الثلاثاء، 9 أبريل 2019

الدبلوماسية تاريخها مؤسساتها أنواعها قوانينها (ص1حتى 62)




الدبلوماسية تاريخها مؤسساتها أنواعها قوانينها

د.سعيد محمد أبو عباه



بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير) (الحجرات :13



محتويات الكتاب

المقدمة .............................................................................7
الفصل الأول
تعريف الدبلوماسية والدبلوماسي ....................................................10
المبحث الاول- مدلول كلمة الدبلوماسية..............................................11
المبحث الثاني- تعريف الدبلوماسية..................................................13
المبحث الثالث- تعريف الدبلوماسي..................................................15
الفصل الثاني
التاريخ الدبلوماسي..................................................17
المبحث الاول- العلاقات الدبلوماسية في العصور البدائية (القبلية).....................18
المبحث الثاني- العلاقات الدبلوماسية في الحضارات ما قبل الاغريق..................19
المبحث الثالث- العلاقات الدبلوماسية في الحضارة الاغريقية (اليونانية)...............28
المبحث الرابع- العلاقات الدبلوماسية في الحضارة الرومانية..........................30
المبحث الخامس- العلاقات الدبلوماسية في العصور الوسطى..........................32
المبحث السادس- العلاقات الدبلوماسية في العصور الحديثة...........................44
المبحث السابع- الدبلوماسية المعاصرة................................................49
الفصل الثالث
انواع الدبلوماسية المعاصرة..........................................................52
المبحث الاول- صور وانماط الدبلوماسية ............................................53
المبحث الثاني- دبلوماسية القرن الواحد والعشرين.....................................67
الفصل الرابع
اجهزة الدولة المركزية المختصة في العلاقات الدبلوماسية.............................70
المبحث الاول- رئيس الدولة.........................................................71
المبحث الثاني- رئيس الوزراء.......................................................74
المبحث الثالث- وزير الخارجية......................................................76
المبحث الرابع- الهيكل التنظيمي لوزارة الخارجية....................................79

الفصل الخامس
معايير اختيار الممثلين الدبلوماسيين وتعينيهم........................................109
المبحث الاول- المعايير العامة لاختيار الممثل الدبلوماسي..........................110
المبحث الثاني- قوانين الخدمة في السلك الدبلوماسي.................................113
المبحث الثالث- الدور الخاص للدولة المضيفة في تشكيل البعثة الدبلوماسية..........120
الفصل السادس
المعاهد الدبلوماسية والتدريب الدبلوماسي............................................124
المبحث الاول- المعاهد الدبلوماسية العربية..........................................125
المبحث الثاني- المعاهد الدبلوماسية الاجنبية.........................................133

الفصل السابع
اللغة الدبلوماسية....................................135
المبحث الاول- اللغة الدبلوماسية كتعبير رقيق......................................136
المبحث الثاني- لغة الاستعمال في الدبلوماسية......................................138
المبحث الثالث- المراسلات الدبلوماسية............................................144
المراجع- بالعربية واللغات الاجنبية................................................149
الملاحق.....................152
ملحق رقم(1)- اتفاقية فينا للعلاقات الدبلوماسية-1961 ...........................153
ملحق رقم(2)- قانون السلك الدبلوماسي الفلسطيني رقم (3)- 2005 .............168
ملحق رقم(3)- قرار مجلس الوزراء الفلسطيني رقم (374)- 2005
باللائحة التفيذية لقانون السلك الدبلوماسي الفلسطيني رقم (13)
لسنة 2005 ...............................................................178








المقدمة 


ربما يتساءل القارئ، لماذا يبدأ كل مؤلف كتابه بتقديم، وما الداعي له؟ ولمن يوجهه؟ وهل واجب على كل كاتب أن يقدم نفسه وعمله وشكره للآخرين؟ أم هو مجرد عمل من باب "المجاملة" والعادة والتقليد!؟
وكما يتساءل القارئ، فربما يتساءل الكاتب: هل يا ترى كل من يطالع كتابا يبدأ بقراءة مقدمته؟ أم قلة من القراء تقوم بذلك؟ وهل "القلة من الناس" تحكم على الكاتب برأي.. معه أو ضده.. بمجرد قراءتها للمقدمة!؟
ولهذا القارئ أقدم بتبريراتي من وراء إتباع هذا "التقليد"، وأقولها بصراحة إنني أجد صعوبة كبيرة بكتابة هذه المقدمة، وأسال نفسي- هل اتبع المألوف؟ أم اخرج عنه؟ أم أحاول أن اهرب منه؟ والسبب إنني أشبه هذا "المألوف" كالإنسان- امرأة كان أم رجلا- الذي يفكر بان هندامه الجميل المرتب هو الذي يعطيه الاعتبار لدى الآخرين، بينما انسان آخر يفكر أن عقله وشخصيته ومعرفته هي التي تؤثر بالناس وتدفعهم لاحترامه، ويقع الكاتب بحيرة، أيرضي أصحاب الهندام أم أصحاب العقل والمعرفة.
وقد اخترت في مقدمتي أن أتطرق إلى الدبلوماسية الفلسطينية وسبلي تطوير أدائها ،فإذا كانت ممارسة العمل الدبلوماسي من أعمال السيادة تمارسه الدول المستقلة المعترف بها، أي باعتبارها نشاطا مؤسساتياً يمارس بعد قيام الدولة، فإن الدبلوماسية في حالتنا الفلسطينية استثناء للقاعدة. فهي نشأت وتطورت في ظروف مختلفة عن نظيراتها في معظم دول العالم، حيث أنها نشأت في ظل عدم وجود كيان فلسطيني مستقل ذي سيادة. كذلك لم تعمل من داخل الأراضي الفلسطينية وإنما من داخل أراضي الغير. وقد اخذ العمل الدبلوماسي الفلسطيني بالتوسع والتطور واحتل موقعاً مرموقاً في العملية النضالية والثورة الفلسطينية زاحم خلالها العمل العسكري والتنظيمي.
فالبرغم من الظروف الصعبة والمراحل المعقدة التي واجهت العمل السياسي والدبلوماسي الفلسطيني، إلا أن الدبلوماسية الفلسطينية استطاعت عبر مر العقود من الزمن أن تحقق إنجازات ونجاحات كبيرة على صعيد العلاقات الدولية، فاستطاعت كسب الأصدقاء والرأي العام الدولي إلى صف القضية الفلسطينية وأثبتت عدالتها للجميع بما في ذلك شرائح المجتمع الإسرائيلي وبلغت ذروة إنجازات الدبلوماسية الفلسطينية خلال الانتفاضة الأولى (الانتفاضة الشعبية).

وكان لخصوصية القضية الفلسطينية دور مهم في تحديد الهدف الدائم والمهمات الرئيسية للدبلوماسية الفلسطينية الأمر الذي جعلها متميزة بخصوصياتها عن باقي الدبلوماسيات الثورية التقليدية لمختلف البلاد.
وبالرغم من الإنجازات والنجاحات التي حققتها الدبلوماسية الفلسطينية إلا أنه لا بد للباحثين الدبلوماسيين والكتاب الفلسطينيين من إجراء تقييم شامل ومتكامل لأداء الدبلوماسي الفلسطيني ودراسة أداء المؤسسات الفلسطينية ذات العلاقة ممثلة بوزارة الخارجية الفلسطينية والبعثات الدبلوماسية والقنصلية الفلسطينية ومدى مساهمتها في تنفيذ السياسة الخارجية الفلسطينية وتحقيق أهدافها.

وعندما نلقي نظرة عاجلة على وضع الدبلوماسية الفلسطينية نرى أنها تحمل عليها الكثير من الجوانب التي أضعفت من أدائها ومن أهمها عنصر الرجال، وفي هذا العنصر فإننا نرى بأنه يجب الأخذ بعين الاعتبار 
ضرورة إمداد السلك الدبلوماسي الفلسطيني برجال يتمتعون بالموهبة الدبلوماسية وهذه الموهبة لا تكتسب بل تولد مع الإنسان وتصقل بالعلم والاطلاع والممارسة، وكلك اعتماد مبدأ الكفاءة والإعداد لاختيار رجال السلك الدبلوماسي ، إلى جانب الاهتمام بالمستوى اللغوي والثقافي للدبلوماسيين وكذلك تحسين مستواهم الاجتماعي ليستطيعوا الاندماج في مجتمع الدولة التي سيوفدون إليها.
ولعل إقرار قانون السلك الدبلوماسي الفلسطيني وإحالة أعداد من الدبلوماسيين للتقاعد ونقل عدد من السفراء الفلسطينيين في العالم وتعيين سفراء جدد وانتهاج التدوير الشامل هي خطوات ايجابية على طريق تطوير أداء السلك الدبلوماسي الفلسطيني، حيث أصبحنا نرى سفراء شباب مؤمنين بوطنهم وعدالة قضيتهم ولا شك بان التغيرات المستمرة وانتهاج التدوير الشامل يجعل لفلسطين من خلال سفاراتها وممثلياتها في الدول العربية والإسلامية والأجنبية حضور وقيمة اكبر من ذي قبل، وهنا أشير بأنه يجب عدم التخلي عن الرواد الأوائل الذين أدى الكثير منهم دوره في حدود المستطاع ويجب الاستفادة من تجاربهم وخبراتهم نحو تطوير السلك الدبلوماسي الفلسطيني.
ومن المعروف أن من أهم المعيقات التي تؤثر على أداء أي سفارة في الخارج عدم خضوع دبلوماسييها للدورات التأهيلية ومحاولة بعض الدبلوماسيين فيها الحصول على جنسية الدولة المضيفة أو العمل في التجارة وإدارة الشركات لزيادة دخلهم وهنا أود أن أشير إلى أن ازدواجية الجنسية للسفراء وموظفي السلك الدبلوماسي تعني التناقض فمثلاً ماذا لو سلك السفير المزدوج الجنسية سلوكاً يتنافى مع العرف الدبلوماسي أو مع مصالح الدولة المضيفة فلأي قانون سيخضع؟ هل لقانون العرف الدبلوماسي كأن يطلب من الدولة الموفدة تغييره (غير مرغوب فيه) أم يعامل بقانون المواطنة فيستدعى ويحقق معه ويعاقب كمواطن دولة؟.
وفي فلسطين الكثير من الكفاءات التي تنتظر فرصتها ولديها الموهبة الدبلوماسية والمعرفة والقادرة على إعادة الصورة الحضارية والمناضلة والحقيقية للإنسان الفلسطيني ، فمعركتنا مع الاحتلال الإسرائيلي نحو الحرية والاستقلال وقيام الدولة احد أهم أدواتها هي الدبلوماسية الفاعلة والنشطة والداعية لرسالتها النضالية والحضارية .
العنصر الثاني الذي يحمل على الدبلوماسية الفلسطينية مرتبط بالوزارة حيث إننا نلاحظ نقص في الندوات الفكرية وحلقات التدريب التي تنظمها الوزارة وهي تعتبر ضرورية بهدف تدريب موظفيها وإطلاعهم على كل جديد ومستحدث في عالم الفكر السياسي والعلاقات الدولية وكل المشكلات والقضايا التي تطرأ على الساحة الفلسطينية والعربية والدولية وهنا لا بد من الإشارة إلى ضرورة إنشاء المعهد الدبلوماسي الفلسطيني والذي يقع على عاتقه تنفيذ جميع هذه البرامج التدريبية،إلى جانب ضرورة التقييم المستمر لأداء العاملين في السفارات الفلسطينية في الخارج. وضرورة تطوير العمل القنصلي في هذه السفارات خصوصاً في البلدان التي يتواجد بها جاليات فلسطينية كبيرة.
العنصر الثالث يرتبط بالإشكالية بين م.ت.ف والسلطة الوطنية الفلسطينية فيما يتعلق بتضارب الصلاحيات حول العمل الدبلوماسي الفلسطيني، ومن المعروف انه بعد توقيع اتفاقية أوسلو انحسر مفهوم الدبلوماسية الفلسطينية بالمفاوضات مع الجانب الإسرائيلي وانحسر دور منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا في العملين السياسي والدبلوماسي وبرز دور السلطة الوطنية الفلسطينية وتميزت هذه المرحلة بالانفتاح على دول أوروبا والولايات المتحدة على حساب دول أخرى مثل روسيا و أوكرانيا وبقية جمهوريات رابطة الدول المستقلة و كذلك الصين والهند وإفريقيا و أمريكيا اللاتينية التي دعمت القضية الفلسطينية طيلة مسيرة النضال الفلسطيني.
إن الخلافات التي نشأت بين وزارة الشؤون الخارجية الفلسطينية والدائرة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية حول من يمثل الخارجية الفلسطينية فعلياً أدى إلى ضعف أداء الدبلوماسية الفلسطينية في الوقت الذي تقف فيه قضيتنا الوطنية أمام مفترق طرق وتحتاج إلى تلاحم جميع الصفوف، مثلما هي تحتاج إلى دبلوماسية نشطة عربياً ودولياً.
ولعل استبدال منصب وزير الشؤون الخارجية في الحكومة الفلسطينية بوزير دولة للشؤون الخارجية قد ينهي هذه الخلافات المتفاقمة بحيث يكون وزير الدولة للشؤون الخارجية بمثابة نائباً لوزير الخارجية الذي يتولى منصبه رئيس الدائرة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية وبصفته أيضا وزير خارجية دولة فلسطين. وهذا يؤدي إلى أن يقود وزير الدولة للشؤون الخارجية العمل الدبلوماسي الفلسطيني في داخل الوطن ويعمل على بناء وزارة الخارجية الفلسطينية على أساس متطور وعصري خصوصاً بعد إصدار قانون السلك الدبلوماسي الفلسطيني لسنة 2005م .



الفصل الأول

تعريف الدبلوماسية والدبلوماسي

المبحث الأول
مدلول كلمة الدبلوماسية

الدبلوماسية لفظه مشتقه من اليونانية " دبلوما " ومعناها الوثيقة أو الشهادة الرسمية التي تطوى على نفسها والتي كانت تصدر عن الشخص الذي بيده السلطة العليا في البلاد وتخول حاملها امتيازات خاصة، وتتضمن صفة المبعوث والمهمة الموفد بها . كما أطلقت على التصاريح التي كان يمنحها القاضي لبعض الأفراد.
ثم اتسع مدلول هذه الكلمة فيما بعد ليشمل الأوراق والوثائق الرسمية التي تتضمن نصوص الاتفاقيات التي أبرمتها الإمبراطورية الرومانية مع المجتمعات والقبائل الأجنبية وأصبحت تعني دراسة الوثائق القديمة المتعلقة بالعلاقات الدولية. كما استعمل الرومان كلمة الدبلوماسية للدلالة على طباع المبعوث أو السفير وقصدت باللاتينية (بمعنى الرجل المنافق ذي الوجهين) . 
قال سيشرون عن الدبلوماسية عام (106- 43 ق.م ) استخدم كلمة دبلوما بمعنى التوصية الرسمية التي تعطى للأفراد الذين يأتون إلى البلاد الرومانية، وكانوا يحملونها معهم ليسمح لهم بالمرور، وليكونوا موضع رعاية خاصة . وقد انتقلت الدبلوماسية اليونانية إلى اللاتينية والى اللغات الأوروبية ثم إلى اللغة العربية .
وللإشارة إلى إدارة وتوجيه العلاقات الدولية استخدمت كلمة المفاوضة، واستخدم لفظ سفارة للإشارة إلى الهيئة التي تقوم بهذا العمل. وكان الأسبان أول من استخدم كلمة سفارة أو سفير بعد نقلها عن التعبير الكنسي بمعنى الخادم أو السفارة
والدبلوماسية بالمفهوم الفرنسي تعني مبعوث أو مفوض أي الشخص الذي يرسل في مهمة ( أما كلمة سفير فتشتق من كليتيه ، أي تابع ، خادم وهو لقب يمنح فقط لممثلي الملوك) . ولم تدخل لفظة الدبلوماسية في المعجم الدولي إلا منذ أواسط القرن السابع عشر عندما حلت محل لفظة " المفاوضة " .
وقد تطور مدلول " الدبلوماسية " مع الزمن وأصبح يشير إلى معان مختلفة، فهو يستعمل اليوم :
1. إما دلالة على النهج السياسي في زمن معين، فيقال مثلاً: لقد تطورت الدبلوماسية الروسية في القرن الحالي، وأصبحت غير ما كانت عليه في القرن الماضي.
2. وإما للدلالة على اللباقة ، والكياسة ، والدهاء التي يتحلى بها شخص ما بالنسبة إلى علاقاته مع الغير، فيقال مثلاً: أن فلاناً يتحلى بدبلوماسية رفيعة.
3. وإما للدلالة على المفاوضات وما يتبعها من مراسم، فيقال: أن هذه المعضلة الدولية مفتقرة إلى حل دبلوماسي أو قولنا " حل المنازعات بالطرق السلمية " أي عن طريق المفاوضات والاتصالات بمعنى عدم اللجوء إلى العنف
4. وتستعمل بمعناها الواسع حين الإشارة إلى التاريخ الدبلوماسي لدولة ما أو لفترة زمنية معينة لتعنى التسلسل التاريخي للعلاقات الرسمية بين الدول مثل قولنا "تاريخ فرنسا الدبلوماسي ".
5. وتستعمل الدبلوماسية بمعنى ضيق كصفة لبعض المصطلحات مثل المراسلات الدبلوماسية والحصانات والامتيازات الدبلوماسية.
6. وتستعمل خطأ كرديف للإستراتيجية.
7. وتستعمل خطأ كرديف للسياسة الدولية أو العلاقات الدولية أو السياسة الخارجية.
8. وتستعمل كرديف للمفاوضة، حتى قيل في تعريف الدبلوماسية أنها فن المفاوضات، وهذا غير صحيح لأنه استثنى الوظائف الأخرى للدبلوماسية مثل التمثيل والاتفاق ورعاية المصالح.
9. وتستعمل للدلالة على مهنة الممثل الدبلوماسي الذي يقوم على حد تعبير الأستاذ أرنست ساتو، بمهمة " التوفيق بين مصالح بلاده ومصالح البلاد المعتمد لديها والذوذ عن شرف وطنه والسهر على تنمية الوعي الدولي ".
وهذا المعنى الأخير للدبلوماسية هو الذي يتجاوب مع المعنى الأصلي للفظة " الدبلوماسية "، وما " الدبلوما " إلا " كتاب الاعتماد " الصادر في يومنا هذا عن رئيس الدولة والذي يتسلح به الممثل الدبلوماسي حتى يتمكن من مباشرة مهامه لدى الدولة المضيفة.
والدبلوماسية في اللغة العربية فكانت كلمة (كتاب) للتعبير عن الوثيقة التي يتبادلها أصحاب السلطة بينهم والتي تمنح حاملها مزايا الحماية والأمان . وكلمة سفارة تستخدم عند العرب بمعنى الرسالة أي التوجه والانطلاق إلى القوم ، بغية التفاوض وتشتق (كلمة سفارة من سفر ) أو (أسفر بين القوم إذا أصلح) و(كلمة سفير هو يمشي بين القوم في الصلح أو بين رجلين


