السبت، 4 مايو 2019

اللوبيات و قانون المالية





المطلب الأول : جماعات الضغط وتأثيــــــرها في صناعة مشروع قانون المالية

تعد جماعات الضغط قوة للتأثير السياسي غير المباشر لا تستهدف الوصول إلى الحكم، بل تكتفي بالضغط عليه لتلبية مطالبها، وتعرف بكونها جماعات منظمة تسعى إلى التأثير على مضمون مختلف القرارات الحكومية دون محاولة منها لتنصيب أعضائها في المراكز الرسمية[1]
وتلجأ هذه الجماعات إلى شتى الوسائل لتحقيق الأهداف التي ترمي إلى الوصول إليها، وهي لها مصالح مختلفة وعلى مستويات متنوعة، فجماعات الضغط تعمل جاهدة من أجل كسب موضوع معين كإصدار قانون لصالحها أو إلغاء قانون يضر بمصالح أعضائها. كما أن جماعات الضغط وأهمية العديد من أعضائها ووزنهم الاقتصادي يساعد على إرســـــاء سلطتها ويشكل بالنسبة لقادتها ورقة رابحة في التأثير على السلطات العمومية وإبهار الرأي العام، فالثقل المالي يلعب دورا بالغ الأهمية بالنسبة لسير الجماعة وتحقيق مساعيها، وعلى هذا الأساس تتنوع أساليب وآليات ممارسة الضغط والتأثير على سلوك أعضاء البرلمــــان وتوجيه أدائهم وفق ما تمليه مصالح هذه الجماعات. 
الفقرة الأولى: وسائل جماعات الضغط في صناعة مشروع قانون المالية
إن تنامي تأثير الجماعات الضاغطة على البرلمان المغربي يظهر بشكل جلي من خلال حجم الضغوطات التي تمارسها وحجم تأثيرها في تعديل القوانين، ويبقى المجال الأكثر نشاطا بالنسبة لها هو الميدان المالي، ذلك أنه على الرغم من أن أعضاء البرلمان يمثلون مختلف القطاعات العمومية على المستوى الوطني، إلا أنهم يخضعون لضغوطات كبيرة أثناء مناقشة الميزانية أو أثناء مناقشة قانون في غاية الأهمية مثل الإصلاح الضريبي[2]، فهي
تسعى للتأثير على أصحاب السلطة لدفعهم للاستجابة لمطالب معينة سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية، ويكون ذالك بصورة غير مباشرة عبر وسائل مختلفة على رأسها إنشاء شبكة من العلاقات مع المحكومين والسياسيين والإعلاميين وما نحوهم من أصحاب النفوذ وتعتمد لوبيات الضغط في عملها على نوعين من الوسائل:
الــــــوسائل المباشرة:وذالك عن طريق الاتصال بأصحاب القرار في الدولة وبذل كل ما يمكن لإقناعهم بإصدار القرارات التي تخدم مصالحهم.
 الــــوسائل غير مباشرة: وتتجلى في استخدام أسلوب الترغيب والترهيب عن طريق تعبئة الرأي العام لدفعه لحث أصحاب القرار على اتخاذ قرارات معينة تصب في مصلحته، فهي تسعى للتأثير في الدولة من جهة، وعلى الدولة من جهة ثانية، وفي الرأي العام من جهة ثالثة[3].
إضافة إلى أن عملية الضغط التي تمارسها هذه الجماعات قد تكون شرعية (الإقناع، الإضراب، المظاهرات...) كما قد تلجأ في بعض الأحيان إلى أساليب غير شرعية (الرشوة،التهديد،عرقلة عمل الحكومة) إذا  تطلب الأمر حماية مصالحها، فضلا عن تقديم المعلومات وطـــرح البدائل للمشــــرعين لتبيان المصلحة التي تدافع عنها، فتحـــويل مطالب 
جماعات الضغط إلى الواقع الفعلي يتطلب منها التحرك نحو إقناع صناع القرار، ومن أجل ذالك تمارس عليها تأثيرات وضغوطات لتحقيق هذا الغرض[4].
