مقدمة
يعد البرلمان مؤسسة من مؤسسات الحكم يناط بها سلطة التشريع
في الدولة إلى جانب الحكومة ،و تتباين نسب
هذه الوظيفة من دولة إلى أخرى حسب حجم القيود الواردة على عمل السلطة التشريعية و
ينضاف إلى هذه الوظيفة وظيفة الرقابة على عمل الحكومة و تقييم سياساتها .
و تختلف طبيعة
النظام البرلماني من دولة إلى أخرى ،فمن الدول من تأخذ بنظام الأحادية المجلسية
كتونس ومنها من تأخذ بنظام الثنائية
المجلسية كالمغرب ،و يحتاج البرلمان أو المجالس التشريعية إلى قواعد قانونية تنظم
عملها وتأليفها و الإجراءات المتبعة في ذلك و كذا تنظيم علاقاتها بباقي المؤسسات
الأخرى لعل من أبرزها الأنظمة الداخلية ،التي تشكل قاعدة دستورية أساسية في معظم
دساتير دول العالم ،و ذلك بإلزام المجالس
التشريعية بوضعها أو الجواز لها بذلك .
وعلى اعتبار أن
الأنظمة الداخلية للبرلمانات قاعدة دستورية فإن المشرع الدستوري لأي دولة يضع آليات حمايتها من أي خرق يكون من شأنه
الخروج عن مضمون الدستور ، ولهذه الغاية شكلت الرقابة الدستورية آلية من آليات
الحماية .
وقد اعتمد المغرب
هذه الآلية بالتنصيص عليها في الفقرة الأولى من الفصل 69 من دستور 2011 على أن النظام الداخلي الذي يضعه كل من مجلسي
البرلمان و يقره بالتصويت لا يجوز العمل به إلا بعد أن تصرح المحكمة الدستورية
بمطابقته لأحكام هذا الدستور ،وهو ما أكده مرة أخرى الفصل 132 في الفقرة الثانية
منه عندما نصت على أن الأنظمة الداخلية لكل من مجلس النواب و مجلس المستشارين تحال
إلى المحكمة الدستورية قبل الشروع في تطبيقها لتبت في مطابقته للدستور .
غير أنه يتعين لفت الانتباه
إلى أن الرقابة الدستورية على الأنظمة الداخلية اعتمدها المغرب مع أول دستور له
سنة 1962 و أسند اختصاصها إلى الغرفة الدستورية للمجلس الأعلى ،و بعدها المجلس
الدستوري كهيئة مستقلة تتولى النظر في مطابقة الأنظمة الداخلية للبرلمان لأحكام
الدستور ، إلا أنه لا بد من التمييز
بين هاتين المحطتين لمعرفة أوجه التشابه و الاختلاف بينهما ،و مظاهر التطور و
التطوير في هذه الممارسة .
و الحديث عن
الرقابة الدستورية على الأنظمة الداخلية للبرلمان في المغرب يقتضي منا الحديث عن
بعض التطبيقات في السياق العربي .
و مما سلف ذكره يثور الإشكال التالي :
ما طبيعة الرقابة
الدستورية على الأنظمة الداخلية للبرلمان
التي أخذ بها المغرب منذ أول دستور و ما
أهم التطورات التي وردت عليها ؟
و ما طبيعة الرقابة
الدستورية على الأنظمة الداخلية للبرلمان التي تبنتها بعض الدول العربية ؟
و هذا ما سنحاول
الإجابة عليه من خلال التصميم التالي :
المبحث الأول :
البث في دستورية الأنظمة الداخلية للبرلمان في المغرب ، لمحة عن تطور الجهاز و
الممارسة .
المبحث الثاني
:مراقبة دستورية الأنظمة الداخلية للمجالس التشريعية في بعض التطبيقات العربية .
المبحث الأول :
البث في دستورية الأنظمة الداخلية للبرلمان
في المغرب ، لمحة عن تطور الجهاز و الممارسة.
