مقدمة
عرف المغرب في مطلع القرن العشرين فكرة
الدستور و فكرة الملكية المقيدة ففي عهد المولى عبد العزيز طالب كثير من المثقفين
بعدد من الإصلاحات السياسية و التعليمية و الإقتصادية و الإجتماعية ،و عدم استجابت
المولى عبد العزيز دفعت بالمثقفين إلى مطالبة المولى عبد الحفيظ بإقرار دستور
للمملكة مقابل مبايعته و هذا عرف بالبيعة المشروطة. شكل
مشروع دستور 8 أكتوبر 1908 الذي قدمه علماء المحسوبين على البيعة المشروطة للمولى عبد الحفيظ،
والذي نشرته جريدة لسان المغرب، التي كان ينشطها سوريون ولبنانيون بمدينة طنجة،
أول محاولة حقيقية لإقامة نظام دستوري ديمقراطي في المغرب، تفوض فيه السلطة
التقريرية إلى مجلس منتخب ، ويحتفظ السلطان من خلاله بصلاحية التصديق على القرارات.
مشروع دستور 1908 الذي كان واضحا في تطلعه إلى
إقامة النظام البرلماني في ظل ملكية دستورية و ما إن فرضت فرنسا حمايتها على
المغرب و المغاربة عام 1912 أبطلت هذه المشاريع الدستورية و جعلت من الصعب جدا على
المغاربة التفكير في المسألة الدستورية طيلة فترة الحماية بقصد أن يواجه المغرب صعوبة البحث في التحقيق
توازن سياسي مستحدث عند استقلاله .
و إن شهدت بداية العشرينات تجربة دستورية
دعا إلى تحقيقها قائد ثورة الريف عبد الكريم الخطابي في شمال المغرب عام 1921 التي
اجهضت في مرحلة لاحقة .
فإنه لا يمكن مقارنتها بالمشاريع التي
سبقتها لا سيما فيما يتعلق بتقييد السلطة لان دستوره قد وضع في ظروف حرب فضلا عن
كونه محصورا في منطقة محددة و لم يحض بموافقة الملوك المغاربة الذين تعاقبوا على
الحكم .
من هنا فإن فكرة الدستور قد اختفت لتحل محلها
فكرة المطالبة بالإستقلال طيلة سنوات الإحتلال الفرنسي للمغرب . حيت انتقلت من المطالبة بالدستور كمدخل للاستقلال إلى
المطالبة بالاستقلال كمدخل للدستور،خصوصا و إن السلطان في هذه المرحلة كان قد انضم
للحركة الوطنية ، و على هذا الأساس انصب التركيز على مسألة الاستقلال و تركت مسألة
دسترة الدولة إلى ما بعده.
و إذا كانت
أنظمت المغرب العربي قد وضعت دساتيرها غداة استقلالها بواسطة جمعية تأسيسية منتخبة
سنة 1955 بتونس ، و 1962 بالجزائر ضمت التيار السياسي الرئيسي الذي قاد معركة الإستقلال
حزب الدستور بتونس و جبهة التحرير بالجزائر فإن المغرب الذي تميز بقيادة معركة
اسقلاله من قبل الملكية و الحركة الوطنية سيشهد غداة استقلاله تفجر الصراع المؤجل
بين مكونات الحركة الوطنية حول طبيعة النظام السياسي لدولة الإستقلال و سينجم عن
هذا الصراع الذي دام سبع سنوات تأخر سترة النظام المغربي إلى سنة 1962 التي كرست
دسترة الملكية القوية بمشروعيتها الدينية و التاريخية و الكفاحية و سلطتها
السياسية لسعيها للاستمرار في ممارسة ملكية حاكمة يسود فيه الملك و يحكم ضمن نظام
دستوري عصري لا يقيد سلطاتها في حين أن المعركة الوطنية بزعاماتها التاريخية مثل
علال الفاسي و قاعدتها العريضة من مقاومة نقابية و أطر .... قد فشلت في تطلعها لإقامة ملكية برلمانية
يسود فيها الملك ولا يحكم و يتولى فيه حزب الإستقلال خاصة الحكم بصفته يمثل
الأغلبية في البلاد .
