الأربعاء، 10 أبريل 2019

قراءة في كتاب أمير المؤمنين الملكية والنخبة السياسية المغربية.




نتيجة بحث الصور عن ‫كتاب أمير المؤمنين الملكية والنخبة السياسية المغربية pdf‬‎



مقدمة


يعتبر "أمير المؤمنين.. الملكية والنخبة السياسية المغربية" في الأصل أطروحة دكتوراه في العلوم السياسية أنجزها الطالب الأميركي جون واتربوري وأقام من أجلها في المغرب بين سنة 1965 و1967، لكنه صار بعد ذلك مرجعا مهما لفهم تاريخ الحياة السياسية المغربية وآليات تحركها وطبيعة الفاعلين فيها. و للأهمية بمكان أن نقدم تعريفا عن الكاتب

ولد في 11 فبراير 1939 ب إليزابيث، نيو جيرسي  ، ودرس اللغة العربية في الجامعة الأمريكية بالقاهرة (1961-62)، وحصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية في عام 1968 في جامعة كولومبيا  ذهب إلى جامعة ميشيغان كأستاذ مساعد في العلوم السياسية. .

. في عام 1971 التحق بالجامعات الأمريكية في الميدان، وهو اتحاد من الجامعات الأمريكية، الذي مثله في القاهرة من 1971 إلى 1977. في شتاء 1972، كان أستاذا زائرا في منشأة أوفس في روما. وخلال الفترة 1977-1978 كان أستاذا زائرا في جامعة إيكس - مارسيل الثالث في فرنسا .
ثم كان، منذ ما يقرب من عشرين عاما، أستاذ السياسة والشؤون الدولية في كلية       وودرو ويلسون للشؤون العامة والدولية في جامعة برينستون . وهو متخصص في الاقتصاد السياسي للبلدان النامية مع التركيز بشكل خاص على الشرق الأوسط. وكان مدير مركز الدراسات الدولية في برينستون ورئيس تحرير المجلة الأكاديمية العالمية للسياسات من عام 1992 إلى عام 1998.
في عام 1998، أصبح واتيربوري الرئيس الرابع عشر للجامعة الأمريكية في بيروت ، وهو منصب شغله حتى عام 2008.  وكان أول رئيس يقيم في بيروت منذ عام 1984. وخلال فترة ولايته في الجامعة الأميركية في بيروت، سعى واتيربوري إلى إعادة الجامعة إلى ومكانتها وسمعتها الطويلة كمؤسسة للتعليم العالي تلبي أعلى المعايير الدولية عرض الجامعة الأميركية في جامعة ووتربيري دكتوراه فخرية خلال آخر تمارين بدء في الجامعة تقديرا لإنجازاته. جامعة شيكاغو، خلفه عالم المصريات بيتر دورمان رئيسا ل 15 من الجامعة الأميركية في بيروت في 1 يوليو / تموز 2008.
وهو الآن أستاذ عالمي للعلوم السياسية في جامعة نيويورك (أبو ظبي).
وتطرق خلال ذلك للحركة الوطنية وأصولها باعتبارها قوة جديدة أتعبت سلطات الحماية بانخراطها في النضال السياسي المنظم ابتدءا من سنة 1945، واصفا إياها بكونها قيادة برجوازية متنورة ومثقفة بأرضية سلفية دينية.
غير أن الحركة التي صعب على الاستعمار الفرنسي احتواؤها، فشلت في تكوين نخبة سياسية متماسكة قادرة على ممارسة السلطة والمساهمة فيها بعد الاستقلال بحيث تميزت نقاشاتها حسب واتربوري بالبيزنطية، ليجد المغرب نفسه بين إرثين إرث العادات والتقاليد في علاقتها بالسلطة وطرق تدبيرها، وإرث الاستعمار في شكل بنيات تحتية وآليات معقدة غير ملائمة في الغالب لواقع البلاد وحاجياتها.

يتكون الكتاب من دباجة وتوطئة  ومقدمة الترجمة  ثم مدخل  و ثلاثة أبواب ويحتوي على 474  صفحة و قد كان هذا الكتاب  محاولتا لفهم الحياة السياسية بالمغرب وسياقها العام من خلال إيجاد القوانين المتحكمة في اللعبة السياسية  ومعرفة خلفياتها  .

















