يقصد بالرقابة على دستورية القوانين إخضاع القانون الصادر عن السلطة التشريعية لنوع من الرقابة من قبل جهاز مستقل للتأكد من مدى مطابقة وموافقة هذا القانون للمبادئ الواردة في الدستور و يركز مفهوم الرقابة إذن على كون الدستور هو قانون الدولة الأسمى وأن القواعد الواردة فيه هي الأعلى مرتبة على كل السلطات في الدولة واحترامها والعمل بموجبها بما في ذلك السلطة التشريعية.
وقد اتخذت الرقابة على دستورية القوانين أكثر من صورة ومن أهمها الرقابة القضائية من أوجه الرقابة القضائية ما يقضي بإلغاء القانون المخالف للدستور منها ما يكتفي بالامتناع عن تطبيق القانون على الدعوى  المنظورة أمامه.
و يكاد الفقهاء يجمعون على أن الدستور الأمريكي لم ينظم الرقابة على دستورية القوانين ولم يتحدث عن مثل تلك الرقابة صراحة في نص من نصوص الدستور الأمريكي.
حيث أن الفقرة الثانية من المادة السادسة من الدستور الأمريكي والتي تقول :
"هذا الدستور وقوانين الولايات المتحدة التي يجب أن تتم تبعا له وجميع المعاهدات المعقودة أو والتي ستعقد في ظل سلطة الولايات المتحدة التي ستكون هي القانون الأساسي للبلاد والأعلى للبلاد والقضاة سيتقيدون بذلك بصرف النظرعن أي حكم مخالف في دستور الولاية أو قوانينها .
وذلك فضلا عن نص الفقرة الثانية من المادة 3 من الدستور والتي جاء فيها أن الوظيفة القضائية تمتد إلى كل القضايا المتعلقة بالقانون أو العدالة التي تنشأ في ظل أحكام هذا الدستور".
هذان النصان من نصوص الدستور الأمريكي وإن كانا لا ينظمان وسيلة معينة لمراقبة دستورية القوانين إلا أنهما بغير شك يفتحان الباب عن طريق التغيير أمام المحاكم للنظر في مدى اتفاق القوانين الصادرة في ظل الدستور مع ذلك الدستور.             
وتجدر الإشارة أن العوامل المهمة التي أرست الرقابة على دستورية القوانين في أمريكا هي قضية ماربوري ضد ماديسون والتمييز بين القوانين العادية والقوانين الدستورية ويعتبر القاضي جون مارشال أول من طبق فكرة الرقابة على دستورية القوانين ونستخلص أن هذه القضية كانت نقطة تحول في دستور الولايات المتحدة وأيضا لها دور فعال في  معالجة المشاكل القانونية والتي طالما كان لها الأثر العميق والنتيجة في تكريس الرقابة على دستورية القوانين في اتجاه القضاء الأمريكي حيث أصبحت الرقابة في الولايات المتحدة جارية على ثلاثة  أوجه.
أ‌-  الرقابة التي تجريها المحاكم المحلية في كل ولاية على القوانين الصادرة عن سلطاتها التشريعية الخاصة بالنسبة لدستور كل ولاية.
ب‌- الرقابة التي تجريها  المحكمة العليا على القوانين المحلية الصادرة عن السلطة التشريعية الخاصة بالولايات بالنسبة إلى الدستور  الاتحادي  
ت‌- الرقابة التي تجريها المحكمة العليا على القوانين الفدرالية الصادرة عن الكونغرس الاتحادي بالنسبة للدستور الاتحادي.
صور الرقابة :
1-الدفع بعدم دستورية القوانين:
يعتبر الدفع بعدم دستورية القوانين من أول الوسائل التي عرفها القضاء الأمريكي لممارسة اختصاصه في الرقابة الدستورية وهذا الاختصاص لا ينحصر في المحكمة الاتحادية العليا فقط .وإنما يعد حق لجميع المحاكم على اختلاف درجاتها سواء في الولايات المتحدة في الحقوق المركزية  فهذه المحاكم تعتبر هذا العمل جزءا لا يتجزأ من مهامها اليومية .
والدفع بعدم دستورية القوانين يعطي الحق لأي من الخصوم في دعوى ما والدفع بعدم دستورية القانون الذي سيطبق عليهم وهنا تقوم المحكمة التي تنظر في القضية بالتحقق من ذلك، فإذا تبين لها أنه غير دستوري امتنعت عن تطبيقه دون أن تلغيه لذلك يجوز لمحكمة أخرى أن تأخذ به في قضية أخرى مشابهة  ويبقى هذا القانون قائما إلى أن تقوم السلطة التشريعية بتعديله أو إلغائه .
فالمحاكم في و.م.أ لا تستطيع أن تقضي بعدم دستورية قانون من دون أن يطلب منها ذلك بناءا على طلب مقدم من أحد الخصوم وهناك شرطين لقبول الدعوى .
1-                      وجود  خصومة موضوعية جدية.
2-                      ضرورة توفر المصلحة الشخصية لدى الدافع بعدم دستورية القوانين.

2 – الأمر القضائي بالمنع:
إن أسلوب الأمر القضائي بالمنع هو صيغة قضائية تتضمن نهيا صريحا توجهه المحكمة إلى جهة ما لمنعها من تنفيذ قانون معين لمخالفته للدستور علما بأن ذلك تم بناءا على طلب صاحب المصلحة شعر بوقوع ضرر عليه نتيجة لتطبيق ذلك القانون المخالف عليه.
والأمر القضائي بالمنع يعد أمر وقائي préventif  لأنه يحدث قبل وقوع الضرر وعلى الموظف المعني بتنفيذ ما ورد في قرار المحكمة عدم تجاهله وإلا يعتبر مرتكبا جريمة تسمى احتقار المحكمة.
وتنقسم أوامر المنع إلى أوامر مؤقتة ودائمة وتعتبر أوامر المنع بصنفيها المؤقتة والدائمة  ضمانة هامة للحفاظ على حقوق حريات الأفراد في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمالية وغيرها..
3-الحكم التقريري
يعتبر الحكم التقريري من الأساليب الهامة التي تمارسها المحاكم الأمريكية في الرقابة على دستورية القوانين إذ بهذا الأسلوب يستطيع الفرد اللجوء إلى المحكمة من خلال طلب يتقدم به لمعرفة مدى دستورية قانون معين يراد تطبيقه عليه.
ويتميز أسلوب الحكم التقريري بأن ما تفعله المحكمة أنها تقرر المراكز القانونية للخصوم في الدعوى دون ن تعقب هذا التقرير بأي أمر تنفيذي كذلك لا يشترط لاستصدار حكم تقريري أي يشكو  طالبه  من وقوع ضرر معين أو أن يكون هناك ضرر وشيك الوقوع كما الشأن هنا بالنسبة لاستصدار أوامر قضائية. 

الرقابة القضائية :
مفهوم الرقابة القضائية : تعرف الرقابة القضائية بأنها تقوم على أساس إصدار حكم قضائي بمدى توافق تشريع معين مع دستور الدولة   .
أنواع الرقابة القضائية  :
إن رقابة الامتناع تعني امتناع القاضي عن تطبيق القانون الغير دستوري وتكون دائما لاحقة على إصدار القانون وكما كان المثال  البارز يعود للولايات المتحدة الأمريكية فإننا سوف نعمل على دراسة هذه الرقابة في الولايات المتحدة الأمريكية.
-         رقابة الإلغاء:
المقصود برقابة الإلغاء أو كما تسمى الرقابة عن طريق الدعوى الأصلية في قيام المتضرر من تطبيق القانون المخالف للدستور بالطعن في هذا القانون لعدم دستوريته طالبا من المحكمة المختصة بإلغاء هذا القانون لمخالفته لأحكام الدستور و إلحاق الضرر به . وهنا يأتي دور المحكمة في بيان مدى دستوريته فإذا كان القانون مخالف للدستور تصدر المحكمة قرارا بإلغائه ويسري هذا الإلغاء على الكافة .أما إذا تبين عدم مخالفته للدستور  فيصدر قرارا يرفض الدعوى مع بقاء القانون نافذا .
-رقابة الامتناع :
يقصد برقابة الامتناع أو الدفع الفرعي بعدم دستورية القوانين هو امتناع المحكمة عن تطبيق القانون المخالف للدستور بناءا على دفع يتقدم به أحد الأطراف المتضررين من تطبيق القانون المخالف أو بمبادرة من المحكمة التي تنظر في القضية بتغليب القانون الأعلى وهو الدستور على القانون الأدنى.
ثانيا :  الضمانات السياسية                
أولا : الحريات العامة  )الأحزاب السياسية (
في الولايات المتحدة الأمريكية يسود نضام الحزبين إلا أن الأحزاب الأمريكية والحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي تختلف عن الأحزاب في الأنظمة الديمقراطية من حيث التركيب ومن حيث الدور الذي تلعبه ويتسم النسق الحزبي في الولايات المتحدة الأمريكية بما يلي :
1-عدم وجود إيديولوجية وركيزة اجتماعية بحيث لا تخضع الأحزاب الأمريكية لإيديولوجية ثابتة وقوية وليست لها ركيزة اجتماعية معينة .
2-تنظيم الأحزاب الأمريكية بالرغم من فقدان الانضباط في الأحزاب السياسية الأمريكية فهي من اشد الأحزاب تنظيما فهذه الأحزاب لا ترتكز من حيث المبدأ . على الانتساب الفردي للأعضاء مهما كان عددهم ممكنا بل على قوة التنظيم وباستعمال تعبير سائد اليوم يقال أن الأحزاب الأمريكية ليست أحزاب جماهير بل هي أحزاب كوادر .
3-الدور الرسمي للحزب في الانتخابات
إن وظيفة الحزب الأمريكي لا تهدف كما هو الحال في أوروبا وعلى وجه الخصوص في انجلترا إلى تحقيق سياسة معينة باسم إيديولوجية معينة بل إن وضيفة الحزب في أمريكا تقتصر فقط على تامين  انتخاب أو ما يسمى في الولايات المتحدة الأمريكية تعيين مرشحيه في مختلف المناصب الرسمية وقد ساهمت التعديلات الدستورية في توسيع دائرة المشاركة السياسية حيث منع التعديل ل 15 لسنة 1870 إنكار حق مواطني الولايات المتحدة من التصويت بسبب العنصر أو اللون أو الرق كما أن التعديل ل 19 لسنة 1920 اقر حق التصويت للنساء إضافة إلى التعديل ل 24 لسنة 1964 الذي ألغى ضريبة التصويت الذي كان الغرض منه إقصاء العبيد عن صناديق الاقتراع .