الفقرة الثانية: تأثير جماعات الضغط في صناعة مشروع قانون المالية
إن جماعات الضغط بالرغم من كونها فاعل غير رسمي في النظام السياسي لعدم امتلاكها الصلاحيات القانونية لصنع القرار في أغلب الأحيان، إلا أنها تشارك في صناعة مشروع قانون المالية، بممارستها الضغط سواء بطريقة مباشرة من خلال التأثير على السلطات الرسمية المخولة قانونا بإعداد مشروع قانون المالية والتي يمكن إجمالها كما سبق الذكر آنفا في السلطة التنفيذية الممثلة في وزارة المالية والمديريات المساعدة ورئيس الحكومة حسب المادة 32 من القانون التنظيمي التي تنص أن إعداد مشاريع قانون المالية تتم تحــت
سلطة رئيس الحكومة، فهذا الأخير يسهر على تحديد الإستراتيجية المالية بناءا على الفرضيات و الاختيارات التي أعدها وزيــــــر المالية، والبرلمان من خلال المصادقة على
هذا المشروع أو بطريقة غير مباشرة بتوجيه تأثيرها على الرأي العام.
أ‌)      التأثير على المقررين السياسيين
إن صناعة مشروع قانون المالية بالمغرب لا تنحصر فقط في مشاركة الجهات والقوى الرسمية، بل هناك جهات أخرى غير رسمية تشارك هي الأخرى بحظ وافر في التأثير على صانعي مشروع قانون المالية، ومن هذه الجهات على سبيل المثال الجماعات الضاغطة وأهمها النقابات العمالية، هذه الأخيرة  قد أفرد لها الدستور المغربي لسنة 2011 الفصل 8 حيث نص في الفقرة الأولى على ما يلي: تساهم المنظمات النقابية للأجراء، والغرف المهنية، والمنظمات المهنية للمشغلين، في الدفاع عن الحقوق والمصالح الاجتماعية والاقتصادية للفئات التي تمثلها، وفي النهوض بها، ويتم تأسيسها وممارسة أنشطتها بحرية، في نطاق احترام الدستور والقانون[5].
إن أي تعريف للنقابة يجب أن ينطلق من التعريف الذي أعطي للجماعات الضاغطة، لذلك يجب اعتبارها تجمع لأشخاص يمارسون مهنة معينة يتفقون فيما بينهم على بذل نشاطهم وتخصيص جزء من مواردهم على وجه دائم ومنتظم لتمثيل مهنتهم والدفاع عنها وحماية مصالحهم وتحسين شروط حياتهم بالإضافة إلى المشاركة في إعداد وتنفيذ السياسة الوطنية اقتصاديا واجتماعيا.
ومن نماذج الضغط الممارس على السلطات والهيئات القرارية دعوة النقابات للعمال إلى الإضراب عن العمل، أو القيام بجمع التوقيعات لدعم مطالبها، وتعتبر المزود للمقررين السياسيين بالمعطيات المتعلقة بموضوع القرار، ويتم ذلك عن طريق الدراسات التي تنجزها هذه النقابات وتضعها رهن إشارة المقررين للإطلاع عليها إما بتزويدهم بها مباشرة، أو عن طريق نشرها على صفحات الجرائد أو في وسائل الاتصال الأخرى[6].
وتقوم جماعات الضغط بالدفاع عن مصالح المجموعات المهنية(الغرف المهنية، النقابات...)، حيث يتم ذلك على مستوى الأجهزة البرلمانية خاصة اللجان والفرق البرلمانية.
فمن حيث اللجان هناك لجنة المالية والتنمية الاقتصادية التي تعتبر مكانا للحوار والتسوية بين السلطة التنفيذية وممثلي المكلفين الذين لا يترددون في التدخل على هذا المستوى لترجيح وجهات نظرهم حيث يفضلون طريقة اللجان لما تتميز به من فعالية، وبالنظر لما تحاط به أعمالها من سرية قصوى تجعلها الأقل عرضة للإشهار والمراقبة عكس الجلسة العامة، حيث يرتكز انتخاب رؤساء اللجان الدائمة على النسبية النيابية وهو ما يفسر في غالب الأحيان الرفض الكلي لكل تعديل مقدم من قبل المعارضة خاصة إذا كان يستهدف المساس بمصالح تلك الجماعات، كما أن تأثيرها يمتد أيضا إلى الفرق البرلمانية حيث تلعب دورا رئيسيا في تنسيق مواقف الأحزاب السياسية والدفاع عن البرنامج الجبائي لهذه الأخيرة داخل البرلمان، وتتفاوت حظوظ نجاح هذه البرامج حسب ما إذا تعلق الأمر بفرق الأغلبية أو فرق المعارضة، حيث تبقى حظوظ هذه الأخيرة في إحداث تعديلات لصالحها مسألة غير واردة أي أن نسب النجاح ضئيلة مقارنة بفرق الأغلبية التي غالبا ما تلقى تعديلاتها وآراؤها الترحيب من طرف الحكومة، أي أن تركيز جماعات الضغط نشاطها وتواجدها في فرق الأغلبية أكثر ايجابية ويؤتي بنتائج مثمرة، كما أن جماعات الضغط يمكن أن تقوم بالتدخل على مستوى الأفراد، خاصة في حالة ما إذا كان البرلماني يدين لبعض المجموعات والمنظمات السوسيو مهنية بالدفاع عن مصالحها إذ يكون مرغما على فعل ذلك تحت طائلة التهديد بعدم تجديد انتخابه.