الباب  الأول : الإرث المزدوج
الفصل الأول : المخزن   
رصد واتربوري في الفصل الأول البنيات التقليدية للمجتمع المغربي في فترة الستينيات و المتمثلة في المخزن  و الحماية وتأثيرها في طبيعة السلوك السياسي للنخبة يومها من حيث عدم القدرة على حسم التحالفات مع جهة واحدة واستمرار عقلية القبيلة لدى كثير من الفئات.
و المخزن ما هو إلا حكومة السلطان أي شكل تنظيم السلطنة ان ذاك و المعنى الحرفي للمخزن هو المستودع لأن مهام السلطة خلال تلك الفترة تتركز على جمع الضرائب النقدية و العينية و كان في تلك الفترة  أي قبل الإستعمار صراع بين السلطان والقبائل التي تنتمي إلى بلاد السيبة  أي الخارجة عن إرادة السلطان .مثل ما وقع مع قبائل بني موسى و ايت عتاب و بني مطير سنة 1879.
لعبت فئتان دورا حاسما في الصراعات الدائرة حول السلطة وهما الشرفاء و الأولياء فبعد احتلال البرتغال للمدن الساحلية بجنوب المغرب اندلع الجهاد الذي نظمه و حركة الأولياء و بفضل إستعادة الوحدة الدينية انتصر المخزن على البرتغال في معركة وادي المخازن سنة 1578 و بعد ذلك إنتشرت الزوايا .قال برنارد أوكستن عن الصلحاء " أنهم أكبر قوة سياسية بالمغرب فالشعب يجلهم أكثر مما يجل السلطان على الرغم من الصفة الدينية لهذا الأخير "  و بهذا أصبحت الزوايا تلعب دورا هاما في توجيه و حل النزاعات بين القبائل فالزاوية الوزانية تقول " لا سلطان عندنا و لا سلطان بدوننا " فقد فرضت الدولة العلوية نفسها في أواسط القرن السابع عشر بعد أن قضت على الزاوية الدلائية حيث كانت زاوية قوية تتحكم في منطقة شاسعة ومن الصعب تقدير العدد الحالي لأتباع الزوايا لكن بلغ تعدادهم سنة ،1939  500000 فرد من بينهم 225000 ينتمون إلى 23 زاوية رئيسية
لم يكن حكم السلطان مقننا بل كان مفوضا و عارضا يختلف من سلطان إلى اخر ،لأن السلطة الفعلية كانت بحوزة القبائل و الشرفاء و العلماء و الوجهاء .
يقول هنري تيراس عن المخزن " لم يشكل المخزن سوى إئتلاف مصالح إذ لم يكن يمثل فكرا ، بناءا، أو إرادة إيجابية موحدة بل هدفه الأسمى ينحصر في البقاء لفائدة الجماعات و الأشخاص الذين يكونونه "  و قد ضل هذا الصراع بين السلطة و الشعب إلى حين و ضعت الحماية الفرنسية حدا لنظام العنف الدائم المتمثل في المخزن  ففي الفترة الممتدة ما بين 1912 و 1934 قضي على السيبة و ما بين 1912 و  1955 تغير الإطار السياسي رأسا على عقب كما تقويت و توسعت بنية المغرب الإدارية على حساب الزوايا والقبائل

 الفصل الثاني : الحماية

وسجل أن المغرب عرف بين سنة 1912 وهو تاريخ فرض نظام الحماية وسنة 1955 قبيل الاستقلال بسنة تغيرا كبيرا في الإطار السياسي، حيث تقوت وتوسعت بنيته الإدارية العصرية على حساب الزوايا والقبائل، وكذا في طبيعة اقتصاده بنشوء طبقة عاملة وتراجع الطبقة التجارية بمفهومها التقليدي.

وخلص واتربوري إلى أن تلك التغييرات تشكل أبرز آثار ما سماه الإرث الفرنسي، وقرر في الفصل الثاني أن المغرب لم يعرف قبل سنة 1912 تغييرا يذكر على مستوى التنظيم السياسي والاجتماعي بخلاف بعض أقطار شمالي إفريقيا التي شهدت بعض عناصر التحديث على يد الإدارة العثمانية أو على يد الاحتلال الفرنسي والتغلل الاقتصادي الأوروبي فيها.