ثانيا : الحريات العامة) الجماعات الأمريكية الضاغطة (
إلى جانب الأحزاب التي تعتبر الركيزة الأساسية للحياة السياسية و أداة مشاركة المواطنين والتعبير عن أرائهم ومصالحهم فيما يتعلق بالشأن العام فان الجماعات الضاغطة والتي يصعب معرفة عددها لكثرتها . حيث تمارس نشاطاتها على الصعيد المحلي والوطني كالجماعات المهنية والحرفية والتجمعات التعاونية الزراعية والتجمعات ذات الأهداف السياسية أو شبه السياسية وهناك التكثلات المهنية وهي من أقوى التجمعات الضاغطة التي تدافع عن مصالح أعضائها .
وعن مفاهيم سياسية واجتماعية معينة كنقابة المحامين ونقابة الأطباء ونقابة المهندسين ونقابة الصيادلة والوسائل التي تستعملها الجماعات الضاغطة لتحقيق أغراضها متعددة فهي تحاول الوصول إلى الرأي العام والاتصال بالأحزاب السياسية والتأثير على الحكام وذلك عن طريق تمويل الحملات الانتخابية للمرشحين مقابل الدفاع عن مواقفهم ومصالحهم والتأثير على السياسات الحكومية من خلال ممارسة الضغط على المسؤولين  الحكوميين والتأثير على الرأي العام لحشد الدعم من خلال الإعلانات والخطابات والبيانات واستعمال جميع وسائل الإعلام .
      الفقرة الثانية   : توازن السلطة و الحرية في النظام الفرنسي  
  أولا :   مبدأ فصل السلط
ينصرف مدلول الضمانات الدستورية إلى مجموعة من الوسائل التي تمكن الإنسان من التمتع بحقوقه المنصوص عليها في الدستور وكذلك التي تحمي هذه الحقوق من الانتهاك عن طريق إيجاد ضوابط قانونية لحمايتها، وقد ركز الفقه الدستوري على مجموعة من العناصر من أهمها.
1 – مبدأ الفصل بين السلطات: يعد مبدأ الفصل بين السلطات من النظريات الرائدة والمهمة في القانون الدستوري وترجع أهمية هذا المبدأ في كونه الوسيلة الضامنة لمنع تركيز السلطة لقد انبثق عن فكرة تفتيت السلطة إلى هيئات متعددة ، مفهوم الفصل بين السلطات بوصفه وسيلة لتحديد العلاقة بين الهيئات المذكورة ومن ثم ضمان حقوق الأفراد و حرياتهم عن طريق هذا التحديد وقد أشارت معظم الدساتير إلى هذا المبدأ صراحة أو ضمان عن طريق توزيع عمل السلطات في الدولة ويعود الفضل في إرساء هذا المبدأ إلى الفقيه الفرنسي مونتيسكيو حين جسد هذا المبدأ في كتابه الشهير " روح القوانين" الصادر سنة 1748 ومضمون هذا المبدأ إن كل إنسان ذي سلطة يميل بطبيعته إلى إساءة استعمالها ويسعى جاهدا إلى تحقيق مصلحته الخاصة على حساب المصلحة العامة، فإذا ما تجمعت سلطات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية في يد واحدة فإن هذا مدعاة لاستخدام التشريع والقضاء في خدمة أهداف وأغراض السلطة التنفيذية، الأمر الذي يجعلها في النهاية سلطة متحكمة أو استبدادية تهدد حقوق الأفراد وحرياتهم .
وعلى الرغم من إقامة مونتسكيو لجدار فاصل بين السلطات فإن ذلك لا يعني قيام  تعاون متوازن بين السلطات الثلاث على أن تمارس كل منها رقابة  على الأخرى في نطاق اختصاصهما وذلك تجسيدا لفكرة السلطة تحد أو توقف السلطة و ذلك ترسيخا للمبادئ الديمقراطية لما فيها من ضمانة للحقوق والحريات.
وفي هذا السياق يمكن القول السلطات في فرنسا تتوزع على النحو الأتي :
- السلطة التشريعية
يتألف البرلمان الفرنسي دوما من غرفتين الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ وقد عرف تغييرا جذريا حيث أدت فكرة " البرلمانية المتعلقة إلى فرض قواعد صارمة على البرلمان كان الهدف منها أساسا منعه من إعاقة أعمال الحكومة وللبرلمان نوعان من السلطات فهو يتمتع بسلطة تنظيمية تكمن في تحديد القواعد الأساسية التي تفرض على السلطات العامة وذلك في شكل قوانين كما أن له سلطة رقابية على الحكومة بحيث أن هدف الأخيرة لا يمكن أن تستمر دون ثقة البرلمان.
* السلطة التنفيذية: يتميز النظام السياسي الفرنسي بثنائية السلطة التنفيذية ومعنى ذلك وجود رأسين يتقاسمان السلطة التنفيذية وهما الرئيس والحكومة وعلى رأسها رئيس الوزراء.
* رئيس الجمهورية: ينتخب لمدة 5 سنوات بالاقتراع العام المباشر طبقا للدستور يستمد سلطته من الشعب ويمارس السلطة السياسية.سين يتقاسمان السلطة التنفيذية وهما ارئيس والحكومة وعلى رأسهتلللذ
الرقابة السياسية على دستورية القوانين في فرنسا:
مفهوم الرقابة السياسية: الرقابة السياسية هي رقابة وقائية وسابقة على إصدار القانون تتم ممارستها من قبل هيئة سياسية خاصة أنشأها الدستور وذلك للتحقق من مطابقة عمال اغاااأعمال السلطات العامة، ولاسيما السلطة التشريعية لأحكام الدستور.
نشأة الرقابة السياسية في فرنسا: نشأت الرقابة السياسية في فرنسا أول مرة بموجب دستور السنة الثامنة لإعلان الجمهورية الصادر 1799 واستمرت في تطبيقها حتى الوقت الحاضر ومن فرنسا أخذت بهذه الطريقة بعض الدول الإفريقية المستقلة عن فرنسا وكذلك غالبية الدول الاشتراكية والإتحاد السوفيتي سابقا.
إن الهيئة المكلفة بممارسة الرقابة قد تكون متخصصة بالنظر فقط في الرقابة على دستورية القوانين أو قد تكون غير متخصصة به إذ أنها تنظر في مسائل أخرى غير الرقابة على دستورية القوانين إن مثل هذه الهيئة المتخصصة في الرقابة على دستورية القوانين وجدت في ظل الجمهورية الفرنسية الرابعة وسميت باللجنة الدستورية le comité constitutionnelle  لكنها كانت غير متخصصة في بقية الدساتير.
ثانيا   :  تطور الرقابة السياسية في فرنسا
لم تعرف الدساتير الأولى للثورة الفرنسية ( دستور 1791 و 1793) هذا النوع من الرقابة على دستورية القوانين وقد كانت المحاولة الأولى لتقرير هذه الرقابة قد تمت عند إعداد دستور السنة الثالثة عام 1795 عند ما افتتاح ( سياس Sieyès ) وهو أحد فقهاء الجمعية التأسيسية إنشاء هيئة محلفين دستورية jury constitutionnelle يتم تشكيلها من بين أعضاء السلطة التشريعية ويعهد إليها بمهمة مراقبة دستورية القوانين وإلغاء القوانين المخالفة للدستور إلا أن هذا الاقتراح رفض بإجماع أعضاء الهيئة التأسيسية.
وقد نجح سياس Siéyes في إقناع واضعي دستور السنة الثامنة عام 1799 بقبول اقتراحه السابق حيث أنشأت الهيئة الرقابية التي اقترحها ولكن بتسمية مجلس الشيوخ الحامي للدستور  le Senat conservateur  وذلك لمراقبة دستورية القوانين و قرارات ومراسيم السلطة التنفيذية قبل إصدارها.
غير أن هذا المجلس أخفق في أداء مهمته ولم يستطع إلغاء أي قانون مخالف للدستور و ذلك لعدة أسباب.
1- خضوع المجلس بشكل كامل لسيطرة الإمبراطور نابليون الذي كان مهيمنا على أعضائه فيما يتعلق بتعيينهم وتحديد رواتبهم وتعويضاتهم.
2- أن المجلس لا يستطيع أن يباشر الرقابة على دستورية القوانين من تلقاء نفسه وإنما يقوم بفحص القوانين والقرارات المحالة إليه من قبل الحكومة أو من قبل هيئة خاصة تسمى  le tribunal أو المجلس النيابي وليس من المعقول أن تقوم الحكومة بالطعن بقوانين لها مصلحة في نفاذها.
هذا وقد انتهى نابليون بإلغاء المجلس النيابي le tribunal  الذي كان مجلس الشيوخ يمارس الرقابة بناءا على طلبه عام 1807 وهكذا يكون مجلس الشيوخ قد أخفق في القيام بمهمة الرقابة على دستورية القوانين قبل إصدارها.
3-             على غرار الرقابة السياسية التي كان يمارسها مجلس الشيوخ الحامي للدستور الذي نشئ تأنشئ في السنة الثامنة للجمهورية فقد عهد دستور 1852 لمجلس الشيوخ الحامي للدستور بمهمة مراقبة دستورية القوانين قبل إصدارها من قبل رئيس الدولة ( الإمبراطور) وأعطاه الحق في إلغاء القوانين المحالة إليه من قبل الحكومة أو بناء على طلب من الأفراد في حال ثبوت عدم دستوريتها بالإضافة إلى حقه في تعديل الدستور في شروط معينة
4-             لقد نظم دستور الجمهورية الرابعة 1946 هذه الرقابة عندما قرر في مواده 91/92/93 إحداث هيئة سياسية خاصة اسماها اللجنة الدستورية  le comité constitutionnel تختص بالنظر في دستورية القوانين قبل إصدارها   45  .
تتألف هذه اللجنة الدستورية من رئيس الجمهورية بحكم منصبه رئيسا ومن اثني عشر عضوا وهم رئيس الجمعية الوطنية ورئيس مجلس الجمهورية الذي يسمى حاليا مجلس الشيوخ وسبعة أعضاء تنتخبهم الجمعية الوطنية من غير أعضائها في بداية كل دورة سنوية على أساس التمثيل النسبي للهيئات السياسية وثلاثة أعضاء يختارهم مجلس الجمهورية بالطريقة نفسها.