إشكالية البحث :
فإذا كان
المغرب استعاد استقلاله سنة 1956 فلماذا تأخر أول دستور بالمملكة 1962
ماهي
المعيقات و العراقيل التي ساهمت في هذا التأخر و كانت سببا فيه ؟
هذه
الإشكالية الرئيسية تتفرع عليها مجموعة من الأسئلة الفرعية :
v من هم أبرز الفاعلين السياسيين الذين تمخضت
عنهم فترة ما بعد الإستقلال
v ما هي
آليات العلاقة بين المؤسسة الملكية و الفاعلين الاخرين (الحركة الوطنية )
v كيف تم تدبير الحكم في المرحلة الممتدة بين
1956 و 1962 ؟
v كيف تم الوصول إلى دستور 1962 ؟
المناهج المعتمدة :
خطوات البحث العلمي تقتضي توظيف بعض المناهج،
ونحن إعتمدنا في عرضنا على مجموعة من المناهج و هي كالتالي :
v المنهج التاريخي : من خلال سرد أبرز تطورات هذه المرحلة المهمة
التي مر منها المغرب من عهد الحماية إلى عهد الإستقلال .
v المنهج الوظيفي : الوظائف التي اهتمت بها النخبة السياسية
من أجل تحقيق الإنتقال .
v المنهج البنيوي : سنتطرق له حين الحديث عن البنية التي تشكل
عملية الإنتقال من مشاركة سياسية و دور المؤسسات في تحقيق الإنتقال من نظام
الحماية إلى نظام مغربي مستقل .
رغبتا منا في معالجة الإشكالية السابقة الذكر
اقتضت الضرورة تقسيم الموضوع إلى مبحثين :
ü المبحث الأول : الفاعلون السياسيين و إشكالية
تدبير نظام الحكم في المغرب .
ü المطلب الأول : أبرز الفاعلين السياسيين في
المغرب بين 1955 و 1962 .
ü المطلب الثاني : إشكالية تدبير الحكم في فترة
1955 حتى 1962.
ü المبحث الثاني : آليات الصراع ومسألة إقرار
دستور 1962
ü المطلب الأول : آليات الصراع .
ü المطلب الثاني : الحسم في إقرار دستور 1962 .
المبحث الأول :أبرز الفاعلين السياسيين في المغرب بين 1955 و 1962 وإشكالية
تدبير نظام الحكم في المغرب .
بمجرد أن حصل
المغرب على استقلاله حتى برزت قوتان سياسيتان متباينتين ، فمن جهة المؤسسة الملكية
الحاكمة على امتداد إثنى عشر قرنا ، ومن جهة أخرى نجد الأحزاب المنبثقة عن الحركة الوطنية المتشبعة
بالفكر الليبرالي و التي تتطلع إلى تبني ملكية تسود و لا تحكم ،و لا يمكن إنكار
دور فاعل ثالث والمكون من الأعيان القرويين و المزارعون الذين استبعدو عن اللعبة
السياسية بسبب الإشتباه في تعاونهم مع سلطات الحماية .
إزاء هذا
التباين في مواقف الفاعلين السياسيين سيدخل المغرب المستقل مرحلة صراع سياسي قوي
حول الحكم امتد من سنة 1955 إلى سنة 1962 .
المطلب الأول : أبرز الفاعلين
السياسيين في فترة 1955 حتى 1962 .