    واعتبر واتربوري في كتابه أن فرنسا اقتحمت عالم السلطنة المغربي المغلق وأحدثت تحويلا في الأساليب الحكومية التقليدية ، بحيث ثبتت خلال استعمارها للمغرب جهازا إداريا مركزيا، وطورت قطاعات مثل الفلاحة والصناعة والمعادن والتجارة.غير أن المغاربة لم يشاركو في هذه العملية إلا بشكل هامشي و لم يستفيدوا من التجربة الملموسة  باستثناء عدد قليل

      وقامت بالمقابل بتقليص مفعول العناصر الأساسية التي كان يقوم عليها النظام التقليدي -القبائل والمخزن ورجال الزوايا والطرق- بحيث لم تعد تلعب إلا دورا ثانويا بعد توحيد وإخضاع الكل للمركز.وكل ما أحدثته سلطات الحماية من بنيات تحتية بقي كيانا خارجيا غريبا مفروضا على شعب محافظ ،بل لم تبدل السلطات الفرنسية أي مجهود لمساعدة المغاربة من أجل الإسهام في الهياكل الجديدة و المغاربة لم يفهموا تلك التحولات التي أحدثتها الحماية بل تزايدت حدة القلق و الشك و الغموض من طرف المغاربة .
     كانت التجارة المغربية والاقتصاد سنة 1912 غير متطور و يعود سبب هذا الكساد إلى عدم استقرار سلطة المخزن  وحالة الصراع مع بلاد السيبة ، وعجزعن ممارسة نفوذه بشكل دائم .
     استغلت فرنسا ذلك الوضع الذي يوصف بعدم الإستقرار بين السلطة و مناطق السيبة و استعمرت المغرب تحت غطاء و تمويه سمي بالحماية و تهدئة الصراع و القضاء على الفتنة و الفوضى و إعادة النظام مجالا للأمن و الإستمرارية .
      قلص نظام الحماية مفعول العناصر الأساسية التي كان يقوم عليها النظام التقليدي أي القبائل و المخزن و رجال الزوايا و الطرق ولمتعد تلعب إلا دورا ثانويا ،لقد دخلت فرنسا إلى المغرب مبدئيا لحماية السلطان ، لكن سرعان ما جردت إدارة الحماية المخزن من كل سلطة أو حكم حقيقي ، و لم تترك إلا مهام تافهة و بدأ الإستيلاء على الأراضي و الإستعمار الحقيقي ، و أحكمو السيطرة على زمام الأمور في المغرب من خلال الإدارات و شبكة المواصلات .
  بعد انتهاء مرحلة التهدئة من سنة 1912 إلى 1934 وجدت السلطة الاستعمارية نفسها تواجه قوة جديدة والمتمثلة في الحركة الوطنية التي انبثقت في البداية من النهضة السلفية الدينية تحت قيادة بورجوازية متنورة و بالخصوص بورجوازية فاسية  و التحقت بالحركة الوطنية نخبة مثقفة ذات خبرة و تكوين فرنسي .
    قام رجال الحركة الوطنية بأول تظاهرات ضد الظهير البربري سنة 1930 . والذي من خلاله حاولت السلطات الإستعمارية تفرقة المغاربة بين عرب و أمازيغ لكن سرعان ما تناما الوعي لدى الحركة الوطنية بخصوص الظهير البربري واستغلته كسلاح من أجل رفع وعي كافة المواطنين .
فإلى حدود سنة 1944 لم تملك الحركة الوطنية أي تكتيك محدد و لم يصرحوا بمطلب الإستقلال بل كانوا يطالبون بالإصلاحات ، وفي خضم نشاط الحركة تم تأسيس حزب الإستقلال من طرف مناضلين  شباب و جماهير الفلاحين و طبقة التجار البورجوازيين و تعاطف السلطان مع الحركة الإستقلالية  عن طريق إمتناعه عن توقيع الظهائر مما أدى إلى نفيه سنة 1953 و صادفت هذه الأحداث التظاهرات التي اندلعت إثر إغتيال  الزعيم النقابي التونسي فرحات حشاد .
 تحولت المطالبة بالإصلاحات إلى مطالبة بالإستقلال و حاولت السلطات الإستعمارية الإيقاع بين الحركة الوطنية و السلطان لكن لحمت الملك و الشعب – حزب الإستقلال ،الحركة الوطنية - كانت أقوى  و كان الوطنيون يعلقون أهمية قصوى على موقف السلطان وكان محمد الفاسي  أستاذ الأمير مولاي الحسن يلعب دور الوساطة بين الملك و قادة الحركة الثلاث عمر بن عبد الجليل ، أحمد بلفريج،محمد اليزيدي .