المبحث الثاني 
تعريف الدبلوماسية

الدبلوماسية بمعناها العام الحديث، والذي يتماشى مع مفهوم القانون الدولي هي مجموعة المفاهيم والقواعد والإجراءات والمراسم والمؤسسات والأعراف الدولية التي تنظم العلاقات بين الدول والمنظمات الدولية والممثلين الدبلوماسيين، بهدف خدمة المصالح العليا ( الأمنية والاقتصادية) والسياسات العامة، وللتوثيق بين مصالح الدول بواسطة الاتصال والتبادل وإجراء المفاوضات السياسية وعقد الاتفاقات والمعاهدات الدولية
وتعتبر الدبلوماسية أداة رئيسية من أدوات تحقيق أهداف السياسة الخارجية للتأثير على الدول والجماعات الخارجية بهدف استمالتها وكسب تأييدها بوسائل شتى منها ما هو إقناعي وأخلاقي ومنها ما هو ترهيبي (مبطن) وغير أخلاقي. وبالإضافة إلى توصيل المعلومات للحكومات والتفاوض معها تعنى الدبلوماسية بتعزيز العلاقات بين الدول وتطورها في المجالات المختلفة وبالدفاع عن مصالح وأشخاص رعاياها في الخارج وتمثيل الحكومات في المناسبات والأحداث، إضافة إلى جمع المعلومات عن أحوال الدول والجماعات الخارجية، وتقييم مواقف الحكومات والجماعات إزاء قضايا راهنة أو ردات فعل محتملة إزاء سياسات أو مواقف مستقبلية.
وقد تطور تعريف الدبلوماسية بتطور الدبلوماسية ذاتها:
1. عرف الهنود الدبلوماسية منذ ثلاثة ألاف سنة بقولهم: "إنها القدرة على إثارة الحرب وتأكيد السلام بين الدول". 
2. تعريف معاوية بن أبي سفيان: " لو أن بيني وبين الناس شعره ما انقطعت، إذا أرخوها شددتها وإن شدوها أرخيتها".
3. تعريف أرنست ساتو: " إن الدبلوماسية هي استعمال الذكاء والكياسة في إدارة العلاقات الرسمية بين حكومات الدول المستقبلة ".
4. تعريف شارل دي مارتينس: " الدبلوماسية هي علم العلاقات الخارجية أو الشؤون الخارجية للدول، وبمعنى أخص هي معنى وفن المفاوضات ".
5. تعريف شارل كالفو: " الدبلوماسية هي علم العلاقات القائمة بين مختلف الدول الناتجة عن المصالح المتبادلة، وعن مبادئ القانون الدولي العام ونصوص المعاهدات والاتفاقيات ".
6. تعريف ريفيه: " الدبلوماسية هي علم وفن تمثيل الدول والمفاوضة ".
7. تعريف فوديريه: " الدبلوماسية هي فن تمثيل السلطات ومصالح البلاد لدى الحكومة والقوى الأجنبية، والعمل على أن تحترم ولا تنتهك ولا يستهان بحقوق وهيبة الوطن في الخارج، وإدارة الشؤون الدولية، وتوحيد ومتابعة المفاوضات السياسية حسب تعليمات الحكومة ".
8. تعريف انتولوليتز: " الدبلوماسية هي مجموعة المعرفة والفن اللازمين من أجل تسيير العلاقات الخارجية للدول بشكل صائب ".
9. تعريف هارولد نيكلسون: " الدبلوماسية هي توجيه العلاقات الدولية عن طريق المفاوضات، والأسلوب الذي به يدير السفراء والمبعوثون هذه العلاقات، وعمل الرجل الدبلوماسي أو فنه ".
10. تعريف هنري كيسنجر: " الدبلوماسية هي تكييف الاختلافات من خلال
المفاوضات ".
11. تعريف جورج كينان: " الدبلوماسية عملية الإتصال بين الحكومات ".
12. تعريف دي إيرثى وأوسهيا: " الدبلوماسية هي فن تطبيق مبادئ القانون
الدبلوماسي ".
13. تعريف فيليب كاييه: " الدبلوماسية هي الوسيلة التي يتبعها أحد أشخاص القانون الدولي لتسيير الشؤون الخارجية بالوسائل السلمية وخاصة من خلال المفاوضات".
14. تعريف د. عدنان البكري: " إن الدبلوماسية عملية سياسية تستخدمها الدولة في تنفيذ سياستها الخارجية في تعاملها مع الدول والأشخاص الدوليين الأخريين، وإدارة علاقاتها الرسمية بعضها مع بعض ضمن النظام الدولي".
15. تعريف د. سموحي فوق العادة في كتابه ( الدبلوماسية والبروتوكول ): " الدبلوماسية فن تمثيل الحكومة، ورعاية مصالح البلاد لدى الحكومات الأجنبية، والسهر على أن تكون حقوق البلاد مصونة وكرامتها محترمة في الخارج، وإدارة الأعمال الدولية بتوجيه المفوضات السياسية، ومتابعة مراحلها وفقاً للتعليمات المرسومة، والسعي لتطبيق القانون في العلاقات الدولية كيما تصبح المبادئ القانونية أساس التعامل مع الشعوب ".
16. تعريف د. سموحي فوق العادة في كتابه ( الدبلوماسية الحديثة ): " الدبلوماسية هي مجموعة من القواعد والأعراف والمبادئ الدولية التي تهتم بتنظيم العلاقات القائمة بين الدول والمنظمات الدولية، والأصول الواجب إتباعها في تطبيق أحكام القانون الدولي، والتوفيق بين مصالح الدول المتباينة، وفن إجراء المفاوضات والاجتماعات والمؤتمرات الدولية، وعقد الاتفاقيات والمعاهدات".
17. تعريف د. علي حسين الشامي: " الدبلوماسية هي علم وفن إدارة العلاقات بين الأشخاص الدوليين، وهي مهنة الممثلين الدبلوماسيين، أو الوظيفة التي يمارسها الدبلوماسيون، وميدان هذه الوظيفة هو العلاقات الخارجية للدول والأمم والشعوب ". 
18. تعريف مأمون الحموي : إن الدبلوماسية هي ممارسة عملية لتسيير شؤون الدولة الخارجية وهي علم وفن،علم لما تطلبه من دراسة عميقة للعلاقات القائمة بين الدول ومصالحها المتبادلة ومنطوق تواريخها ومواثيق معاهداتها من الوثائق الدولية في الماضي والحاضر، وهي فن لأنه يرتكز على مواهب خاصة عمادها اللباقة والفراسة وقوة الملاحظة .
18. تعريف معجم اوكسفورد: " الدبلوماسية هي :
أولاً: علم رعاية العلاقات الدولية بواسطة المفاوضات.
ثانياً: الطريقة التي يتبعها السفراء والممثلون الدبلوماسيون في تحقيق هذه الرعاية

المبحث الثالث
تعريف الدبلوماسي

بناء على العادة والممارسة الدولية يمكن تعريف الدبلوماسي بأنه الشخص الدارج اسمه في القائمة الدبلوماسية الصادرة عن وزارة الشؤون الخارجية في الدولة المعتد لديها.
وقد نصت اتفاقية فينا لعام 1961م، في مادتها الأولى على ما يلي:
• 1/د عبارة " الأعضاء الدبلوماسيين " تنصرف إلى أعضاء البعثة الذين لهم الصفة الدبلوماسية.
• 1/هـ عبارة " مبعوث دبلوماسي " تنصرف إلى رئيس البعثة وإلى الأعضاء الدبلوماسيين في البعثة.
وتضم القائمة الدبلوماسية التي تصدر عن الدولة المعتمد لديها الأشخاص الذين يقومون بالمهام التالية: رئيس البعثة ( السفير أو الوزير أو القائم بالأعمال )، المستشارون، السكرتيرون،ومن ثم الملحقون الدبلوماسيون العاديون، بالإضافة لأشخاص ليسو بدبلوماسيين أصلاً ولكن تمنح لهم هذه الصفة لحمايتهم وتسهيل مهمتهم وهم من يطلق عليهم الملحقون الفنيون مثل: الملحق العسكري، الملحق الثقافي، الملحق العمالي، الملحق التجاري، الملحق الزراعي، الملحق الإعلامي ... الخ.



الفصل الثاني

التاريخ الدبلوماسي

المبحث الأول
العلاقات الدبلوماسية في العصور البدائية(القبلية)

نشأت الدبلوماسية بنشأة المجتمع وتطوره،ويقول نيومان أن التاريخ يذكر أن القبائل البدائية والجماعات البشرية الأولى قد عرفت الحرب والسلم وإجراء الصلح،ومراسم الاحتفالات الدينية والسياسية والاتصالات التجارية وهذه الجماعات كانت لها مراسم خاصة عند وفاة الزعيم وعند تولي زعيم جديد للسلطة.
ويرى هارولد نيكلسون " أنه لا بد وكانت ثمة لحظات رغبت فيها جماعة همجية في التفاوض مع جماعة همجية أخرى، ولو من اجل الإعراب عن الاكتفاء بما يحدث في معارك اليوم وأنهم يتطلعون إلى هدنة يجمعون فيها الجرحى ويدفنون الموتى. وكان الرسل الذين يقومون بالاتصال بين الطرفين يتمتعون بحماية لم يحظ بها المحاربون ولا بد وان أشخاصاً أمثال هؤلاء الممثلين أو الرسل اعتبروا مقدسين بدرجة ما منذ البدء، وفي حالة الاعتماد اعتماداً صحيحاً. ومن هذه الممارسة اشتقت تلك الحصانات والمزايا الخاصة التي يتمتع بها الدبلوماسيون اليوم.
أما بعض تلك المصالح فتتمثل في اقتسام مصدر الماء بين قبيلتين مثلاً، بدلاً من الصراع للاستيلاء عليه، أو عقد حلف بين قبيلتين لمحاربة قبيلة ثالثة أو تنظيم الرعي لماشية القبيلتين أو توزيع مناطق الصيد دفعا لعدم تخطيها من قبل أفراد كل جماعة متجاورة
وتطور العلاقات الاجتماعية داخل المجتمع القبلي أدى إلى بروز بعض القواعد والأغراض أهمها:
1- كانت البعثات الدبلوماسية تنشأ عن الإعلان عن تولي زعيم جديد للسلطة أو تتويج احد الملوك أو وفاة آخر أو إجراء انتخاب لاختيار زعيم أو رئيس.
2- كان إرسال البعثات والسفراء يجري بهدف القيام بالاتصال والتواصل والتباحث من اجل المصاهرة والزواج.
3- كانت الدعوة إلى عقد الاجتماعات التي تضم القبائل القريبة والبعيدة تهدف إلى بحث عدة شؤون منها الصيد والأعياد والشعائر الدينية.
4- كانت غاية البعثات تطوير العلاقات الودية ونبذ الحروب والدعوة للمفاوضات وعقد الصلح والاحتفال بإرساء قواعد السلام.
5- كانت هذه البعثات تشجع على قيام جماعات سياسية من اجل التحالف والمساندة كوسيلة لرعاية السلام.
6- كانت البعثات الدبلوماسية تقوم بدور في إعلان الحرب أو التهديد بها والأخطار التي تترتب على وقوعها.
7- مبدأ تبادل الرسل والمبعوثين المؤقتين وإقرار الحصانات والامتيازات.
8- في بعض المجتمعات البدائية كانت تلقى عمل السفارة على النساء.








المبحث الثاني
العلاقات الدبلوماسية في الحضارات ما قبل الإغريق 

تكشف لنا البحوث التاريخية والآثار المكتشفة أن الدبلوماسية ممارسة ونظرية ، عرفت تطورا لا باس به واكب تطور الحضارات المختلفة في العصور القديمة ، كحضارات الفراعنة والسومريين والأكاديين والأشوريين والحثيين والفنيقيين والمعينيين والآراميين والكنعانيين ، وبدرجة أقل الهنود والصينيين نظرا لبعدهم عن البحر المتوسط بالإضافة لمجموعة كبيرة من القبائل المختلفة شكلت مدنا – دولا – وعاشت بين هذه المجتمعات الكبيرة وخدمت كمناطق عازلة بين هذه القوى الكبرى وكذلك خدمت كعنصر توازن وتبعية وعزل واتصال بين مختلف الإمبراطوريات ، وبطبيعة الحال عرفت هذه الشعوب اتصالات فيما بينها ، لم تكن مقتصرة بالطبع على العلاقات الحربية بل كذلك على العلاقات السلمية التي كانت تتم عبر مبعوثين خاصين يقومون بمهمة الاتصال والتمثيل والتفاوض ويتوصلون لعقد الاتفاقيات والتحالفات وهو ما يعرف بيومنا الحالي " بالدبلوماسية الخاصة " أو ما نسميه " دبلوماسية المناسبة ".




المطلب الأول
العلاقات الدبلوماسية في حضارة وادي الرافدين 

عرفت حضارة وادي الرافدين أول مفهوم للدولة في التاريخ البشري . فقد ظهرت فيه الدولة المنظمة التي استخدمت الوسائل الحديثة في بسط سلطتها على الإمارات والأقاليم التابعة لها وإقامة تحالفات وعقد معاهدات السلام وعدم التعدي . كما شهدت هذه الحضارة الحروب الدامية واستخدمت الوسائل الدبلوماسية الحديثة لوقف هذه الحروب وتسوية المنازعات الناشئة بينها بالوسائل السلمية . وقد تميزت حضارة وادي الرافدين بتعدد الدول فيها أحيان كثيرة وبسيطرة دولة واحدة في أحيان أخرى ، وهو أمر يتطلب إقامة تحالفات وعقد العديد من المعاهدات بين هذه الدول وتبادل الرسل والبعثات الدبلوماسية وقتي السلم والحرب. ومن أبرز دول حضارة وادي الرافدين هي الدولة السومرية والدولة البابلية القديمة والدولة الآشورية .
أولا : الدولة السومرية
ظهر السومريين على مسرح الحضارة في العراق منذ مطلع الألف الثالث قبل الميلاد حتى القرن الرابع والعشرين قبل الميلاد .وقد تميزت حضارة الدولة السومرية بالنظم والقواعد القانونية ، حيث عقدت العديد من المعاهدات في العديد من المجالات . وقد عثر على أقدم معاهدة في التاريخ . وهي المعاهدة المعقودة بين دولة مدنية ( كلش) ودولة مدنية (أوما) المجاورة سنة 3100 ق.م حيث نقشت على نصب حجري باللغة المسمارية ، وتضمنت النص الذي أكد على وجوب احترام الحدود التي اعترف بها شعب (أوما)، مقروناً بقسم لبعض كهنة سامراء ، كما تضمنت تلك المعاهدة شرطاً على التحكيم لحل المنازعات التي تثور بسبب الحدود بين الطرفين . ويتضح من ذلك أن هذا العصر شهد أول تطبيق للمعاهدات الدبلوماسية المكتوبة المعقودة بين الدول .
وتعد حضارة وادي الرافدين أول من اكتشف الكتابة في التاريخ الإنساني ، واستخدمت في المخاطبات الدبلوماسية ، والتي لا تزال من أهم القنوات الدبلوماسية المستخدمة بين الدول ، ففيها تكتب المذكرات الدبلوماسية والمعاهدات . وكانت الدولة السومرية أول من اخترع الكتابة . وعلى الرغم من ظهور الكتابة في العديد من الدول بعد ذلك فإنها لم تستغن عن الحرف المسماري . فقد استخدم الخط المسماري في المخاطبات بين الدول القديمة . وكتبت المذكرات الدبلوماسية بالخط المسماري رغم اختلاف لغات ولهجات الدول .

ثانيا : الدولة البابلية
تعد الدولة البابلية أول دولة في التاريخ الإنساني تطبق القواعد الدبلوماسية في تعاملها مع الدول الأجنبية ، وخاصة تلك القواعد المتعلقة بالاستقبال الدبلوماسي في تعاملها مع الدول الأجنبية . وهي أول من عرف النظام البريدي الذي يعد قاعدة أساسية في العلاقات الدبلوماسية معمولا به .وبموجب هذا البريد يستطيع رئيس الدولة الإطلاع على كافة أحوال دولته والمدن الخاضعة له والدول الأعداء ، وما يحصل فيها من تطورات .وقد إقتبس الفرس واليونان نظام البريد الذي كان مطبقا في دولة بابل . كما انتقل هذا النظام إلى الدولة العربية والإسلامية .
وكان ملوك بابل يعقدون الأحلاف مع الدول الأخرى . وقد عثر المنقبون على معاهدة حلف في عهد حمورابي ضمت أقوى الأعداء لبابل . كما عمد ملوك بابل إلى عقد معاهدات هدنة وسلام من أجل التخلص من آثار الحرب والتفرغ من أجل البناء والإعمار. ويعتقد بأن العلاقات الدبلوماسية التي كانت بين الدولة البابلية والمقاطعات الخاضعة لحمايتها والدول الأجنبية إنما تعتمد العدالة أساسا في علاقاتها الدولية .
ثالثا : الدولة الآشورية
عندما أسس الكاشيون ( البابليون ) دولتهم المستقلة في بلاد بابل . كان الجزء الشمالي من العراق تحت حكم الأشوريين . وكانت علاقة الكاشيين بالملوك الأشوريين تتراوح بين السلم والحرب وكانت حدود الدولتين تتغير باستمرار . وكان الملك الآشوري تكلاثبلز الثالث 745 – 727 ق.م. يبعث بممثله الشخصي لاستطلاع الأحوال والاتصال بالملوك والحكام في الأقاليم . وكان ممثله الشخصي يرفع له التقارير السرية. ويمتلك الحرية التامة لمعالجة القضايا الهامة . وقد تمكن الملك الآشوري تكلاثبلز الثالث من الترحيل الجماعي للأجانب غير المرغوب فيهم لإيمانه بأن ترحيلهم أنجح وسيلة لمنع التمرد وعصيان الأوامر
وتعمل الدول في الوقت الحاضر عند حصول منازعات على طرد الأجانب العائدين للطرف الآخر. أو على الأقل تقييد حريتهم . وقد تطورت التجارة الخارجية في الدولة الآشورية . وأقام الآشوريون الأحلاف والمعاهدات مع الدول الصديقة والحليفة الخاضعة والتابعة . واهتموا بحماية المبعوثين الدبلوماسيين الأجانب ، في الوقت الذي كان المبعوثين الدبلوماسيين في أوروبا لا يتمتعون بحماية دبلوماسية حتى عهد قريب


المطلب الثاني
العلاقات الدبلوماسية في حضارة وادي النيل 

شهدت مصر حضارة عريقة وأصيلة وهي الحضارة الفرعونية التي أطلق عليها بحضارة وادي النيل . امتدت قرون عديدة وفرضت سيادتها على مناطق متعددة . وتميزت مصر القديمة بوجود إدارة قوية منظمة تنظيما دقيقا . وأن الملك على رأس الدولة ، وارتباطه بالآلة والكهنة . وحكم مصر العديد من الأسرات حتى وصلت الأسرة الثلاثون من 373 – 341 ق.م. كانت فيها سلطة الملك تضف أحيانا وتقوى أحيانا أخرى . وتعرضت مصر للغزو الفارسي الثاني 341- 332 ق.م. واستطاع الفرس احتلال مصر بأسرها . وكان الاسكندر يقود حملته في آسيا ضد الفرس وكان في معركة أسوس التي هزم فيها " دارا الثالث " ملك الفرس والذي استطاع أن يحرر مصر من الاحتلال الفارسي . ونصب الاسكندر نفسه ملكا على مصر

v نطاق العلاقات الدبلوماسية :
يرى لفيف من الباحثين أن الاتصالات بين الحضارتين القديمتين العراقية والمصرية قد تجسدت في الاتصالات التجارية في عصور ما قبل التاريخ . حيث توجد مناطق عديدة في الشرق القديم شكلت مناطق تماس بين الحضارتين كبلاد الشام وشبه الجزيرة العربية في منطقة المدينة لأنها تمثل ملتقى طرق الاتصال بين وادي الرافدين ووادي النيل. إن العلاقات بين الحضارتين الكبيرتين حضارة وادي الرافدين وحضارة وادي النيل اتسمت تارة بالحروب وأخرى بالعلاقات السلمية ولم يغب عن بالها ضرورة إقامة علاقات تجارية في جميع الأوقات بالنظر لحاجة الحضارتين لبعضهما ولأن الحياة في ذلك تتطلب التعاون بينهما ولهذا فقد كان الاتصال بين الحضارتين أمرا ضروريا وعمليا
v اعتماد اللغة البابلية والخط السومري في الدبلوماسية
كان انتشار اللغة البابلية وتقدمها وتطورها قد فرض على جميع الدول التي حكمت وادي الرافدين أن تعتمد هذه اللغة وأن تستخدمها في مراسلاتها الدبلوماسية لدرجة أنها أصبحت لغة عالمية في ذلك تستعمل من قبل الدول الأخرى في التخاطب فيما بينها . فعلى الرغم من سقوط الدولة البابلية ومجيء العديد من الدول ، إلا أن اللغة البابلية والخط المسماري السومري فرض نفسه على الدول في حضارة وادي الرافدين والدول الأخرى
ففي عهد " تحتمس الثالث " الذي حكم " 1483 – 1450 " ق.م. ساد السلام منطقة الشرق القديم زهاء قرن فنعم الشرق القديم خلال هذه المرحلة بالاستقرار السياسي وقامت فيها علاقات مفعمة بالود الصادق والمحبة والتعاون بين فراعنة مصر وملوك الأمم المجاورة هي الأولى من نوعها في التاريخ القديم. فقد تم العثور على العديد من المراسلات التي كان يتبادلها الملوك منها مراسلات دبلوماسية بين ملوك بابل وفراعنة مصر . وكانت اللغة البابلية اللغة الدبلوماسية الدولية . وكان فراعنة مصر يكتبون مراسلاتهم إلى الدولة البابلية باللغة البابلية . كما عثر على العديد من المراسلات الدبلوماسية بين ملوك مصر والحثيين والآشوريين واللكشيين والبابليين تدل على لجوء هذه الدولة إلى استخدام الأساليب الدبلوماسية لتسوية منازعاتهم .



v الأحلاف والمعاهدات :
برز تأثير الاستقرار والرغبة في تطوير العلاقات السياسية والتجارية التي أخذت تنشط في ربوع المنطقة وبخاصة بين المصريين والحثيين . وتقدم معاهدة " قادش " كمثال على مستوى التعامل السياسي بين دول المنطقة ، فقد أبرمت بين ملكين على قدم المساواة " رمسيس الثاني " الفرعوني و " حاتوسيل الثالث " ملك الحثيين في القرن الثالث عشر قبل الميلاد وبالذات عام 1278 ق.م. والتي بموجبها أقيم التوازن بالقوى بين الطرفين في الأراضي السورية . ونقشت المعاهدة على الفضة ووقع كل ملك على نسخته ثم تبادلا النسخ . وكانت لتلك المعاهدة ديباجتها التي نص على استئناف العلاقات الودية بين الملكين، وعلى التعاهد وضمان حرمة دولتيهما . وتضمن المتن موضوعات هامة كالاعتراف بوراثة العرش وتجديد التعاهد والحلف الدفاعي والعمل المشترك ضد الثوار ، وتسليم المجرمين السياسيين .
واهم مبادئ معاهدة قادش :
1- أهمية المبعوثين و الرسل والاعتراف بمركزهم في تحقيق السياسة الخارجية .
2- التأكيد على إقامة علاقات ودية وإشاعة السلام القائم على ضمان حرمة أراضي الدواتين وتحديد التحالف و الدفاع المشترك .
3- مبدأ رعاية الآلهة للعهد كقسم وتحريم النكث بالعهد
4- مبدأ تسليم المجرمين والعفو عنهم إنما دون تمييز بين المجرم العادي و المجرم السياسي
وتبرز أهمية هذه المعاهدة في تاريخ العلاقات الدولية في ثلاث أمور:
1- هذه المعاهدة تعتبر أقدم وثيقة مكتوبة حتى الآن في تاريخ القانون الدولي .
2- هذه المعاهدة بقيت حتى العصور الوسطى النموذج المتبع في صياغة المعاهدات لما تضمنته من مقدمات ومتن وختم .
3- هذه المعاهدة ترسم صورة أمينة عن أوضاع الممالك في الشرق القديم وعن كيفية انصهار الدولة بشخص الحاكم اوالملك.

v مظاهر تطور الدبلوماسية بين الحضارات القديمة :
يمكن أن نستدل على أن الدول التي سكنت وادي الرافدين والنيل قد استخدمت الدبلوماسية . ويشير علماء الآثار إلى أن الموارد التاريخية التي أكتشفت أثبتت وجود علاقات دولية بين هذه الدول
وطبقت قواعد دبلوماسية متطورة منها ما يلي
1. تبادل الهدايا بين الملوك :
إن تبادل الهدايا بين الملوك يدل على وجود علاقات دبلوماسية متطورة . وإن رؤساء الدول يتبادلون الهدايا بينهم خاصة عندما يرسل مبعوثين بعضهم للبعض الآخر . فقد تم العثور على هدايا بين ملوك وادي الرافدين وملوك النيل . وقد تبادل الملوك القدماء الهدايا فيما بينهم لتعزيز الروابط السياسية والاقتصادية والعسكرية . وكان تبادل الهدايا يدل على عمق العلاقات الدبلوماسية المتطورة بين ملوك الدول . كما تبادل الملوك التحف الثمينة والأحجار الكريمة والحيوانات النادرة.