إن التأثير الذي تقوم به تلك الجماعات على عضو البرلمان يشل تفكيره، ويجعل هدفه الوحيد هو تحقيق مصلحتها مما يتعارض مع المصلحة العامة، مما قد يعرضه أيضا إلى أن يكون عرضة لوسائل منافية للأخلاق مثل الرشوة، وبالتالي يرهن تصويته ورقابته للعمل الحكومي لصالح الجماعات الضاغطة[7].  
 ويعتبر الإتحاد العام لمقاولات المغرب أهم جماعة ضغط بمواصفات اللوبي، وتتخذ مشاركته المؤسساتية في مسار اتخاذ القرار أشكالا مختلفة تسلك من خلالها بعض الأليات التي يشتغل بها اللوبي، نذكر منها الأعمال التحضيرية وذلك بمشاركته في أعمال التحضير لمشاريع القوانين كما هو الشأن بالنسبة لمدونة الجمارك، المدونة العامة للضرائب، وقوانين
المالية، ومدونة الشغل، وهي أعمال محددة جدا في تبني مقترحاتها، وتعتبر اللجن المشتركة سواء كانت إدارية أم برلمانية، أهم الفضاءات التي يتجسد فيها التأثير والاختراق، ولا يبدو الضغط ظاهريا، بالطريقة التقليدية المعهودة، لكن بطبيعة وقوة النخب التي تمثلها والمصالح التي تديرها وموقعها في النسق السياسي يجعل أراها محترمة ومؤثرة في اتخاذ القرار[8].
وتجدر الإشارة إلى أن توفير المعطيات لا يأتي فقط بمبادرة من النقابة العمالية، ففي أحيان كثيرة تبادر السلطة نفسها إلى طلب رأي الجماعة باعتبارها صاحبة المصلحة وعارفة بخبايا وتفاصيل القطاع الذي تشرف عليه، ويظل الحل الأنجع في مسعى النقابات العمالية يتمثل في النفاذ إلى أعلى مستويات هذه السلطة، ويتعلق الأمر برئيس الحكومة، لذلك فإن ممثليها يطلبون لقاء مباشرة عادة ما يستجاب له، وتتخذ هذه المقابلات شكل جلسات مناقشة وحوار من أجل الإقناع يصعب أن نصف على إثرها نشاط الجماعات بالضغط.
والجدير بالذكر أن النقابات العمالية تقوم بالضغط على البرلمان حتى في حالة الاختصاص الحكومي، وذلك راجع إلى أن البرلمان له وسائل كثيرة لمساءلة الحكومة والتأثير عليها، ولذلك فإنه يلجأ اليه للضغط بطريقة غير مباشرة على الحكومة[9].
ب‌)  التأثير على الرأي العام
إن الحكومات تعتمد في بقائها على تأييد الرأي العام، ولذلك تسعى هذه الجماعات لتعبئته وتوجيهه بما يخدم مصالحها، كإصدار النشرات وتوزيعها، وعقد الندوات وإلقاء المحاضرات، واستخدام وسائــل الإعلام المختلفة لشرح وجهة نظرها[10]، ولذلك تلجأ النقابات
العمالية إلى تعبئته وتجنيده لممارسته للتأثير على الحكومة، ومن أجل ذالك تستخدم بعض الأساليب التي تزعجه، ومنها الإضراب والتظاهر في الطريق العام وشل حركة النقل، فالوسيلة المفضلة للنقابات عندما تود استخدام الرأي العام هي الإقناع. إن اختيار هذه الطريقة ينطلق أيضا من الإيمان بأن الرأي العام يصنع، بحيث يمكن عبر استعمال بعض الوسائل استمالته[11].
وهذا إن دل على شئ فإنما يدل على ما للجماعات الضاغطة من دور مهم جدا في التأثير على الرأي العام لما لها من إمكانيات تسهل استخدام وسائل الإعلام بطرح قضاياها في كل وقت، وبالتالي تحصل على تعاطف الرأي العام.