تباشر اللجنة الدستورية عملها بناء على طلب مشترك يوقعه رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الجمهورية بعد موافقة الأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس الجمهورية وذلك قبل إصدار القانون وتقتصر مهمة اللجنة الدستورية على البحث فيما إذا كانت القوانين التي أقرتها الجمعية الوطنية تتضمن تعديلا للدستور أم لا، وعليها أن تقدم تقريرها خلال مدة خمسة أيام تنقص إلى يومين في حالة الاستعجال وتقوم اللجنة بإعداد تقرير فيما إذا كان القانون موافقا للدستور وأنه يتضمن تعديلا دستوريا فإذا قررت أن القانون موافق للدستور فعلى رئيس الجمهورية إصدار خلال عشرة أيام تنقص إلى خمسة أيام في حالة الاستعجال.
الرقابة السياسية في دستور 1958
عهد دستور الجمهورية الخامسة لسنة 1958 النافذ حاليا بمهمة الرقابة على دستورية القوانين إلى هيئة سياسية غير متخصصة أطلق عليها اسم المجلس الدستوري ويتعين عليه إذا أحيل إليه قانون مشكوك في دستوريته أن يصدر قراره بشأنه خلال شهر من تاريخ الإحالة وتقصر هذه المرة إلى 8 أيام بناءا على طلب الحكومة في حالة الضرورة وتقف مدة سريان إصدار القانون عند إحالته إلى المجلس لبحث دستوريته.
وقد حددت المواد 54-58-59-60-61 من الدستور الفرنسي اختصاص المجلس الدستوري كما يلي:
يختص المجلس الدستوري بفحص دستورية القوانين وإعطاء الرأي في دستورية المعاهدات الدولية والنظر في المنازعات المتعلقة بالانتخابات البرلمانية وانتخاب رئيس الجمهورية وعمليات الاستفتاء الشعبي و رقابة دستورية القوانين.
إن عرض القوانين على المجلس ليتحقق من دستوريتها يختلف باختلاف نوعية هذه القوانين فهو يكون إلزاميا أو اختياريا ، ففيما يتعلق بالقوانين العضوية  organiques  les lois يجب  عرضها على المجلس قبل إصدارها ،و كذلك لوائح مجلسي البرلمان les règlements des assemblées parlementaires يحب عرضها على المجلس قبل تطبيقها وذلك للتحقق من دستوريتها . أما فيما يتعلق بالقوانين العادية فإن عرضها على المجلس الدستوري للتحقق من دستوريتها يكون جوازيا ، بحيث يحق لكل من رئيس الجمهورية، أو الوزير الأول، أو رئيس أي من المجلسين  النيابيين ،أن يعرض هذه القوانين على المجلس لفحص دستوريتها قبل إصدارها، وبدءا من عام 1974 أصبح يحق لستين نائبا من الجمعية الوطنية أو لستين (60)عضوا من مجلس الشيوخ أن يطلبوا من المجلس الدستوري فحص دستورية قانون من هذه القوانين العادية غير أن المجلس الدستوري أعلن عدم اختصاصه بالنظر في دستورية القوانين التي يقرها الشعب عن طريق الاستفتاء الشعبي وذلك لأن هذه القوانين تشكل تعبيرا مباشرا للسيادة الوطنية 46 .
هذا وقرار المجلس الدستوري بعدم دستورية قانون معين لا يشكل إلغاء لهذا القانون وإنما يؤدي إلى استحالة إصدار هذا القانون أو تطبيقه وقرار المجلس في هذا المجال يكون نهائيا وغير قابل للطعن بأي طريق من طرق الطعن وهو ملزم لجميع سلطات الدولة.
 غير أن النظام الفرنسي للرقابة السياسية على دستورية القوانين قد تعرض لعدة انتقادات يمكن تلخيصها بما يلي.
يغلب على تكوين المجلس الدستوري الطابع السياسي، مما يؤدي إلى عدم استقلال أعضائه الاستقلال الكافي لأداء المهمة المنوطة بهم كما قد لا يأتي التشكيل  بالعناصر القانونية والقضائية اللازمة لمباشرة الرقابة.

الدولة باعتبارها ظاهرة اجتماعية تتميز بديناميكية غير ثابتة، حيث نشأت وتطورت عبر مراحل متعددة وإذا كانت الدولة حسب ما يؤكد الفقيه Burdeau في كتابه حول الدولة تتميز بطابعها الخيالي حيث يقول " لم ير أحد منا قط الدولة لكن من يمكنه انتشار حقيقتها فهي بالمعنى الكامل للكلمة " فكرة " فقد خلق الناس الدولة لكي لا يخضعوا للناس فالدولة إذن هي فكرة أي أنها توجد في ذهن الناس الدين يكونونها ولا تتصل بأي حقيقة سابقة الوجود.
وكلمة دولة هي في الأساس كلمة لاتينية status وتعني الحالة المستقرة لكن هذا الاصطلاح أخذ مدلولا سياسيا في العصور الرومانية ، وكان ينبغي أن تنتظر إلى حدود  القرن 16 حين استعمل ميكيافيلي في كتابه " الأمير " كلمة " دولة" حين قال: " كل هيئة لها سلطة على الشعوب هي دول" 47 إن التساؤل عن أصل الدولة بالبحث في أصل السلطة السياسية والتساؤل عن مصدر سلطة الحاكم؟ هل هي نابعة من تفويض إلاهي أو نتيجة عقد اجتماعي 48  كما يثور التساؤل حول طبيعتها هل هي أداة قمع قديمة في يد الحاكمين أم أداة لخلق التوافق بين من يتطلع لنعيم الحرية وبين من يقبض على زمام السلطة؟ ثم ما هي الآليات الكفيلة بالحفاظ على توازن السلطة والحرية داخل الدولة ؟
آثار المذهب الفردي كانت أوسع انتشارا في فرنسا حيث جاءت وثيقة إعلان حقوق الإنسان والمواطن 1789 ممثلة بصفة خاصة للنظرية الفردية وتعبيرا كاملا للمذهب الفردي.ففي انجلترا أظهرت آثار هذه الأفكار حيث تسود هناك ديمقراطية سياسية ونعيش في ظل دستور غير مكتوب فقد صدرت وثيقة العصر الأعظم سنة 1215 حيث وقع الحقوق الأساسي وحمايتها.وفي سنة 1628 صدر ملتمس الحقوق pétition of right  وفي 1688 اقر مجلس البرلمان إعلان BIV OF  right  وقد كان لهذه الوثائق التي صدرت أهمية كبرى اعترف الملك بالحقوق الأساسية للشعب كما اعترفوا بالديمقراطية البرلمانية  وفي ... صدر إعلان حقوق الإنسان والمواطن في 1789.08.26 الذي وافقت عليه الجمعية التأسيسية الفرنسية والذي يتضمن 17 مادة يعتبر وثيقة ذات أهمية كبرى لأنه تجاوز فرنسا وأخذ الصفة العالمية يقوم على عنصرين أساسين هما المساواة والحرية فينص في المادة 1 " يولد الناس أحرارا ومتساوين في الحقوق".
وفي ما يمكن إرجاع النظام الدستوري الأمريكي إلى الأحداث الهامة التي وقعت في اجتماع فيلا ديلفيات سنة 1787 حيث أضيفت وثيقة الحقوق إلى الدستور الأصلي كضمان جماعي على أن حريات المواطنين في ذلك الأساسية ( مثلا ،حق الكلام، الصحافة الدين) لا يمكن انتهاكها بصورة تحكمية من قبل السلطة الحاكمة.فيما عدا حالة الرقابة الإلزامية بالنسبة للقوانين العضوية ( الأساسية) التي أخذ بها الدستور الفرنسي لعام 1958 فإن المجلس الدستوري لا يمارس اختصاصه بالرقابة على القوانين العادية إلا إذ ثم تحريك الرقابة من
قبل القابضين على السلطة وهم رئيس الجمهورية أو رئيس مجلس النواب أو رئيس مجلس الشيوخ أو ستون نائبا من أحد مجلسي البرلمان ويستطيع هؤلاء شل اختصاص المجلس وذلك بعدم إحالة القوانين إليه . فالسلطة التشريعية هي التي تسن القوانين ،ومخالفة الدستور تأتي من جانبها ،فإذا كان القانون المخالف للدستور يحقق رغبة لرئيس الجمهورية فهذا يعني اتفاق رئيس الجمهورية مع السلطة التشريعية ،وهذا ما يؤدي إلى صدور ذلك القانون دون أن يحال للمجلس الدستوري الذي لا يستطيع أن يفعل شيئا في هذه الحالة.
إن الرقابة التي يمارسها المجلس الدستوري مقررة لصالح السلطات العامة وليس لصالح الأفراد، إذا لا يجوز لهم اللجوء إلى المجلس للطعن بدستورية قانون بحجة مساسه بحقوقهم. لكن ورغم الانتقادات السابقة فإن المجلس الدستوري أثبت الكثير من الجرأة والاستقلال ،وأصبح جهازا له فاعليته وقدرته في القيام بمهمته، وقد اصدر العديد من القرارات الجريئة التي أثبتت تحول المجلس من مدافع عن السلطات العامة إلى مدافع عن حريات الأفراد.
ومن خلال استعراض القرارات الصادرة عن المجلس الدستوري الفرنسي المتعلقة بالرقابة على دستورية القوانين يلاحظ أن حالات الطعن بعدم دستورية القوانين بين عامي 1958 و 1980 هي على الشكل الأتي:
1-ثم الطعن 38 مرة بدستورية القوانين العضوية ( الأساسية) حيث قرر المجلس الدستوري ،في غالبية الحالات، مطابقة تلك القوانين للدستور.
2-ثم الطعن 69 مرة بدستورية القوانين العادية ( 9 مرات قبل 1974 و 60 مرة بعد عام 1974، من 54 مرة مارس الطعن فيها نواب البرلمان ، والملاحظ هنا أن الازدياد الملحوظ في عدد الطعون التي تمت بعد 1974 يعود للتعديل الدستوري رقم 74/904 بتاريخ 29/10/1974 الذي أعطى ل 60 نائبا في أي من مجلسي البرلمان الحق بالطعن في دستورية القوانين .