الفقرة الأولى : الأحزاب المنبثقة عن الحركة الوطنية و مطلب الملكية
البرلمانية
إن الفترة الممتدة بين 1956 و 1959 تعتبر فترة حاسمة في
تاريخ الحركة الوطنية المغربية عموما ،حينما حصل المغرب على استقلاله أظهر حزب
الاستقلال صاحب أكبر تمثيلية أنداك تطلعه إلى إقامة ملكية مقيدة يلعب فيها الملك
دورا شرفيا، بينما يمارس فيها هدا الحزب السلطة التنفيذية بدعوى توفره على قاعدة
شعبية عريضة، [1]
قدر عددها بحوالي 1 مليون عضو ، إذ ردد
هدا الحزب انه كان دائما الممثل الحقيقي والأوحد
لأولئك اللذين كافحوا من اجل الاستقلال، ولقد كان الحزب يتصرف كأنه الحزب الوحيد
في الدولة
فخلال هذه الفترة سيتم الحسم في النظام الحزبي الذي
سيعيش فيه المغرب المستقل ،و قد كان الصراع للحسم في هذا الإختيار يجري بين قوتين
قوة القصر و قوة حزب الإستقلال ،كما عبر عن ذلك علال الفاسي في خطاب له بطنجة سنة
1959 بقوله " ليس في المغرب من قوة إلا قوات ثلاث قوة حزب الإستقلال ، قوة
جيش التحرير ،قوة القصر "
ففي الوقت الذي أعلن عن استقلال المغرب وجد حزب
الإستقلال نفسه محاطا بمجموعة من الأحزاب و التي كان ينسق مع بعضها بالأمس وكان هو
نفسه يعترف بمشروعيتها .
الفقرة الثانية : الملك .
عندما بدأت السلطة الإستعمارية تحس بخطر
تعاون الملك محمد الخامس مع الحركة الوطنية على الوجود الفرنسي بالمغرب ،و تأكدت
من أن استمرار الحماية مرهون بخلع محمد الخامس عن العرش ،طلب منه المقيم العام
التنازل عن العرش فرفض و في 20 غشت 1953
أعلن المقيم العام عن خلعه و نفيه إلى جزيرة كورسيكا ثم إلى جزيرة مدغشقر ،و
نصبت السلطات الاستعمارية محمد بن عرفة
بدلا عنه .
و كان نفي محمد الخامس إيذانا بقرب نهاية
الوجود الاستعماري بالمغرب ،فقد اندلعت ثورة عارمة بقيادة الحركة الوطنية ،شملت
مختلف المناطق منددة بما أقدمت عليه سلطة الإحتلال ، فتعزز جيش التحرير بجيش من
المقاومين ،ووطدت دعائم الثورة الشعبية العامة فطالبت بضرورة عودة محمد الخامس و
إلغاء عقد الحماية .
و أمام هذا الإصرار على الاستقلال و الوحدة و
أمام تصاعد موجات الغضب و الاستنكار أرغمت فرنسا على الإعتراف بحق المغرب في
الاستقلال و في استكمال وحدته الترابية
بمجرد عودته من المنفى ببضعة اشهر سيتخلى
محمد بن يوسف عن لقبه السابق. " السلطان" متخذا لنفسه لقب " الملك محمد
الخامس"، وقد اظهر هذا الملك حرصا
شديدا على ادخال نظام ملكية دستورية وفق اسس نظام ديمقراطي ذي طراز غربي، مثلما
حاول اعطاء البلاد حكومة تتمثل فيها جميع الميول السياسية المختلفة.
وعند حلول الاستقلال 1956 وجد المجتمع نفسه
امام تحديات بناء دولة مستقلة، وتحقيق الحلم الذي راوده مند فجر القرن العشرين.
ففي الوقت الذي انصرف فيه الجميع الى بناء
مؤسسات المجتمع الجديد، وفك الارتباط مع سلطات الحماية الفرنسية والاسبانية وطرحت
مسألة الدستور لبناء نظام ملكية دستورية.
لقد كان مطلب الدستور مطلبا ملكيا. نجد له
صدى في جل الخطب الملكية الملقاة بين نوفمبر 1955 وماي 1960. وقد كان هناك تحول في
مفهوم المطلب الدستوري لدى الملك في ماي 1958 مع اصدار العهد الملكي.
المطلب الثاني : إشكالية تدبير الحكم في فترة 1955 حتى 1962
عند تنصيب اول حكومة برئاسة البكاي 1955 ركز الملك على اولوية بناء نظام ملكية
دستورية ، وطلب من الحكومة ان تضع اسس هذا
النظام الذي يمكن الشعب من تسيير شؤون البلاد بواسطة مجالس محلية و مجلس وطني...،
ومن المصطلحات الموظفة في خطاب الملك محمد الخامس وقادة الحركة الوطنية ، في فجر الاستقلال فصل السلط والانتخابات الحرة
وسيادة الشعب والمجلس التأسيسي والدستور والحريات.