فللرأي العام قدرة كبيرة على التأثير على الجماهير وذلك لما للرأي العام من وسائل تعمل على تكوين غطاء على عين الجماهير فيقع في قبول سياستها وأفكارها ومن ثم نقلها إلى السلطات العامة في الدولة[12].
ü المطلب الثاني: تقييم تدخل جماعات الضغط في تأثيرها على صناعة مشروع قانــــــون المالية   

إن السلطة التنفيذية من الناحية النظرية و العملية  هي المسؤولة عن تحضير مشروع قانون المالية، لكن من الناحية الواقعية هناك هيئات متعددة تساهم في القرار المالي، منها جماعات الضغط والتي تضغط على جهات قريبة من اتخاذ القرار للحصول على مآرب وأهداف تخدم مصالحها السياسية والاقتصادية بالدرجة الأولى، ومصالح أخرى تتفرع عنها يمكن أن تكون اجتماعية أو قانونية. هذه المجموعات منظمة ولها أهداف ومصالــــح بعيدة المدى، حيث تسعى إلى الوصول إلى أهدافها عن طريق ممارسة ضغط كبير منظم ومنهج قصير المدى على صناع القرار ضمن ما يخدم مصالحهم[1].
الفقرة الأولى: صور تدخل جماعات الضغط في صناعة مشروع قانـــــون المالية
يأخذ تدخل جماعة الضغط في صناعة القرار عدة صور، فقد يكون نشاطها منصبا على تقديم مطالبها كمقترحات وبدائل سياسية أو حتى إيقاف العمل بسياسة لا تخدم مصالحها وتعطيل العمل بها أو التعديل فيها، وهذا يتطلب وجود مقومات خاصة لهذه الجماعات تمكنها من تحقيق أهدافها[2].
وقد ارتبطت المالية العامة في العديد من الدول النامية، ومنها المغرب باسم المؤسسات المالية الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك العالمي مانحي القروض والمساعدات إلى البلدان المحتاجة كما ينص على ذالك ميثاق تأسيس هذه المؤسسات، إلا أن الواقع العملي كشف أن ممارسات هذه المؤسسات بعيدة عن تحقيق هذه النوايا الحسنة، فتلك القروض والمساعدات أصبحت مشروطة ونابعة من الاستجابة للشروط التي تفرضها على الدول المستدينة والتدخل في مختلف سياسات هذه الدول[3].
وقد أصبحت سياسة الاقتراض لدى المغرب إجراء روتينيا، يتعاطاه في كل مناسبة تعجز فيها الحكومة المغربية عن تغطية الميزانية اللازمة لتدبير شؤون الدولة ويظهر ذالك في تنفيذ الحكومة المغربية مجموعات من توصيات صندوق النقد الدولي، التي اشترطها مقابل خطوط السيولة المالية المفتوحة نحو ميزانية الرباط وقد كان أول هذه الإصلاحات المستلهمة من توصيات صندوق النقد الدولي على سبيل المثال لا الحصر:
إصلاح قطاع الطاقة عن طريق تحرير أسعار المحروقات ورفع الدولة يدها عن دعم مواد الطاقة المستوردة، ثم بعد ذالك تحديث إطار الميزانية من خلال العمل على تحيين الحاجات المالية للدولة، وتقوية القطاع المالي الخاص، وفي هذا الإطار يدخل أيضا الإصلاح الذي أقدمت عليه الحكومة المغربية مؤخرا المتعلق بصناديق التقاعد، وهو المطلب الذي ظل يطالب به صندوق النقد الدولي منذ تمكينه الرباط من خط السيولة الأول سنة 2012.
وتجدر الإشارة إلى أن إملاءات صندوق النقد الدولي لا تكثرت للطبقات الشعبية حيث ساعدت الإصلاحات التي نصح بها صندوق النقد الدولي الحكومة المغربية سنة2012 في تحريك عجلة الاقتصاد وتحسن النمو في عام 2015 بمقدار%5 وعالجت الاختلالات المالية المحلية والخارجية. كما مكنت الحكومة من تعزيز تحكمها بالميزانية العامة بعد خفض الإنفاق في صندوق المقاصة، حيث تراجع الدعم العمومي للمواد الطاقية والغذائية المستوردة، مثلما أنقذت السيولة المقدمة من المؤسسة المالية الدولية الاقتصاد المغربي من الانهيار.