يمكن الرجوع بمبدأ
دستورية القواعد القانونية في السياق المغربي إلى ما قبل الدستور الأول لسنة 1962
،أي إلى مشروع دستور 1908 الذي دستر هذا المبدأ من خلال مجلس الشرفاء الذي أسند
إليه القيام بمراقبة جميع الأعمال الصادرة عن مجلس الأمة ، إلا أن وضع هذه المفكرة
موضع التنفيذ لم يتحقق إلا مع الغرفة الدستورية المحدثة في حظيرة المجلس
الأعلى بموجب الدستور الأول لسنة 1962 و
هو ما تم تكريسه في الدساتير اللاحقة 1970 و 1972 إلى حين إحداث المجلس
الدستوري كهيئة مستقلة عن التنظيم القضائي
العادي و بموجب هذا الإحداث إنضاف إلى هذا المجلس اختصاص البث في مطابقة دستورية
القوانين العادية على إثر إحالة اختيارية من جهات حددها الدستور حصرا و هو ما تم
تكريسه في دستور 1996 .
ثم سارت الرقابة
الدستورية على الأنظمة الداخلية أكثر نضجا و اكتمل قوامها مع دستور 2011 بإحداث
المحكمة الدستورية .
المطلب الأول : الغرفة الدستورية لدى المجلس الأعلى .
فبالنسبة لاختصاص
البث في مطابقة القوانين الداخلية للبرلمان لأحكام الدستور أسنده المشرع إلى الغرفة الدستورية للمجلس
الأعلى بموجب الفصل 43 من دستور 1962 ،و
كرسه بموجب الفصل 42 في كل من دستوري 1970
و 1972 .
لكن مع ملاحظة
أنه بعد أن تم التراجع بموجب المراجعة الدستورية لسنة 1970 عن الثنائية
البرلمانية و اعتماد نظام المجلس الواحد أصبحت الرقابة الدستورية على القانون
الداخلي لمجلس النواب .
و لئن إتفقت
الدساتير الثلاث 1962 و 1970 و 1972 في
النص على مضمون هذا الاختصاص فإنها اختلفت في ما بينها من حيث الصياغة المعبرة عن هذا المضمون .
و في إطار الرقابة
الدستورية على القوانين الداخلية في ضوء هذه الدساتير الثلاث و الظهائر
بمثابة قوانين تنظيمية للغرفة الدستورية تجدر الإشارة إلى ملاحظتين اثنتين :
أولا : الانتقال من
الموافقة على القانون الداخلي إلى التصريح بالمطابقة للدستور ، حيث صيغ الفصل 43
من دستور 1962 على الشكل التالي " يضع كل مجلس نظامه الداخلي بيد أنه لا يجوز
العمل به إلى بعد موافقة الغرفة الدستورية للمجلس الأعلى ،و صيغ الفصل 42 من
دستوري 1970 ،1972 كما يلي " يضع مجلس النواب قانونه الداخلي و يصادق عليه
بالتصويت بيد أنه لا يمكن العمل به إلا
بعد أن تصرح الغرفة الدستورية للمجلس الأعلى بمطابقة مقتضياته لهذا الدستور ،من
خلال المقارنة بين الصياغتين نلاحظ أنما عبر عنه المشرع الدستوري بموافقة الغرفة
الدستورية صار تصريحا بمطابقة مقتضيات الدستور ، الأمر الذي يستفاد منه أن مفهوم
الرقابة على دستورية القوانين الداخلية
أضحى أكثر وضوحا في دستوري 1970 ،1972 .
ثانيا : أنه اختصاص
حصري يباشر في شهر واحد أو في ثمانية أيام عند الاستعجال .على الرغم من عدم
استقلال الغرفة الدستورية عن التنظيم القضائي العادي باعتبارها مجرد غرفة في حظيرة المجلس الأعلى
،نص الفصل 14 من القانون التنظيمي للغرفة الدستورية على أن هذه الأخيرة هي الجهة
المختصة بالبث في مطابقة القوانين الداخلية البرلمانية للدستور تباشر هذا العمل في ظرف شهر واحد يبتدئ من تاريخ
توصلها بهذه القوانين أو في ظرف ثمانية أيام عند الاستعجال بناء على تقرير عضو من
الغرفة يعينه الرئيس .
المطلب الثاني :
المجلس الدستوري كهيئة مستقلة عن التنظيم القضائي.