2. الزواج السياسي :
يقصد بالزواج السياسي التقارب بين الملوك عن طريق الزواج . وإن الهدف من هذا الزواج ليس الزواج ذاته وإنما من أجل التقرب بين الملوك وإقامة علاقات متطورة لما يخلفه الزواج السياسي من مصاهره وقرابة يمنع الحروب بينهما وكان الزواج السياسي مستخدما بين ملوك أوروبا حتى وقت قريب .

3. التمثيل الدبلوماسي المؤقت والدائم :
يعد تبادل التمثيل الدبلوماسي من أهم المظاهر الدبلوماسية . غير أن التمثيل المعتمد والغالب في ذلك الوقت هو التمثيل المؤقت وما يطلق عليه في الوقت الحاضر بالبعثات الخاصة التي تنتهي بانتهاء مهمتها . أما التمثيل الدائم فهو غير معروف في أوروبا حتى وقت قريب . غير أن المصادر التاريخية تشير إلى أن ملوك وادي الرافدين والنيل عرفوا التمثيل الدائم بينهما كما عرفوا التمثيل المؤقت . فقد تبادل ملوك وادي الرافدين السفراء والرسل مع ملوك وادي النيل وهذا يكشف عن حجم العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين . حيث تشير الآثار القديمة بوجود ممثلين دائمين للدول الأجنبية في بلاط الملوك ويدل على وجود علاقات دبلوماسية متطورة بشكل متميز بين هذه الدول .



المطلب الثالث
العلاقات الدبلوماسية في الحضارة المعينية في اليمن 

ظهرت الدولة المعينية في حدود القرن الثالث عشر قبل الميلاد . وحكمها عدد من الملوك . وقيل أن أصل المعينين من عمالقة العراق الذين كانوا قبل ظهور حمورابي بعدة قرون. فلما ضعفت دولة العرب نزح المعينيون في جملة القبائل التي نزحت ، فنزلت اليمن وتوطنت الجوف وشيدت القصور والأبنية على مثل ما عرفته في بابل . واضطروا إلى الكتابة لتدوين حساباتهم التجارية و تاريخهم السياسي . وكانت كتابتهم أقرب إلى الخط المسماري ثم تطورت إلى الحرف المسند . وقد تطورت العلاقات الدبلوماسية في عهد الدولة المعينية وامتدت إلى العديد من الدول والمناطق . وقد ثبت وجود علاقات تجارية بين مصر والدول المعينية . ويلاحظ أن حضارة معين قد ظهرت في الوقت الذي عظمت فيه حضارة وادي الرافدين وحضارة وادي النيل . وإن تلك الحضارات الثلاث نهضت معاصرة لبعضها . وكونت أسس الحضارة البشرية في ذلك الوقت والتي عمت العالم .

المطلب الرابع
العلاقات الدبلوماسية في الحضارة الكنعانية في فلسطين 

لم ينشئ اليهود في فلسطين مدينة أو حضارة خاصة بهم . بل أن فلسطين حضارة وشعبا سبقت الوجود اليهودي بقرون عديدة . سميت فلسطين بأرض كنعان . وقد ذكرت التوراة اسم فلسطين بأرض كنعان ، وعلى سكانها بالكنعانيين . أما اسم بلستين " Palestine " فهو من الأسماء القديمة ، وكان أول من أطلق هذه التسمية الملك الآشوري " داد نيراري الرابع " نسبة إلى الشعب الذي يسكنها وهم البلستينيون كما أطلق الإغريق هذه التسمية . عربها العرب فأطلقوا عليها فلسطين . وقد ورد اسم الفلسطينيين في التوراة في غالبية الأسفار .
وسكن العرب فلسطين منذ فترة موغلة في القدم وقد شهدت سلسلة طويلة من الهجرات ، كان في مقدمتها الكنعانيون الذين جاءوا من جنوب شبه الجزيرة العربية واستقروا في فلسطين في الألف الثالث قبل الميلاد وسميت الأرض التي سكنوها باسمهم وقد سمي هؤلاء بالكنعانيين نسبة الى جدهم كنعان . وبسبب وقوع أرض فلسطين في نقطة التقاء حضارتي وادي الرافدين والنيل فقد كانت فلسطين معبرا للهجرات القادمة من والى وادي الرافدين و النيل وقد شهدت صراعا داميا بين تلك الحضارتين للسيطرة عليها في مختلف العصور التي حكمت تلك الحضارتين . كما تعرضت إلى غزوات من أقوام مختلفة كالعموريين والحثيين ، إلا أن الغزاة كانوا عابرين ، ومن أقام منهم فقد اختار سواحلها حيث الماء والرعي ، ثم اندمج في سكانها وذاب فيهم . وتعد الفترة العمورية الكنعانية ( 2000 – 1600 ) ق.م. من أهم الفترات ازدهارا التي شهدها تاريخ فلسطين القديم ، واتخذت طابعا حضاريا متقدما ، التي فرضت طابعها الحضاري الكنعاني المتميز على جميع الأقوام التي سكنت فلسطين ، وبقيت القوة الوحيدة والحضارة الكنعانية الصرفة المؤثرة لفترة طويلة على جميع أرجاء فلسطين . وكان للبلستينيين الدور الكبير في تاريخ فلسطين وأطلق عليهم " أهل السواحل " . وكانوا قد هاجموا مصر في عهد " رعميس الثالث " 1198-1166 ق.م. فتمكن من صدهم في معركة بحرية سنة 1191 ق.م. فاتجهوا بعد إخفاقهم نحو السواحل الفلسطينية وأسسوا العديد من المدن الفلسطينية منها غزة واشقلون " عسقلان " و " جت " وأشدود " عقرون " . 
وقد تميز تاريخ فلسطين بسيادة السيطرة والحضارة واللغة العربية الكنعانية على جميع الأقوام التي سكنتها ، وعبدت جميع الأقوام التي سكنت فلسطين الآلهة الكنعانية .

المطلب الخامس
العلاقات الدبلوماسية في الحضارة الهندية القديمة 

كان الهنود ينظرون الى الأجانب نظرة عداء مما جعل من محاربتهم أمرا واجبا ، ولهذا ركزوا على جانبين مهمين في النشاط الدبلوماسي وهما التجسس وإقامة التحالفات ووفقا لذلك باتت المهمة الأولى للمبعوثين الهنود هي استقصاء المعلومات عن الشعوب الأخرى . وقد أكدت على هذه المهمة نصوص " أرثار ساستراس " الدينية حيث تضمنت تعليمات محددة في هذه الخصوص . أما المهمة الثانية فهي إبرام معاهدات التحالف لتعزيز القوة العسكرية وذلك بحكم التوجه الحربي الذي سيطر على العقلية الهندية وظل يوجه علاقات الهنود بغيرهم . ولهذا جرى الاهتمام بالدبلوماسية ويكشف لنا قانون " مانو " الهندي عن درجة متقدمة من القواعد الدولية المتعلقة بالمعاملة الإنسانية في الحروب والممثلين الدبلوماسيين وطرق اختيارهم ومهماتهم والضمانات اللازمة لحمايتهم
إن هذا القانون يبن على أن من واجب الملوك تعيين المبعوثين من بين أولئك الذين يتمتعون بمكانة طيبة وشرف رفيع وقدرة عالية على تمثيل ملوكهم على أحسن صورة ، وفراسة تسمح لهم بفهم همسات محدثيهم وإشاراتهم وتقاطيع وجوههم .
ويقول نيكولسون: بأن قوانين مانو تشمل مجموعة كاملة لأحكام دبلوماسية نجدها في الحروب تنهى عن قتل اللاجئين من غير المحاربين وحتى عندما يكونوا المحاربين على درجة متساوية من التسلح فيجب على المنتصرين اخذ جرحى الأعداء للعناية بهم
تقول المادة "66" من قانون مانو: السفير هو الذي يقرب بين الأعداء ويوقع بين الحلفاء.



المطلب السادس
العلاقات الدبلوماسية في الحضارة الصينية القديمة 

اهتم الصينيون بالدبلوماسية وأقاموا علاقات مختلفة مع الدول الأخرى وتبادلوا البعثات الدبلوماسية وتقيدوا بقواعد محددة فيما يتعلق باستقبال المبعوثين الدبلوماسيين ، وفيما يتعلق بالأسبقية . وكانت تعليماتهم لمبعوثيهم دقيقة وصارمة . كما اهتموا كثيرا باستقصاء المعلومات السرية عن غيرهم من الدول .
وقد اتبعت الدبلوماسية في الصين القديمة قواعد ومبادئ ارتبطت بنظرتهم الفلسفية وأسبغت عليها هالة من القدسية النابعة من الديانة البوذية والبراهمية. دعا كونفوشيوس الفيلسوف في القرن السادس قبل الميلاد الى اختيار مبعوثين دبلوماسيين يتحلون بالفضيلة ويختارون بناء على الكفاية وذلك لتمثيل دولهم في الخارج سواء على المستوى الدولي أو جماعة الدول.
وفضل الفيلسوف كوانج شينغ، اللجوء الى استخدام الوسائل السلمية على الوسائل الحربية ودعا الى أن تخصص الدولة ثلثي ميزانيتها للإنفاق على الاتصالات والبعثات الدبلوماسية.



المبحث الثالث
العلاقات الدبلوماسية في الحضارة الإغريقية (اليونانية)

ولدت أول " دولة أوروبية " أو على الأصح أول مدينة – دولة أوروبية في بلاد الإغريق ، وقد قويت هذه المدن – الدول وبدأت تباشر دورها الدولي في القرن السادس قبل الميلاد . وقد ساهم الإغريق في تكوين قواعد القانون الدولي وقدموا كذلك الكثير للدبلوماسية . ويرجع ذلك الى أن المجتمع الإغريقي كان مكونا من مدن متعددة مستقلة عن بعضها استقلالا تاماً ، رغم انتمائهم الى جنس واحد ، وأنهم يتكلمون لغة واحدة ، ويعتنقون دينا واحدا . وقد كانت المساواة بين المدن اليونانية سائدة ، كما كانت التجارة الداخلية والخارجية مزدهرة . وكانت المدن اليونانية تتبادل الممثلين الدبلوماسيين وتعقد فيما بينها الاتفاقيات وتشترك في المؤتمرات . ولكن علاقات اليونانيين بغيرهم من الشعوب الأجنبية التي كانت تصفهم بالبرابرة ، وقد اتسمت بالقسوة والوحشية .
وقد عرفت هذه الحضارة ظهور الفلاسفة : كسقراط وأفلاطون وأرسطو ، وظهور قائد عظيم هو الاسكندر المقدوني الذي استطاع وبالقوة توحيد كامل المدن – الدول الإغريقية تحت رايته في دولة واحدة وتنظيمها واستقرارها في زمنه . ويدل التاريخ على أن الحضارة الإغريقية قد أورثت الحضارات الأخرى التي جاءت بعدهم أصول وقواعد وتنظيم الدبلوماسية مثل كيفية اختيار السفراء وإيفاد السفارات وتطوير مفهوم الحصانات الدبلوماسية مثل عدم خضوع المبعوث الدبلوماسي للقانون والقضاء الداخلي للدولة الموفد إليها كما أنهم أنشئو لقب وظيفة القنصل ، واتخذوا من غصن الزيتون علامة للسلام ، بالإضافة لإرسائهم أساليب حديثة للمفاوضات وعقد المؤتمرات والتحالفات والمداولات عبره " برلمانات " ، وتأسيسهم " للمنظمات الدولية " .......... ولا ننسى أن فعل " دبلوم " المشتق منه لفظ الدبلوماسية هو من اللغة الإغريقية
ويقول نيكلسون أن الإغريق طوروا نظاماً دقيقاً للاتصال الدبلوماسي، فعرفوا مبدأ التسوية بالتراضي أو المصالحة التي تشير الى وقف الأعمال العدوانية. كما عرفوا الاتفاق أي الهدنة المحلية المؤقته. وتبنوا نظام الاتفاقات العلنية وحتى المعاهدات الى جانب التحالفات والهدنة المقدسة التي تعقد في فترة الألعاب الاولمبية وكان عقد الصلح والسلم بالنسبة للإغريق اقرب الاستخدامات والأسماء الى القلوب.
وقد تميزت أساليب الدبلوماسية وممارستها في عهد الإغريق بثلاث مراحل هي:
1- مرحلة المنادين أو حملة الأعلام البيضاء، قد أسبغت على هؤلاء سلطات شبه دينية ووضعوا تحت حماية الإله هرمس الذي يمثل السحر والحيلة والخداع ويقوم بدور الوسيط بين العالم العلوي والعالم السفلي حيث كان الدبلوماسي المنادي يستخدم كرسول لإعلان رغبة السيد أو الملك حول موضوع معين والتفاوض بشأن بعض الأمور
2- مرحلة الخطباء، وهي مستوى أعلى من مستوى المنادي وكان يتم إختيار المبعوثين من بين الخطباء والفلاسفة والحكماء وهي مرحلة الدبلوماسي الخطيب.
3- مرحلة ازدهار حضارة الدولة المدينة وتقوم وسائل الاتصال حيث اعتمدت على أسس ثابته في مجال السلم والحرب.
وقد تأخر استتباب الاستقرار في العلاقات الدبلوماسية بين الدول المدنية الإغريقية خاصة في مجال التمثيل الدبلوماسي لعدة عوامل أهمها:
1- أن المدن اليونانية لم تعترف بعضها للبعض بالمساواة في السيادة.
2- أن العلاقات الدبلوماسية بين هذه الدول المدنية كانت في الواقع علاقات داخلية بين مدن ترتبط بروابط الدم واللغة والدين والجوار أكثر مما كانت علاقات دولية.
3- لم تكن لتلك الدول المدينة القوة التي تمكنها من فرض نظمها على غيرها أو ضم الدول إليها، ولم تبرز هذه القوة إلا إبان عصر الاسكندر المقدوني حيث بلغ مبدأ القوة إليها، والإخضاع على مبدأ الإقناع والتفاوض أي (الأسلوب الدبلوماسي).
وتميز الأسلوب والممارسة الدبلوماسية عند الإغريق بعدة خصائص هي:
1- عدم وجود ممثلين دائمين، فقد كانت مجالس الشعب أو جمعية المدينة هي التي تقوم بتفويض السفراء المؤقتين بمهامهم وتسلمهم خطابات الاعتماد وتقوم باستقبالهم.
2- كانت الديمقراطية الإغريقية تضع مبعوثيها موضع الشك دائماً ولذلك كانت السفارة تتكون غالباً من أكثر من مبعوث واحد بحيث تمثل جميع الأحزاب ومختلف وجهات النظر أي كانت البعثة بشكل عام جماعية.
3- كان السفراء يحملون تصريحات بالسفر والانتقال عبر البلدان كما كانت الدولة تكفل لهم نفقات الإقامة والسفر والمعاملات بسخاء.
4- كان للسفراء حصانات وامتيازات لا يخضعون لسلطة القضاء المدني والجنائي والمحلي في البلد الموفد إليه وخاصة أن المبعوث كان يتمتع بحماية الآلهة وكثير ما كانت الحرب تعلن بسبب انتهاك حرمة سفيرها أو الاعتداء عليه.
5- كان يحرم على السفراء قبول الهدايا مدة القيام بمهامهم.
6- إذا نجح السفير في مهمته وعاد الى وطنه ووافقت الجمعية الوطنية على ما قام به من منح حديقة من الزيتون ودعي الى وليمة تقام خصيصاً له دار البلدية وكان موضع حفاوة وتبجيل، أما إذا اخفق فكان يتعرض لأقصى العقوبات الجنائية وكان عليه أن يعيد النفقات التي اقتضتها مهمته.
7- من ابرز ما عرفه اليونان في تاريخ العلاقات الدولية هو نظام القناصل وهكذا يلاحظ أن الإغريق قد مارسوا الدبلوماسية وضرورة إتباع هذه القواعد التي تنظم العمل الدبلوماسي.
المبحث الرابع
العلاقات الدبلوماسية في الحضارة الرومانية 

عرفت الدولة الرومانية الموحدة بداية أوجها مع القيصر في القرن الأول قبل الميلاد واستمرت حتى عام 476 م عام انهيار روما وتقسيم الإمبراطورية . وقد كان الرومان شأنهم شأن الإغريق يعتقدون بتفوقهم على الشعوب الأخرى وبحقهم على السيطرة على العالم بالقوة . وكانت علاقة روما مع الشعوب الأخرى قائمة على الحرب الدائمة ، لذلك لم تكن فكرة المساواة بين الدول معترف بها لدى الرومان . وقد شملت الإمبراطورية الرومانية الموحدة معظم دول العالم المتقدم وقتئذ ، وكان الإمبراطور الروماني يعتبر رئيسها الأعلى .
هذه الجمهورية العسكرية أقامت تحالفات صداقة تجارية ودبلوماسية بين روما وعدة وحدات سياسية مستقلة لسبب بسيط هو أن هذه الوحدات كانت قائمة فيما يعرف بالأراضي الإيطالية .وعليه فإن الهدف من ذلك دفاعي للتفرغ لاحتلال باقي الشعوب من غير جنسهم .وبعد أن استتب لحكام روما الأمر واستقرت دولتهم نقضوا تحالفاتهم مع جيرانهم وحولوها الى اتفاقيات خضوع وتبعية وذلك للتدليل على قوتهم وعظمتهم ومن ثم هيمنتهم الكاملة على جميع الشعوب المتاخمة لهم .وتعتبر الإمبراطورية الرومانية الموحدة الدولة الوحيدة القائمة آنذاك في أوروبا والشمال الإفريقي وشرق المتوسط .وقد قدم الرومان من الناحية النظرية الكثير للدبلوماسية وذلك عبر قوانينهم المختلفة ، أو عبر ممارساتهم المختلفة مع الشعوب التي أتبعوها لهم ، إذ كانت تقطن على تخوم إمبراطوريتهم . ومن جملة ما قدموا نشير الى أنهم أنشئوا مهنة أمناء المحفوظات وكذلك المراسم الدبلوماسية عبر تشريعهم لقوانين خاصة . باستقبال السفراء ، وتحديد إقامتهم ، ونوعية معاملتهم ، ومنحهم بعض الامتيازات والحصانات التي تعطي لرؤساء البعثات ومرافقيهم من موظفين وخدم . أما البريد الدبلوماسي فلم يكن يتمتع بأي حصانة كانت بل يفتش ويراقب .
لقد ساهم الرومان في تطوير النظرية الدبلوماسية أكثر من مساهمتهم في ممارستها . لقد كانوا محاربين غزاة ، وقد أدى تفوقهم العسكري إلى فرض إرادتهم على الشعوب والقبائل المهزومة وانعكس ذلك على نظرتهم للمعاهدات وأساليب عقدها ثم الإصرار على احترامها.فلم تكن المعاهدات عند الرومان تعبيرا عن الإرادة الحرة والمصلحة المتبادلة للطرفين المتعاقدين بقدر ما هي فرض لإرادة المنتصر على المغلوب ووثيقة للاعتراف بمصالحه والتقيد بها لخدمتها.
وقد تميزت الممارسة والأسلوب الدبلوماسي بعدد من الخصائص تركزت في الأمور التالية:
1- كان اهتمام الرومان يتركز على الشكل قبل المضمون في إجراءات عقد وتسجيل المعاهدات فمثلاً انصرف اهتمام الرومان الى النظر بصحة إعلان الحرب بالشروط المرسومة قبل بدئها وكذلك بما يتعلق بعقد الصلح طبقاً لمراسم معينة.
2- كان مجلس الشيوخ الروماني هو الذي يدير الخارجية ثم أصبح للأباطرة من تدبير هذه السياسة ولكن بعد استشارة هذا المجلس.
3- كان مجلس الشيوخ يقوم بقبول سفراء الدول الأجنبية والاستماع الى مطالبهم وقبولها أو رفضها.
4- في عصر الرومان أصبح تكوين البعثة الدبلوماسية بمثابة لجنة تمثل مجلس الشيوخ يتراوح عددها بين شخصين أو عشرة أشخاص وان السفراء عادة من درجة الشيوخ لو من الفرسان البارزين أو البعثات الدبلوماسية الهامة، فكانت تتكون من عدد من القناصل أو الفرسان يرأسهم أحد أعضاء ديوان الخارجية.
5- عند عودة السفراء من مهمتهم يقدمون الى مجلس الشيوخ تقريراً مفصلاً يصوت عليه المجلس بالموافقة أو الرفض.
6- كانت تجري مراسم وإجراءات متعددة لاستقبال السفراء.
7- عندما يقترف السفراء الأجانب عملاً مخالفاً للقانون يبعث بهم الى دولتهم لتقوم سلطاتهم بمحاكمتهم ومعاقبتهم.
8- كان الممثلون الدبلوماسيون لدى روما يتمتعون بالحصانة الشخصية حتى وقت الحرب.