الرقابة القضائية على دستورية القوانين  :
تعني الرقابة القضائية وجود هيئة قضائية تتولى الرقابة على دستورية القوانين .ولما كان موضوع الرقابة الدستورية مسألة قانونية ،وهي التحقق منه مدى تطابق القانون أم عدم تطابقه مع أحكام الدستور ،فمن المنطقي أن يعهد بهذه الرقابة إلى هيئة قضائية ،وما تقدمه من ضمانات الحياد والموضوعية والاستقلال وحرية التقاضي وعلانية الجلسات وتسبيب الأحكام، مما يجعل هذه الرقابة ضمانة أكيدة لاحترام الدستور.

وتنقسم الرقابة القضائية إلى رقابة إلغاء ورقابة الامتناع:
بخصوص رقابة الامتناع:
كما سبقت الإشارة إلى ذلك فقد أخذت فرنسا بنظام الرقابة السياسية على دستورية القوانين قبل إصدارها، أما فيما يخص حق القضاء في النظر في دستورية القوانين بطريقة الدفع فقد وقف المشرع والقاضي موقف الرافض لهذه الرقابة.
فالمشرع اتخذ موقفا معاديا لحق القضاء بالتدخل في أعمال السلطة التشريعية وذلك في الكثير من النصوص الدستورية والقانونية التي تنكر على القضاء هذا الحق، فالدساتير الفرنسية منذ نشأتها حتى الآن تحرم على القضاء أن يراقب دستورية القوانين ومن أبرزها:
مرسوم 16/8/1890 الذي نص على أن "لا تساهم المحاكم بطريق مباشر على أي نحو في ممارسة السلطة التشريعية، أو تمنع أو توقف تنفيذ مراسيم الهيئة التشريعية التي يصدق عليها الملك، وإلا تعرضت للعقاب 48.
أما القضاء الفرنسي سواء كان عاديا أم إداريا، فقد استقر على عدم جواز بحث دستور القوانين، من ناحيتها الموضوعية، من قبل المحاكم إلا أنها سمحت لنفسها بممارسة الرقابة الشكلية على القوانين، أي البحث فيها إذا صدرت القوانين مستكملة الشروط الشكلية التي يستلزمها الدستور، مثل موافقة مجلسي البرلمان على القانون وإصداره من قبل رئيس الجمهورية ونشره في الجريدة الرسمية.
وهكذا فقد استقر القضاء الفرنسي على عدم اختصاصه، إذا ما دفع أمامه بعدم دستورية قانون، أو طرح أمامه عدم دستورية بطريق الدعوى الأصلية، ومن أهم أحكام مجلس الدولة في هذا الصدد حكمه في قضية Arrigui بتاريخ 6/11/1986 حيث قرر فيه أن القانون الفرنسي يعد مسألة دستورية القوانين من المسائل التي لا ينبغي بحكم طبيعتها أن تكون محل مناقشة أمام مجلس الدولة كهيئة قضائية.
وكذلك حكمه الصادر بتاريخ 22/3/1944، الذي قرر فيه بأنه لا يجوز له النظر في الدفع الفرعي الخاص بعدم دستورية القانون.
وبدوره فقد اتخذ القضاء العادي الموقف نفسه الذي اتخذه مجلس الدولة في هذا الشأن واستقر على عدم اختصاصه في رقابة دستورية القوانين، وبدءا من حكمه الصادر سنة 1933، فقد تواثرت محكمة النقض الفرنسية على إعلان عدم اختصاصها رقابة دستورية القوانين وذلك عندما قررت أنه "ليس للقضاء الحق في البحث فيما إذا كان القانون رديئا أو غير رديء وأن القانون هو ما يجب إتباعه أمام المحاكم ما دام قد أقره البرلمان طبقا للأصول الدستورية، لذا لا يجوز قبول الطعن فيه أمام المحاكم بعدم دستوريته".
أما موقف الفقه الفرنسي من الرقابة الدستورية على القوانين من ناحيتها الموضوعية من قبل المحاكم فقد انقسم الفقهاء إلى فريقين:
الأول ينكر على المحاكم اختصاص النظر بالدستورية، مستندين في رأيهم إلى النصوص القانونية وإلى أن مباشرة المحاكم لهذه الرقابة يشكل خرقا لمبدأ فصل السلطات، إذ يرون أن وظيفة القضاء هو تطبيق القانون وليس الحكم عليه، وإن باشر القاضي الرقابة الدستورية فإنه يكون قد تعدى حدود اختصاص المشرع، في حين يرى الفريق الثاني حق المحاكم النظر في دستورية القوانين وإن ممارسة هذا الاختصاص ليس فيه أي تعارض مع مبدأ فصل السلطات، لأن طبيعة عمل القاضي، وهي تطبيق القانون، تحتم عليه، عند تعارض القانون العادي مع أحكام الدستور، تطبيق القانون الأسمى وهو الدستور والامتناع عن تطبيق القانون العادي، ولا يعد تصرف القاضي بهذه الصورة تدخلا في أعمال المشرع، إذ أنه لا يحكم بإلغاء القانون، وإنما يمتنع عن تطبيقه نظرا لمخالفته لقانون أسمى منه هو الدستور 49 .
وعليه، لو طبق القاضي القانون كما هو ولو خالف الدستور، لكان في ذلك اعتداء على السلطة القضائية من جانب المشرع، ومن إهدار لمبدأ فصل السلطات 50  .
الضمانات  الدستورية للحريات الفردية في فرنسا
إذا كانت الدساتير الداخلية للدول قد تكفلت ببيان حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، فإن حمايتها على أرض الواقع تقتضي إيجاد الضمانات المناسبة لحماية حقوق الإنسان وحرياته من كل أشكال  الانتهاك وإن كانت الوثيقة الدستورية تتمتع بخاصية السمو على باقي القوانين فقد أضفت على الحقوق و الحريات الفردية طابعا دستوريا يتعين احترامها. إلا أن التنصيص على مسألة الحقوق والحريات ليست قاصرة فقط على الدستور بل هناك نصوص قانونية |أخرى قد تتضمن النص على هذه الحقوق كما هو الشأن بالنسبة لإعلان حقوق الإنسان والمواطن الذي انبثقت عن الجمعية التأسيسية للثورة في 26 غشت 1789 قد شكل ذلك انعكاسا لنظريات العقد الاجتماعي وللفكر التنويري والحقوق الطبيعية التي نادى بها مفكرون من حجم ج ج روسو  ج لوك وموليتي ومونتيسكيو وهدا ما تم تضمينه في ديباجة الدستور الفرنسي لسنة 1946.
وعلى الرغم من تمتع المواطن في فرنسا بحقوق وحريات تحظى بحماية دستورية إلا أن ذلك يقتضي إقامة نوع من التوازن بين القيمة الدستورية لهدف الحقوق وبين القيم الدستورية العامة بمعنى ضرورة الحفاظ واحترام القيود المفروضة على هذه الحقوق والحريات وبالتالي ضرورة التوفيق بين السلطة والحرية وهو ما نادى به الفقيه " أندري هوريو"
مبدأ استقلال القضاء وحصانته
يعد استقلال القضاء خير ضمان لحماية حقوق وحريات الأفراد فالقضاء المستقل هو الذي يدود عن الحقوق والحريات ويمنع اعتداء أجهزة السلطة التنفيذية عليها والقول أن هناك قضاء مستقلا في دولة ما هو بالنظر إلى توافر مجموعة من العوامل من بينها أن القضاء وحده المختص بالفصل في المنازعات والدعاوى سواء تلك المنازعات الناشئة بين الأفراد فقط أم بينهم وبين الإدارة وإذا كان الثابت من الناحية الفقهية والدستورية أن الدولة تنهض كنظام قانوني لحماية الحقوق والحريات عن طريق إصدار القانون الذي يقرر هذه الحماية ومن خلال السلطة القضائية التي تكفل الحماية المذكورة.
رقابة المجلس الدستوري
عهد دستور 1958 للمجلس الدستوري بعدة اختصاصات منها ما هو ذو طبيعة استشارية مثل أخذ رأيه قبل تطبيق الفصل 16 من الدستور ومنها ما هو إداري مثل الرقابة العامة على عمليات الاستفتاء والانتخابات الرئاسية وإعداد قائمة المرشحين للانتخابات الرئاسية وإعلان  خلو منصب رئيس الجمهورية واختصاصات أخرى ذات طابع قضائي مثل الفصل في المنازعات والطعون الانتخابية التشريعية والرئاسية وكذا الفصل في حالات عدم الجمع بين عضوية البرلمان و النشاطات الأخرى.
إلا أن المهمة الأساسية للمجلس الدستوري هي فحص دستورية القوانين والنظام الداخلي لغرفتي البرلمان وإعطاء الرأي في دستورية المعاهدات الدولية.
وتتجلى أهمية دور المجلس الدستوري من خلال التعديل الدستوري الثاني لسنة 2008 من خلال نص الفصل 161 الذي يسمح للأفراد بمناسبة نظر نزاع مطروح أمام إحدى الجهات القضائية بالطعن في دستورية نص تشريعي ( يتعلق بالنزاع) المساس بالحقوق والحريات المضمونة في الدستور وفي هذه الحالة يجب رفع الدفع لمجلس الدولة أو محكمة النقض الذين يحيلان بدورهما الدفع للمجلس عن طريق قرار إحالة 51 وقد تقلد المجلس الدستوري دور المدافع عن حقوق الحريات للأفراد متجاوزا الدور الذي أريد له من قبل مؤسسي الجمهورية الخامسة وهو الدفاع عن السلطة التنفيذية ويظهر ذلك بشكل خاص من خلال قراره الشهير رقم 71-44 الصادر في 16/07/1971 المتعلق بحرية تكوين الجمعيات حتى أن الرئيس الفرنسي السابق " جيسكار ديستان" ذهب إلى القول أنه بفضل المجلس الدستوري أصبحت فرنسا دولة قانون 52  .
 ويري جمهور الفقه في فرنسا مدعوما بالقوى السياسية والمجتمع المدني، ضرورة توسيع حق ليشمل بشكل خاص الأفراد التي انتهكت حقوقهم وحرياتهم المكفولة في الدستور53   .
 المطلب الثاني  :  توازن السلطة والحرية في الدستور المغربي
 للحديث على موضوع توزيع وتوازن السلطة والحرية في الدستور المغربي سنتطرق لذلك من خلال الحديث عن فصل السلط وتوزيعها في الدستور المغربي في الفقرة الأولى ثم التطرق في الفقرة الثانية لرقابة دستورية القوانين.