سيمر العام وتضع الحكومة ميزانية جديدة فمن سيصادق عليها ؟
لكن اهم ما يسجل في هذه المرحلة هو رؤية
الملك للدستور المنشود ، فقد ورد في خطاب
العرش في 18 نوفمبر 1956 في سياق الحديث عن بناء المؤسسات التطرق الى " التأسيس لوضع دستور
المملكة. وقد اصدر المجلس الوطني للمقاومة في غشت 1956، بيانا يحدد فيه المطالب
الدستورية تتمحور حول نقطتين أساسيتين المطالبة بنظام ملكي دستوري يتلاءم مع مبادئ
الاسلام السمحة ، واحترام حقوق الانسان كما حددها الميثاق الدولي الخاص بها.
تحول المطلب الدستوري لدى الملك ، على الاقل على مستوى الخطاب ، في الفترة التي اعقبت
استقالة حكومة البكاي الثانية ، وكانت فترة توتر بين
الملك وقيادة حزب الاستقلال، فلم يكن الملك راضيا على بيان الحزب بضرورة قيام
حكومة .
و في خضم هذا التباين ما بين أحزاب الحركة
الوطنية و القصر فيما يتعلق بالمسألة الدستورية عرفت إنشقاقات داخل الأحزاب
السياسية خاصة حزب الإستقلال الذي عرف في إطاره صراعات مابين تيارين أحدهما محافظ
و الآخر ثوري حول مسألة تبني العنف من عدمه المفضي إلى تحقيق الإصلاحات السياسية
على أرض الواقع ، الأمر الذي تحقق سنة 1959 بإنشاء حزب الإتحاد الوطني للقوات
الشعبية بزعامة عبد الرحيم بوعبيد و شكل هذا التطور في مشهد حزب الاستقلال بداية
تمكن الملك من النخبة لكن الانشقاق جاء على الخصوص تتويجا لمرحلة طويلة دعي
المغاربة للاختيار بين مجموعات و قادة متنافسين وبين سياسات متعارضة وبين معارضة
النظام أو الخضوع له،الأمر الذي ساعد الملك محمد الخامس على تشكيل أول حكومة
مستغلا في ذلك تشجيعه لانشقاق حزب الاستقلال بهدف تقليص أتباعه ،[2]
الأمر الذي
جعل حزب الإستقلال مختلفا مع القصر في إشكاليتين أساسيتين : حق الملك في تعيين
وإقالة أعضاء الحكومة، ومسؤولية الوزراء.[3]
لقد كان الحزب يتمنى على أقل تقدير أن يستشار عند اختيار الوزراء ، وفي أحسن
الحالات، إن يكون هناك وزيرا أولا من حزب الاستقلال يتوفر على صلاحية تعيين
حكومته، مثلما طالب الحزب بأن يكون للوزراء المسؤولية التامة في برامج قطاعاتهم،
وان يتمتع الوزير الأول بحق المراقبة الفعلية فيما يتعلق بتنفيذ السياسة الحكومية.
وعموما فقد
إستغل القصر زمنيا النزاعات الحاصلة بين مختلف مكونات المشهد السياسي المغربي آن
ذاك بشكل جعل منه قادرا على خلق آليات
لحسم الصراع .
المبحث الثاني : آليات الصراع ومسألة إقرار دستور 1962
في مواجهة المواقف الحزبية و السياسية
الداعية لتقييد سلطتها وحصرها في دور رمزي عملت الملكية خلال الفترة الانتقالية من
1955 إلى 1962 على توطيد سمو سلطتها السياسية
واستمرار مشروعيتها التاريخية من خلال استراتيجية مزجت بين التحكم في
السلطة التأسيسية وممارسة الملك للسلطتين التنفيذية و التشريعية و إضعاف نفوذ حزب
الاستقلال بالطابع الشوري للمجلس
الاستشاري و الإتلافي للحكومة و تشجيع التعددية الحزبية و إعادة بناء شبكة النخب
المحلية و الإدارية .
المطلب الأول : آليات الصراع
الفقرة الأولى : رفض الجمعية التأسيسية لوضع
الدستور و تأسيس مجلس دستوري .