عرف القضاء
الدستوري المغربي بعد مرور ثلاثة عقود من ممارسته من لدن الغرفة الدستورية لدى
المجلس الأعلى تطورا ملحوظا جسدته المراجعة الدستورية لسنة 1992 حيث تم الارتقاء بموقع هيئته في الهندسة
الدستورية من الباب العاشر في الدساتير
السابقة إلى الباب السادس في دستور 1992 و هو ما كرسه أيضا دستور 1996 ،كما تم
الارتقاء بالغرفة الدستورية من مجرد غرفة في حظيرة المجلس الأعلى إلى مؤسسة مستقلة
بذاتها هي المجلس الدستوري و تأسيسا عليه تم تسجيل أنه لم يطرأ أي تغيير يذكر على
مستوى ممارسة البث في الأنظمة الداخلية للبرلمان
باستثناء أنه خلافا لمنطوق الفصل 14 من القانون التنظيمي للغرفة الدستورية الذي كان ينص على أن هذه الغرفة تباشر البث في مطابقة القوانين الداخلية
للدستور في ظرف شهر واحد أو في ظرف ثمانية أيام في حالة الاستعجال بناء على تقرير
عضو من الغرفة أصبحت المادة 23 من القانون التنظيمي للمجلس الدستوري تحصر إمكانية
طلب البث بالاستعجال في ظرف ثمانية أيام في القوانين التنظيمية و العادية دون
الانظمة الداخلية للبرلمان .
المطلب الثالث : من
المجلس الدستوري إلى المحكمة الدستورية .
بعد مرور حوالي
عقدين من الزمن إلا قليل على إحداث المجلس الدستوري الذي عوض الغرفة الدستورية
،جاءت المراجعة الدستورية لسنة 2011 لترتقي بجهاز المراقبة على دستورية القوانين
من المجلس الدستوري إلى المحكمة
الدستورية تمارس إضافة إلى الاختصاصات المسندة سابقا إلى المجلس الدستوري اختصاصات جديدة على قدر كبير من الأهمية تتعلق
بالمراقبة الدستورية منها ما يتعلق توسيع من الاختصاصات الأصلية مثل المراقبة
القبلية على دستورية المعاهدات الدولية ،ومنها ما غير طبيعة القضاء الدستوري بعدما
كانت الرقابة التي يمارسها تقتصر على الرقابة السياسية على صدور الأمر بتنفيذ
القانون أضحت تجمع بين أسلوبي الرقابة السياسية و الرقابة القضائية .
و فيما يخص مطابقة
الأنظمة الداخلية للمجالس البرلمانية في الدستور نشير إلى أنها تتم بإحالة وجوبية
قبل الشروع في العمل بها فقد نص الفصل 132
من الدستور على أن الأنظمة الداخلية لكل من مجلس النواب و المستشارين قبل الشروع
في تطبيقها تحال على المحكمة الدستورية لتبث في مطابقته للدستور ،تأكيدا لمنطوق
الفقرة الأولى من الفصل 69 من الدستور عندما نصت على أنه لا يجوز العمل بالنظام
الداخلي الذي يضعه كل من مجلسي البرلمان و يقره بالتصويت إلا بعد أن تصرح المحكمة
الدستورية بمطابقته لأحكام هذا الدستور ،و هو الاختصاص الذي تولت بعد ذلك المادة
22 من القانون التنظيمي المتعلق بالمحكمة الدستورية بيان شروط و مسطرة تفعيله فنصت في فقرتها الأولى عل أن يحيل رئيسا مجلس النواب و المستشارين على
الفور النظام الداخلي لمجلس النواب و المستشارين و كذا التعديلات المدخلة عليهما
بعد إقرارهما من قبل المجلسين المذكورين قبل
الشروع في تطبيقهما إلى المحكمة الدستورية قصد البث في مطابقتهما للدستور ،وقد
أضافت نفس المادة في فقرتها الثانية اختصاصا جديدا يتمثل في مراقبة دستورية باقي
الأنظمة الداخلية للمجالس المنظمة بموجب قوانين تنظيمية .
المبحث الثاني
:مراقبة دستورية الأنظمة الداخلية للمجالس التشريعية في بعض التطبيقات العربية .