الفقرة الأولى: فصل السلط وتوزيعها
إذا كان أهم ما جاء به القانون الدستوري هو التوفيق بين موضوع السلطة والحرية باعتماد آلية الفصل بين السلط، وذلك ضمن إطار سياسي يقوم على التعددية والأكثرية عوض الإجماع. ودلك لأن الإطار السياسي المغربي تحكم فيه هاجس التوفيق بين الإجماع  والتعددية ومؤسساتيا محاولة التوفيق بين نظام ملكية أصلية حاكمة ونظام برلماني معاصر ومن خلال ذلك سنحاول مقاربة كل مؤسسة وعلاقتها بالأخرى.
أولا   :    المؤسسة الملكية
بحسب دستور 2011 فإننا نلاحظ إعادة ترسيم مجموعة من السلطات والصلاحيات الخاصة بالمؤسسة الملكية وتكريس سموها مما يفيد أن فرضية الملكية البرلمانية التي تناولتها بعض المذكرات الدستورية لم تترجم بنص الوثيقة الدستورية رغم التنصيص عليها في الفصل الأول من الباب الأول الخاص بالأحكام العامة الذي نص على أن نظام الحكم بالمغرب، نظام ملكية دستورية ديمقراطية برلمانية واجتماعية.
وحسب دستور 2011 فإن سلطات الملك منها ما هو مستمد من المجال الديني (الفصل 41)، ثم المجال السياسي الذي تتفاعل في إطاره المؤسسة الملكية مع باقي المؤسسات الدستورية (الفصل 42).
فبالنسبة للمجال الأول (الفصل 41) الخاص بإمارة المؤمنين، يعتبر الملك حامي حمى الملة والدين والضامن لحرية ممارسة الشعائر الدينية، فهو من يتولى رئاسة المجلس العلمي .
وبمقتضى (الفصل 42) فإن الملك يتمتع بمجموعة من الصلاحيات الدستورية كرئيس الدولة وممثلها الأسمى، ورمز وحدتها وضامن دوام الدولة واستمرارها ، والحكم الأسمى بين مؤسساتها، والملك هو من يسهر على احترام وحسن سير المؤسسات الدستورية وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي وحقوق وحريات المواطنين والمواطنات والجماعات وعلى احترام المعاهدات الدولية.
ثانيا: علاقة الملك بالبرلمان
ليست الوظيفة التشريعية من احتكار البرلمان بقدر ما هي ميدان مقسم ومرتبط مع السلطة التنفيذية التي يرأسها الملك، فبمقتضى الفصل 65 من دستور 2011 يرأس الملك افتتاح الدورة الأولى التي تبتدئ يوم الجمعة الثانية من شهر أكتوبر، وللملك حق المبادرة بتشكيل لجان نيابية لتقصي الحقائق يناط بها جمع المعلومات المتعلقة بوقائع معينة، أو تدبير المصالح أو المؤسسات والمقاولات العمومية ويصدر الأمر بتنفيذ القانون خلال 30 يوما الموالية لإحالته على الحكومة بعد المصادقة عليه من طرف البرلمان (الفصل 50) وله حق حل أحد مجلسي البرلمان أو كليهما (الفصل 51)، كما له حق مخاطبة الأمة والبرلمان ويتلو خطابه أمام المجلسين، ولا يمكن أن يكون مضمونه موضوع أي نقاش داخلهما.
ثالثا: علاقة الملك بالحكومة
يعتبر الملك صاحب السلطة التنفيذية نظرا لما يخوله الدستور للمؤسسة الملكية من صلاحيات تكرس سموها، وذلك بإشرافه وتوجيهه للعمل الحكومي انطلاقا من حق التعيين إلى صلاحيته في إقالة الحكومة، وذلك من خلال الدساتير السابقة، إذن فهل حافظ دستور 2011 على تفوق الممارسة الملكية وتكريس نفس الصلاحيات أو أنه أدخل تعديلات التي من شأنها نقص من دور الملك اتجاه الحكومة والسعي نحو توزيع جديد للسلطة؟
بالرجوع إلى المقتضيات الدستورية ل 2011 نجد أن الملك هو الذي يعين رئيس الحكومة من طرف الحزب الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، كما يعين باقي الوزراء باقتراح من رئيس الحكومة ويعتبر أمر تعيين الحكومة من الحزب ألأغلبي أحد المستجدات الجديدة التي جاء بها دستور 2011.
ورغم محاولة دستور 2011 إعطاء دور لرئيس الحكومة باعتباره المسؤول عن تدبير الشأن الحكومي، إلا أن الواقع الدستوري يؤكد أن سلطات رئيس الحكومة في المجال التنفيذي محدودة من طرف سلطة أعلى منها.
رابعا: السلطة القضائية
من بين المستجدات التي جاء بها دستور 2011 هو استقلال السلطة القضائية، حيث نص الفصل 107 من الدستور أن السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية، والملك هو الضامن لاستقلال السلطة القضائية حيث أنه يمنع أي تدخل في القضايا المعروضة على القضاء، ولا يتلقى القاضي بشأن مهمته القضائية أي أوامر أو تعليمات ولا يخضع لأي ضغط "الفصل 105 من دستور 2011" وفي هذا الإطار تم مؤخرا استقلال النيابة العامة التي كانت تخضع لرئاسة وزير العدل وأصبح يرأسها الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، وذلك حتى نكون أمام سلطة قضائية مستقلة عن السلطة التشريعية والتنفيذية.
وفي الأخير تعتبر المؤسسة الملكية من أبرز المؤسسات وأصل هرم بناء الدستور المغربي بحيث نجد أن جميع السلط يكون مصدرها ومركزها هو الملك، فلذلك لا يجب قراءة الدستور قراءة سطحية ولكن يجب التغلغل في بنيته العميقة التي لها طابع تقليدي متعلق باعتبارات دينية التي تحل فوق الدستور، الأمر الذي يجعلنا نجزم أن المؤسسة الملكية لها سمو على جميع المؤسسات وذلك من خلال السلطات الواسعة للملك من خلال رئاسة المجلس الوزاري أو الأمر بتنفيذ القانون وطلب قراءة جديدة للقوانين ورئاسة المجلس الأعلى للسلطة القضائية ...، مما يوجب القول على أنه رغم النص في الدستور على فصل السلط ، فإن تتبع الاختصاصات العديدة التي يمارسها الملك بموجب الدستور، يؤدي بنا إلى القول بأن الدستور المغربي لا يؤسس لفصل السلط ، بل يجسد الملك رئيسا للدولة بسلطات واسعة في المجال التنفيذي والتشريعي ومؤسسة تسمو على جميع المؤسسات.
         الفقرة الثانية :الرقابة على دستورية القوانين في الدستور المغربي
إن الغاية من الرقابة على دستورية القوانين هو ضمان مدى مطابقة النصوص التشريعية للدستور فرغم أن البرلمان هو المعبر عن الإرادة الشعبية فإن منحه السلطة المطلقة في سن التشريعات ومنها تلك المتعلقة بالحريات العامة والخاصة والضمانات المتعلقة بها، قد يؤدي بها أحيانا إلى سن ما من شأنه تمييز الحريات المنصوص عليها دستوريا أو تلك المتضمنة في المواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب، لذلك فلابد من مراقبة مدى احترام السلطة التشريعية لهذه الضمانات، وهذا هو جوهر مبدأ فصل السلطات عند مونتيسكيو، حيث تتحقق الحرية من خلال مراقبة السلطة للسلطة.
وفي المغرب أحدث الدستور المغربي لسنة 2011 المحكمة الدستورية التي عوضت المجلس الدستوري وهي مؤسسة ذات تكوين مختلط جزء منها نابع من صناديق الاقتراع، وجزء منتخب من السلطة التشريعية، لكن في الواقع ثلث الأعضاء فقط نابع من الاقتراع المباشر، كما أن رئيسها معين إضافة إلى ستة أعضاء من الملك، لذلك هناك من يرى بأنها لا تتوفر على الاستقلال الضروري بالنسبة للسلطة التنفيذية.
وقد منح الدستور الجديد للقضاء الدستوري مهمة حماية الحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور عبر نوعين من الرقابة.
أولا : الرقابة القبلية
حيث يحق للمحكمة الدستورية مراقبة مدى مطابقة مشاريع القوانين لنصوص الدستور قبل إصدارها ونميز هنا بين نوعين من القوانين، الأولى القوانين التنظيمية والأنظمة الداخلية لمجلسي البرلمان، حيث تعرض وجوبا على المحكمة الدستورية حسب الفصل 132 من دستور 2011 قبل إصدار الأمر بتنفيذها كما كان الشأن بالنسبة للمجلس الدستوري قبل دستور 2011 وهنا يحق للمحكمة الدستورية رفض أي مقتضيات تمس الحقوق والحريات المحمية بنصوص دستورية مع الأخذ بعين الاعتبار هنا العديد من فصول الدستور المتعلقة بحقوق الإنسان، أحالت إلى قوانين تنظيمية من أجل وضع شروط لتطبيقها، كالحق في الإضراب مثلا.
ثانيا : الرقابة البعدية
تسمى بعدية لأن الرقابة الدستورية تتناول هنا النص القانوني بعد إصدار الأمر بتنفيذه ونشره بالجريدة الرسمية، وتطبيقه من طرف القضاة وقد نص الفصل 133 من دستور 2011، على أن المحكمة الدستورية تختص بالنظر في كل دفع متعلق بعدم دستورية قانون أثير أثناء النظر في قضية، وذلك إذا دفع أحد الأطراف بأن القانون الذي يطبق في النزاع، يمس بالحقوق والحريات التي تضمنها الدستور، ويحدد قانون تنظيمي شروط وإجراءات تطبيق هذا الفصل.
وبهذا فعندما نتكلم عن عدم وجود قانون تنظيمي متعلق بشروط وإجراءات الدفع بعدم دستورية القانون ودور المحكمة في إطار هذه الدعوى، لا يمكن الحكم على هذا النوع من الرقابة الجديدة في النظام السياسي المغربي، وهناك من يرى أن الرقابة لا تخص فقط بمراقبة مدى دستورية القوانين التي تمس الحريات بل يمكن ترسيخ مفهوم الحقوق لتشمل أيضا الحقوق المضمونة من طرف المواثيق والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، وبذلك يخول للأفراد إمكانية الطعن بعدم دستورية القانون المراد تطبيقه عليه في النازلة ويكون بذلك المغرب قد سار على نهج الدول الأخرى لهذا النوع من الرقابة كالولايات المتحدة الأمريكية، حيث أقرها الاجتهاد القضائي الأمريكي في إطار ما عرف بقرار ماربوري ضد ماديسون سنة 1809، رغم أن الدستور الأمريكي لم ينص عليها.