وتطرق خلال ذلك للحركة الوطنية وأصولها باعتبارها قوة جديدة أتعبت سلطات الحماية بانخراطها في النضال السياسي المنظم ابتدءا من سنة 1945، واصفا إياها بكونها قيادة برجوازية متنورة ومثقفة بأرضية سلفية دينية.

غيرأن الحركة التي صعب على الاستعمار الفرنسي احتواؤها، فشلت في تكوين نخبة سياسية متماسكة قادرة على ممارسة السلطة والمساهمة فيها بعد الاستقلال بحيث تميزت نقاشاتها حسب واتربوري بالبيزنطية، ليجد المغرب نفسه بين إرثين إرث العادات والتقاليد في علاقتها بالسلطة وطرق تدبيرها، وإرث الاستعمار في شكل بنيات تحتية وآليات معقدة غير ملائمة في الغالب لواقع البلاد وحاجياتها.

وضعية ربطت الحياة السياسية المغربية وتاريخها بعد الاستقلال بمدى القدرة على التوفيق بين الإرثين أي بمدى القدرة على التزام الشخصية المغربية بمقاييس وقواعد المؤسسات العصرية والسوق الاقتصادية والآليات الجديدة في التنظيم من قبيل الأحزاب السياسية والنقابات وغيرها، دون المس بخصوصيات ما سماه واتربوري الشخصية المغربية.

محاولة في التأويل.. النظرية الانقسامية
تبنى جون واتربوري في تحليله للنخبة والحياة السياسية المغربية وفي رصد سيرورتها "النظرية الانقسامية" التي تستعمل أساسا في الحقل الأنثروبولوجي (علم الإنسان)، وذلك للوصول إلى نتائج مسبقة اعترى الكثير منها الخطأ وعدم الحياد.

فقد انطلق في الفصل الثالث من كون التوتر الدائم في مستويات مختلفة يعد من خصائص المجتمع المغربي منذ قرون بحيث يبدو وكأنه موشك على الانفجار لكن طبيعته الأساسية هي الجمود.

ولكي تسعفه النظرية المذكورة اعتبر أن المغرب ومجتمعه في العموم منحدر من القبيلة وأن قيم وأنماط السلوك السياسي السائدة فيه ذات طابع قبلي شبيه بدول الشرق الأوسط، وهي المنطقة التي وظف فيها الباحثون الغربيون الذين استند إليهم واتربوري لدراسة وإعمال النظرية الانقسامية التي وضع دوركهايم أسسها في بداية القرن في شكلها العام في كتابه "تقسيم العمل الاجتماعي"  بغية البحث عن مفاتيح جديدة في البحث العلمي ورصد أنماط الحياة في المجتمع القبلي ومعرفة نوعية العلاقات السائدة بين أفراده ماذا يوحدهم وماذا يفرقهم؟

"الحركة الوطنية قوة جديدة أتعبت سلطات الحماية بانخراطها في النضال السياسي المنظم.. وهي قيادة برجوازية متنورة ومثقفة بأرضية سلفية دينية"
ويوضح دوركهايم الشروط الانقسامية التي ترتكز على التشابه بقوله "لكي يكون التنظيم الانقسامي ممكنا لابد من أن تتشابه الأقسام ودون هذا التشابه لا يمكن أن تتحدد وأن تتباين، ودون هذا التباين والخلاف سيضيع بعضها في بعض وتنتهي للتلاشي".

فاعتمادا على المنهج الانقسامي حاول واتربوري انطلاقا من الفصل الثالث من الكتاب دراسة وتحليل سلوك النخبة السياسية المغربية في مرحلة الستينيات بالأساس، دراسة اعتمدت على تركيب نظري ضخم لسيرورة التحولات والوقائع الاجتماعية منذ استقلال المغرب إلى غاية منتصف الستينيات.