المبحث الخامس
العلاقات الدبلوماسية في العصور الوسطى
المطلب الأول
العلاقات الدبلوماسية في الحضارة العربية الإسلامية
أقام الإسلام نظاما دبلوماسياً متطوراً. فقد تمكن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) من جمع أوصال متفرقة ومتناحرة من القبائل العربية لم تكن هي الأخرى قد عهدت نظاماً دولياً كما هو الشأن بالنسبة للدول القائمة في ذلك الوقت، كالدول الرومانية والدولة الفارسية. وقد تمكن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) أن يستحدث دولة بنظام قانوني داخلي ودولي يضاهي الدولة المعاصرة له.
وقد استطاعت الدولة الإسلامية أن تمتد وبزمن قصير جداً من المحيط الأطلسي الى المحيط الهندي فالهادي، وتضم غالبية شواطئ البحر المتوسط، الشرقية والجنوبية بالكامل الأمر الذي دفع بالحضارتين المتواجدتين آنذاك: الفارسية والرومانية الى أن تقف عاجزة أمام المد الإسلامي، كما لم تسلم توابع الإمبراطورية الرومانية الغربية الجرمانية بل تساقطت جزرها أما القوات الإسلامية في عهد الأمويين.
هذا التوسع السريع والكبير للدولة الإسلامية أوقعها فريسة لثقافات هذه الحضارات، فأخذوا عن الإغريق العلوم والآداب والفلسفة، وعن الفرس التنظيم السياسي وإدارة الدولة. وانتقلت عاصمتهم من الحجاز الى دمشق مع معاوية ومن ثم العباسيين الى بغداد التي كانت تعتبر مركز التأثير الثقافي للفرس. ورغم ما كان لهذه الانتقالات والمكتسبات من اثر ايجابي على الدولة العربية الإسلامية، إلا أن أثرها السلبي وعلى المدى الطويل أدى الى تدخلات عناصر غريبة فيها مما أوصل الى انقسامها، ونشوء عدة دول تدور بفلكها، ومجموعة أخرى مستقلة عنها بالإضافة للدولة الأموية في أسبانيا. واستمر ذلك حتى قيام الدولة العثمانية.
وبعد هذا التقديم للإطار التاريخي العربية الإسلامية لا بد من العودة لموضوعنا وتبيان مدى اثر هذه الحضارة على تطور العلاقات الدبلوماسية في مراحل الدولة العربية الإسلامية ومن اجل فهم أفضل سيتم تقسيمها الى أربعة مراحل هي:
أ. المرحلة الأولى : العلاقات الدبلوماسية في عهد النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) : 
لما كان الإسلام جاء بأحكام تفصيلية، فإن نشرها يتطلب الفهم والإدراك والتعمق في معرفة أحكامه من قبل المخاطبين به. وقد وضح الإسلام الوسائل الدبلوماسية في إيصال محتوى الإسلام الى المخاطبين به بسهولة ويسر. وبناء على ذلك فقد اتجهت مخاطبات النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) الى الأمم المتطورة التي شهدت أدياناً سماوية ومؤسسات دينية. ولم يبدأ بالأمم المتخلفة التي لم تعرف الأديان. ولهذا فقد بدأ النبي محمد(صلى الله عليه وسلم) بمخاطبة الملوك والأمراء وشيوخ القبائل التي وصلت مرحلة متقدمة من الإدراك والوعي لفهم الدين الجديد ومعرفة أحكامه كما أنزلت.
لم يستخدم فقهاء الشريعة الإسلامية مصطلح الدبلوماسية، ويطلقون على القواعد التي تنظم العلاقات الدبلوماسية في وقت السلم وإرسال الرسل واستقبالهم بقواعد السير. فيقولون السيرة النبوية أو كتاب السير. وهي تعني سياسة الرسول (صلى الله عليه وسلم) الراشدة أو قيادة حكيمة أو تصرفاً كريماً في السلم والحرب، مع الأصدقاء والأعداء، وأخلاقه ومعاملته لأصحابه وكياسته للرسل ، واختياره للرسل وعلمه وعدله ورحمته. والذكاء والخبرة التي يتمتع بها النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) في أسلوب نشر الإسلام ومدى تأثير شخصيته في إدارة علاقات الإسلام الدولية، في زمن السلم والحرب، واختياره الرسل لحمل رسائله للملوك وشيوخ القبائل. وكيفية استقباله الرسل وطريقة التفاوض معهم ومنحهم الامتيازات والحصانات الدبلوماسية، وعقد الصلح والهدنة والتحالف مع الآخرين وتسوية المنازعات بالوسائل السلمية، وتبادل التهاني والتعازي وقبول الهدايا وإرسالها لمن يراه اهلاً لها. واختياره الولاة والقضاة في المدن الإسلامية ودور النبي في إدارة العلاقات الدبلوماسية في وقتي السلم والحرب والعلاقة مع الأعداء "دار الحرب" والعهد من المستأمنين وأهل الذمة.
ويظهر أن مصطلح السير في الفقه الإسلامي أوسع بكثير من مصطلح الدبلوماسية اليوناني المستخدم حالياً. فالسير تعني إدارة سياسة الدولة الداخلية والخارجية، بينما تعني الدبلوماسية إدارة سياسة الدولة الخارجية ولا تشمل إدارة سياسة الدولة الداخلية.
ولما كان القانون الدولي العام مجموعة القواعد التي تنظم العلاقات بين الأشخاص القانونية الدولية في وقتي السلم والحرب، فإن فقهاء الشريعة الإسلامية يطلقون على هذه القواعد "بالسير والمغازي". فالسير تلك القواعد التي تنظم العلاقات في وقت السلم أما المغازي فهي القواعد التي تنظم العلاقات في وقت الحرب. وهي القواعد التي يجب تطبيقها في وقت الحرب.
وقد استخدمنا مصطلح الدبلوماسية لأنه المصطلح المعمول به بين الدول الإسلامية، من اجل أن نقرب الموضوع الى القارئ العربي الذي ألف هذا المصطلح في تعمله اليومي. كما ويقابل مصطلح الدبلوماسي الوارد في اللغة اليونانية مصطلح "الرسول" في اللغة العربية.
إن الفقه الدولي يسند تطور المراسلات الدبلوماسية الدولية في الوقت الحاضر الى ما توصلت إليه الدول الأوروبية ابتداء من القرن الثامن عشر، خاصة منذ مؤتمر فينا عام 1815. متجاهلين ما جاء به النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) من قواعد دبلوماسية في المراسلات الدبلوماسية التي تفوق ما توصل إليه المجتمع الغربي في الوقت الحاضر. فقد اعتمد النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) إرسال المذكرات الدبلوماسية وكانت الوسيلة العامة للعلاقات الدبلوماسية للملوك والأمراء وشيوخ القبائل وهو ما يعبر عنه في الوقت الحاضر بالبعثات الخاصة، التي تتحدد مهمتها في إيصال المذكرات وشرحها للمرسل إليه
وقد اختار النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) رسله الذين تولو حمل المذكرات ممن يتصفون لهذه المهمة بغض النظر عن أسبقيته في الإسلام وشجاعته وتضحيته، وإنما ممن تتصف فيه صفات الدبلوماسي ويتكلم أولاً بلغة القوم الذين بعثهم إليهم ويملك القدرة على إيصال المطلوب وشرح مضمون المذكرة الدبلوماسية
ولقد سجل التاريخ أن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) أرسل مبعوثيه الى كل من: النجاشي ملك الحبشة والمقوقس ملك مصر وهرقل إمبراطور الروم وكسرى ملك الفرس وأسقف نجران وزعماء يهود خيبر وملوك عمان والبحرين واليمن، بالإضافة الى مجموعة أخرى من زعماء القبائل المتفرقة في شبه الجزيرة وأطرافها
وقد اهتم النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) بالمعاهدات الدولية فعقد العديد من المعاهدات مع العديد من الدول والقبائل. وقد وضعت الشريعة الإسلامية أحكاماً لتنظيم المعاهدات قائمة على الإنسانية وإحقاق الحق. وعدت الوفاء بها يرتب اجر عظيماً. لقوله تعالى:( ومن أوفى بما عاهد عليه لله فسيؤتيه أجراً عظيماً). وقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم محاربة الذين ينقضون عهدهم. لقوله تعالى:( الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون). وقد منح النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) العهود وهي التزام دولي يمنح من قبل طرف واحد. فإذا قبله الطرف الآخر أصبح معاهدة ملزمة للطرفين. وقد سجل التاريخ الإسلامي أن النبي محمد (صلى اله عليه وسلم) قد عقد العديد من المعاهدات منها: المعاهدات مع أهل المدينة، ومعاهدات حسن الجوار، ومعاهدات صلح الحديبية.
وعرف الإسلام نظامي اللجوء الإقليمي واللجوء السياسي وطبقهما النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) وان اختلفت تسميتها. وكان للجوء الإقليمي السياسي الدور الكبير في حماية المسلمين من الاضطهاد الذي تعرضوا إليه من المشركين في مكة، وكان من اللاجئين النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)الذي لجأ الى يثرب ولجوء عدد من الصحابة الى الحبشة.
كما دعا الإسلام إلى الوسائل الدبلوماسية لتسوية المنازعات الدولية كالحوار والجدل والمساعي الحميدة والوساطه. ومارس النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) التحكيم في المنازعات، وظهر في الإسلام أول مرجع للولاية الإلزامية. عندما تركزت السلطة بيد النبي محمد(صلى الله عليه وسلم) والولاة والقضاة الذين عينهم في المدن التي دخلت الإسلام. كما شهد القضاء الإسلامي الفصل بالمنازعات التي تحصل بين المسيحيين.
ب. المرحلة الثانية: العلاقات الدبلوماسية في عهد الخلفاء الراشدين:
لقد استمرت الدعوة إلى الإسلام واستمرت الفتوحات الإسلامية مع الخلفاء الراشدين، ويدل ميراثهم على أنهم اهتدوا جميعاً بهدي الممارسة الدبلوماسية التي وضعها الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) مع تطويرها بما يتماشى مع ازدياد رقعة الدول العربية الإسلامية واحتكاكها مع قوى دولية كبرى كالفرس والروم.
فبعد وفاة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) اختير أبو بكر الصديق رضي الله عنه في سنة 23هـ وأطلق عليه المسلمون اسم " الخليفة " وكما تقتضي العادة الدبلوماسية عند استلام رؤساء الدول أن يلقي خطاباً في أول يوم استلامه المسؤولية العليا في الدولة يوضح منهج سياسته فقد ألقى الخليفة أبو بكر خطاباً موضحاً سياسته وموقفه وذلك بعد مبايعته. وقد صار إلقاء الخطبة بعد البيعة سنة صار عليها الخلفاء الراشدون الثلاثة بعد أبي بكر يضمنونها المبادئ السامية التي يستوحون منها مسيرتهم وأعمالهم
وقد اتجه أبو بكر الصديق إلى محاربة المرتدين في الوقت الذي قام فيه بالعديد من الفتوحات الإسلامية الكبيرة. وتعد توصيات الخليفة أبو بكر الصديق لجيش المسلمين الذي جهزه لمحاربة الروم أروع القواعد في القانون الدولي الإنساني . فعلى الرغم من عقد العديد من المعاهدات الدولية لتنظيم الجوانب الإنسانية في الحرب فلم يتقرر حتى الآن عدم قطع الأشجار والامتناع عن قتل الحيوانات. كما حددت هذه الوصايا من هو القاتل الذي تتوجه ضده العمليات العسكرية والأعداء الذين لا يجوز قتلهم.
وقد أولى أبو بكر الصديق العلاقات الدبلوماسية أهمية خاصة الرسل لعقد معاهدات هدنة مع الدول المجاورة للدول الإسلامية، فأرسل رسله للمقوقس ملك مصر وقيصر ملك الروم وكسرى ملك الفرس لعقد معاهدات هدنة. ومعاهدات الهدنة هذه ليست لإنهاء حالة حرب قائمة وإنما تفادي حرب مستقبلية. وهي ما يطلق عليها في الوقت الحاضر بالمعاهدات الدولية الخاصة بعدم التعدي.
أما الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقد وضع العديد من القواعد الدبلوماسية وهي:
1- الرعية مؤدية إلى الأمام مما أدى إلى الله فإذا رفع الإمام فارفعوا.
2- أشقى الولاة من شقيت به رعيته واعقل الناس اعذرهم للناس.
3- من لا يعرف الشر كأن أجدر أن يقع فيه.
4- لا يقم أمر الله إلا رجل لا يضارع ولا يصانع ولا يتبع المطامع ولا يقيم أمر الله إلا رجل لا ينقص غربه ولا يكظم في الحق على حزبه.
5- لا تغرنكم من الرجل طنتنته وصلاته في الليل فالرجل من أدى الأمان وكف عن أعراض الناس وسلموا من يده ولسانه.
6- لا تنظر إلى صيام احد ولا إلى صلاته ولكن انظروا إلى صدق حديثه إذ حدث وأمانته إذا اؤتمن وروعه إذا اشفى.
7- يهدم الإسلام ثلاث زلة عالم وجدل منافق بالقرآن وأئمة مضلون.
8- الرجال ثلاثة والنساء ثلاثة. إمرأة هينة لينة عفيفة مسلمة ودود تعين أهلها على الدهر ولا تعين الدهر على أهلها. وأخرى وعاء للولد لا تزيد على ذلك شيئاً. وأخرى غل قمل يجعلها الله في عنق من يشاء ويترعه إذا شاء. والرجال ثلاثة: رجل عاقل إذا أقبلت الأمور وتشبهت يأتمر فيها بأمره ويبذل عند ذلك رأيه، وآخر جائر بائر لا يأتمر وشداً ولا يطيع مرشداً.
وقد استخدم الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه المرأة في العلاقات الدبلوماسية فقد أرسل زوجته أم كلثوم إلى الروم واستقبلتها زوجة ملك الروم وحملت الهدايا إليها وأهدت زوجة ملك الروم الهدايا إلى أم كلثوم.
وقد حدد عمر بن الخطاب رضي الله عنه شروط الدبلوماسي في النقاط التالية:
1- أن يكون اسمه جميلاً. فالأشياء تؤخذ من عناوينها.
2- أن يكون شكله وسيما جميلاً.
3- أن تكون لغته سليمة.
كما اهتم بالرسل وانشأ ديواناً للرسل، يتضمن الرسائل التي تأتيه بواسطة الرسل. واعتمد وسيلة القضاء كأفضل وسيلة لتسوية المنازعات. ومثل العهد الذي منحه عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أهل القدس أفضل وثيقة تاريخية تمثل قواعد القانون الدولي الإنساني.
وبعد أن تولى عثمان بن عفان الخلافة بعد وفاة عمر بن الخطاب رضي الله عنهما. خصص عثمان بن عفان رضي الله عنه مبالغ معينة من بيت المال لاستقبال الرسل الأجانب وتغطية نفقات إقامتهم. وعلى الرغم من التطور الذي يشهده القانون الدولي في الوقت الحاضر إلا أن الدولة لا تتحمل نفقات إقامة البعثات الأجنبية في بلدها
وفي عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه أنشئ أول اسطول بحري عربي إسلامي والذي يدل على الانفتاح الجديد للإسلام على العالم. وانه أصبح ديناً عالمياً له القدرة بالوصول إلى أية منطقة من مناطق العالم.
وقد جهز عثمان رضي الله عنه حملة بنفسه لغزو الروم سنة (32)هـ. وغزا ارض الروم بنفسه سنة (33)هـ بحملة من ناحية ملاطيه. وفي عهده فتحت البلقان صلحاً. ويعد عمل عثمان بجمع القرآن وتوحيده ونسخه من أهم الأعمال التي قام بها. فقد وحد عثمان دستور الدولة الإسلامية من التحريف والتزييف كما حصل للأديان السماوية لغير المسلمين. ولو لم يقوم عثمان بهذا لصعب على غيره القيام به.
وفي عهد علي بن أبي طالب كرم الله وجهه تم وضع القواعد السليمة التي يتم بها اختيار الرسل. ومما يثبته التاريخ أن علياً هو واضع علم النحو. وتعد اللغة أهم مقومات الدبلوماسية. فمن ملك الكلام ملك القدرة على التعبير بشكل دقيق ويوصل المطلوب على الوجه الأكمل. ولا تسوقه ألفاظه إلى مالا يرغب به
ومن كتاب له إلى بعض عماله: "أن دهاقين أهل بلد شكوا منك غلظة وقسوة واحتقاراً وجفوة. ونظرت فلم أرهم أهلا لان يدنوا لشركهم. ولا أن يقصوا ويجفوا لعهدهم. فالبس لهم جلباباً من اللين وتشوبه بطرف من الشدة. وداول لهم بين القوة والرأفة. وامزج لهم بين التقريب والإدناء والإبعاد والإقصاء إن شاء الله".
وتعد هذه القواعد الدبلوماسية التي يجب أن يتحلى بها كل دبلوماسي. ذلك أن الغلطة والقسوة واحتقار الآخرين تتنافى مع مهمة المسؤول أو الدبلوماسي.
ج. المرحلة الثالثة: العلاقات الدبلوماسية في عهد الدولة الأموية في بلاد الشام
بلغت الدبلوماسية درجة من التقدم في الدولة الأموية مواكبة للعصور التي مرت بحيث خضعت لقواعد دقيقة وتنظيم في الأصول والمبادئ. وأثر انتقال مركز الدولة العربية الإسلامية من الحجاز إلى بلاد الشام في تطور الممارسة الدبلوماسية من خلال قربها من مركز الثقل الدولي بيزنطة عاصمة الروم.
يعد الخليفة معاوية بن أبي سفيان المؤسس للخلافة الأموية في 660م. وقد حاول استخدام الأساليب الدبلوماسية في كسب ود الناس فقيل عنه إنه يعطي المقارب ويداري المباعد ويلطف به حتى استوثق به أكثر.
ومن اشهر القواعد الدبلوماسية التي وضعها معاوية والتي لا يزال معمول بها في التعامل الدبلوماسي وتعد مضرباً للأمثال الدبلوماسية، ما يطلق عليه بـ" شعرة معاوية ". حيث قال:" لو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت إذا أرخوها شددتها وان شدوها أرخيتها ".
وفي عهد الدولة الأموية تطورت العلاقات الدبلوماسية تطوراً كبيراً للأسباب التالية:-
1- اتساع مساحة الدولة واستمرار الدعوة الإسلامية والحروب. وتمدد حدود الدولة من المحيط الهادئ إلى المحيط الأطلسي
2- الاحتكاك بشعوب أخرى والتعايش معها سواء المقيمة بداخل الدولة (من دخل الإسلام) ومن(دفع الجزية)،أو مع شعوب الدول المقيمة على أطراف الدولة الإسلامية.
3- تطور التجارة في عهد الخلافة الأموية مما أدى إلى اتساع آفاق الدبلوماسية العربية إلى النطاق العالمي
4- تطور الدواوين وازدياد عددها مثل ديوان الرسائل والخاتم والبريد والخراج.
5- كان خلفاء الدولة الأموية يوصون رسلهم الذين يبعثون بهم إلى الدول الأجنبية بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لتلك الدول. واحترام سيادتها ونظامها السياسي وعدم الاتصال بالأشخاص الذين ترتابهم تلك الدول.
6- احترام الأمويون الرسل الأجانب.
7- اعتمد خلفاء الدولة الأموية على اختيار الرسل ممن لهم قدرة فائقة في ميدان الدبلوماسية.
8- استمرار العلاقات التجارية مع أعداء المسلمين.
9- اهتمت الدولة الأموية بالرسائل الدبلوماسية حتى أصبحت الرسائل الدبلوماسية صناعة يتخصص بها من يجيد هذه الصناعة
10- امتاز الأمويون بأسلوب دبلوماسي خاص لاستقبال الرسل الأجانب يدل على هيبة وعظمة الدولة الأموية.
د. المرحلة الرابعة: العلاقات الدبلوماسية في عهد الدولة العباسية ;
وصلت الدولة العربية الإسلامية أوجها في عهد الدولة العباسية ومن ثم انهارت، ولقد عرفت هذه المرحلة انتقال العاصمة من دمشق إلى بغداد، وظهور الدولة العباسية كأكبر دولة في العالم آنذاك، وكانت عاصمتها ملتقى للوفود والسفارات من مختلف بقاع الأرض، بالإضافة لمشاركة عناصر غير عربية في الحكم.
ومن ابرز مظاهر تطور العلاقات الدولية في الدولة العباسية كان استحداث منصب الوزارة. وهو مصطلح عربي في أصله استدعته الظروف والرغبة نحو المركزية في زمن الخلفاء العباسيين الأوائل فبرز الحاجة إلى شخص من غير آل عباس يتمتع بحكمة ودراية ومؤهلات خاصة يعينه الخليفة في تدبير أمور الدولة سياسياً وإدارياً وتقديم المشورة ومتابعة تنفيذ أوامر الخليفة. وقد تطورت مهمة الوزارة مع تطور الاتجاهات السياسية والإدارية ونزعة الخلفاء العباسيين وقوتهم. ويعتبر مهمة متابعة العلاقات الدبلوماسية من المهام الأساسية لمنصب الوزارة.
وطور العباسيون الدواوين الخاصة بالعلاقات الخارجية، واهتموا بتوسيع علاقاتهم السياسية. وكان اتساع الدولة العباسية قد جعلها قريبة من العديد من الدول مما فرض عليها أن تنظم علاقات سليمة أو حروب بينها وبين هذه الدول. وتسوية المنازعات الناشئة بينها. ومن مظاهر تطور السلطة وتقدمها ما أقامته من علاقات سياسية ودبلوماسية مع الدول المعاصرة لها صديقة كانت أو عدوة. وبخاصة عن طريق السفارات والبعثات السياسية التي كان لها أهدافا وأغراضا متعددة إلى جانب المواصفات والمؤهلات التي لابد أن يتحلى بها من يختار للسفارة. كما ترسخت أعراف وتقاليد عند استقبال السفراء واستضافتهم وتوديعهم وتمتعهم بالحصانات والامتيازات الدبلوماسية. وهذا ما تميز به تاريخ الدولة العباسية وأصبح سمة علاقاتها الدولية.
وكان الرسل والسفراء الذين ينتمون إلى فئة عمال الدولة يتقاضون الرواتب ويأخذون النفقات من الدولة ويلبسون ملابس خاصة. ومن الممتع أن نجد بعض الإشارات إلى الزي الرسمي الذي كان يرتديه السفراء العرب حين مقابلتهم رؤساء الدول الأجنبية، فقد ظهر نصر بن الأزهر الذي أرسله الخليفة العباسي المتوكل إلى القسطنطينية عام 861 م بالزي الرسمي العباسي الأسود متمنطقاً سيفاً وخنجراً. وهناك تشابه بين الزي الذي يرتديه سفراء العصر مثل السموكن والنواك وزي السفراء العباسيين من حيث طغيان اللون الأسود والتمنطق بسيف مرصع بالجواهر في المناسبات الكبرى أو حين تقديم أوراق الاعتماد عند بعض السفراء.
وبالنظر لتطور العلاقات الدولية فقد ظهرت في عهد الدولة العباسية العديد من المؤلفات العلمية الخاصة بإدارة العلاقات الدولية. فصدرت موسوعات تناولت الدبلوماسية والسياسية الخارجية جاءت بأسلوب حديث متطور. ومن ابرز ذلك كتب السير والمغازي (السلام والحرب) والوقائع والفتوح والأنساب والأمم والأديان والتراجم والطبقات والحوليات والخطط.
وعرف العباسيون نظام المراسم واستقبال الرسل والاحتفاء بهم. إذ كانوا يخصون السفير ومرافقيه باستقبال حافل على الحدود ومرافقته حتى دخول العاصمة، حيث يجد بانتظاره شخصية سامية، وينزل ومرافقه قي قصر الضيافة، وقد جرت العادة على أن يستقبل السفير من قبل وزير مكلف بالمهمة (الوزير مرتبة أدخلها الفرس للدولة العباسية) يحدد معه موعد لمقابلة الخليفة (أمير المؤمنين) وعندما يحظى بمقابلة أمير المؤمنين يقدم له كتاب (سيده) رئيس دولته، ومن ثم الهدايا التي يحملها له.
ونشطت الحركة التجارية في عهد الدولة العباسية واتسمت بالعالمية لشمولها العالم المعروف في ذلك الوقت حيث ربطت بين أجزاءه. وان موقع الخلافة في بغداد جعلها تملك قلب العالم المعروف بالعصر الوسيط وتشرف على اغلب الطرق التجارية الممتده من أواسط آسيا والصين شرقاً إلى المحيط الأطلسي غرباً.
وقد اعتمد العباسيون الأسلوب الدبلوماسي في حل مشاكلهم مع الدول المجاورة خاصة بعد أن ازدادت العلاقات الدبلوماسية وتبادل السفراء ومنها السفارات الثلاث التي أرسلها هارون الرشيد لشارلمان ملك الإفرنج أعوام 801 و802 و807 ميلادية، وكذلك سفاراتهم للقسطنطينية وروما ومملكة البلغار والهند والصين.
بالإضافة إلى أن العباسيين استخدموا الدبلوماسيين ليس فقط للتمثيل والمفاوضة وجمع المعلومات بل ادخلوا عليها ولأول مرة مهمة التعاون والتبادل العلمي والثقافي كسفاراتهم لإحضار علماء ومترجمين من بيزنطة أو إرسال طبيب عربي لمعالجة شارلمان.
وطبق العباسيون مبدأ المقابلة بالمثل. فكانت معاملتهم للأجانب تنطلق من معاملة هؤلاء لرعايا الدولة العباسية. فإذا قامت الدولة الأجنبية بإعفاء رعايا الدولة العباسية من الرسوم أو فرضت عليهم رسوما أخرى أو منحتهم مزايا فان رعايا تلك الدولة في الدولة العباسية يعاملون بذات المعاملة. وكان من نتيجة التطور الدبلوماسي أن نصت العديد من المعاهدات التجارية المعقودة بين الدولة العباسية والدول الأخرى على مبدأ المقابلة بالمثل.
وكخلاصة نستطيع القول أن الدولة العباسية قدمت الكثير في مجال العلاقات الدبلوماسية وأكثر من كل معاصيرها والسبب أنها كانت أقواهم وأوقفت وهي في اوجج قوتها استخدام الحرب كأداة تنفيذية لسياستها الخارجية واستبدلتها بالدبلوماسية، التي أصبحت خلافة ومبدعة وابتعدت عن اللجوء للمكر والخداع والانتهازية والخيانة والكذب كما فعل معاصروها وخاصة البيزنطيون وحكام المدن- الدول الإيطالية، وهذا شيء طبيعي وراجع للعقيدة الإسلامية السمحاء التي جمعت بين الدين والدنيا والتي لم تستخدم الدين كأداة للدنيا ...... فالسياسة أخلاق بالنسبة لها.
وباختصار نقول بان الدولة العربية الإسلامية بمراحلها الأربعة التي ذكرناها سالفاً قد تبادلت العلاقات الدبلوماسية مع الدول الأخرى التي عاصرتها في مختلف المجالات، واستخدمت جميع الوسائل الدبلوماسية لتسوية المنازعات الدولية. واهتمت بإرسال الرسل واستقبال المبعوثين الدبلوماسيين. وإذا ما اعتقد فقهاء القانون الدولي العام المعاصر، إن مصطلح الدبلوماسية ومفهومها من نتاج العلاقات الدولية بين الدول الأوروبية المسيحية، فان هذا الفقه لم ينظر إلى تاريخ الحضارة العريقة التي أقيمت في الوطن العربي على مر العصور. ولم يلتفت الفقه الغربي إلى الدور الذي حققته الشريعة الإسلامية في إقامة علاقات دولية قائمة على المساواة والعدل والحق، ووضع قواعد دبلوماسية قائمة على الأخلاق و الفضيلة والإنسانية. وذا كانت اللغة العربية لم تستخدم مصطلح العلاقات الدولية ولا تعرف مصطلح الدبلوماسية لأنه مصطلح لاتيني، إلا أن مفهوم الدبلوماسية وقواعدها عرفها العرب بقيم وأخلاق إنسانية قبل أن تظهر في أوروبا بقرون عديدة.