هذا فيما يخص تدخل المؤسسات المالية الدولية في توجيه القرار المالي[4]، أما على المستوى الوطني تشكل النقابات قوة سياسية قادرة على تغيير مجرى السياسة والدفع في اتجاه تبني قرارات سياسية أو عرقلتها، وإذا كان الحقل النقابي المغربي يعرف الكثير من النقابات، فإن التي تتوفر فيها شروط التمثيلية والتي تعترف الحكومة بأهليتها للتفاوض بشأن مطالب العمال تنحصر في الإتحاد المغربي للشغل، والكونفدرالية الديمقراطية للشغل، والإتحاد العام للشغالين بالمغرب، دون أن ننسى دور الإتحاد العام لمقاولات المغرب الذي يمثل اليوم أكبر هيئة اقتصادية بإمكانه مواجهة أي إصلاح أو اختيار اقتصادي يمس بمصالحه. كما أن وعي هذه "الباطرونا" بأهميتها ودورها داخل أي معادلة أو إصلاح أو اختيار اقتصادي، جعلها تمارس ضغوطات على الدولة تصل إلى مستوى المساومة (إشكالية البطالة، إشكالية قطاع النسيج والتصدير..) وتعد السياسة الجبائية أكثر المجالات تعرضا لتأثير هذه "البورجوازية".
وهكذا فإن الاتحاد يعتمد عند بلورة قوانين المالية على المستندات والمذكرات أو المرسلات التي قدمها أو يبعث بها، ليس فقط إلى وزير المالية باعتباره هو الذي يحضر مشروع قانون المالية تحت سلطة رئيس الحكومة، بل وإلى كل الوزارات المعنية وعلى رأسها رئاسة الحكومة، وتتضمن هذه الوثائق دراسات تقنية يتم إعدادها من طرف خبراء اللجنة الجبائية، كما تتضمن مقترحات تشكل منطلقا لجلسات التشاور مع الحكومة، والتي غالبا ما تعمل على تنفيذها ضمن قوانين المالية اللاحقة. كما أن الاتحاد يلجأ إلى المؤسسة البرلمانية للدفاع عن مصالحه في العديد من الحالات التي يتضمن فيها القانون المالي إجراءا لا يحظى برضاه، ويعقد جلسات تشاورية مع بعض النواب البرلمانيين أو مع رؤساء الفرق البرلمانية وكذا مع اللجان البرلمانية المختصة. وبالتالي يمكن القول أن الإتحاد العام لمقاولات المغرب يعد أكبر مؤثر على صعيد العمل التشريعي،حيث انتقل تأثيره من شكل يتسم بالسرية إلى شكل أكثر وضوحا خلال العقد الأخير[5]، ويبقى الاتحاد نموذجا لأقوى جماعات المصالح على اعتبار أنه هيئة تضم رجال الأعمال والمال، أي طبقة الأثرياء المتحكمة في اقتصاد وثروات البلاد من خلال الشركات والمقاولات التجارية والصناعية والعقارية على المستوى الداخلي والدولي[6].
واعتبارا لكون قانون المالية أو المجال الضريبي والمالي أهم المجالات الحيوية التي تتضح خلالها أعمال اللوبي الخاصة بالباطرونا المغربية المتمثلة في الإتحاد العام لمقاولات المغرب، هناك العديد من التجليات لتدخلاته، كالشق المتعلق بالإعفاءات الضريبية، والتدخل في إعداد ومناقشة مشاريع قوانين المالية، اذ يتدخل الإتحاد من أجل إدخال تعديلات تهم موضوع الضرائب (الضريبة على الشركات، الضريبة على القيمة المضافة، الضريبة التي تخص القطاع المالي والبنكي، وتخفيض الضريبة الجمركية على استيراد بعض المنتوجات خاصة المواد الأولية[7].
فالمجموعات المهنية واللوبيات الاقتصادية على سبيل المثال ترتبط بعلاقات كبيرة مع الوزارات الوصية على النشاط الذي تمارسه وهو ما يشكل ضغطا على الحكومة تأخذه بعين الاعتبار في صياغة مشروع قانون المالية خصوصا في الشق المتعلق بالضرائب، إذ تمارس مجموعة من الضغوطات على البرلمان من أجل إقرار إجراءات تتماشى ومصالحها.