رفض الملك فكرة الجمعية التأسيسية المنتخبة التي كان ينادي بها أحزاب الحركة الوطنية وقد اعتبر
أنصار السيادة الملكية أن الجمعية التأسيسية غير ممكنة و لا ضرورية بالمغرب لإجماع
الأمة حول الملك و لسمو السلطة الملكية بينما كان أنصار الدعوة لجمعية تأسيسية
منتخبة يستهدفون منها حصر الملكية في دور شرفي و إيجاد مشروعية جديدة ، نابعة من
الأمة ، إلى جانب المشروعية الملكية التقليدية .
ومع ذلك فإن الملك محمد الخامس قد إلتزم بوعده فقام بتأسيس المجلس التأسيسي وجاء هدا
المجلس نتيجة عاملين أساسيين أولهما تنفيذ ما كان الملك محمد الخامس قد التزم به
بتطبيق ملكية دستورية ، حينما تعهد بإقرار نظام الحكم الدستوري قبل انتهاء 1962م،
وثانيهما تبرير توليه لرئاسة الحكومة.
وقد استقر توجه الملك بتاريخ 26 ماي 1960 بتعيين مجلس تأسيسي وهدا الأمر
الذي ترجمه بوضوح بلاغ رسمي صادر عن المجلس الوزاري بتاريخ 14 يونيو 1960 أعلن عن
تعيين مجلس تأسيسي كلف انطلاقا من شهر غشت بصياغة الدستور.
وفي يوم 17 نونمبر 1960 بادر الملك محمد الخامس إلى خلق مجلس دستوري مكون
من 78 عضوا، ضم مختلف الاتجاهات السياسية، وقد جاء في مقدمة الظهير الخاص بتشكيل هذا
المجلس
( إن الدستور يجب أن يكون محترما
للمبادئ الأساسية للإسلام، ويراعي الطابع الخاص بالمغرب، وسيحدث مؤسسات ديمقراطية
في نطاق الملكية الدستورية).
بيد أنه بمجرد نشأة هذا المجلس
سيعرف عوائق، إذ ولد بين طياته عوامل موته ، فالاتحاد الوطني للقوات الشعبية ،
المنشق عن حزب الاستقلال،ّ رفض المشاركة في هذا المجلس مطالبا بخلق جمعية تأسيسية
منتخبة، حيث سينبري المهدي بن بركة إلى توجيه انتقادات قوية إلى هذا المجلس ،
رافضا أي إصلاح في إطار الحكم المطلق، وأيضا عرقلت تنظيمات أخرى عمل هذا المجلس
كالحركة الشعبية وحزب الشورى و الاستقلال بزعامة محمد حسن الوزاني، حيث عبر هذا
الأخير عن طبيعة هدا المجلس بالقول (ماهي حقيقة هذا المجلس؟)[4]
.
نتيجة لهذه المواقف سيبرز هذا المجلس إلى حيز الوجود مشلولا، شأنه في ذلك
شأن حكومات تلك المرحلة خصوصا بعد ما تم انتخاب رئيسه علال الفاسي بالاقتراع السري
الأمر الذي دفع المحجوبي أحرضان إلى القول: ( كنا نعتقد أن هذا المجلس مجلسا وطنيا
لكن اتضح أنه مجلس هيئة معينة ) لينتهي بإقباره دون أن يخلف أية حصيلة تذكر[5].
الفقرة الثانية : المجلس الوطني الإستشاري
سيبادر الملك محمد الخامس إلى خلق المجلس الوطني
الاستشاري بظهير ملكي في 3 غشت 1956 برئاسة المهدي بن بركة، وقد حضرت فيه مختلف
التيارات السياسية ، وينص الفصل الأول من الظهير على أنه مجلس استشاري لدى الملك ،
استشاري لا تقريري أو تشريعي ومرتبط بالسلطة التشريعية والتنفيذية المتمثلة في
جلالة الملك. وللملك أن يوقف دورات المجلس وأن يعفي الأعضاء أو يحل المجلس بأكمله[6].
ويمثل هذا المجلس الرأي العام عن طريق الاختيار والتعيين
فأعضاؤه الستة والسبعون يقسمون على الهيآت السياسية والاقتصادية والاجتماعية
والثقافية الموجودة أنذاك.