المطلب الثاني
العلاقات الدبلوماسية في الإمبراطورية البيزنطية
بعد انهيار الإمبراطورية الرومانية في القرن الخامس الميلادي أصبحت منقسمة إلى قسمين وهما الدولة الرومانية العربية وعاصمتها ميلانو والدولة الرومانية الشرقية التي تأسست في بيزنطة وأدت لقيام روما الجديدة (هي القسطنطينية) واستمرت هذه الدولة كقوة جبارة حتى عصر شارلمان وظهور الإسلام والدولة الإسلامية.
كانت الإمبراطورية البيزنطية أو دولة تنظم قسم حكومي مكلف بمعالجة القضايا الخارجية وتأهيل أشخاص في فن التفاوض. وقد تركت خلفها معاهدات طويلة متعلقة بالمسائل البروتوكولية والاحتفالية.
وقد استخدمت بيزنطة الدبلوماسية كأداة رئيسية لبقائها كدولة، من اجل البقاء أولا والقوة والهيمنة ثانياً. قام الأباطرة بتطوير أساليب الدبلوماسية عبر إدخالهم عليها طابع المكر وفن الدهاء، وقد وجد في الدبلوماسية البديل عن النقص في السلاح فاستغلوها لمواجهة أخطار الشعوب البربرية المتعطشة للدماء المحيطة بأقاليمهم والمتوثبة دائماً لغزو أراضيهم. فالتجئوا إلى إضعاف أعدائهم الحقيقيين والمحتملين بإثارة بعضهم ضد بعض والحيلولة دون وحدتهم " حيث ابتكرت ثلاث طرق رئيسية أولها إضعاف البرابرة بإثارة الخلاف فيما بينهم ، وثانيها شراء صداقة القبائل والشعوب المتخمة للدولة بالتملق والرشاوي، وثالثها نشر الديانة المسيحية بين اكبر عدد منهم .
وقد تميزت الدبلوماسية البيزنطية بالملامح العامة التالية: أنها فردية ومترهلة، وأنها تأتي في المناسبات حيث ضرورة التوصل إلى معاهدة سلام، أو تحالف أو للتجارة، ولإعلان الحرب، وأنها نادراً ما تكون منظمة. وفي الوقت الحاضر، فان ما توصف بمثل هذه الدبلوماسية، بأنها مهمة مؤقتة، وتؤكد الوثائق التاريخية بان أول علاقات دبلوماسية دائمة تلك التي عقدت ما بين البابا والإمبراطورية البيزنطية. والبابوات، منذ القرن السابع بعثوا مبعوثيهم للإقامة لفترات طويلة في بيزنطه. وقد تم تطبيق هذه الظاهرة في القرن الرابع عشر من قبل فينيسيا تحت تأثير بيزنطه. وأنها المدينة الأولى التي احتفظت بأرشيف لهذه المهمة. كما أنها تبعث لهم بما يجري في المدينة من أحداث لتضعهم في صلب مهماتهم التي انتدبوا من اجلها ونقل الصورة التي يرونها بكل دقة لكي يمثلوا بلدانهم بجدارة. وقد كانت حياة السفراء جداً صعبة، حيث أنهم يرسلون بدون عوائلهم (ولكن مع طباخ من اجل الحيلولة دون تسممهم) وان مهنتهم يمكن أن تطول لأكثر من سنتين، ويتوجب على الدبلوماسي أن يحمل نفقاته الثقيلة، وخلال السفر المتعب الذي كثيراً ما يتعرض خلاله إلى السطو والمخاطر الأخرى من الأمراض.
وضع البيزنطيون كافة البعثات الدبلوماسية القادمة إليهم تحت المراقبة حيث كان حرس الشرف الذي يشارك في المراسم وهو من الشرطة يرصد حركاتهم ويتعرف على الأشخاص الذين يترددوا عليهم. ويرجع ذلك إلى أن بيزنطة كانت تنظر إلى الدبلوماسيين الأجانب على أنهم مجرد جواسيس لدولهم. وقد حرموا على مواطنيهم الاتصال بالسفراء الأجانب.
وقد ادخل البيزنطيون العامل النفسي في سلوكهم مع المبعوثين لديهم وذلك قصد التأثير على نفسية هؤلاء السفراء وإرهابهم عبر عرش يتحرك يعلو ويهبط وعبر استعراضات عسكرية ضخمة ومقنعة في نفس الوقت.
ويعتبر العهد البيزنطي في الدبلوماسية بداية عهد السفارة الدائمة حيث لازم السفير البيزنطي عمله في البلاط المعين لمدة من الزمن كانت أطول من المألوف. وكذلك يعتبر عهدهم بداية ظهور الدبلوماسي المحترف بعد أن كانت الوظيفة عرضية أو وراثية.
وقد ابتكر البيزنطيون ثلاثة أساليب دبلوماسية رئيسية بعيدا عن فض الخلافات بحد السيف وهي:
1- سياسة إضعاف الشعوب والقبائل البرابرة من خلال نشر التفرقة وإثارة التنافس بينهم وإيقاع الخصومات وذلك بهدف تقوية وحدتهم الداخلية.
2- شراء صداقة الشعوب والقبائل المجاورة بطريق الرشوة والهدايا أي التملق والمساعدات المالية.
3- إدخال اكبر عدد ممكن في الديانة المسيحية كما حصل مع العرب في جنوب الجزيرة العربية أيام دولة الحميديين اليهودية، حيث قامت أول سفارة مسيحية في العصر الحميدي في عدن سنة 365م وقد تم كل ذلك بمساعدة أبرهة نائب ملك الحبشة.
ويمكن تلخيص خصائص ومميزات الممارسة والأسلوب الدبلوماسي عند البيزنطيين بالنقاط التالية:
1- اعتمد البيزنطيون على فن المفاوضة وممارسة الدبلوماسية بأشكال وصيغ معينة. واعتمدوا أسلوب الدبلوماسي المراقب بدل الدبلوماسي الخطيب وهذا الأسلوب يستند إلى شخصية الدبلوماسي المحترف ذي الخبرة والراية.
ويقول نيكلسون أن البيزنطيين في تقاليدهم الدبلوماسية سبقوا غرب أوروبا بخمسة قرون على أساس المساواة في السيادة وقواعد حسن الجوار، وتبين أشكال العلاقات الدبلوماسية لتصبح وسيلة تحقيق التضامن بين الأسر الأوروبية
2- أنشأ البيزنطيون في القسطنطينية ديواناً خاصاً للشؤون الخارجية كما أسلفنا وقد قام هذا الديوان بتدريب المفاوضين المحترفين الذين يقومون بأعمال السفارة لدى الدول الأجنبية وأنشأ إلى جانب ذلك ديوان الأجانب أو حسب تعبيرهم (ديوان البرابرة) وهو يختص بمصالح المبعوثين الأجانب وشؤونهم وكان من تعليمات ديوان الشؤون الخارجية لسفراء بيزنطة أن يراعوا قواعد الذوق واللياقة في بعثاتهم، ومعاملاتهم مع الأجانب والمجاملة في أحاديثهم وان لا ينتقدوا البلد الموفدين إليه في شيء بل عليهم امتداحه قدر المستطاع.
3- أهداف السفارات البيزنطية هو أن تقوم بإعداد تقارير عن الأوضاع الداخلية في البلاد الموفد إليها فكانوا يسكنون في مبان خاصة ويكرمونهم ويراقبونهم ويحيطونهم بحرس الشرف.
4- الاهتمام الزائد بالمراسم وإجراءات الضيافة وحسن الضيافة والاستقبال كما في روما ومن هذه المراسم احتفاظ البيزنطيين لسفراء العرب بمكان الصدارة بين جميع الدبلوماسيين الموفدين إليها، وهو احترام بيزنطة الكبير لسفارات بغداد والقاهرة وقرطبة وتفضل سفراء عرب المشرق قبل عرب المغرب حتى اعتبر أن لعرب المشرق وخاصة بغداد الأفضلية على سفراء قرطبة.

المبحث السادس 
العلاقات الدبلوماسية في العصور الحديثة
المطلب الأول
العلاقات الدبلوماسية في الإمبراطورية العثمانية
تعرضت الحضارة العربية الإسلامية لانتكاسة على يد الجيش التتري بقيادة " هولاكو " عام 1258م، الذي احل الخراب في مدينة بغداد ووضع نهاية مؤلمة للدولة العباسية التي كانت بغداد عاصمتها. فلم يعد هناك مجالاً للتحدث فيه عن الدبلوماسية في الفترة اللاحقة للحكم العباسي لاستمرار احتدام الحروب والاضطرابات الداخلية، حيث اتجه هولاكو وأحفاده من بعده إلى محاولة تصفية الحضارة العربية الإسلامية التي سادت قيمها الإنسانية والأخلاقية العالم كله آنذاك.
وكان الأتراك اعتنقوا الإسلام في عهد الدولة العباسية وكان نفوذهم واضح على سياسة الدولة العباسية. وتولوا مناصب مهمة فيها. واستطاعوا أن يؤسسوا دولة في آسيا الوسطى وتوسعوا على حساب الدولة البيزنطية وتمكنوا من فتح القسطنطينية في عهد السلطان محمد الفاتح وأصبحت عاصمة الدولة العثمانية. واستطاع السلطان محمد الفاتح أن يفتح مناطق مختلفة من أوروبا شملت العرب والبوسنة والبانيا والهرسك.
وعلى الرغم من اتسام علاقات الدولة العثمانية الدولية بالحروب فقد أقامت علاقات دبلوماسية متطورة وعقدت معاهدات عديدة مع الدول المجاورة.
فقد تمكن السلطان محمد الفاتح من التقدم لفتح البندقية فانزل بجيشها الهزيمة. واضطرت البندقية إلى عقد الصلح وعقدت معاهدة 1479م التي وافقت فيها أن تدفع للسلطان العثماني مبلغاً كبيراً كتعويض عن الحرب وضريبة سنوية مقابل تنازل السلطان عن السيطرة على عدة مدن قام بفتحها.
ويعد السلطان سليمان العظيم من أهم سلاطين الدولة العثمانية، وقد نشبت في عهده العديد من الحروب مع أوروبا وتقدمت جيوشه لمحاصرة النمسا. مما دفع " فريناند " امبراطور النمسا إلى عقد صلح مع سليمان عام 1523واعترف له فيه بالسيادة على المجر.
وعقد السلطان سليمان معاهدة صداقة مع فرانسو الأول ملك فرنسا في عام 1536 ليتعاونا سوياً ضد شارل الخامس. وقد توطدت الصداقة بين الدولة العثمانية وفرنسا وقامت أساطيلها بهجمات مشتركة على ثغور ايطاليا واسبانيا ووصل التعاون البحري بين الدولتين إلى درجة أن فرنسا في شتاء عام 1543م وضعت ميناء طولون الفرنسي تحت تصرف خير الدين وسفنه ورجاله ليجعل منه قاعدة بحرية يشن منها الهجمات على أساطيل شارل الخامس. ونجح العثمانيون في السنوات التالية من طرد قوات شارل الخامس من ثغور شمال إفريقيا.
وقد مرت الدولة العثمانية بمرحلتين: الأولى وهي مرحلة التوجه العثماني نحو فتح أوروبا والثانية التوجه العثماني نحو الشرق وتوسيع الدولة العثمانية لتشمل الوطن العربي.
وبالنظر إلى أن الوطن العربي قد خضع للدولة العثمانية 1530-1914 لذا فقد طبق عليه ما طبق في الدولة العثمانية من علاقات دبلوماسية ومعاهدات عقدها العثمانيين مع الدول الأخرى.
ونظراً لاتساع الدولة العثمانية وتطور علاقاتها الدبلوماسية مع الدول الأخرى عقد العثمانيون العديد من المعاهدات مع الدول الأجنبية كان في مقدمتها معاهدة عام 1535 مع فرنسا في عهد السلطان سليمان القانوني ألزمت فيها الدولة العثمانية بمنح فرنسا امتيازات متعددة وخاصة في شؤون القضاء. حيث يكون لممثل فرنسا الولاية الكاملة في مقاضاة الفرنسيين في المناطق الخاضعة للدولة العثمانية في القضايا المدنية والجزائية وصلاحية تنفيذ الأحكام الصادرة من محاكمها في صورة محاكم خاصة يطلق عليها "المحاكم القنصلية ". أما إذا كان احد أطراف الدعوى من رعايا الدولة العثمانية فان الدعوى تخضع لمحاكم خاصة في الاستانة
وقد أقام الفرنسيون علاقات دبلوماسية مع الدولة العثمانية فكان لهم سفيراً في الاستانة وهو "دي جرميني". وفي عام 1583 عينت بريطانيا " هاربون" سفيراً لها في الدولة العثمانية واستقبله السلطان مراد الثالث استقبالاً حافلاً. وقد بعث السفير البريطاني بالقناصل إلى القاهرة والإسكندرية والقدس ودمشق وحلب وطرابلس. وانشأ القياصرة الروس قنصليات لهم في عدد من المدن العراقية في القرن التاسع عشر، فعين "كروجلر" عام 1897م قنصلاً روسياً في بغداد.
وبصورة عامة كانت الحكومة العثمانية في الاستانة تعترف للمبعوثين الدبلوماسيين الذين تعينهم دولهم كممثلين لها في بغداد ببعض الامتيازات والحصانات كما يظهر ذلك من الأوامر الخاصة بقبول اعتمادهم. ومن هذه الامتيازات ما يأتي

1) أن ترفع البعثة الدبلوماسية علم دولتها.
2) الإعفاء من الضرائب المفروضة على البضائع التي تجلب معهم ومن الضرائب المحلية .
3) التمتع بالحصانة الجزائية القنصلية.
4) صيانة شخصية المبعوث الدبلوماسي وعدم الاعتداء عليه.