وقد ذكر الفئات الأساسية المشكلة للمجتمع المغربي يومئذ والتي تكمن في مشاعر الانتماء للدين والزوايا والقبيلة والأسرة والحي من قبيل عائلتي الفاسي والوزاني ببنية مدينية واحدة، والانقسام تبعا لأهداف مادية عقلانية بين تجار سوس وتجار فاس كنموذج, والانقسام تبعا للبنيات التنظيمية الحديثة من قبيل الأحزاب والنقابات والجماعات الاقتصادية وغيرها.

وهي الفئات التي سماها بالفصائل الانقسامية التي تحدد الصراعات داخل المجتمع المغربي.

والفصول المتبقية من كتاب "أمير المؤمنين الملكية النخبة السياسية المغربية" ركز فيها على جدلية التوتر والجمود باعتبارهما طرفي نقيض تعايشا في فترة ما بين سنة 1956 و 1965 التي اشتغل عليها المؤلف ونعتها بعض الباحثين بـ"فترة خميرة المغرب الحديث" لكونها كانت حاسمة ومجالا لكل الرهانات والصراعات بين الفاعلين السياسيين.

وتجلى التوتر في الدعوات المتتالية للإصلاح وانتظار المواطنين ومختلف الفئات التي نعتناها سلفا بالحديثة لمواجهة الجمود السياسي لكنه توتر لا ينتج تحولات سياسية.http://www.aljazeera.net/KnowledgeGate/KEngine/imgs/top-page.gif

 واقع النخبة السياسية
وإذا كان المؤلف اعتمد التعريف الإجرائي للنخبة السياسية بكونها الفئة المؤثرة في اتخاذ القرار (الجمعيات, القبائل, العلماء, الأثرياء, المثقفون, الشرفاء, المعارضة...) ملقيا الضوء على الهياكل الكبرى للنخبة في شخص البرجوازية الحضرية وتبني إستراتيجية المصاهرة السياسية لدى العائلات الفاسية الأرستقراطية الفلاحية، فإنه نبه إلى أن التأثير الثقافي المحدود للاحتلال الفرنسي على سكان المغرب واقتصاره على قطاعات محددة من قبيل المجال العسكري والإداري وبعض الفئات في المدن جعل ما سماه واتربوري بالسلطة الإدارية والسلطة العسكرية تشكل النخبة السياسية المغربية يومها.

وقد فصل القول في العوامل الاجتماعية والإقليمية المؤثرة في نشوء النخبة السياسية التي كانت تمثل أقلية ذات مستوى تعليمي مرتفع وسط أغلبية أمية بفعل السياسة التعليمية النخبوية التي نهجها الاستعمار الفرنسي بحيث لم يتجاوز عدد المغاربة الذين اجتازوا امتحان الباكلوريا ما بين سنة1912 و1954 530 تلميذا.

هذا فضلا عن كون جميع أفراد الطبقة الحاكمة يومئذ كانت تعرف بعضها البعض معرفة شخصية ودية كانت أو عائلية لم تمنع من الاختلافات في وجهات النظر برأي واتربوري لكنها كانت كافية للتخفيف من حدة المواقف بطريقة فعالة.

"التوتر تجلى في الدعوات المتتالية للإصلاح وانتظار المواطنين ومختلف الفئات التي نعتناها سلفا بالحديثة لمواجهة الجمود السياسي لكنه توتر لا ينتج تحولات سياسية"
غير أن الوضع المذكور لم يستمر طويلا بحيث لم تصمد العلاقات الشخصية داخل النخبة المغربية التي نسجتها خلفية اجتماعية مشتركة أمام زحف جيل من الشباب الذين سارعوا بدورهم لاقتحام الطبقة المسيرة بأصل اجتماعي وتكوين مختلف، زحف ساهمت فيه جهود مغرب ما بعد الاستقلال في ميدان التعليم.