أما اختصاصات المجلس فيحددها الفصل الثاني من الظهير
فيما يأتي:
1ـ أخد رأيه في ميزانية الدولة العامة وفي
الميزانيات الإضافية.
2ـ استشارة الملك في جميع القضايا السياسية
والاقتصادية والاجتماعية التي يقتضي نظر الملك عرضها عليه.
3ـ من حق أعضاء المجلس أن يوجهوا أسئلة شفوية
أو مكتوبة إلى الوزراء ويجيب عنها الوزراء الدين وجهت إليهم الكتابة.[7]
وبالرغم من إن هذا المجلس كانت له طبيعة استشارية وليست
تقريرية إلا إن معظم الفرقاء السياسيين تطلعوا إلى ممارسة نيابية ديمقراطية، بيد
أن هذه الرغبة سيتم إجهاضها لتنتهي في 23 ماي 1959م.
الفقرة الثالثة : القانون الأساسي :
بعد وفاة محمد الخامس بثلاثة أشهر دخلت البلاد في حالة
ذهول سياسي الأمر الذي تطلب من الملك الجديد أن يفتح سلسلة مشاورات مع كافة
الفرقاء السياسيين بغية تشكيل حكومة جديدة
لذلك سيبادر الملك الحسن الثاني في 2 يونيو 1961 إلى وضع القانون الأساسي
للمملكة في اليوم الذي تأسست فيه الحكومة الجديدة ونص على أنه يهدف إلى سير أعمال
الدولة بكيفية محكمة في المرحلة السابقة لإعلان الدستور، واعتبر قانونا أساسيا
مؤقتا تسيير عليه الحكومة إلى إن يتم انجاز الدستور ويدخل في حيز التنفيذ.
ويقرر هدا القانون المهم كثيرا من الأسس الدستورية ومنها : المغرب مملكة
عربية إسلامية والإسلام دين الدولة الرسمي والعربية لغة البلاد الرسمية ومتابعة
الكفاح لاستكمال وحدة البلاد الترابية ، ومساواة المواطنين في الحقوق والواجبات،
والتزام الدولة بصيانة كرامة الأشخاص، وكفالة الحريات الخاصة والعامة، وفصل السلط،
واستقلال القضاء لضمان العدل، وإقرار نظام اقتصادي لتحقيق العدالة الاجتماعية
وتنمية الإنتاج، وتكفل الدولة بالتعليم وفق توجه وطني عربي إسلامي مع اعتبار
التكوين التقني والمهني والعلمي، والتزام سياسة عدم التبعية الخ[8].
القانون الأساسي كان مظهرا للتطور في الأسس
الديمقراطية ولكنه ليس مظهرا لتطور النظام الديمقراطي الدستوري والنيابي وتكوين مؤسساته
لأنه لم ينص على تكوين مؤسسات دستورية[9].
وقد استمر
العمل بمقتضيات هدا القانون من 8 يونيو 1961 الى غاية المصادقة على دستور 7 دجنبر
1962 اي بعد مضي عام ونصف.
أما ممارسة الملك للسلطة التنفيذية خلال هذه الفترة فقد
تمثلت في أنه رغم وجود رئيس حكومة ورث مهام الصدر الأعظم و المقيم العام و بعض الاختصاصات
الملكية المفوضة ، فإن الملك قد كان حريصا على القيادة الفغلية للعمل الحكومي بدءا
بتعيينه لأعضاء الحكومة و مسؤوليتها الأحادية أمامه و تحديده لبرنامج عملها و
مرورا بإشراكه لعدة أحزاب في تشكيلها ورئاسته للمجلس الوزاري واتهاءا بامتناعه عن
إصدار نص متكامل منظم لها وعدم تخليه عن الإشراف المباشر على سلطتي الجيش و
الداخلية كمجالات خاصة و كل هذا قبل أن يتولى الملك بنفسه رئاسة الحكومة بين 1960
و 1963 .[10]
المطلب الثاني: من الفكرة الدستورية إلى اللحظة
الدستورية ( إقرار دستور 1962)
الفقرة الأولى : إعتماد دستور 1962 من
خلال مسطرة الإستفتاء الشعبي
تتميز مسطرة الاستفتاء الشعبي على الدساتير
بعدم مشاركة الشعب في وضع الدستور ،إذ أن هذا الأخير يتم التحضير لوضعه من قبل
رئيس الدولة أو لجنة معينة ليست منتخبة ،و لكن هذا الدستور لا يصير نافذ المفعول
إلا بعد الموافقة الشعبية عليه بواسطة الاستفتاء بحيث تتاح للشعب الفرصة ليعبر عن
قبوله أو رفضه لمشروع الدستور فإذا وافق عليه يصبح نافذا و متمتعا بقوة قانونية
بغض النظر عن الجهة التي قامت بصياغته و إعداده فتقنية الإستفتاء الشعبي تمكن
الشعب من المشاركة في ممارسة السلطة التشريعية ،أو الإحاطة بمختلف الإستشارات
الوطنية الكبرى .