ومنحت الدولة العثمانية الامتيازات القنصلية لرعايا الدول الأجنبية في الأراضي العثمانية طبقاً لاتفاقيات عقدت لهذه الفرض. وقد ساهمت هذه الاتفاقيات التي عقدتها الدولة العثمانية مع الدول الأوروبية في إضعاف الدولة العثمانية من خلال تثبيت الوجود الغربي في الدولة العثمانية وتفتيتها من الداخل. فأصبحت الممثليات القنصلية محاكم يلجأ إليها رعايا الدولة العثمانية لتسوية مشاكلهم. مما جعلها تتدخل في شؤونها الداخلية
وقد دخلت الدولة العثمانية الحرب العالمية الأولى وخسرت الحرب وتوزعت ممتلكاتها على الدولة المنتصرة بموجب معاهدة لوزان عام 1923م.

المطلب الثاني
الدبلوماسية الإيطالية

ظهرت طلائع التمثيل الدبلوماسي الدائم في مطلع القرن الخامس عشر في ايطاليا ولا سيما في مدينة البندقية، حيث التطبيق الذي امتد إلى كل الجمهوريات الإيطالية، جنوا، ميلانو، فلورنس، وان البابا ليوف العاشر أسس في عام 1513 أول سفراء لدى المحاكم في ألمانيا، فرنسا، إنكلترا. كانت البندقية ترسل سفرائها إلى الجمهوريات الأخرى ليقيموا هناك فترة تتراوح ما بين ثلاث وأربعة اشهر. أما ميلانو فكانت أول من أرسل بعثه دائمة إلى جنوا في عام 1455. وعينت فينيسيا تاجرين يقيمان في لندن كمساعدي سفير هناك عام 1460 وبعد سنوات أنشأت الدويلات الإيطالية الأخرى سفارات دائمة لها في لندن وباريس ثم عينت بريطانيا سفراء دائمين لها في باريس في عام 1519. ثم اخذ التمثيل الدبلوماسي الدائم ينتشر بعد ذلك تدريجيا حتى شمل القارة الأوروبية بأكملها. لكن ما يجعل من " البندقية " المؤسس الحقيقي لما يعرف بالبعثة الدبلوماسية الدائمة هو كونها الدولة الوحيدة في ذلك العهد الذي نظمت بدقة الوظيفة الدبلوماسية وأسست ما يعرف " بالسلك الدبلوماسي " حيث بدأ يظهر دبلوماسيون بالمعني الحديث للكلمة.
وهناك العديد من العوامل التي ساهمت أساساً في بروز التمثيل الدبلوماسي الدائم هي
1- عامل المودة : حيث التأثير الكبير الذي مارسته في أوروبا وخصوصاً ذلك الذي تم إنتاجه في ايطاليا.
2- العوامل المالية: فالمديشيون، أسياد فلورنسا مثلوا الرأسمال الكبير في تلك الفترة وشكلوا قوة مالية في المقام الأول. وقاموا بإقراض المال إلى كل الملوك وأمراء أوروبا. وذلك من خلال وكلاء يشرفون على استعمالها أو إعلامهم بالسياسة العامة للإنفاق وأحوال دائنيهم، يضاف إلى ذلك فان الأموال التي أتت من العالم الجديد سمحت بمواجهة الاتفاقات الهائلة الأمر الذي تطلب المحافظة عليها من خلال سفراء دائمين.
3- العامل السياسي: إذ أن أفكار مكيافيلي دفعت إلى وجود سياسة واقعية مؤسسة على المعلومات الموضوعية. وان الاحتفاظ بالتوازن ما بين مختلف الدول يتطلب استخدام الدبلوماسية أكثر مما يتطلب استخدام القوة.
وقد تميزت الدبلوماسية الإيطالية بعدة خصائص أهمها:
1- الخداع والرياء والمراوغة وعدم الثقة والدس، فكان متاحاً مثلاً للسفير الإيطالي تدبير المؤامرات السياسية في البلد المبعوث إليها، وكان سفراء البندقية يشتركون في الاغتيالات السياسية للتخلص من خضوعهم.
2- كان توزيع الرشوات على ذوي النفوذ في البلاد الأجنبية من الأساليب المبتكرة للدبلوماسية الإيطالية.
3- كان يطلب من السفير الإيطالي المحافظة على أسراره الخاصة مما يعني الانعزال في حياته الخاصة.
4- تم التركيز على صفات معينة لابد من توفرها من السفير الإيطالي كإجادة اللغة اللاتينية والحذر والدهاء وسعة الإطلاع والكرم والصبر والفطنة ورباطة الجأش.
وقد قدمت الدبلوماسية الإيطالية إسهاماً قيماً في الإجراءات الدبلوماسية التي لا يزال بعضها قائماً حتى يومنا هذا، ويتمثل في ملفات وثائق المعاهدات والتقارير، فقد كان البندقيون مثلاًُ أول من قدر أهمية الملفات في هذا الغرض.

المطلب الثالث
فرنسا

يعتبر الفرنسيون هم السباقون في إدخال العديد من الأمور الخاصة بالعمل الدبلوماسي وتطويره ويعود ذلك إلى الشخصية الفذة الكاردينال ريشيلو. فهم الذين ابتكروا قاعدة الموافقة المسبقة من قبل البلد المضيف أي قبل تعيينه بصورة رسمية،وقد عرض البابا على لويس الرابع عشر اسم السفير البابوي الذي رغب في إيفاده إلى باريس حيث كان الأخير يبدي امتعاضه إذا وصل مبعوث أجنبي إلى بلاده دون موافقة مسبقة. وقد ربط النظام الفرنسي بين الشؤون السياسية والاقتصادية، فقد اعتبرت تنمية التجارة الفرنسية مع الخارج من بين أهداف الدبلوماسية. وكان من المنتظر من السفير قبل مغادرة فرنسا أن يتشاور مع الغرفة التجارية في مرسيليا. وجرى إنشاء ما يشبه جهاز الخدمة القنصلية في الشرق في أوائل القرن السابع عشر.

وكان ينبغي على الدبلوماسي الفرنسي أن يتحلى ببعض الصفات أهمها:

1- أن يكون واسع الإطلاع والأدب والقانون والعلوم ويتقن أكثر من لغة واحدة كالألمانية والأسبانية والإيطالية.
2-أن يكون سريع الخاطر وذو نظرة ثاقبة يدرك ما يدور في خلد جلساءه بسرعة.
3- أن يكون قوي الملاحظة قادر على الحكم على الأشياء كما هي ويسعى إلى هدفه من اقصر الطرق ودون مواربة .
4- أن يكون عزيز النفس ، صبورا هادئا، بعيدا عن كل ما يؤثر فيه كالشراب والمقامرة و النساء.
و إجمالا ابتداء من الثورة الفرنسية، فان العلاقات الدولية اتسعت بشكل كبير. إذ أن وصولها إلى مؤتمر فينا 1815-1814 حيث التسوية أدت إلى البت في مسالة التصنيف وترتيب المعتمدين الدبلوماسيين. وخلال هذه القرون الثلاثة فان الدبلوماسية في أوروبا أخذت شكلها الكلاسيكي وتدريجيا فان قواعد القانون الدولي قد تم تحديدها وتوطيدها سواء فيما يتعلق بالامتيازات أو الحصانات. فالمعتمد الدبلوماسي تخلى عن صفة تمثيلة لشخص ملكه وأصبح يمثل الدولة نفسها وبعلمها. وبشكل مترابط، فان الدبلوماسية أصبحت مهنة حقيقية للدبلوماسيين، بينما في القرن السابع عشر والثامن عشر فان اختيار الدبلوماسيين كان يتم من قبل رئيس الدولة من بين المقربين لديه سواء كانوا نبلاء أو قضاة أو تجار.

المبحث السابع
الدبلوماسية المعاصرة

كانت الدبلوماسية التقليدية أو الدبلوماسية القديمة محدودة النطاق كما كانت إدارتها في التأثير محدودة وغالباً ما كانت القوة العسكرية أو أساليب التأثير هي الوسائل الرئيسية المستخدمة في الدفاع عن المصالح القومية للدول في مواجهة بعضها. وكانت الدبلوماسية التقليدية سرية في معظم جوانبها كما اعتمدت إلى حد كبير على العوامل الشخصية، أو بعبارة أخرى فقد كانت دبلوماسية أو استقراطية مغلقة.
وحتى الحرب العالمية الأولى فان الملامح الكبرى للدبلوماسية الكلاسيكية تحتفظ باستقرار كامل، في إطار العلاقات الدولية والرؤية الأوروبية وبالتلازم مع الدبلوماسية الثنائية، يمكن ذكر العديد من المؤتمرات الأوروبية: باريس1856، برلين 1878، وبرلين 1885 ...الخ وابتداء من الحرب العالمية الأولى، فان عناصر جديدة ظهرت بشكل تدريجي قللت من استقلالية الدبلوماسيين. إذ أن فيليب كاييه قد سلط الضوء على هذه العناصر المختلفة:
أ‌- من السرية، فان الدبلوماسية أضحت دبلوماسية علنية، وهذه كانت احد النقاط الأربعة عشر للرئيس الأمريكي ديلسن.
ب‌- فان صعود وتنامي دور البرلمان في الحياة السياسية للدولة جعل من السياسة الخارجية التي كانت من اجل اختصاص حكومة رئيس الدولة إلى اللجان المختصة في البرلمان أولاً، ومن خلال تأثير ديمقراطية الحياة السياسية واستخدام الرأي العام من العوامل المهمة التي يجب أن تأخذ بنظر الاعتبار في صياغة وإقرار السياسة الخارجية.
ت‌- إن تنامي دور الدولة، سواء كانت ليبرالية أو تدخلية، وتخطيطيه، له نتائجه الدولية التي غيرت بشكل جوهري حقل عمل الدبلوماسية التقليدية، إذ أن هذه الأخيرة لم تتضمن فقط السياسة والعسكرية، وإنما تشمل الاقتصاد والثقافة والقضايا الفنية، وان البعثات الدبلوماسية إذا أرادت أن تكون أكثر فعالية فيجب أن يرافقها عدد كبير من الفنيين.
وبشكل متواز، فان الدبلوماسية الثنائية التقليدية فقدت احتكارها لصالح الأجهزة الأخرى الداخلية، إلى الدبلوماسية المتعددة الأطراف والى الدبلوماسية الإقليمية.
وعلى رأس مرتبة أجهزة الدولة التي تحتل مكاناًَ مهماً في ممارسة الدبلوماسية، فانه يجب الإشارة إلى الدور الذي يلعبه رؤساء الدول، ورؤساء الحكومات، ووزارء الخارجية. وقد بدأت هذه الظاهرة تأخذ مجالها في بداية القرن الماضي. الأمر الذي أدى إلى تقليص الدور الذي يحتفظ به السفراء والدبلوماسيين المحترفون، وبمرور الوقت فقد تسارعت هذه الظاهرة، إذ أن رؤساء الدولة والحكومة، ووزير الخارجية اشتركوا بشكل اكثر شخصي في ممارسة الدبلوماسية خلال اللقاءات والقرارات والزيارات الرسمية، حيث التواتر اخذ يتسع، حيث اجتماعات رؤساء الدول في الاتجاهات المختلفة، واللقاءات الثنائية وأحيانا الدورية ما بين رؤساء الدول والمؤتمرات على مستوى القمة واجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية.
وفي عالم اليوم فان مجال كبير من السياسة الدولية والإقليمية يجري تسويته في الإطار المتعدد الأطراف حيث أن عدد كبير من القرارات، إدارية، لوائح، توصيات أو اتفاقات قد تم التحضير لها وإعدادها في داخل المنظمات الدولية وتتطلب انتباه خاص.
وظهرت الدبلوماسية الإقليمية والقطاعية وأصبح لبعض المنظمات الدولية تأثير على السياسة الدولة لأعضائها مثلما يمكن القول بأنه في مجالات هذه المنظمات فالقرار يأخذ ليس فقط في وزارة الخارجية لكل دولة عضو ولكن في الأجهزة القرارية لهذه المنظمات.



الفصل الثالث
أنواع الدبلوماسية المعاصرة

أنواع الدبلوماسية المعاصرة

أكدت العديد من الأدبيات الدبلوماسية والسياسية التي تناولت مواضيع الأمن القومي والمصالح الحيوية للدول ، بأن هناك جهود جهات ثلاث يفترض أن تتكامل لتحقيق هذه المصالح أو المحافظة عليها وهي : الدبلوماسية ، العمل ألاستخباري ، القوة العسكرية . وإن ما زاد من أهمية الدبلوماسية كأداة للسياسة الخارجية تنوع أنماطها وتعدد صورها وأشكالها، فهي لم تعد ذلك النمط التقليدي المتمثل بشخصية السفير أو بنشاط البعثة الدبلوماسية، وإنما توسعت وأخذت صور وأشكال وأنماط مختلفة


المبحث الأول
صور و أنماط الدبلوماسية
المطلب الأول
الدبلوماسية الثنائية أو التقليدية

هي أقدم صور العمل الدبلوماسي، ويقصد بها تنظيم العلاقات بين دولتين على أساس مفاوضات ثنائية بينهما. والدبلوماسية الثنائية تغطي العلاقات بين زوج من الدول في جميع مجالات العلاقات الدولية وتتمثل مهامها في المحاور الرئيسية التالية :
بناء العلاقات السياسية.
التعاون والبعد الأمني.
الثقافة والإعلام والتعليم.
الدبلوماسية العامة.
التعاون والتنسيق والتواصل بين وزارات الخارجية خصوصاً في مجال الإصلاحات الداخلية.
الدبلوماسية الاقتصادية.
الشؤون القنصلية.
دبلوماسية القمة الثنائية بين رؤساء الدول والحكومات.
وتمارس الدبلوماسية الثنائية الأطراف ( رغم تعددها في بعض الأحيان )، أي ما بين الدولة الموفدة والدولة المضيفة عبر بعثات دبلوماسية تقليدية، أي عبر سفارات معتمدة في الخارج، والتي نظمت مهامها، وروعيت حصاناتها وامتيازاتها بما يتماشى مع حسن تأديتها لمهامها على أفضل وجه من خلال اتفاقية فينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961م
وعلى الرغم من أن هذه الصورة من الدبلوماسية ما زالت هي الأسلوب الجاري في العمل الدبلوماسي، إلا أن عدة عوامل قد جعلتها تتراجع إلى المرتبة الثانية للعمل الدبلوماسي ومن هذه العوامل:
أ) زيادة عدد الدول في العالم من نحو 20 دولة في بداية القرن الماضي إلى نحو 191 دولة عام 2005م ، مما يجعل الإتصال الثنائي عسيراً، في حين أن الإتصال عن طريق منظمة دولية إقليمية مثلاً يكون أيسر.
ب) ازدياد تشابك المصالح بين الدول مما يجعل أي إتصال ثنائي لا جدوى منه.
ج) انضمام الدول إلى تكتلات سياسية وعسكرية وتنظيمات إقليمية مما يوفر إطاراً جماعياً للاتصالات الدبلوماسية داخل هذه التكتلات والتنظيمات كما أن أي إتصال ثنائي تقوم به دولة عضو في تكتل أو تنظيم لا بد وأن يعكس التزامها باتجاهات ومواقف هذا التكتل أو التنظيم، وفي كثير من هذه الحالات تكون الإتصالات الثنائية مجرد تمهيد لإتصالات جماعية، أو تكون هي ذاتها رغم مظهرها الثنائي جماعية في حقيقتها.
وعلى الرغم مما سبق فإن الدبلوماسية الثنائية تحتفظ بأهميتها في حالتين:
الأولى : في حالة الإتصال الثنائي بين الدولتين الكبيرتين- الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا - فيما يتعلق بالأمور التي تحتكرها هاتان الدولتان، كالمفاوضات المتعلقة بالأسلحة الاستراتيجية ونشرها.
والثانية : هي الإتصال الثنائي بين دولة كبرى وأخرى صغرى وهو ما يسمى بالدبلوماسية غير المتكافئة أو الاستعمارية، وهذا الإتصال يتضمن علاقة تبعية كانت أبعادها واضحة في عصر الإستعمار التقليدي، أما اليوم فهي تتستر وراء الإستغلال السياسي للدولة التابعة.

المطلب الثاني
دبلوماسية المنظمات الدولية

تمتاز غالباً بطابع الديمومة والاستمرارية عبر بعثات الدول الدائمة لدى المنظمات الدولية. وهي تخضع لقواعد ثابتة مستمدة من القانون الأساسي للمنظمة واللوائح الداخلية لهيأتها العامة وتقاليد العمل فيها
وهي تمارس داخل إطار ثابت في مقر المنظمة الدولية بمعاونة الأمانة العامة الدائمة. وأحياناً تكون ذات طابع مؤقت عبر دعوة إحدى المنظمات الدولية لمؤتمر لبحث قضايا دولية محددة. وتمتاز دبلوماسية المنظمات الدولية بعلاقاتها الواسعة مع أشخاص دوليين آخرين مثل علاقاتها ببعضها البعض أو علاقاتها مع دول أعضاء وغير أعضاء فيها، وكذلك مع حركات تحرير وطنية ( عضوية مراقب ) وأخيراً مع منظمات دولية خاصة (وضع استشاري ). وتتم ممارسة المنظمة الدولية لعلاقاتها الخارجية بواسطة مجموعة من موظفيها، يسمون بالموظفين الدوليين، ويتمتعون بوضعية خاصة بهم، منصوص عليها في دستور المنظمة،أو بروتوكول ملحق بالاتفاقية الإنشائية أو من خلال اتفاقية المقر. وهذه الأخيرة الهدف منها تنظيم العلاقات ما بين المنظمة والدولة المقيمة على أرضها.
ونشير هنا إلى اتفاقية فينا لعام (1975) الخاصة بالعلاقات ما بين الدول والمنظمات الدولية ذات الصفة العالمية، ( الأمم المتحدة والمنظمات الدولية المتخصصة التابعة لها )، والقصد منها تنظيم هذا الشكل من الممارسة الدبلوماسية، من حيث أنها تطبق على البعثات الدائمة للدول المعتمدة لدى أو في المنظمات الدولية أو حتى على الوفود المشاركة في اجتماعات أو مؤتمرات المنظمة الدولية.
ومن الظواهر المعروفة في دبلوماسية المنظمات الدولية ظاهرة التصويت الكتلي ( وهي تقابل التصويت الحزبي في البرلمانات الوطنية)، فالجمعية العامة للأمم المتحدة تنقسم عادة إلى كتل سياسية تقوم الدول الكبرى بدور بالغ الأهمية في قيادتها، وفي الواقع أن أحد أسس دبلوماسية المنظمات الدولية قائم على أن الدولة التي ليس لها مصالح عالمية توكل الدولة الكبرى التي لها مصالح عالمية مباشرة في مقابل امتيازات ومساعدات تحصل عليها من الدولة الكبرى، كما أن هناك ما يسمى بالوزن الأدبي لصوت الدولة الكبرى، ومصدره الإشعاع الثقافي والدبلوماسي والإعلامي للدولة الكبرى الذي يؤثر على الدولة الصغرى ويجعلها تستجيب لرغبات الدولة الكبرى حتى دون أن تطلب منها ذلك، ويظهر دور الكتل السياسية بوضوح في الحالات التي يتبع فيها التنظيم الدولي قاعدة الأغلبية الخاصة كأعضاء الثلثين، ويترتب على ذلك أن أية كتلة يصل عدد أعضائها إلى الثلث تستطيع أن تحول دون صدور القرار بالتصويت ضده، وحتى تستطيع المنظمة الدولية أن تصدر القرار فقد تجري مفاوضات بين هذه الكتل للوصول إلى حل يحقق الأغلبية المطلوبة.