الفقرة الثالثة  : الضمانات الدستورية و القانونية للحريات الفردية
تندرج قوانين الحريات العامة في سياق التطورات المهمة التي تشهدها المملكة المغربية لتعزيز الاختيار الديمقراطي الذي التزمت به، ومن أجل تكريس دولة الحق والقانون والسماح لممارسة الحريات العامة في إطار تشييد المشروع المجتمعي الحداثي والديمقراطي.
وبناء عليه فإن أكثر وأصعب المفاهيم التي تواجه الفكر الإنساني وهو مدلول الحريات العامة، ويعود السبب أن كلمة عامة التي تلحق بالحريات وتشير إلى تدخل الدولة في ممارسة الأفراد لحرياتهم وفي مواجهة بعضهم ببعض أو في مواجهة السلطة.
إن الحريات العامة التي يفترض أن يتمتع بها المواطنون داخل الدولة، هي حرية المواطن مع الفكر وحرية الصحافة وحرية المجتمع، هذه كلها حريات ترتبط بالديمقراطية السياسية داخل الدولة   54.   
وحيث بدأ التقنين للحريات العامة بالمغرب مع دخول الحماية الفرنسية، حيث صدرت مجموعة من الظهائر خاصة ظهير 1958 وما تلاها من تعديلات لإرساء البناء القانوني للحريات بالمغرب، ويمكن إجمال أهم قوانين الحريات العامة فيما يلي:
ظهير شريف رقم 1.58.376 صادر في 15 نونبر 1958 يضبط بموجبه حق تأسيس الجمعيات الرسمية عدد 2404 مكرر بتاريخ 27 نونبر  1958ص 2849.
ظهير شرف رقم 1.58.377 الصادر في 3 جمادى الأولى 1378 الموافق 15 نونبر 1985 بشأن التجمعات العمومية الجريدة الرسمية عدد 2404 مكرر بتاريخ 16 جمادى الأولى 1378 27 نونبر 1958، ص 2853.
ظهير شرف رقم 1.58.378 بشأن قانون الصحافة والنشر الصادر في 3 جمادى الأولى 1378 الموافق 15 نونبر 1958 الجريدة الرسمية عدد 2404 مكرر بتاريخ 16 جمادى الأولى 1378 (27 نونبر 1958) ص 2856.
قانون رقم 004.71 بتاريخ 21 شعبان 1391 (17 أكتوبر 1971) يتعلق بالتماس الإحسان العمومي، الجريدة الرسمية عدد 3077 بتاريخ 20 أكتوبر 1971 ص 2465.
ولقد عمل المغرب في إطار الاتفاقيات الدولية على ملائمة تشريعاته ، حيث أكد دستور 2011 هذه المبادئ في ديباجته التي تقضي ... المملكة على احترام حقوق الإنسان والتشبث بالمبادئ المتعارف عليها عالميا، وجعل الاتفاقيات الدولية تسمو فور نشرها على التشريعات الوطنية، كما خص الدستور الجديد الباب الثاني بكامله (الفصول من 19 إلى 40) للحريات والحقوق الأساسية.
لعل أهم ضامن لهذه الحقوق هو الدستور وما يحتوي من نصوص والالتزام بمجموعة من المبادئ الدستورية التي على الدولة الالتزام بها و إلا لا فائدة من وجود نصوص  دستورية  غير محترمة من قبل سلطات الدولة، وبالتالي من أجل ضمان احترام الدستور لابد من توافر مجموعة من الضمانات المتمثلة بمجموعة من الضوابط القانونية الحامية للنصوص الدستورية من الانتهاك.
إذن فما هي هذه الضمانات القانونية والدستورية والسياسية للحقوق والحريات العامة ؟
الضمانات الدستورية والقانونية للحقوق والحريات العامة.
من دون وجود الضمانات تبقى النصوص قواعد قانونية معرضة لتعسف السلطة وإساءة استعمالها، ويقصد بالضمانات الوسائل والأساليب المتنوعة التي يمكن بواسطتها حماية الحقوق والحريات من الاعتداء عليها، وهناك مجموعة من الضمانات أو المبادئ الدستورية المتعارف عليها في جميع الدول ذات الأنظمة الديمقراطية، ولعل أهم الضمانات الدستورية العامة  التي تكفل حقوق الإنسان وحرياته، مبدأ المساواة، مبدأ المشروعية أو سيادة القانون، مبدأ الفصل بين السلطات، مبدأ استقلالية السلطة القضائية، ومبدأ الرقابة على دستورية القوانين.
وسنقوم بتبيين هذه المبادئ كما وردت في الدستور 2011:
1- مبدأ المساواة القانونية :
مبدأ وحق لا غنى عنه لحماية الفرد ووقايته من القمع، وكان من المبادئ الأساسية التي جاءت في التصريح الفرنسي سنة 1789، وتم تكريسه كحق في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وتم التأكيد عليه في العهد الدولي الخاص ب الحقوق المدنية والسياسية يعتبر مبدأ المساواة حجر الزاوية في الحريات العامة وأساسها التي لا قيام لها بدونه، وهذا ما يفسر حرص واضعي الدساتير الحديثة على تضمين هذا الحق، والنص على ضمانه بين جميع المواطنين دون تمييز، بسبب الجنس ، أو الأصل، أو اللون، أو الدين أو المذهب السياسي.
حيث نص الدستور المغربي على هذا المبدأ بصيغة صريحة، ويندرج ضمن هذا المبدأ مصادر عدة، سواء تلك التي تشير إليها المواد المتعلقة بضمان مساواة كل المواطنين والمواطنات في الحقوق، والمساواة أمام القانون. أو التذكير بالمساواة في تقليد الوظائف العامة في الدولة، أو المساواة في التعليم وأمام العدالة، المساواة في الواجبات وأمام التكاليف العامة والتكاليف الضريبية، المساواة في الدفاع عن الوطن.

أ. المساواة أمام القانون
ويقصد به كفالة الدولة لكل فرد حق التقاضي للمطالبة بحقوقه والدفاع عنها. ويقتضي مضمون المساواة أمام القضاء أن يتقاضى الجميع أمام المحكمة الواحدة، بحيث لا يختلف باختلاف الأشخاص أو الطبقات الاجتماعية، وكذلك يجب أن يكون القانون المطبق واحدا وأن تكون إجراءات التقاضي موحدة، وأن توقع ذات العقوبة المقررة لنفس الجرائم على أشخاص مرتكبيها. كما يقتضي أيضا أن يكون اللجوء إلى القضاء مجانيا لكي تتحقق المساواة أمامه.  55 .
أشارت جميع الدساتير المغربية السابقة إلى هذا المبدأ بصيغة ضمنية عند تنصيصها في الفصل 5 على مبدأ المساواة أمام القانون، وهي بالطبع تضم جملة ما تضم المساواة أمام القضاء 56.لكن بصدور الدستور الجديد تعزز هذا المبدأ وتم الإشارة إليه صراحة، وذلك بتخصيص عنوان يهم حقوق المتقاضين وقواعد سير العدالة في الباب السابع المتعلق بالسلطة القضائية. ونص في الفصل 118 على أن "حق التقاضي مضمون لكل شخص للدفاع عن حقوقه وعن مصالحه التي يحميها القانون". ونص في الفصل 121: "يكون التقاضي مجانيا في الحالات المنصوص عليها قانونا لمن لا يتوفر على موارد کافية للتقاضي"، ويضيف الفصل 126 أن "الأحكام الصادرة عن القضاء بصفة نهائية ملزمة للجميع"  57 .
فنصت جميع الدساتير المغربية السابقة على أن "جميع المغاربة سواء أمام القانون". وقد تعزز هذا المبدأ في الدستور الجديد 2011 بتغيير مدلول هذا النص وإضافة عبارات جديدة حيث ينص الفصل 6 بأن ” القانون أسمى تعبير عن إرادة الأمة. والجميع ، أشخاصا ذاتيين أو اعتباريين، بما فيهم السلطات العمومية، متساوون أمامه، وملزمون بالامتثال له."
ب. مبدأ المساواة في ممارسة الحقوق
يقر هذا المبدأ مختلف حقوق المواطنين والمواطنات في ممارسة الحقوق المدنية والسياسية طبقا للشروط التي يحددها القانون. ورد هذا المبدأ في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وقد أعلنت مختلف الدساتير العالمية مبدأ المساواة في الحقوق لجميع المواطنين دون تفرقة، وعلى هذا الأساس سارت مختلف الدساتير المغربية حيث نصت الدساتير المغربية السابقة في الفصل 8 على أن "الرجل والمرأة متساويان في التمتع بالحقوق السياسية". ونصت في الفصل 13 بأن "التربية والشغل حق للمواطنين على السواء". وفي ظل الدستور الجديد تم تعزيز هذا المبدأ، حيث جاء بإضافة جديدة لتعزيز المساواة بين الرجل والمرأة تجسيدا لمبدأ المساواة الايجابية، تتمثل في إقرار مبدأ المناصفة ودسترتها، مما يشكل نوعا من التدعيم والاستجابة لمطالب هيئة الإنصاف والمصالحة ونص في الفصل 19 "يتمتع الرجل والمرأة على قدم المساواة بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية الواردة في هذا الباب من الدستور، وفي مقتضياته الأخرى، وفي الاتفاقيات والمواثيق الدولية كما صادق عليها المغرب، وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها، وتسعى الدولة إلى تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء، وتحدث لهذه الغاية هيئة للمناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز". كما نص في الفصل 30 على أن " لكل مواطن ومواطنة الحق في التصويت وفي الترشيح للانتخابات، والتمتع بالحقوق المدنية والسياسية، وينص القانون على مقتضيات من شأنها تشجيع تكافؤ الفرص بين النساء والرجال في ولوج الوظائف الانتخابية ". ونص في الفصل 31 بأن "تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية على تعبئة كل الوسائل المتاحة لتيسير أسباب استفادة المواطنين والمواطنات على قدم المساواة من الحق في العلاج والعناية والصحة، الحماية الاجتماعية، التغطية الاجتماعية، تعليم عصري، السكن اللائق، الشغل، بيئة سليمة، التنمية المستدامة ".