يجسد
دستور الجمهورية الخامسة الفرنسية لسنة 1958 و الدستور المغربي لسنة 1962 أبرز
تجسيد لهذه الطريقة ، حيث تم إعداد مشروع الدستور الأول لسنة 1962 من طرف الملك الحسن الثاني بمشاركة ثلة من فقهاء
القانون الدستوري من طينة موريس دوفرجيه و جورج فيديك و مشيل روسي و عبد الهادي
بوطالب و نوقش محتواه مع بعض أعضاء
الحكومة الثنائية التي كان قد شكلها الملك الحسن الثاني بتاريخ 2 يونيو 1961 من
بينهم السادة : علال الفاسي ،أحمد رضا
أكديرة ،المحجوبي أحرضان ، عبد الكريم الخطيب محمد با حنيني ، وذلك قبل عرضه على الإستفتاء
يوم الجمعة 7 دجنبر 1962 .[11]
إلا
أن هذا الدستور عرف مقاطعة للإستفتاء من طرف بعض الأحزاب السياسية أمثال الحزب
الشيوعي الذي كان مستبعد من الحكومات والمجالس المشكلة آن ذاك ،وحزب الدستور
الديمقراطي ( الشورى فيما بعد) ،و حزب الإتحاد الوطني للقوات الشعبية بدعوى عدم
تلبية مطلب تأسيس الجمعية التأسيسية المنتخبة و تكريس هيمنة الحكم المطلق .[12]
الفقرة
الثانية : ملامح و خصائص دستور 1962
إن تمخض الصراع السياسي حول مراقبة نظام
الحكم بين 1955 و 1962 و الخلاف التأسيسي لهذه المرحلة الانتقالية عن رجحان منظور
الملكية الساعي للإستمرار في ممارسة ملكية حاكمة وتزامنه مع حسم الملك الحسن
الثاني لمسطرة وضع الدستور بقيامه بوضع مشروع دستور 1962 و عرضه على الاستفتاء
الشعبي ، هذا التمخض و التزامن انعكسا على الدستور المغربي الذي لم يوضع لتقييد
سلطات الملك ، بل إنه قد عمل على دسترة سمو مشروعية و سلطة الملكية التاريخية و
الدينية و السياسية باقتباس التقنيات الدستورية للأنظمة الرئاسية ، كما عمل على
عصرنة سلطة التنفيذية (الحكومة ) والتمثيل و المراقبة ( البرلمان ) .[13]
و بهذا تكون الملكية قد بسطت هيمنتها من خلال
التحكم في السلطة التأسيسية و تكريس سموها من خلال الوثيقة الدستورية 1962 .
إلى جانب تكريس مشروعية و سلطة الملك الدينية
و التاريخية باعتباره أميرا للمؤمنين (الفصل 19 من الدستور ) مشكلتا في ذلك انتصارا
للفكر التقليداني على الفكر الحديث
و بهذا أصبح للمغرب دستور بالمعنى الحديث
للدولة كالدول الديمقراطية الليبرالية على المستوى الأوروبي .
[7] ـ عبد الكريم غلاب ـ100 سنة من النظال الديمقراطي، التطور الدستوري
والنيابي في المغرب 1908 ـ2011ـ مطبعة المعارف 2012ـ ص117.
مقالة جد رائعة استفدت منها كثيرا..شكرا جزيلا
ردحذف