المطلب الثالث 
دبلوماسية المؤتمرات الدولية

هناك ظاهرة جديدة تتسم بها الدبلوماسية الحديثة وهي كثرة المؤتمرات، حتى أنها تكاد تتكرر خلال الشهر الواحد للتشاور في مشكلة أو لاتخاذ موقف مشترك إزاء قضية ما.
وتمتاز هذه الدبلوماسية بأنها مؤقتة ودائمة في نفس الوقت، لأنها تتم عبر وفود لدول وأشخاص دولية أخرى. كما أنها تعقد في زمان ومكان محددين لبحث قضية ما أو مجموعة من القضايا الدولية المختلفة. وكمثال افتتاح الجمعية العمومية للأمم المتحدة أو مؤتمرات القمة أو وزراء خارجية الدولة أو مؤتمرات دولية عامة ...إلخ . ويتم انعقادها بناء على دعوة الدولة أو المنظمات الدولية.
وسواء كانت هذه المؤتمرات سياسية أو اقتصادية أو عسكرية...إلخ، فإن العمل فيها يخضع لأسلوب يختلف جذرياً عن الدبلوماسية الثنائية التقليدية، فإذا كانت الإتصالات التي تجري بين أعضاء المؤتمر قد تكون ثنائية وسرية أحياناً فإن كثيراً من المناورات الدبلوماسية تجري علانية لإشراك الرأي العام فيها، وللتأثير عليه رغبة في الاستفادة من ذلك في توجيه سياسات الدول، كما أن العمل في المؤتمر عمل جماعي يخضع للتصويت وتكون نتائجه علنية، وهكذا فإنه إلى جانب الدراية الفنية بما يجري في المؤتمر يكون مطلوباً من الدبلوماسي المشترك فيه أن يكون ذا قدرة على الخطابة، حاضر البديهة، قادراً على الإقناع، إذ أنه لا يخاطب المؤتمرين وحدهم، لأن صوته في الغالب سيصل إلى الرأي العام، كما أن عمله قد يقتضي منه الإدلاء بالأحاديث الصحفية والإذاعية والتلفزيونية، وكلها قدرات لا تطلب إلا نادراً في الدبلوماسية الثنائية

المطلب الرابع
البعثات الدبلوماسية الخاصة

تمتاز هذه البعثات بأنها متعددة الأطراف ومؤقتة في نفس الوقت، أي غير دائمة وتمارس عبر بعثات خاصة مكونة من وفود أو أشخاص تسافر للخارج لتقوم بمهمة محددة، تفاوضية أو تمثيلية، وفي بلد أو أكثر، ثم تعود لبلدها
وعرفت لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة البعثة الخاصة في اتفاقية البعثات الخاصة، حيث ورد في المادة الأولى الفقرة 1 ( مكونة من إحدى عشرة فقرة والمحددة لمضمون العبارات والمصطلحات الواردة ذكرها في الإتفاقية ) على النحو الآتي: " يقصد بتعبير البعثة الخاصة، بعثة مؤقتة تمثل الدولة، وتوفدها دولة إلى دولة أخرى بموافقة هذه الأخيرة لتعالج قضايا خاصة أو لتؤدي لديها مهمة محدودة ". وفقا لهذا التعريف، لا تعتبر بعثة خاصة في مفهوم الإتفاقية إلا تلك التي تتوفر لها الصفات التالية:
1- الصفة المؤقتة والمحددة.
2- الصفة التمثيلية.
3- أن يكون إيفادها برضاء الدولة الموفدة لديها، أي على اتفاق سابق بين الدولتين.
وقد ازدادت أهمية هذا النوع من البعثات في السنوات الأخيرة، نظراً لتزايد العلاقات الدولية واتساع مجالاتها وكثرة تعقيداتها، والهدف منها تنمية العلاقات الودية بين الأمم مهما اختلفت أنظمتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ومن أجل تأمين الأداء الفعال لمهام هذه البعثات أي منحها حصانات وامتيازات، صدرت عن الأمم المتحدة اتفاقية دولية عامة سمين ( باتفاقية البعثات الخاصة ) وذلك عام 1969م

المطلب الخامس
دبلوماسية القمة أو الدبلوماسية المباشرة

ويقصد بها المؤتمرات التي يعقدها رؤساء الدول فيما بينهم لمناقشة بعض القضايا الدولية، أو العلاقات بين الدول المشتركة في لقاء القمة. لقد شاع في السنوات الأخيرة هذا النمط من الدبلوماسية ، وهو يعكس مدى التطور في أهمية العلاقات فيما بين الدول واهتمام حكومات دول العالم في البعد الدولي.
لقد جاءت فكرة لقاءات القمة كوسيلة لوضع حلول جذرية أو اتفاقيات هامة بين الدول، حيث أن لقاء زعماء الدول بما لديهم من صلاحيات واسعة سيساعد على توفير الوقت والجهد وسرعة الوصول إلى قرارات هامة.
إن معظم الاتفاقيات الدولية الهامة التي تم الوصول إليها بعد الحرب العالمية الثانية وكان لها أثر على مجرى العلاقات الدولية كانت وليدة لقاءات قمة بين الدول.
إن بعض المنظمات الدولية قد جعلت العضوية في بعض هيئاتها العامة مقصورة على رؤساء الدول أو الحكومات مثل مجلس رؤساء الدول والحكومات لمنظمة الوحدة الإفريقية.
ومما يؤخذ على دبلوماسية القمة:
1. أنها لا تأتي غالباً بالنتيجة المرجوة منها لأن جانب الدعاية والإعلان يطغى على الحلول المدروسة.
2. أنها تؤدي كثيراً إلى تعقيد العمل الدبلوماسي العادي بما تنتهي إليه من إصدار لبيانات مشتركة أو إبرام لإتفاقيات لم تدرس بعناية ويقع عبء تنفيذها في النهاية على الدبلوماسية التقليدية.
3. أنها إذا أخفقت فإن إخفاقها سيكون نهائياً، وذلك بخلاف الوضع إذا تمت الإتصالات على مستوى الوزراء أو السفراء أو ما دونهم من رجال السلك الدبلوماسي، فإخفاق هؤلاء يمكن استئناف الإتصالات بعده على مستوى أعلى.
وإذا كان في هذه الإنتقادات كثير من الصحة فإن فيها أيضاً بعض المبالغة و لتصحيح ذلك فإننا نرى
1. إن دبلوماسية القمة يجب أن تسبقها الدبلوماسية التقليدية بجهود الإعداد بحيث تكون خاتمة العمل الدبلوماسي وليست بداية له وبعد انتهاء مؤتمر القمة يبدأ العمل الدبلوماسي التقليدي في ممارسة دور التنفيذ.
2. أن دبلوماسية القمة تساعد ولا شك بما تنشئه من رباط شخصي بين ملوك الدول ورؤوسها على حل مشاكل كثيرة ربما كان يصعب حلها عن طريق السفراء.
3.أنها تتمشى مع الطبيعة الجديدة للعلاقات الدولية التي تقتضي سرعة اتخاذ القرار السياسي.
ويعرف د. محمود خلف في كتابه الدبلوماسية النظرية والممارسة الدبلوماسية المباشرة بأنها " تلك الإتصالات واللقاءات التي تتم بين رؤساء الحكومات أو وزراء الخارجية أو زعماء حركات التحرير الوطنية أو الأمناء العاملين للمنظمات الدولية ".
وعليه لا يدخل بالاعتبار الرحلة الخاصة أو الوجود ذو الصفة الشخصية لواحد من هذه الشخصيات الكبرى في دولة أجنبية. وقد بدأت في السنوات الأخيرة تطرح الحاجة الماسة لمراجعة وتحديد القواعد المتعلقة بالحصانات والامتيازات التي تتعلق بهذه الشخصيات الكبرى، حيث أنها ما زالت تسودها أحكام عرفية تقليدية يبرز بها الوضع المختلف لرؤساء الدول عن رؤساء الحكومات عن وزراء الخارجية.
فبينما نجد أن أصحاب المرتبة الأولى يتمتعون بحصانة مطلقة بما فيها رحلاتهم الخاصة، فإن أصحاب المرتبتين الآخرين يتمتعون بهذه الحصانات أثناء وجودهم في الدول الأجنبية فقط إن كانت زياراتهم رسمية وتم الإخطار بها مسبقاً.

المطلب السادس
دبلوماسية المناسبات أو الدبلوماسية الخاصة بأمر معين

وهي تلك النشاطات الخارجية الرسمية التي تجري باسم أو نيابة عن دولة ما. وليس شرطا أن تكون مهمتها مرتبطة بالمصالح العامة للدولة، بل ممكن أن تنحصر مهامها في إطار فني متخصص، وكأمثلة دلالية على ذلك نشير إلى الإتصالات بين أجهزة إدارية لعدة دول، أو بعثات الاستقصاء والدراسة والإعلام التي يقوم بها مبعوثون فنيون بدون صفة تمثيلية، سواء للدول أو للمنظمات الدولية.
وعليه فالقانون الدبلوماسي لم يعرها إلا اهتماماً ضئيلاً جداً، وبالرغم من ذلك فإنه من الطبيعي بأن يحظى موظفو دولة ما أو منظمة دولية في لجان عمل في دولة أخرى، باهتمام ومجاملة خاصة من قبل سلطات الدولة المستقبلة، آخذين بالاعتبار احترام أسرار وثائقهم وتسهيل مهمتهم واتصالاتهم بزملائهم ومواطني الدولة المستقبلة أو حتى رعايا دول أخرى


المطلب السابع
دبلوماسية الأزمات
ويقصد بهذا النوع من الدبلوماسية النشاط الدبلوماسي الذي يوجه لحل أزمة دولية طارئة، وتمثل العمل الدبلوماسي الدؤوب الذي تقوم به الدول الكبرى تجاه أزمة دولية من حيث الإدارة والمعالجة وهي تتحدد بحسب طبيعة العلاقة بين هذه القوى سواء من حيث الأهداف التي تسعى إلى تحقيقها أو من حيث السمات التي تتميز بها . وإدارة الأزمات الدولية أصبحت إدارة هامة في العلاقات الدبلوماسية المعاصرة. ذلك أن المجتمع الدولي المعاصر معرض باستمرار لأزمات سياسية مختلفة نتيجة للاختلافات العقائدية، والسياسية، والاقتصادية بين الدول ولعدم مقدرة أو رغبة الدول في استخدام القوة العسكرية لوضع حد للأزمات.
لذا جاءت دبلوماسية الأزمات كبديل للحرب وكمخرج للتوتر بين الدول. وجرت العادة أن يمنح المبعوث الدبلوماسي الذي سيتولى حل الأزمات الدولية صلاحيات واسعة تمكنه من التحرك الدبلوماسي السريع، وأن يراعى في اختياره خبرته في حل المشاكل الدولية وقدرته على فهم أبعاد المشكلة أو الأزمة المعينة.
وقد ساهم في بروز دبلوماسية الأزمات عدم قدرة الأمم المتحدة على مواجهة العديد من الأزمات ، فالتجارب الماضية منذ إنشاء المنظمة الدولية تبرهن إنها كادت تفقد فاعليتها كوسيط نزيه في حل الأزمات الدولية و الدليل على ذلك قضايا فلسطين والعراق و أفغانستان.

المطلب الثامن 
دبلوماسية المحالفات

وهي تعني النشاط الدبلوماسي الذي يكرس لإنشاء تحالفات عسكرية أو تكتلات عسكرية. ولقد ظهر هذا النمط من الدبلوماسية نتيجة لزيادة الدول نحو التحالفات والتكتلات. ولقد فرضت الطبيعة الفوضوية وصراع القوة في المجتمع الدولي المعاصر أهمية التحالفات العسكرية.
كما أن التكتلات السياسية أصبحت أداة لزيادة النفوذ السياسي للمجموعات الدولية والدول القوية في المجتمع الدولي. وكما للتحالفات العسكرية والتكتلات السياسية من أهمية لأمن الدولة ونفوذها فلقد حظيت باهتمام خاص في المجال الدبلوماسي يفوق الاهتمامات الأخرى.
ودبلوماسية المحالفات ليست حديثة فهي تضرب بجذورها في أقدم العصور ولك نتيجة لشعور الجماعات السياسية بعدم قدرة كل واحدة منها منفردة على إشباع حاجاتها أو تحقيق أهدافها .على أن الشئ الجديد في هذه الدبلوماسية هو التوسع في الأهداف التي ترمي إليها، إذ أن دبلوماسية المحالفات جاءت في بداية هذا القرن. وان نظرة العديد من الباحثين إلى دبلوماسية المحالفات تعتبرها ذات تأثيرات جانبية سلبية على العلاقات الدولية وذلك لعدة أسباب أهمها
أ‌- انه إذا كانت المحالفات الدولية تقوم أصلا لتحقيق التوازن و الاستقرار في علاقات المجتمع الدولي، إلا أن تلك المحالفات تعتبر في نفس الوقت مصدرا مهما من مصادر الصراع و الحرب ، فالمحالفات تقود إلى قيام محالفات مضادة، وهي بدلا من أن تعمق الشعور بالأمن فهي تضعفه ،كما إنها تضاعف من حدة الاستقطاب الدولي بكل ما يصاحبه من أخطار و توترات دولية
ب‌- إن بعض المحالفات الدولية تخدم كأداة مهمة في تحقيق الاندماج أو التكامل الدولي في قطاعات وظيفة معينة أو في بعض المناطق الجغرافية ، وهي بذلك قد تهيئ فرصا للتعاون في العديد من المجالات. وقد يرتكز هذا التعاون على اخذ هيكلية أو مؤسسة معينة ، وهو ما يعني في النهاية التبديل التدريجي في معالم النظام الدولي القائم في اتجاهات أكثر ايجابية.
ت‌- أما عن الآثار القومية للمحالفات الدولية، فان هذه المحالفات قد تكون من عوامل الاستنزاف الشديد للطاقات و الموارد القومية ، وقد تنتهي ببعض أطرافها إلى التبعية و حرمانهم من المبادأة في اتخاذ القرارات التي يستطيعون عن طريقها أن يحملوا مصالحهم .
على إنها قد تقود من ناحية أخرى إلى حماية معتقدات بعض الدول ، وتدعيم نظمها السياسية ضد خطر الانهيار الذي يمكن أن تتعرض له، وذلك فيما لو تركت لتواجه التهديد الخارجي بامكاناتها الذاتية المنفردة.



المطلب التاسع
الدبلوماسية الاقتصادية


يقصد بالدبلوماسية الاقتصادية النشاطات الدبلوماسية التي تستخدم العامل الاقتصادي في التعامل السياسي. وعادة ما يتم ذلك من قبل الدول المتقدمة أو الغنية في مقابل الدول النامية، وقد برزت هذه الدبلوماسية في أعقاب الحرب العالمية الثانية، فقد تم إنشاء العديد من المنظمات الدولية ذات الطابع الاقتصادي التي تشكل إطاراً للنظام المالي الدولي وللنشاطات التجارية للدول الحديثة، ومن أهمها صندوق النقد الدولي (IMF) والاتفاق العام للتعريفات والتجارة(ITO) ومنظمة التعاون والتطور الاقتصادي (OECD) وغيرها. ويعتقد البعض أن الأسلحة الاقتصادية لهذا النوع من الدبلوماسية أصبحت متفوقة بمقياس الفاعلية التقليدي في الممارسات الدبلوماسية بين الدول. ويؤكد جوزيف ناي هذا المعنى بقوله:" إن ليس للقوة أهمية كبيرة في العلاقات بين الدول غير النووية وغير المتقدمة، وإنما ظهرت أنماط جديدة من العلاقات التي تتميز بالمقدرة العالية على التأثير المتبادل بغير وسيلة القوة، وحتى بالنسبة للقوى العظمى، فقد تضاءل مفعول التهديد باستخدام القوة بصورة حادة في السنوات الأخيرة. ومع هذا التدهور في فاعلية الأدوات الاستراتيجية للقوة التي سبق للدبلوماسية الدولية أن ركزت واعتمدت عليها، فان التهديد الذي تحس به الدول لاستقلالها اخذ ينتقل من دائرة الأمن إلى دائرة إلى دائرة التبعية الاقتصادية.
وتستخدم الدبلوماسية الاقتصادية مجموعة من الأدوات لتحقيق فاعليتها وهي تتمثل في الأشكال التالية:
أ‌- التركيز على سياسات الرسوم والضرائب الجمركية سواء كإجراءت وقائية مانعة أو كتطبيق لبدأ المعاملة بالمثل. وقد تأخذ الدولة بمبدأ الرسوم التفضيلية فتميز في المعاملة الضريبية لصالح بعض الدول بحكم الروابط المصلحية أو السياسية التي تربطها فيها.
ب‌- تقديم المنح والقروض لبعض الدول الخارجية بتسهيلات ائتمانية خاصة أو بمعدلات فائدة تقل عن سعر السوق.
ت‌- تطبيق السياسات والتدابير الاقتصادية التي تشجع على التبادل التجاري في قطاعات استيراد وتصدير السلع والخدمات كالأخذ بنظام الحصص، أو تقديم إعانات للمصدرين أو التسعير غير الاقتصادي لإنتاج القطاع العام في الدولة أو تقييد المنتجين بالالتزام بمواصفات فنية معينة في الإنتاج وغير ذلك.
ث‌- فرض قيود على التحويلات الخارجية، أو فرض ضرائب عالية على الاستثمارات الأجنبية، أو تقديم بعض الإغراءات والحوافز لها عن طريق إعفائها من تلك الضرائب بصورة كلية أو جزئية لفترة معينة من الوقت، تختلف طولا أو قصرا بحسب الاحتياجات التي تحددها الدولة لنفسها من وراء اجتذاب رؤوس الأموال والخبرات الأجنبية.
ج‌- تعديل التحكم في انتقال راس المال أو حركة التجارة سواء بالتقييد أو بالإطلاق مما يترتب عليه بالتالي التعديل في هيكل العلاقات الاقتصادية الخارجية للدولة، وقد تكون التعديلات شاملة بحيث تضم كل القطاعات التي يمتد إليها التعامل الاقتصادي مع الخارج، كما قد تكون قاصرة على قطاعات معينة.

المطلب العاشر
الدبلوماسية الشعبية أو دبلوماسية الإعلام

كانت الدبلوماسية التقليدية تقوم أساساً على التعامل بين الحكومات، أما اليوم فنتيجة لانتشار التعليم والثورة الهائلة في وسائل الإتصال فإن الدول تحاول أن تكون لها علاقات مباشرة مع الشعوب، ويسمى هذا الأسلوب باسم الدبلوماسية الشعبية أو دبلوماسية الإعلام
والسؤال الذي يثار هنا هو: هل هذا الأسلوب ضمن مهام الممثل الدبلوماسي المعتمد لدى دولة ما؟ في الواقع أن الإجابة على هذا السؤال تختلف باختلاف الدول المعتمد لديها هذا الممثل الدبلوماسي، فبعضها يقبله بل ويحبذه، وبعضها الآخر يعتبره تدخلاً سافراً في شؤونها الداخلية، ولذلك فإن كثيراً من الدول تتجه تخلصاً من الحرج إلى أن تجعل هذا الأسلوب من اختصاص منظمات غير رسمية كالتنظيمات السياسية والنقابية والاتحادات الطلابية، والمبعوثون إلى الخارج بشتى أشكالهم وألوان ثقافاتهم كرجال العلم والدين ، وبذلك تستطيع السفارة التراجع أمام تصرف مجموعة من المبعوثين التابعين لدولتها مثلاً إذا أثار أزمة ما. ولا شك أن هذا يفرض على الدبلوماسي المعتمد لدى دولة ما أن ينسق عمله مع مثل هذه التنظيمات.
لقد كانت إدارة العلاقات الدولية خلال عصر الدبلوماسية القديمة توكل إلى صفوة من الرجال المختارين التي تتفاوض وتقرر سياسات بلادها وعلاقاتها، الأمر الذي تغير في ظل نظم الحكم الديمقراطية، حيث أصبح الرأي العام ذا تأثير بالغ على صناعة السياسة ومنفذها من خلال وسائل الإعلام والأحزاب والاجتماعات الشعبية والبرلمانات والمظاهرات وصناديق الاقتراع. وهكذا أصبحت الدبلوماسية ذات طابع ديمقراطي وبرز نفوذ وتأثير الأجهزة الشعبية والتمثيلية على العلاقات الخارجية وإدارتها.
إن الدبلوماسية الحديثة اتسع نطاقها وأصبحت تعمل في نطاق العلانية ومتابعة وسائل الإعلام، وكذلك تحت تأثير المؤسسات الديمقراطية ويقظة الرأي العام. وهي يجب أن تعطي دور فعال، ومساهمة واسعة من أجل مساهمة القوى الجماهيرية ومنظماتها في ممارسة الدبلوماسية الشعبية بما يعزز دور القنوات الرسمية على صعيد إدارة العلاقات الخارجية والإفادة من علاقات المنظمات غير الحكومية والجمعيات الأكاديمية في تطوير الممارسة الدبلوماسية وتشجيع السفراء وأعضاء السلك الدبلوماسي على خلق علاقة إيجابية مع وسائل الإعلام.
أما الدبلوماسية الشعبية غير المباشرة فتستخدم بشكل أساسي الإذاعات المسموعة والمرئية الفضائية منها بشكل خاص حيث أن هذه الأخيرة تقوم بنقل وجهة نظرها حول القضايا المختلفة وتحاول التأثير في الشعوب التي يصل إليها بثها وأحيانا يكون هذا البث بلغة الفئة المتلقية فعلى سبيل المثال قامت إسرائيل بإنشاء قناة فضائية عربية هدفها تضليل الرأي العام العربي عبر بث وجهة نظرها بالأحداث التي تجري في فلسطين أما على الصعيد الإذاعي عبر الراديو فهذه الظاهرة قديمة إذ عمد الغرب وخصوصا بريطانيا إلى إنشاء إذاعات موجهة إلى العديد من بلدان العالم بلغاته المختلفة من خلال هيئة الإذاعة البريطانية BBC وكذلك فعلت الولايات المتحدة من خلال راديو صوت أمريكا ، وروسيا الاتحادية إذاعة السلام والتقدم ...الخ.