أن القول بأن
الدستور يحتل المكانة السامية و العليا في سلم التدرج الهرمي للقواعد القانونية
يعني كما قال دوفرجيه " أن قانونا مخالفا لمادة دستورية هو غير نظامي و يجب
ألا يطبق ".
هذا هو مبدأ
دستورية القوانين ، و يمكن أن نفسر هذا المبدأ بطرح سؤال وهو كيف يمكن لنص وضعته
جماعة من البرلمانيين أن يضرب أو أن يخرق نصا وضعه الشعب بأكمله أو صوت عليه الشعب
بأكمله ؟.
و لهذا فإن بعض
الدول من ضمنهم المغرب تنص دساتيرها على أنه لا يمكن للمجلس التشريعي أن يضع نظامه
الداخلي و أن يشتغل به قبل
أن يمر بعملية فحص دستوريته أو مطابقته للدستور .
وهذا يعتبر من
مظاهر العقلنة البرلمانية التي ظهرت مع الجمهورية الخامسة بفرنسا .
إلا أن هناك اختلاف
في نوعية الرقابة على دستورية الأنظمة الداخلية بين رقابة سياسية وهي رقابة سابقة
و وقائية تنظر في
القوانين و الأنظمة الداخلية قبل صدورها أو الشروع في تطبيقها أو كما تعرف أيضا
بالرقابة غيرالقضائية .
و قد سلكت بعض
الدول هذه الطريقة مثل المغرب و الجزائر و موريتانيا و تونس ،و البعض الآخر من
الدول اعتمد رقابة قضائية أو بعدية أو لاحقة
و هناك من جمع بين الرقابة
السابقة و اللاحقة كدولة البحرين .
المطلب الأول :
الدول المغاربية ومحاكاة الأنموذج الفرنسي .
سارت بعض الدول
العربية التي من ضمنها الجزائر و موريتانيا وتونس على النهج الذي سارت عليه فرنسا
.
الفرع الأول :
مراقبة الدستورية بدولة الجزائر :
رغم أن فكرة مراقبة
دستورية الأنظمة الداخلية للمجالس البرلمانية
و فكرة إنشاء مجلس دستوري كانت منذ دستور 1963 و تم التراجع عنها خلال
دستور 1976 .إلا أن الإحداث الفعلي لهذا المجلس لم يكن إلا بمقتضى دستور 1989 حيث
نصت المادة 153 منه على أن " يؤسس مجلس دستوري يكلف بالسهر على احترام الدستور
" وطبقا للمادة 155 منه أيضا أسند لأول
مرة اختصاص البث في مطابقة النظام الداخلي للبرلمان للدستور للمجلس
الدستوري وهو أيضا ما تم تكريسه بعد ذلك في دستور 1996 .
إذن فدستور 1996 قد
حافظ على مقتضى فحص مدى دستورية النظام الداخلي للمجالس التشريعية ، فجاءت الفقرة
الثالثة من المادة 115 من الدستور فنصت على أن " يعد المجلس الشعبي الوطني و
مجلس الأمة نظامهما الداخلي ،
و يصادقان عليهما " ونصت المادة 165 في الفقرة الأخيرة منها ووضعت
تقييدا على هذا الحق حيث خولت للمجلس الدستوري اختصاص الفصل في مدى دستوريتهما
فنصت على " يفصل المجلس الدستوري في مطابقة النظام الداخلي لكل من غرفتي
البرلمان للدستور حسب الإجراءات المذكورة في الفقرة السابقة " أي أنه يفصل في
مطابقة النظام الداخلي المذكور للدستور ،بعد أن يصادق عليه المجلس المعني وجوبا
بإحالة من رئيس الجمهورية فهو المكلف وحده
بهذه الإحالة وليس رئيس المجلس الشعبي الوطني أو رئيس مجلس الامة (حسب الحالة )[1] .
كما زادت الأمر
توضيحا المادة 3 من النظام المحدد لقواعد عمل المجلس الدستوري فنصت على أنه "
يفصل المجلس الدستوري في مطابقة النظام الداخلي لكل من غرفتي البرلمان للدستور قبل
الشروع في تطبيقه ، برأي وجوبي "[2]
وطبقا للمادة 167
من الدستور فإن المجلس الدستوري يتداول بشأنه في جلسة مغلقة و يصدر قراره في ظرف
العشرين يوما الموالية لتاريخ الإخطار .