ج. المساواة في تقلد الوظائف العامة
أي تكافؤ الفرص في شغل الوظائف العامة في الدولة. أي أن المواطنين متساوين في الحصول على الفرص وفقا لأحكام القانون، وأن ينالها من هو أهل لها وفق معيار القانون وحده دون أن تشوب الاختيار اعتبارات أخرى غير قانونية 58.
فنصت جميع الدساتير المغربية السابقة في الفصل 12 على أنه "يمكن لجميع المواطنين أن يتقلدوا الوظائف والمناصب العمومية وهم سواء فيما يرجع للشروط المطلوبة لنيلها". الأمر الذي أكده الدستور الجديد في الفصل 31 والذي جاء بصياغة جديدة "تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية لتيسير أسباب استفادة المواطنين والمواطنات على قدم المساواة من الحق في الشغل والدعم من طرف السلطات العمومية في البحث عن منصب شغل، ولوج الوظائف العمومية حسب الاستحقاق".
2- مبدأ سيادة القانون :
يعتبر مبدأ سيادة القانون أو مبدأ المشروعية أو الشرعية، أو مبدأ الدولة القانونية، على اختلاف التسميات لدى الفقهاء، أساس العدالة وقمة الضمانات الأساسية لاحترام حقوق الإنسان والحريات العامة من تعسف السلطة، ويعد من أسس قيام النظام الديمقراطي، واحترامه بشكل فعلي يؤدي إلى قيام دول ويقصد به خضوع المواطنين والدولة بكافة سلطاتها ومؤسساتها وإدارتها وموظفيها كافة من جميع المراتب للقانون المطبق في البلاد، دون أن يكون هناك امتياز لأي أحد واستثناء من تطبيق حكم القانون عليه. أي أن تتوافق كل التصرفات التي تصدر من سلطات الدولة، سواء كانت تشريعية أو تنفيذية أو قضائية، مع أحكام القانون. وبصفة عامة يعني أن القانون هو الحاكم الأعلى للجميع سواء للأفراد في علاقتهم بالسلطة أو بالنسبة للأفراد فيما بينهم 59.
حددت الدساتير المغربية السابقة عند تنصيصها على سيادة القانون في الفصل 4 على أن " القانون أسمي تعبير عن إرادة الأمة، ويجب على الجميع الامتثال له". ونص الدستور الجديد في الفصل 6 أن " القانون أسمى تعبير عن إرادة الأمة والجميع، أشخاصا ذاتيين و اعتبارين، بما فيهم السلطات العمومية، متساوون أمامه وملزمون بالامتثال له.
ثانيا : الضمانات السياسية
من أهم الضمانات السياسية لحماية الحقوق والحريات العامة احترام الرأي العام وحرية التعبير والصحافة وتشكيل الأحزاب السياسية. وبهذا سنقتصر الحديث عن ضمانة التعددية السياسية وضمانة الرأي العام.
1. التعددية السياسية والحزبية :
يرى العديد من المهتمين والدارسين للأنظمة السياسية في الديمقراطيات الغربية أن التعددية السياسية تعد ضمانة فعالة تحول دون انحراف السلطة عن أغراضها الدستورية. فوجود الأحزاب السياسية وتمثيلها في البرلمان يجعل سياسة الحكومة تخضع للمراقبة من طرف ممثلي الأمة، سواء بواسطة الآليات التي يمنحها الدستور لأعضاء البرلمان الأسئلة، الاستجواب، لجان التحقيق، سحب الثقة، ملتمس الرقابة... الخ)، أو عن طريق عمل الصحافة وتعبئة الرأي العام.
تندرج التعددية الحزبية التي تجد مجالها في النظام القانوني في إطار التعددية السياسية، والتي تعني تعايش ثقافات سياسية مختلفة ومقبولة في مجتمع ما، والتي تفرض تعايش الهويات والقوميات والثقافات، تجسدها الديمقراطية المتبلورة للمشاركة والمعبرة عن المواطنة الحقة والتي مجالها هو المجتمع والتيارات السياسية المتصارعة وأساسها هو الواقع.
تعد الأحزاب السياسية من أبرز المؤسسات والتنظيمات السياسية، وهي أدوات الصراع السياسي وأهم عناصر المشاركة السياسية، لدرجة يمكن القول أن الدولة أصبحت دولة الأحزاب السياسية، وأصبحت الديمقراطية والأحزاب أمران متلازمان لا يفترقان، فلا ديمقراطية بدون أحزاب سياسية ولا أحزاب سياسية بدون ديمقراطية.
تعد الظاهرة الحزبية من بين المؤسسات والتنظيمات الغربية التي حملها الأوربيون معهم إلى المغرب، فالحزب كمؤسسة عصرية لم تظهر على غرار المؤسسات العصرية إلا في عهد الحماية، حيث عرف المغرب التعددية مباشرة بعد الحماية وخاصة منذ إنشاء كتلة العمل الوطني عام 1934.
ومباشرة بعد استقلاله سنة 1956 وشروعه في بناء الدولة الوطنية سيعيد تأسيس التعددية الحزبية، فخلافا للعديد من الدول التي تحولت حركاتها التحررية إلى أحزاب وحيدة حاكمة، استبعد المغرب نظام الحزب الوحيد وقنن التعددية منذ الدستور الأول سنة 1962، وذلك تمشيا مع معطيات البنية السوسيو-سياسية للبلاد، ونص في الفصل 3" إن الأحزاب السياسية تساهم في تنظيم المواطنين وتمثيلهم، نظام الحزب الوحيد ممنوع بالمغرب". ليتواتر التأكيد على هذا النص في كل الدساتير اللاحقة.
والدستور الحالي أكد على التعددية الحزبية وعلى حظر نظام الحزب الوحيد، وأناط بهذه الأحزاب مهمة تأطير المواطنين وتكوينهم السياسي، حيث ينص الفصل 7 على ما يلي" تعمل الأحزاب السياسية على تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي، وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية، وفي تدبير الشأن العام، وتساهم في التعبير عن إرادة الناخبين، والمشاركة في ممارسة السلطة، على أساس التعددية والتناوب، بالوسائل الديمقراطية وفي نطاق المؤسسات الدستورية. تؤسس الأحزاب وتمارس أنشطتها بحرية، في نطاق احترام الدستور والقانون. نظام الحزب الوحيد نظام غير مشروع".
2. الضمانات الشعبية / الرأي العام
تعتبر الرقابة الشعبية من الضمانات الأساسية لحماية الحقوق والحريات في النظم السياسية المعاصرة، فهي بمثابة ضغوط سياسية لها دورها ووزنها في حماية حقوق الإنسان، حيث تعمل هذه الضمانة كرقيب للسلطة، سواء كانت تشريعية أو تنفيذية أو غيره. ويعد الرأي العام من أقوى الوسائل التي تكفل لنظام الحكم توازنه واعتداله، فكلما كان الرأي العام ضاغط وقوي في دولة ما يعرف حقوقه وحرياته ويؤمن بأهميتها، كلما حرصت السلطات العامة في تلك الدول على التزام تطبيق أحكام الدستور الذي يضمن هذه الحقوق، بالتالي تزداد فعالية هذه الرقابة .
الرأي العام في الأصل مصطلح غربي تم استخدامه من قبل الأنظمة السياسية الغربية الديمقراطية، وبصفة عامة الرأي العام مجموعة من الآراء ووجهات نظر تحملها جماعة من الناس حول مسائل أو مواقف أو مشاكل تؤثر على مصالحهم العامة أو الخاصة.
لا شك أن للرأي العام أهمية كبيرة في الوقت الحاضر، وخاصة مع تنوع وسائل الإعلام والاتصال وتقدمها. فقد أصبح الرأي العام يلعب دورا أساسيا في تشكيل الأفكار والاتجاهات السياسية، وفي تحديد طبيعة النظام في الدولة. كما أصبح مرشدا للحكومات للوقوف على رغبات الجماهير قبل سن القوانين واتخاذ القرارات المصيرية" 60.
ولكي يكون هذا الرأي العام فعالا ومؤثرا لا بد من وجود وسائل مهمة في صناعته وتفعيله، ومن أهمها: الإعلام، الصحافة، الأحزاب والمجتمع المدني. فللإعلام بمختلف وسائله: المرئية، السمعية، المطبوعة، الالكترونية..، دورا هاما في التوعية بقضايا حقوق الإنسان. وذلك في إطار مهماته الأساسية في عكس مواقف الرأي العام من القضايا المختلفة، وأيضا في تكوين وصناعة الرأي العام من ناحية أخرى. بل إن دور الإعلام يتجاوز التوعية إلى الدفاع والحماية عن الحقوق والحريات وتعزيزها من خلال فضح الانتهاكات، والتحريض على المطالبة بالحقوق وإشاعة احترامها والتنبيه إلى عدم التعسف في استعمالها. فقد منحت لوسائل الإعلام وظيفة مهمة كحارس أو حامي لمراقبة نشاطات سلطات الدول والمنظمات والجماعات والأفراد من خلال إعطاءها صوت لمن لا صوت لهم، وضمان عدم تمكن الأغلبية الحاكمة من الدوس على حقوق الأقلية ، إلى جانب اضطلاعها بأدوار کشف عمليات الفساد وسلط الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان  61  .
وتعتبر الصحافة وسيلة هامة من وسائل الإعلام، وتقوم بدور بارز وفعال في تكوين الرأي العام وفي التعبير عنه وتوجهه. فتأثير الصحافة كبير في حماية الحقوق والحريات الأساسية من خلال ممارسة دورها الرقابي على تصرفات الحاكمين ضمن الاصطلاح الشائع عنها السلطة الرابعة، من خلال ما تنشره من مقالات وأخبار ومعلومات إلى كافة الشعب. ومن خلال الدور الهام الذي تلعبه في نشر الوعي بين الجماهير بحقوقها وتحفيزها إلى الدفاع عن هذه الحقوق، وخاصة أمام التطور الحديث في صناعة الصحافة والذي يساهم في انتشارها على نطاق واسع، مما يجعل تأثيرها أعم في تكوين الرأي العام والتأثير فيه ونظرا لأهمية الصحافة ولدورها الفعال في حماية الحقوق والحريات نصت المادة 19 من الإعلان العالمي الحقوق الإنسان على حق كل شخص التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتكوينها ونقلها إلى الآخرين بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود". وهو ما أكد عليه العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في المادة 19.