المبحث الحادي عشر
الدبلوماسية الثقافية

تظهر الدبلوماسية الثقافية في العالم الدبلوماسي كأداة جديدة لخلق علاقات دبلوماسية أفضل لأن تغير أفكار الناس مرتبط بنشر ثقافة بلدانها. وتعتبر الدبلوماسية الثقافية نمطا جديدا ومتطورا من أنماط الدبلوماسية الدولية، ويقصد بها تلك الجهود الدبلوماسية التي ترمي إلى إحداث تغيير في التصورات التي تحتفظ بها الدول عن غيرها وما يرتبط بذلك من تغير في أنماط سلوكها تجاه الدول الأخرى، وإيجاد تأييد شعبي لثقافة معينة يساعد على خلق استجابات ايجابية لسياسة الدولة خارج حدودها أي في الدول الأخرى بما يسمح بإقامة علاقات مستقرة ورابط ودية بين الشعوب، وخلق المناخ لكل نظام سياسي لان يتفهم ويدرك مخاوف وأماني وتطلعات ومصالح النظم السياسية الأخرى.
ومن ابرز المساهمات في الدبلوماسية الثقافية تلك الجهود الحثيثة التي تبذلها "منظمة التربية والثقافية والعلوم" التابعة للأمم المتحدة، فمن أهداف هذه المنظمة
1- الإسهام في تحقيق السلام والأمن الدوليين عن طريق تنشيط التعاون بين الدول في المسائل الثقافية والعلمية، باعتبار أن ذلك يضاعف من الاحترام العالمي لمبادئ العدالة وحقوق الإنسان وحكم القانون.
2- العمل على تدعيم ونشر الثقافة والعلوم عن طريق تيسير الحصول على التعليم والثقافة، وتنشيط الدراسات العلمية وتوحيد جهود العلماء والفنانين والمعلمين وتحطيم الحواجز التي تحول دون انتقال الأفكار البحرية.
3- تقديم المساعدات الفنية للدول في ميادين التربية والثقافة والعلوم،وهي تتلقى لهذا الغرض اعتمادات من برنامج الأمم المتحدة للتنمية، لمعاونتها في تنفيذ برامج المعونة.
ولتنفيذ لهذه الأهداف الإنسانية والثقافية، تقوم اليونسكو بالعمل على إقامة حملات ثقافية بين الشعوب وتشجيعها على التعاون بغض النظر عن جنسيتها وعقائدها، ونبذ التمييز العنصري والاجتماعي والتوتر الدولي، وتشجيع التفاهم الثقافي بين الشرق والغرب، والمحافظة على التراث الإنساني، كذلك تقوم اليونسكو بالعمل على رفع مستوى العلوم الطبيعية لما لها من اثر مباشر في رفع المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي في العالم، ويشتمل هذا البرنامج على البحث عن الموارد الطبيعية، وتنسيق البحث العلمي على المستويات القومية والدولية....الخ.
أما الأهداف التي تتوخى الدبلوماسية الثقافية تحقيقها فهي:
أولاً: تكثيف الجهود الدولية وتكتيلها في اتجاه إقامة شبكة واسعة من علاقات التعاون في مختلف المجالات العلمية والثقافية والتكنولوجية، عدا انه من خلال مثل هذه الشبكات المتخصصة يمكن تزويد الدول بمختلف المعلومات والحقائق التي تحتاج إليها في دعم عملية التنمية فيها، بمختلف أبعادها الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية
ثانياً: تصميم سياسات ثقافية جديدة يمكنها التعبير عن القيم الأساسية التي تدين بها كل المجتمعات الإنسانية الكائنة في عالم اليوم. ومن هذه القيم "الإيمان بحقوق الإنسان، نبذ العدوان والحرب وتعميق الاعتقاد في مزايا التعاون الدولي، احترام سلطة المنظمات الدولية، ومبادئ القانون الدولي وأحكامه،....الخ.









المطلب الثاني عشر
دبلوماسية علم النفس

تقتضي دبلوماسية علم النفس على تفهم العقد النفسية في شخصية العدو المفاوض قبل الجلوس على طاولة المفاوضات، والدراية الكافية بعوامل الضعف والقوة في أوراق الطرف المفاوض، والتي من خلالها يستطيع المفاوض أن يعبث بهذه الأوراق ويحاول خلطها من جديد لكي يتمكن بالأخير من التحكم بمسارات التفاوض اندفاعاً وتقدماً.
إن القرارات السياسية التي تتخذها العديد من الدول المتقدمة بالنسبة للعلاقات الدولية تتم بعد دراسة متأنية للحالة النفسية لمواطني الدولة المراد بها هذه القرارات بحيث تحدد إذا كانت هذه القرارات سوف تؤدي إلى الهدف المطلوب منها.
إن علم النفس السياسي، علم شديد التفاعل مع السياسة لفهم النظريات النفسية وكيفية تطويرها، ومد السياسة بالتفسيرات التي تجعل القادة يتفهمون الظواهر السياسية سواء في أوقات الحرب والسلم، لذلك فإن لهذا العلم دوراً بارزاً في تزويد صناع القرار بالمعلومات الخاصة باتجاهات الرأي العام، وكذلك تزويد المفاوض بما يملكه للتأثير في الآخر.
وعندما تهاجم دولة ما دولة أخرى وتريد التأثير سلباً في استقرارها تقوم بدراسة طبيعة النظام ومدى رفض الشعب أو قبوله ودراسة الأسلوب الأمثل للمواجهة خصوصاً عن طريق اللعب على " الوتر النفسي " الذي يجعل هؤلاء المواطنين يستجيبون لهذه " الحرب " النفسية داخل هذه الدولة بما تؤدي إلى نتائج قد رسمت في سيناريوهات هذه الحرب قبل الانتقال إلى المراحل الأخرى من الصراع


المطلب الثالث عشر
الدبلوماسية الوقائية

تعني الدبلوماسية الوقائية مجموعة من التدابير التي تتخذها الدبلوماسية لتوقي ظهور توتر خطير أو نزاع منذر بالحرب أو تلافي دخول دولتين في حرب وتوقي استخدام دولة نووية سلاحها باعتماد خيار التفاوض وكل ما من شأنه إنهاء النزاعات وتكريس الاستقرار.
وتعرف ايضا بأنها تلك النشاطات التي تقوم بها هيئة الأمم المتحدة لمنع تفجر بعض الصراعات أو السعي لاحتوائها وتسويتها حال تطورها إلى نزاع مسلح، أو دفعها بعيدا عن دائرة التوتر والخطر وذلك بإبقائها ضمن إطارها المحدد والعمل على الحيلولة دون وقوعها في دوامة صراع القوى الكبرى، بتوفير حلول تحول دون تصاعد تلك الصراعات أو تدويلها. وقد ارتبط ظهور هذه الدبلوماسية بالأمين العام الأسبق للأمم المتحدة (1953-1961) داغ همرشلد حيث قاد التحرك الدبلوماسي لهذه المنظمة الدولية عام 1956 في أزمة السويس، مما أدى إلى تدخلها بوضع بعض التدابير العسكرية الجماعية المحدودة لفض الاشتباك بين الأطراف المتحاربة ووضع ترتيبات وقف إطلاق النار تمهيدا لتسوية الأزمة بصورة نهائية.
ويرى همرشلد انه لكي تستطيع الأمم المتحدة أن تنجز هذه المهمة الأساسية في صون السلام الدولي، فانه يجب عليها من خلال أجهزتها المختصة أن تبلور نمطا من السياسات التي تكون قابلة للتطبيق الفعال في مثل تلك الأحوال، وبشرط أن تكون هذه السياسات متوازية، والا تخدم مصالح طرف دولي على حساب طرف آخر، وان يكون واضحا للجميع هدفها الأول والأخير، هو منع تدويل الصراعات المحدودة والتصميم على ربطها بصراعات أخرى اكبر واعقد منها.
ويمضي همرشلد في تحليله الى القول: بان الاهمية الخاصة للدبلوماسية الوقائية او المانعة، تتمثل في المواقف التي ينفجر فيها الصراع كنتيجة لوجود نوع من فراغ القوى في المناطق غير المنحازة التي تقع بين الكتل الدولية الكبرى. فبواسطة الامم المتحدة، يمكن تفويت الفرصة على القوى الكبرى في ان تحاول اثارة النزعات بوسائلها الخاصة، التي بد وان تقود الى سلسة من ردود الفعل المضادة في النهاية للسلام والاستقرار الدوليين. ويمكن ان يتم ذلك من جانب المنظمة العالمية على اساس مؤقت، أي حتى يتسنى ملئ ذلك الفراغ بالوسائل الطبيعية، ومن خلال الاتفاقات او المبادرات التي تاتي من اتجاه الدول المعنية نفسها.
وقد استطاعت هذه الدبلوماسية بحسب اعتقاد همرشلد، ان تثبت وجودها بتحقيق اهدافها في بعض الازمات الدولية كما حدث في السويس ولبنان ولاوس والكونغو وقبرص، حيث تحركت هيئة الامم المتحدة في قوتها نتيجة للتفاوت القائم بين هذه الازمات، حتى ان تدخلها في بعض النزاعات ادى الى مزيد من التوتر بين الكتلتين وقد نشب الخلاف بين القوى الكبرى من جهة وبين الامم المتحدة في الدورة الخامسة عشرة للجمعية العامة عام1960 من جهة اخرى حول شرعية الترويكا(الامانة العامة الثلاثية) الذي تقدم به الرئيس السوفيتي الاسبق نكيتا خروتشوف في اواخر ذلك العام.
ويعتقد الدكتور اسماعيل صبري مقلد: " ان الدبلوماسية الوقائية وان كانت بالفعل قد اكدت نفسها في ممارسات المنظمة العالمية في قطاع حفظ السلام منذ منتصف الخمسينيات، بعد فترة من العجز النسبي بسبب مناورات الدول الكبرى وسوء استغلالها لسلطة الفيتو في مجلس الامن، الا ان نجاح الامم المتحدة في هذا الميدان يعتبر نجاحا جزئياً. فالدبلوماسية الوقائية هم بمثابة تطبيق عملي محدود لنظام الامن الجماعي بمفهومه الشامل، فالدبلوماسية الوقائية في حقيقة الامر ليست سوى تنفيذ تدابير دولية، تتفاوت في مدى شمولها بحسب الظروف، وذلك فقط في النزاعات المحدودة التي يكون اطرافها غير منحازين للقوى الكبرى او للتكتلات الدولية التي تدور في فلكها".






المبحث الثاني
دبلوماسية القرن الواحد و العشرين

لقد ظهرت في الآونة الأخيرة، وخصوصا ما بعد فترة الحرب الباردة ظاهرة جديدة في العلاقات الدولية، وهي تراجع الفعل الدبلوماسي، وتقدم القوة العسكرية كأداة لحسم الكثير من النزاعات، أو الأزمات، من جانب الولايات المتحدة التي دفعت بالأداة الدبلوماسية إلى الخلف، ليرتفع ذراع القوة العسكرية سواء كان في بنما، أو في الحرب التي شنت ضد أفغانستان، و العراق ، وحرب كوسوفو.
وإذا كان هناك من دور يعول على الدبلوماسية بهدف تعزيز فرص التعاون الاقتصادي فان ذلك لم يأت إلا بعد أن استنفذت القوة العسكرية كل مبررات استعمالها أو إنها وصلت إلى الهدف المركزي الذي استخدمت من اجله، ولا سيما حماية المصالح الحيوية، والمحافظة على الوضع الذي أفرزته الحرب، كما حصل في كوسوفو، حيث كان للدبلوماسية التي قادتها الأمم المتحدة وبعض الأطراف الدولية دورا في اختفاء ((الشرعية)) على ما قامت به الولايات المتحدة ودول التحالف الأطلسي. فلقد نشأت بعد طوي الحرب الباردة صفحاتها، أساليب جديدة لمعالجة القضايا الدولية بحسب روية تلك القوى المهيمنة على الوضع الدولي، حيث:
- انتشار أسلحة الدمار الشامل.
- تطبيق اتفاقية التجارة وإزاحة الحواجز الجمركية في إطار العولمة.
- انتشار ظاهرة الإرهاب الدولي.
- تجارة المخدرات وتفشي تجارة الجنس وغسل الأموال.
- النزاعات العرقية والدينية.
- قضايا البيئة والانفجار السكاني والاحتباس الحراري والتلوث.
- المحافظة على استمرار اقتصاد السوق.
- الديمقراطية وحقوق الإنسان، وحقوق الأقليات.
وهذه القضايا إضافة إلى تلك التي تصدرت قائمة الأجندة الدولية، لا يمكن حلها أو إرساء الأسس الواقعية للتعاون الدولي، إلا من خلال تكاتف جهود كل الدول صغيرها وكبيرها، وخصوصا مثل قضايا الهجرة غير الشرعية، والبيئة، والأمراض الأخرى العابرة للحدود مثل جنون البقر، أو الإيدز، والحمى القلاعية. ومن هنا تبرز الدبلوماسية من بين الركائز الأساسية بين أدوات العمل الجماعي الأخرى، الأمر الذي يتطلب تحديث وإصلاح نظامها القائم حاليا وجعلها تتماشى أو تتناسب مع ما يطرح من مشكلات وقضايا يشهدها عالم اليوم، وإدارة ومعالجة التحديات التي تواجه طبيعة العلاقات الدولية في ظل العولمة المفروضة قسرا.
وفي ظل هذه العولمة و عصر التكنولوجيا تأثر العمل الدبلوماسي بثورة المعلومات الهائلة فقد ألغت ابتكارات تكنولوجيا الاتصال المتطورة الحدود بين الدول وأغنتها عن آليات الدبلوماسية التقليدية بظهور أجهزة اخترقت الحدود الزمانية والمكانية بحيث لم تعد المعلومة حصرا على تقارير السفراء ورؤساء البعثات الدبلوماسية وآلياتهم التقليدية. وباتت الدبلوماسية العصرية هي هذا الاتصال، إذ لا دبلوماسية فاعلة بغير أساليب التواصل التكنولوجي في تلقي المعلومات وإرسالها بشكل أسهل وأشمل وأسرع. لقد وفرت التكنولوجيا المتقدمة للدبلوماسية الوقت وأعفت السفراء من الحضور إلى بلدانهم لتقديم المعلومات بشكل دوري، وبات متيسرا عقد الاجتماع مع المسؤولين من مكاتبهم على غرار الشركات المتعددة الجنسيات العملاقة التي تعقد مجالسها الإدارية عبر الأقمار الاصطناعية في جلسة مفتوحة بالصوت والصورة، وهو الأمر الذي لم يعد معه أمام الدبلوماسية في العالم العربي والإسلامي مفر من إعادة النظر في بنياتها وآلياتها وفق مستجدات التقدم التكنولوجي في ميدان الاتصال والتواصل .
وباتساع وتنوع مجال العلاقات الدولية في القرن الحادي والعشرين زاد تنوع الدبلوماسية وتعددت أشكالها و صورها ، وبذلك انضافت إلى وزارة الخارجية وبعثاتها الدبلوماسية أجهزة دبلوماسية جديدة منها ما هو رسمي علني ومنها ما يعمل في الخفاء، وكلاهما يدخل في إطار الدبلوماسية الموازية. فأما الرسمي منها فمنه ما هو محفوظ لرؤساء الدول من خلال نظام القمة التي تتخذ فيها القرارات بخصوص القضايا السياسية الكبرى، ومنه ما يصطلح عليه بدبلوماسية المنظمات العالمية والجهوية التي تضع السياسات في بعض القطاعات وتتابع تنفيذها، ولا يبقى لوزراء الخارجية إلا تطبيق توجيهاتها.
وأما الدبلوماسية السرية الموازية فقد عهد بها إلى أجهزة المخابرات التي أصبحت من أهم الوسائل التي يعتمد عليها رؤساء الدول في تصريفهم للشؤون الخارجية، وهي تشكل منافسا قويا للجهاز التقليدي (وزارة الخارجية) بل مراقبا له عن بعد ومقيما لعمله ومصححا لمعلوماته وتعطي عن أدائه تقارير سرية لرئيس الدولة مباشرة.
ومن الأجهزة المباشرة للدبلوماسية الموازية الفعاليات التي تدخل في ربط علاقات متخصصة بين الدول بحكم وظيفتها ونوعية تخصصها من قبيل البعثات البرلمانية والغرف التجارية والمقاولات والملتقيات الثقافية والعلمية وفعاليات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية، وكلها فعاليات ذات دور مؤثر في القرار السياسي ولها مكانتها في خضم التنافس الذي لا يزال يشكل أهم الثوابت للعلاقات الدولية، فضلا عن دبلوماسية وسائل الإعلام التي تسبق البعثات الدبلوماسية في إيصال الخبر والتعليق عليه وتحليله وتقييمه بخبرة قد تفوق خبرة بعض الدبلوماسيين.
ونظرا لتنوع حقول عمل الدبلوماسية العالمية فقد تنوعت أشكال الدبلوماسيات الوطنية فظهرت الدبلوماسية الاقتصادية والتنموية والإعلامية والرياضية وغيرها من الحقول التي تلتقي عليها العلاقات الخارجية وتقرب بين الشعوب. غير أن الدبلوماسية الاقتصادية والتكنولوجية تتزعمان الدبلوماسية العالمية خاصة في ظل سيادة نظام العولمة، إذ لم تعد أغلبية المفاوضات ذات طابع سياسي وتخلت الدبلوماسية السياسية عن دورها لفائدة الدبلوماسية الاقتصادية والتقنية. هاتان الدبلوماسيتان دعمتا بأخريين مهمتين هما الدبلوماسية الوقائية والافتراضية كشكلين جديدين من أشكال الدبلوماسية المعاصرة . في هذا السياق بدت دبلوماسية العالم الثالث على وجه الخصوص عاجزة عن التحكم في قواعد اللعبة التي تدور أشواطها في المحافل الدولية، ولم تستطع الحفاظ على الانتصارات التي حققتها في الستينات، نظرا لعدم مسايرتها لتطور الأحداث والتقدم التكنولوجي وبالتالي ضعف جهازها الدبلوماسي، الأمر الذي استغله الغرب لصالحه وبنى عليه إستراتيجية جديدة لفرض نفوذه السياسي والاقتصادي على العالم الثالث
وفي الواقع، ومثلما يرى قطاعا واسعا من المختصين، فان عملية إصلاح وتحديث النظام الدبلوماسي القائم حاليا في العالم العربي و الإسلامي تفرض نفسها في خضم التطورات الجديدة، وتتطلب تغييرا مفاهيميا يأخذ بنظر الاعتبار عناصر القوة في ثقافة وتقاليد إدارة العلاقات الخارجية. وضمن هذا الإطار فان الحاجة تقتضي تحديث الممارسة الدبلوماسية وأدواتها بما يتناغم ويستجيب لعالم اضخى مخترقا من كل جهاته، وتتحكم به أدوات هي غير تلك التي شهدتها العقود الماضية. ومن هنا، فان على دبلوماسي المستقبل أن يتوفروا على معرفة دولية ودراية واسعتين ومهارات تفوق نظراتهم في القرون الماضية، حيث الإلمام في مجال السياسة. وإدارة المواد البشرية والمادية، حيث الحاجة إلى رؤية واضحة لطبيعة التفاعل بين السياسة والثقافة والأمن القومي والقضايا الاقتصادية، والتكنولوجية.
وفي دراسة أمريكية انصبت جهودها في توضيح ملامح وسمات دبلوماسية المستقبل ،والتي جاءت من خلال تقرير هيئة استشارية أعده مركز متخصص وقريب من مراكز تخطيط السياسة الخارجية و الأمن القومي الأمريكي وردت أهم النقاط الأساسية التي يجب أن تأخذ بنظر الاعتبار في تحديد سمات دبلوماسية المستقبل :

1- تقنية المعلومات .
2- قوة عاملة بحسب الحاجة .
3- قنوات سالكة بالجهاز التشريعي .
4- الدبلوماسية الشعبية.
5- تخطيط القوى العاملة بالبعثات.
6- الدبلوماسية التجارية .
7- لا مركزية السلطات.
8- التنسيق المحكم بين الوكالات .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آثــار إثبــات البنـوة والنسـب على ضــوء مقتضيات قانون مدونة الأسرة الجديد 70.03                            الجزء الأول   مقدمة ع...