وذهب المجلس
الدستوري الجزائري في قراره رقم 01-89 بتاريخ 28 أغسطس 1989 إل التصريح بأن النظام
الداخلي لأي من المجلسي البرلمان " لا يكتسي صفة النظام الداخلي و لا يمكن
الشروع في تطبيقه إلا من يوم تصريح المجلس الدستوري بمطابقته للدستور "[3]
الفرع الثاني :
مراقبة الدستورية بدولة موريتانيا .
تبنت موريتانيا نفس
النهج أي الرقابة السابقة حيث نصت الفقرة الأولى من المادة 86 من الدستور على أن " تقدم للمجلس
الدستوري القوانين النظامية قبل إصدارها و
النظم الداخلية للغرفتين البرلمانيتين قبل تنفيذها ، و ذلك للبث في مطابقتها
للدستور "[4]
في حين بينت المادة
17 من القانون النظامي للمجلس الدستوري الموريتاني مسطرة الإحالة كما يلي "
وتحال النظم وتعديلات النظم التي لها يتم إقرارها من طرف إحدى الجمعيتين إلى
المجلس الدستوري من طرف رئيس الجمعية "[5]
الفرع الثالث
:مراقبة الدستورية بدولة تونس .
لم يكن النظام
الداخلي لمجلس النواب بتونس معنيا بمراقبة الدستورية إذ كان المجلس يتمتع باستقلال
تام في وضع نظامه الداخلي و ليس للسلطة
التنفيذية أي إشراف على هذا العمل ، ويصير النظام الداخلي نافذ المفعول بمصادقة المجلس عليه أثناء جلسة
عامة بالأغلبية المطلقة من النواب .
غير أن التعديل
الدستوري لسنة 2002 عاد و أضاف إلى مهام المجلس الدستوري النظر في دستورية النظام
الداخلي لكل من مجلس النواب و مجلس المستشارين ، فنصت الفقرة الثالثة من الفصل 74
من الدستور التونسي على أن " يعرض النظام الداخلي لمجلس النواب و النظام
الداخلي لمجلس المستشارين على المجلس الدستوري قبل العمل بهما وذلك للنظر في
مطابقتهما للدستور أو ملامتهما له " .
واستجاب الفصل 61
من النظام الداخلي لمجلس النواب التونسي ، المنقح بتاريخ 20 يوليوز 2004 ،الذي نص
على أن "يصير النظام الداخلي أو الأحكام المنقحة له نافذة بعد إصدار المجلس
الدستوري رأيه بالمطابقة أو الملائمة مع الدستور "
كرس دستور
الجمهورية الثانية التونسي ،الصادر بتاريخ 10 فبراير 2014 هذا الاتجاه وحيث إنه
بعد أن غير تسمية البرلمان ، الذي أصبح يتكون من مجلس واحد ،من "مجلس النواب
" و" مجلس مستشارين " إلى
مجلس واحد هو " مجلس نواب الشعب " ،واتقى بالمجلس الدستوري إلى محكمة
دستورية ، و نص من جهة في الفقرة الثانية من فصله 52 على أن "يضبط مجلس نواب
الشعب نظامه الداخلي و يصادق عليه بالأغلبية المطلقة لأعضائه ".
كما نص الفصل 120
منه على أن المحكمة الدستورية تختص دون سواها بمراقبة دستورية النظام الداخلي
لمجلس نواب الشعب الذي يعرضه عليها رئيس المجلس .
المطلب الثاني :
خصوصية التطبيق اللبناني :
على الرغم من أن
المشرع اللبناني سار في الاتجاه الذي سار فيه دستور فرنسا في اعتماد أسلوب الرقابة
السياسية وتنظيم المجلس الدستوري ،حيث نصت المادة 19 من الدستور اللبناني على أن
" ينشأ مجلس دستوري لمراقبة دستورية القوانين و البث في النزاعات و الطعون
الناشئة عن الانتخابات الرئاسية و النيابية
يعود حق مراجعة هذا
المجلس في ما يتعلق بمراقبة دستورية القوانين إلى كل من :
_ رئيس الجمهورية
_ رئيس مجلس
النواب
_ رئيس مجلس
الوزراء
_ 10 أعضاء من مجلس
النواب
_ أما رؤساء
الطوائف المعترف بها قانونا فتراجع في ما يتعلق حصرا بالأحوال الشخصية وحرية
المعتقد و ممارسة الشعائر الدينية و حرية التعليم الديني ".