نصت الدساتير المغربية السابقة في الفصل 9 على حرية الرأي وحرية التعبير بجميع أشكاله. وقد تم تعزيز هذه الضمانة في دستور 2011 والذي عمل على دسترة حرية الرأي والتعبير بجميع أشكالها، وحرية الإبداع والنشر (الفصل 25). ونص أيضا على حرية الصحافة بصريح العبارة وأقر عدم إخضاعها لأي شكل من الرقابة القبلية، وهو توجه جوهري ديمقراطي تتخذ الدول المتقدمة من مؤشره معيارا تقيس به مدى نجاح سياستها العامة في أوساط مواطنيها.
كما عمل على إقرار الحق للجميع في التعبير ونشر الأخبار والأفكار والآراء بكل حرية. ونص على تنظيم قطاع الصحافة بكيفية مستقلة وعلى أسس ديمقراطية. وأوكل للقانون تحديد قواعد تنظيم وسائل الإعلام ومراقبتها، حيث بنص الفصل 28 على ما يلي " حرية الصحافة مضمونة، ولا يمكن تقييدها بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية ، للجميع الحق في التعبير، ونشر الأخبار والأفكار والآراء، بكل حرية، ومن غير قید، عدا ما بنص عليه القانون صراحة. تشجع السلطات العمومية على تنظيم قطاع الصحافة، بكيفية مستقلة، وعلى أسس ديمقراطية، وعلى وضع القواعد القانونية والأخلاقية المتعلقة به ، يحدد القانون قواعد تنظيم وسائل الإعلام العمومية ومراقبتها، ويضمن الاستفادة من هذه الوسائل، مع احترام التعددية اللغوية والثقافية والسياسية للمجتمع المغربي ." كما عمل هذا الدستور على دسترة الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري وأوكل إليها السهر على احترام التعبير ألتعددي لتيارات الرأي والفكر والحق في المعلومة في الميدان السمعي البصري في إطار احترام القيم الحضارية الأساسية وقوانين المملكة ( الفصل 165).

خلاصة

إن أي دستور مهما  بلغ من الكمال فإنه ليس غاية في حد ذاته ، بل هو وسيلة لقيام مؤسسات ديمقراطية من أجل ضمان قيام توازن بين السلطة و الحرية في الأنظمة الدستورية ، و ذلك من خلال تفعيل  المقتضيات الدستورية و خاصة المقتضيات الحقوقية المتضمنة في الوثيقة الدستورية و تحويلها إلى إجراءات و تدابير ملموسة تتيح للمواطن تلمس آثارها في مختلف نواحي الحياة اليومية و في دواليب المؤسسات و الإدارات المختلفة .و هذا الرهان يتطلب انخراطا واسعا من لدن مختلف الفاعلين و من مختلف مكونات الدولة، من أجل تحقيق نهضة شاملة قاطرتها الديموقراطية و مبادئ الحكم الرشيد الذي تلعب فيه الأحزاب السياسية والمجتمع المدني دورا أساسيا إلى جانب الدولة  .





لائحة المراجع
1-                 شمس مرغني علي ، القانون الدستوري ، مطبعة دار التأليف -1977-ض241 .
2-     د عبد الله إبراهيم ناصف ، السلطة السياسية ، ضرورتها و طبيعتها –موسوعة الفقه     و القضاء –الجزء 208 – 1985 – ص 12-13 .
3-      د عبد الله إبراهيم ناصف ،مرجع سابق ، ص من 17 إلى 61 .
4-      د عبد الله إبراهيم ناصف ، مرجع سابق ، ص 117.
5-     د عبد الله إبراهيم ناصف ، مرجع سابق ، ص  13.
6-     د ماهر عبد الهادي ، السلطة السياسية في نظرية الدولة ،الطبعة الثانية ، دار النهضة العربية ، 1984 ، ص39 .
7-     اندري هوريو ، القانون الدستوري و المؤسسات السياسية ، ترجمة علي مقلد و شفيق حداد و عبد الحسن سعد، الأهلية للنشر و التوزيع ، بيروت لبنان ، 1974 ، ص106 .
8-     و من أنصار هذه النظرية ، العميد بيجي ، و يشير د محمد كامل ليلى إلى أن الفقه المصري يؤيد هذه النظرية أيضا ، د محمد كامل ليلى ، ص99 إلى 101 .
9-     د محمد علي آل ياسين ، القانون الدستوري و النظم السياسية ، الطبعة الأولى ، مطبعة المعارف ، بغداد ، 1964 ،ص 225 إلى 227 .
10- محمد علي أل ياسين ، مرجع سابق ، ص 222 إلى 229 .
11-                        ابتدئ هذه النظرية الفقيه الألماني هرتج  أخد بها الفقيه النمساوي جيليليك ، و في فرنسا كاريه دي مالبيرغ و الأستاذ فالين ، د محمد أل ياسين ، مرجع سابق ، ص 227 .
12- محمد أل ياسين ، مرجع سابق ، ص 228 . د مصطفى محمود عفيفي  ، ص 122 إلى 123 .
13-            أنظر في هذه النظرية تفصيلا د حسين عثمان محمد عثمان ، ص 170الى 176 .
14-            د مصطفى محمود عفيفي  ، ص 125 .
15-            د عبد الحميد متولي ، الحريات العامة نظرات في تطروها و ضماناتها و مستقبلها ، مطبعة المعارف بالإسكندرية ، 1974 ، ص 9-10
16-            د عبد الحميد متولي ،مرجع سابق ، ص 13،14 .
17-            د كريم يوسف كشاكش ، الحريات العامة في الأنظمة الدستورية المعاصرة ، دار المعرفة الاسكندرية – 1987 ، ص 24-25 .
18-            اندري هوريو ، مرجع سابق ،ص 173  .
19-            د زكرياء إبراهيم  ، مشكلة الحرية ، مكتبة القاهرة ، مصر  ، 1971 ،ص 18 .
20-              Andre haurion , droit constitutionnel et institution politique, option , cite , p 25 -19 .
21-            د ابراهيم عبد العزيز شجا ، النظم السياسية و القانون الدستوري ، ص 22 .
22-              Andre haurion  , option ,cite ,p 27 .
23-            أنظر المادة 16 من إعلان حقوق الانسان و المواطن ، من  قبل الجمعية الوطنية الفرنسية ، سنة 1789 .
24-            د محمد رفعت عبد الوهاب ، القانون الدستوري ، ص 14 .
25-            د محمد رفعت عبد الوهاب ، القانون الدستوري ، ص 15  .
26-            Marcel pirlot , institution politique et droit constitutionnel ,paris , dalloz , 1963 ,p32 .
27-            د عبد الغني بسيوني عبد الله ،النظم السياسية و القانون الدستوري ، ص 299 .
28-              Andre haurion  , option ,cite ,p 28-30 ..
29-            محسن خليل ، النظم السياسية و القانون الدستوري ، ص 24 .
30-             د حسن سيد احمد إسماعيل، النظام السياسي للولايات المتحدة الأمريكية ، ص :5 .
31-            د حسن سيد احمد إسماعيل،  مرجع سابق ، ص
32-            د حسن سيد احمد إسماعيل،  مرجع سابق ، ص
33-            د حسن سيد احمد إسماعيل،  مرجع سابق ، ص
34-            المادة الأولى الفقرة الثامنة من الدستور الأمريكي
35-            د حسن سيد احمد إسماعيل،  مرجع سابق ، ص
36-            د حسن سيد احمد إسماعيل،  مرجع سابق ، ص
37-            د.زحل محمد الأمين ،القانون الدستوري والنظم السياسية د ، ص151   .
38-             د.زحل محمد الأمين ،مرجع سابق ، ص
39-            د.زحل محمد الأمين ،مرجع سابق ، ص
40-            اندريه هوريو المؤسسات السياسية والقانون الدستوري ص 8 .
41-            د محمد ثروت ، النظم السياسية ، ص 375 .
42-            عبدالغني بسيوني،النظم السياسية ،ص :308 و ما بعدها .
43-            G.Burdeau traité  de sciences politiques 1969 P365
44-            يحي الجمل ، القضاء الدستوري في مصر ، 1992 ، ص  25 .
45-            عبد العزيز محمد السلمان ، رقابة دستورية القوانين ، القاهرة ، دار الفكر العربي ، 1995 ، ص 190- 205 .
46-            عبد العزيز محمد السلمان ،مرجع سابق ، ص 207 .
47-            عبد العزيز محمد السلمان ،مرجع سابق ، ص 208 .
48-            من أشهر زعماء الفريق المؤيد للرقابة القضائية دوغيت و هوريو  و بيرتلمي .
49-            يسري محمد العطار ، الموازنة بين الرقابة السابقة و الرقابة اللاحقة على دستورية القوانين ، مجلة الدستورية تصدر عن المحكمة الدستورية العليا بمصر ، السنة الثالثة ، العدد 8 ، أكتوبر2005 ، ص 30 و ما بعدها .
50-            التعديل الدستوري المؤرخ في 23 /07/2008 ، القانون الدستورية رقم 2008/724 ، الجريدة الرسمية بتاريخ 24/07/2008 .
51-            شعبان أحمد رمضان ، ضوابط و أثار الرقابة على دستورية القوانين  (دراسة مقارنة ) ، رسالة دكتوراه جامعة أسيوط بمصر ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، طبعة 2000 ، ص 130 .
[1] صالح حسن سميع: أزمة الحريات الأساسية في الوطن العربي، الزهراء للإعلام العربي طبعة 19.88.1 (ص 7-54
 55- مرتكزات حماية حقوق الإنسان في صناعة التشريع بالمغرب "يوسف البحيري" نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم
                                03-12-2013   .                 
56 – ظهير شريف رقم 1.96.157 الصادر في 23 جمادى الأولى 1417 (7 أكتوبر 1996)  دستور 1996.
57- دستور 2011  الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.91 بتاريخ 29 يوليوز 2011.
58 - مرتكزات حماية حقوق الإنسان في صناعة التشريع بالمغرب "يوسف البحيري" نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 03-12-2013
59 - خضر خضر: مدخل إلى الحريات العامة وحقوق الإنسان "المؤسسة الحديثة للكتاب" ط 2005 ص 335 .
60- الحقوق والحريات الأساسية في الدساتير المغاربية "أمل المرشدي" 3 أكتوبر 2016 .
61 - الحريات العامة وحقوق الإنسان وضمانات ممارستها يوم 25 غشت 2012 .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آثــار إثبــات البنـوة والنسـب على ضــوء مقتضيات قانون مدونة الأسرة الجديد 70.03                            الجزء الأول   مقدمة ع...