ومن أهم هذه المجموعات في المغرب كما سبق الذكر أنفا نجد الاتحاد العام لمقاولات المغرب، منذ أن أسس سنة 1974، ويعتبر أقوى نموذج لمجموعات المصالح على المستوى الوطني، إذ نظرا لثقله المالي والاقتصادي والتنظيمي، يستطيع أن يفرض وجوده على مستوى بلورة القرار الضريبي، بل يتعدى الأمر ذالك إلى أن تتم استشارته بمناسبة تحضير كل مشروع قانون المالية،أو اي إصلاح تعتزم الحكومة القيام به، الشئ الذي يجعله يتبنى سياسة ممنهجة، تنبني على التقليل من أهمية الامتيازات الضريبية الممنوحة سابقا، وعلى المبالغة في تعظيم حجم الضرر الذي يلحق أعضاءه من جراء تطبيق أي تشريع ضريبي، وخير مثال على ذالك يمكن إيراده في هذا السياق هو أنه عندما كان السعر الأعلى للضريبة العامة على الدخل محدد في %52 كان الاتحاد يطالب بتخفيضه إلى %48 ولما تحقق له ذالك سنة 1998 أصبح يطالب ثانية بتخفيض السعر إلى%46 ثم إلى%44 ثم %41،5.
وعوض الاقتصار على الدور السلبي الإنتظاري، يأخذ الاتحاد العام لمقاولات المغرب المبادرة القائمة على فلسفة التشاور الإيجابي والمسؤول في إطار التباحث مع السلطات الحكومية خلال جميع أطوار صنع القرار الجبائي، ولو كان ذالك على حساب العدالة الجبائية والسلم الاجتماعي لكون السلطات الضريبية تجد نفسها عاجزة عن لعب دور المحايد، على عاتقها مسؤولية حفظ العدالة والمساواة التي تعتبر من أهم المبادئ المحفوظة دستوريا[8].
الفقرة الثانية: تقييم دور جماعات الضغط في تأثيرها على صناعة مشروع قانون المالية
ازداد ضغط اللوبيات خلال السنوات الأخيرة خاصة منها الاقتصادية على مستوى صناعة مشاريع قوانين المالية، فطيلة مشوار مناقشة هذه الأخيرة، تتحرك الشركات الكبرى ونقاباتها ممثلة في الاتحاد العام لمقاولات المغرب من أجل تمرير مقترحاتها بمساعدة من يتعاطفون معها بمصلحة أو بدون مصلحة، حيث إنه لأول مرة منذ سنوات تعلن نقابة الباطرونا عن دعمها لمشروع قانون المالية لسنة 2015 موضحة أن الحكومة قد أخذت بعين الاعتبار مجموعة من مطالب CGEM خلال إعدادها المشروع المالي ما يعني أن اللوبي الاقتصادي حقق مآربه عبر قانون المالية، خصوصا فيما يتعلق بالإعفاء من التحملات الاجتماعية لخلق مناصب شغل جديدة، والإعفاء من الضريبة على القيمة المضافة على الاستثمار للسنوات الثلاث الأولى للشركة، ومواصلة إصلاح نظام TVA ضدا على مصلحة الفئات المعوزة[9]، بحيث أصبح البرلمان منبرا لممارسة الجماعات الضاغطة لنفوذها ومواقفها على السلطة التشريعية كلما تعلق الأمر بمناقشة موضوع يتعلق بالمصالح المادية والمهنية لهذه الفئة، ونظرا لكون لجنة المالية تضم مجموعة من الفاعلين الاقتصاديين والمهنيين، فإنها تعتبر أكثر اللجان التي تعرف تدخلات من طرف مجموعة من اللوبيات[10].
و سنركز هنا على دراسة بعض النماذج باعتبارها تجسد مجموعة من الامتيازات المالية والمكاسب التي انتزعت بفعل ضغط الجماعات الضاغطة وهي على سبيل المثال لا الحصر:
بالنسبة للقطاع الفلاحي:
لقد تم التركيز على الاتحاد المغربي للفلاحة لأنه استطاع بفضل ضغوطاته أن ينتزع إعفاء ضريبيا إلى غاية سنة 2020  و المعلوم أن الإعفاء الضريبي على القطاع الفلاحي يعود إلى ظهير 21 مارس 1984 إذ بموجبه يتم الإعفاء الضريبي على المداخيل الفلاحية، وهو الإعفاء الذي كان محددا له أن ينتهي سنة 2000 قبيل أن يتم تمديد إلى سنة 2020 ليتم تقليص هذه المدة إلى 2010 قبل أن يأتي الخطاب الملكي الذي رفع المدة إلى غاية 31 دجنبر 2013، هذا الإعفاء لم يكن منحة وهبتها لهم السلطة، و إنما نتيجة ما لهذه الفئة من تأثير سواء على السلطة نفسها أو على الطبقات الأخرى، فهذه الفئة مشكلة من كبار الملاكين و الذين يعتمدون على الفلاحة العصرية الموجهة للتصدير ويهيمنون على جل الأراضي الفلاحية و قد تكتلوا داخل هذه المنظمة للدفاع عن حقوقهم و مكاسبهم ومصالحم، و قد تمكنوا بالفعل بانتزاع مالم تنزعه أية جماعة مصلحيه أخرى، حيث هذا الإعفاء حرم خزينة الدولة و السياسة المالية المتبعة من موارد هامة خصوصا و المغرب اقتصاده يعتمد على الفلاحة[11].