و قد اختارت شكل
المراقبة اللاحقة على نشر القانون ، وهو ما نصت عليه المادة 19 من قانون المجلس
الدستوري حيث قررت أن " تقدم المراجعة من قبل المرجع المختص إلى رئاسة المجلس
الدستوري خلال مهلة 15 يوما تلي نشر القانون في الجريدة الرسمية أو في إحدى سائل
النشر الأخرى المعتمدة قانونا تحت طائلة رد المراجعة شكلا " .
أما النظام
الداخلي فإن المشرع الدستوري اللبناني أجاز ولم يوجب على مجلس النواب وضع نظامه
الداخلي حيث نصت المادة 43 من الدستور على أن " للمجلس أن يضع نظامه الداخلي
" كما أنه لم يلزمه بأن يصدر هذا النظام الداخلي بموجب قانون كما هو الشأن
بالنسبة للنظام الداخلي للمجلس الدستوري .
كما أن النظام
الداخلي لمجلس النواب اللبناني يعتبر بموجب المادة 146 منه " نافذا فور
التصديق عليه " .
وقد أدت هذه
الأحكام المتصلة بالنظام الداخلي لمجلس النواب إلى تباين الآراء حول طبيعته
القانونية في لبنان ، بين من يقول أنه ليست له صفة القانون ولا مفاعليته ورأي آخر يقول أنه بمثابة قانون
له مفاعيل القانون العادي ، و هو الذي تبنته وزارة العدل على اعتبار أن النظام
الداخلي تمت صياغته وفق المسطرة المتبعة لصياغة القوانين .
و إذا اعتبرنا أن
للنظام الداخلي لمجلس النواب قوة القانون ،و تبعا لتعديل المادة الأولى من قانون
إنشاء المجلس الدستوري و التي حددت مهمة المجلس في " مراقبة دستورية القوانين
و سائر النصوص التي لها قوة القانون " .
فإنه تم حسم
إمكانية خضوع النظام الداخلي لمجلس النواب لمطابقة الدستور وفق الأصول نفسها التي
تتبع في الطعن بعدم دستورية القوانين .
المطلب الثالث : الجمع بين الرقابة السابقة و اللاحقة في التطبيق البحريني
.
نص المشرع
الدستوري البحريني في المادة 94 من الدستور البحريني عل أن القانون هو الذي يبين
نظام سير العمل في كل من مجلسي الشورى ومجلس النواب ولجانهما وأصول المناقشة و
التصويت والسؤال والاستجواب وسائر الصلاحيات المنصوص عليها في الدستور ،و كذلك
الجزاءات التي تترتب على مخالفة العضو للنظام أو تخلفه عن جلسات المجلس أو اللجان بدون عذر مقبول ،ولكل من المجلسين أن
يضيف إلى القانون المنظم له ما يراه من أحكام تكميلية .
وقد أشار قانون
مجلس الشورى ومجلس النواب في المادة 43 منه إلى أن اللائحة الداخلية لكل من المجلسين
تتولى بيان كيفية إعداد مشروع موازنة
المجلس السنوية وبحثه وإقراره ، وطريقة إعداد حسابات المجلس وتنظيمها وكيفية إعداد
الحساب الختامي السنوي واعتماده ، وفي المادة 44
منه نص على أن يضع كل من المجلسين لائحة تنظم شؤون العاملين به وهي بمثابة نظام داخلي للمجلسين ، وقد صدر
لائحة كل من المجلسين سنة 2002 عن طريق مرسوم .
وإذا كان قد نص
المشرع الدستوري في المادة 106 من الدستور على أن تنشأ محكمة دستورية تختص بمراقبة
دستورية القوانين و اللوائح و أن قانون هذه المحكمة يكفل حق كل من الحكومة ومجلس
الشورى و مجلس النواب و ذوي الشأن من الأفراد و غيرهم الطعن لدى المحكمة في
دستورية القوانين و اللوائح .