واسترسل ووتربوري في رصد الرهانات المزدوجة المتمثلة في هيمنة الحكم واحتواء النخبة السياسية, وهيمنة هذه النخبة على المجتمع، وتطرق للسياقات السياسية للحياة الحزبية المغربية في العقد الأول من الاستقلال، حيث تابع ما سماه "دينامية السيرورة الانقسامية للنخبة" من خلال تفسير الانشقاقات الحزبية التي شهدتها الفترة التي شملها كتابه انطلاقا من انشقاق حزب الاستقلال وميلاد اليسار، وانشقاق حزب الحركة الشعبية،  وجبهة الدفاع عن المؤسسات الدسورية، متتبعا تفاصيلها بشكل دقيق جعل من الكتاب مرجعا مهما في فهم تاريخ الأحزاب السياسية المغربية.

وخصص المؤلف الفصول الأربعة الأخيرة من كتابه لأدوات احتواء الملكية للنخبة السياسية والتأثير عليها في أفق خدمة إستراتيجيتها وعدها في ست أدوات منها ما سماه البيروقراطية حيث إن للملك صلاحية توزيع المنافع السياسية والمادية للسلطة مما يسمح له بمراقبة فعلية للإدارة، وتسريع دوران التعيينات والتغييرات في المناصب، مع استقطاب الطاقات والكفاءات من داخل الأحزاب السياسية.

ومن أدوات التحكم كذلك وزارة الداخلية بما يدخل تحت إمرتها من ولاة وعمال وقادة وأمن بكل مستوياته، ودرك وقوات مساعدة و.., والجيش, والديوان الذي يشكل حكومة الظل التي تراقب بدقة أنشطة الحكومة الرسمية, والعدالة لكون دستور 1962 احتفظ للملك بحق تعيين كل القضاة مع تأكيده الفصل التام بين السلطات التشريعية والتنفيذية، مع العلم بأن التعيينات تتم عن طريق اقتراح المجلس الأعلى للقضاء الذي يرأسه الملك.

وأخيرا أداة الدعاية والصحافة بحكم الرقابة الكاملة للدولة على وسائل الإعلام والاتصال بالرأي العام من إذاعة وتلفزيون فضلا عن بعض المؤسسات الصحفية المؤيدة للخط والتوجه الرسمي.

في الفصل 16 اعتبر واتربوري أن بقاء نظام ما ونخبته رهين بقدرة هذه الأخيرة على بلورة ثقافة سياسية وطنية تستوعب القيم الأساسية، وفي الوقت نفسه تحقيق التنمية الاقتصادية، بحيث تصبح صيرورة الاستيعاب والتنمية الاقتصادية بالنسبة للنظام مرتبطة بمدى قدرته على احتواء الأطر الوطنية المتعلمة وإرضاء حاجياتها المادية وتعطشها للنفوذ.

وسجل واتربوري في الوقت نفسه أن الركود الاقتصادي لا يهدد الاستقرار ولا يكتسي خطورة إلا إذا "كانت هناك مجموعة من الطامحين غير الراضين الذين يستعملون الوضعية الاقتصادية سلاحا سياسيا للالتحاق بالطبقة الحاكمة، وطرد النخب الحالية"، مع العلم بأنها لا تملك حلولا لتجاوز ذلك الركود وقد تسهم في استمراره.

وهذا الأمر جعل مشكل طاقة استيعاب النخبة ظاهرة جديدة في المغرب في مرحلة الستينيات التي شملها كتاب "أمير المؤمنين الملكية والنخبة السياسية في المغرب"، وأراح النخبة الحاكمة التي تكونت في ظل نظام الحماية من منافسة حقيقية.

ولئن كان جون واتربوري سقط في كثير من الأحيان في التعميم، وتبنى آراء مغرقة في الذاتية، فإنه تمكن من تسليط الضوء على النخبة الحاكمة في المغرب ومكوناتها، وانتقادها، متتبعا أدق التفاصيل والأحداث، ومن ثم صياغة أهم عمل أكاديمي تركيبي حول الواقع السياسي المغربي في عهد الحماية وما بعد الاستقلال، يصعب الاستغناء عنه بالنسبة للباحثين والمشتغلين بحقل علم السياسة.

وهذا الكتاب يدفع القارئ اليوم للوقوف على مدى التغير الحاصل  في طريقة عمل النخبة السياسية المغربية وطبيعة علاقتها مع المؤسسة الملكية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آثــار إثبــات البنـوة والنسـب على ضــوء مقتضيات قانون مدونة الأسرة الجديد 70.03                            الجزء الأول   مقدمة ع...