بالإضافة إلى هذا النموذج هناك نموذج آخر يبين تأثير اللوبيات الضاغطة على صناعة القرار المالي، وهو نموذج فرض رسوم ضريبية على الملابس المستوردة من تركيا وما خلفه هذا القرار الحكومي من ردود فعل كثيرة منها ما اتهم الحكومة بالخضوع لرغبة الباطرونا(الاتحاد العام لمقاولات المغرب) خصوصا بعد إصدار هذا الأخير بلاغا ينوه في مضمونه بالقرار، وهذا راجع كون رجال الاقتصاد في غالب الأحيان يفرضون توجهاتهم سواء بشكل غير منتظم عبر العلاقات واللوبيات أو عن طريق الحضور الرسمي في المؤسسات الدستورية، نظرا للحضور البارز لرجال الأعمال في مجلس المستشارين من خلال الفريق الذي يمثل الباطرونا، إذ تعتبر من أكثر اللحظات التي يظهر خلالها تأثير رجال الأعمال وهي لحظة القانون المالي، الذي يتم التشاور بشأنه مع الباطرونا في عدد من الجوانب ذات البعد الاقتصادي والمالي[12].
كذلك هناك نموذج صندوق المقاصة، الذي يتولى المحافظة على أسعار المواد الأساسية في مستويات تتناسب مع القدرة الشرائية للمواطنين. إلا انه أثار رفع الدعم على صندوق المقاصة ردود فعل متباينة من طرف الفعاليات المستفيدة من هذا الصندوق، بحيث أن هذا الصندوق، يستفيد منه عدة قطاعات من مواده المدعمة في عمليات أو وسائل الإنتاج أو عملية التصنيع، إذ تكاد جميع القطاعات الإنتاجية توظف المواد الطاقية بمختلف أنواعها خصوصا الفيول وغاز البوتان، كما تمتد إلى القطاع الفلاحي و الخدماتي، بحيث لا تنحصر الرقعة الجغرافية المستفيدة من هذا الدعم على الحواضر، بل تمتد لتشمل العالم القروي، الذين يستخدمون غاز البوتان في عمليات الإنتاج، بحيث يقتنونها بأسعار مدعمة ثم يستخدمونها لتشغيل مضخات المياه و محركات إنتاج الكهرباء. وهذا ما يعني أن الشركات الكبرى ذات القوة الإنتاجية القصوى هي اكبر المستفيدة من أموال الدعم[13].
أما على مستوى المكتسبات التي حققتها المركزيات الثلاث بعد التوقيع على اتفاق ابريل2011 في أفق لا يصل إلى أربع سنوات على سبيل المثال لا الحصر:
الزيادة في الحد الأدنى للأجور بالنسبة للقطاع الخاصة بنسبة 15مقسمة على سنتين.
رفع الحد الأدنى للمعاش إلى 1000,00 درهم.
إحداث  التعويض عن فقدان الشغل بالنسبة للقطاع الخاص[14].
وكيفما كان الحال فإن قوة الجماعات الضاغطة ترتبط بشكل أساسي بمدى توفر مجموعة من العناصر الضرورية والتي قد لا تتوفر جميعها بشكل متساو، بل تتبدل حسب وضع كل مجموعة ضغط وظروفها، وتتجلى هذه العناصر في عدد الأعضاء، وفي الإمكانيات المادية، وفي قوة التنظيم، وفي موقف الراي العام منها، ومتى توفرت هذه العناصر بشكل كاف، فإن تأثيرها يكون قويا، غالبا ما يتم تحقيق أهدافها، وحماية مصالحها، ومتى كان العكس فإن تأثيرها يكون ضعيفا مما يجعل من الصعب استصدار قرارات في صالحها[15].