وإن كانت المادة
18 من قانون إنشاء المحكمة الدستورية نصت على أن المنازعات الخاصة بالرقابة على
دستورية القوانين و اللوائح ترفع إما بطلب من رئيس مجلس الوزراء أو رئيس مجلس
الشورى أو رئيس مجلس النواب .
وإما إذا تراءى
لإحدى المحاكم أثناء نظر إحدى الدعاوى عدم دستورية نص في قانون أو لائحة لازم
للفصل في النزاع .
و إما إذا دفع
أحد الخصوم أثناء نظر دعوى أمام إحدى المحاكم بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة ،
و رأت هذه المحكمة أن الدفع جدي .
فإنه يتبين أن
المشرع الدستوري البحريني يتبنى نظام الرقابة الدستورية اللاحقة .
إلا أن المشرع
الدستوري البحريني و لتفادي القصور الذي يشوب هذا النوع من الرقابة لأن الطعن بعدم
الدستورية قانون لا يمنع من تطبيقه إلى غاية إصدار المحكمة الدستورية قرار بعدم
دستورية ذلك القانون أو تلك اللائحة مما
يؤدي إلى أن يستمر القانون المخالف
للدستور في التطبيق .
ولتفادي ذلك قرر
المشرع الدستوري البحريني أن يخول للملك بموجب الفقرة الأخيرة من المادة 106 من
الدستور ،أن يحيل إلى المحكمة الدستورية ما يراه من مشروعات القوانين التي يوافق
عليها مجلسا الشورى و النواب قبل أن يصدرها لتقرر مدى مطابقتها للدستور .الأمر الذي يتيح إمكانية ممارسة
الرقابة الدستورية السابقة على صدور القوانين .
وتأسيسا على ما
سبق يتبين أن المشرع الدستوري البحريني يعتبر اللائحة الداخلية لكل من مجلس الشورى
ومجلس النواب قانونا يخضع لجميع الأصول و الإجراءات التي تخضع لها سائر القوانين .
ويستنتج مما سبق
أن على مستوى مراقبة الدستورية الأصل أنها تخضع للرقابة الدستورية اللاحقة لكن
يمكن للملك أن يخضعها للرقابة السابقة أي قبل إصدارها .
المطلب الرابع : منطق التوفيق في التطبيق الكويتي .
اختار المشرع الدستوري الكويتي أسلوب
الرقابة القضائية اللاحقة للبث في جميع المنازعات المتعلقة بدستورية القوانين و
اللوائح . ونصت المادة 173 من الدستور على أن " يعين القانون الجهة التي تختص
بالفصل في المنازعات المتعلقة بدستورية القوانين واللوائح ، و يبين صلاحياتها والإجراءات التي تتبعها ويكفل
القانون حق كل من الحكومة و ذوي الشأن في الطعن لدى تلك الجهة في دستورية القوانين واللوائح و في حالة تقرير الجهة المذكورة
عدم دستورية قانون أو لائحة يعتبر كأن لم يكن
.
تم إنشاء المحكمة الدستورية بقانون ونصت
المادة الأولى من هذا القانون على أن " تنشأ محكمة دستورية تختص دون غيرها
بتفسير النصوص الدستورية و الفصل في
المنازعات المتعلقة بدستورية القوانين و المراسيم بقوانين و اللوائح و في الطعون
الخاصة بانتخاب أعضاء مجلس الأمة أو بصحة عضويتهم ويكون حكم المحكمة الدستورية
ملزما للكافة و لسائر المحاكم .
واعتبارا على أن اللائحة الداخلية لمجلس
الأمة الكويتي تصدر في شكل قانون لا يعمل به إلا بعد صدوره ونشره في الجريدة
الرسمية طبقا للمادة 183 من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة .حيث أن هذه اللائحة
الداخلية لمجلس الأمة بعد الموافقة عليها من لدن مجلس الأمة تخضع لمسطرة التصديق و
الإصدار .