من إنجاز الطلبة الباحثين بماستر العمل البرلماني و الصياغة التشريعية  بكلية الحقوق المحمدية                                              
 -  هشــــــــــــــام إيكــن                                                                          
-إلهام العبدالـــــــــــــــوي

جمع و تنسيق : الطالب الباحث كمال المساوي 

[1]- عبد الرحيم ندير، هكذا توظف اللوبيات قانون لمالية لتحقيق مصالحها، جريدة المساء، بتاريخ20-11-2014
[2]- أميمة قادري، المرجع السابق، ص 44.
[3]- محمد سلكي، التدبير المالي العمومي ومتطلبات الحكامة المالية، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، جامعة محمد الخامس أكدال كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية-الرباط-، السنة الجامعية 2011-2012،ص 156.
[4]- خالد بن شريف، صندوق النقد الدولي يدير اقتصاد المغرب،www/sasapost.Com
[5]- محمد جعفر، بعض القوى المؤثرة في السياسة الضريبية المغربية: الاتحاد العم لمقاولات المغرب نموذجا،www.marocdroit.com
[6]- عثمان الزياني، المرجع، ص141,
[7]- مقالة، كيف أصبحت نقابة الباطرونا لوبي لرسم السياسة الضريبية، جريدة التجديد، بتاريخ 12-03-2008 
[8]دور جماعات الضغط في رسم السياسة العامة  /blog-post_61html.03/2015/https://anibrass.blogspot.com
[9]- عبد الرحيم ندير، هكذا توظف اللوبيات قانون لمالية لتحقيق مصالحها، جريدة المساء، بتاريخ20-11-2014

[10]- محمد درويش، الرقابة البرلمانية للجنة المالية على العمل الحكومي بمجلس النواب، رسالة لنيل الماستر في القانون العام، السنة الجامعية2007-2008، ص96.
[11][11]- مقالة، الضريبة على المقاولات الفلاحية تجمع أخنوش بمهني القطاع، هسبريس، بتاريخ 23 أكتوبر2013.

[12]- حليمة أبروك، هل يتحكم رجال الأعمال المغاربة في الحكومة؟، أصوات مغاربية، بتاريخ11 يناير2018
[13]- محمد بوهريد، كيف تستفيد الشركات الكبرى من أموال صندوق المقاصة الموجهة إلى الفقراء؟،جريدة المساء، بتاريخ08-12-2011 
[14]- محمد جعفر، المرجع السابق.
[15]- أحمد مفيد، النظرية العامة للقانون الدستوري والمؤسسات السياسية، دارالقلم الرباط، الطبعة الثانية،2015،ص208  






[1]- محمد زين الدين، القانون الدستوري والمؤسسات السياسية، الطبعة الثانية 1434-2013، ص204-205
[2] - عثمان الزياني، السلوك والأداء البرلماني بالمغرب، منشورات مجلة الحقوق المغربية سلسلة الدراسات والأبحاث، الإصدار الرابع، ماي 2011،ص137،138،139،140.
[3]- مقالات: ماهي جماعات الضغط؟ نشر بتاريخ 25 يناير 2015، موقع www/noonpost/org
[4]- -أميمة قادري، دور حماعات الضغط في رسم السياسة العامة، رسالة لنيل شهادة الماستر، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة العربي بن مهيدي-أم البواقي،الجزائر، السنة الجامعية 2014-2015 ،ص44،45،46
[5] -الفصل8 من الدستور المغربي 2011
[6]- محمد جعفر، دور النقابات العمالية في صياغة السياسات العامة، نشر بتاريخ 02 ابريل2015، موقع rayanepress@gmail/com
[7] - عثمان الزياني، المرجع السابق، ص138و139.
[8]- مقالة، كيف أصبحت نقابة الباطرونا لوبي لرسم السياسة الضريبية؟ نشر في التجديد بتاريخ:12-03-2008
[9]- محمد جعفر،المرجع السابق. 
[10]- قحطان أحمد الحمداني، المدخل إلى العلوم السياسية،دار الثقافة للنشر والتوزيع ، الطبعة الأولى 2012م-1433ه، عمان- الأردن، ص302
[11]- محمد جعفر، المرجع السابق.
[12]- محمود بن قداره، وسائل مشاركة الجماعات الضاغطة في الشؤون العامة، نشر بتاريخ 14يونيو2010،krazamy2010.blogspot.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آثــار إثبــات البنـوة والنسـب على ضــوء مقتضيات قانون مدونة الأسرة الجديد 70.03                            الجزء الأول   مقدمة ع...