إلا أن المشرع الدستوري الكويتي تميز من
خلال نص المادة 117 من الدستور على أن " يضع مجلس الأمة لائحته الداخلية
متضمنة نظام سير العمل في المجلس ولجانه و
أصول المناقشة و التصويت و السؤال و الاستجواب وسائر الصلاحيات المنصوص عليها في
الدستور ، وتبين اللائحة الداخلية الجزاءات التي تقرر على مخالفة العضو للنظام أو
تخلفه عن جلسات المجلس أو اللجان بدون عذر مشروع " .
فعلى الرغم من أن المشرع الكويتي تبنى أسلوب
الرقابة اللاحقة ألا أنه وظف بعض تقنيات العقلنة البرلمانية حيث نص الدستور على
أنه يجب على المجلس أن يضع لائحته الداخلية داخلية تنظم شؤونه كما أنه عمل على
تحديد المجال الخاص و الحدود التي تشرع
فيها اللائحة الداخلية لمجلس الأمة ، لكنه
اعتبر اللائحة الداخلية لمجلس الأمة قانونا بعد إقراره يخضع لمسطرة التصديق و
الإصدار و النشر في الجريدة الرسمية .
وبما أن اللائحة الداخلية تعتبر بمثابة
قانون فقد ضمن المشرع الكويتي لكل من الحكومة وذوي الشأن في الطعن لدى الجهة
المختصة التي هي المحكمة الدستورية .
المشرع الدستوري الكويتي بخصوص اللائحة
الداخلية لمجلس الأمة حاول أن يوفق بين منطق الضبط المسبق ومنطق الرقابة اللاحقة .
المطلب الخامس :
الرقابة الذاتية في التطبيق المصري .
بالنسبة للائحة الداخلية لكل من مجلسي
الشعب و الشورى ،لم ينص الدستور المصري في المادة 99 منه إلا على أن " يضع كل مجلس لائحته الداخلية لتنظيم العمل فيه و
كيفية ممارسة اختصاصاته ،و تنشر في الجريدة الرسمية ".
كما أنه لم يشر إلى مسألة إخضاعهما
للرقابة الدستورية ،لا السابقة منها و لا اللاحقة ويشرع العمل بهما مباشرة بعد
إقرارها من لدن المجلس المعني ،وإضافة إلى ذلك ليس هناك ما يدل على إمكانية
إخضاعها للرقابة القضائية اللاحقة على إقرارها وما يؤكد ذلك المادة 119 من اللائحة
الداخلية لمجلس الشعب على أنه " يعمل بأحكام هذه اللائحة إعتبارا من تاريخ
موافقة المجلس عليها ...."
لكن في ظل هذا الفراغ وضع البرلمان المصري في لائحته الداخلية مجموعة
من المقتضيات التي تؤول عند تطبيقها إلى ما يمكن أن نسميه بالرقابة الدستورية
الذاتية على مواد اللائحة الداخلية للمجلس و هذه المقتضيات هي :
ü
الإلتزام العام من أعضاء المجلس باحترام الدستور
(المادة 3 من اللائحة الداخلية لكل من المجلسين )
ü
الاحتكام إلى رأي الأغلبية في حالة الاختلاف .
المطلب السادس :
الاستثناء في التطبيق السوري .
بالنسبة لسوريا
تبنى المشرع الدستوري أسلوب مراقبة دستورية القوانين السابقة وأوكلها للمحكمة
الدستورية العليا في المادة 145 من الدستور.
على الرغم من أن " للنظام الداخلي قوة القانون
" فإنه لا يخضع لعملية الإصدار التي هي من اختصاص رئيس الجمهورية وذلك وفق
المادة 98 من الدستور ،بالإضافة إلى أن النظام الداخلي لمجلس الشعب يحمل توقيع
رئيس هذا المجلس وليس رئيس الجمهورية .
جاءت المادة 65 من
الدستور و التي نصت على أن " يضع مجلس الشعب نظامه الداخلي لتنظيم أسلوب
العمل فيه وكيفية ممارسة مهامه " و
التي يتبين من خلالها أن المشرع الدستوري أراد الضبط المسبق و الاستفادة من مميزات العقلنة البرلمانية،إلا
أن المشرع الدستوري لم يدلي ما يفيد أن
هذا النظام الداخلي مشمول بالمراقبة الدستورية التي تشمل القوانين و ما زاد
الأمر توضيحا المادة 204 من النظام الداخلي التي نصت على أنه يعمل به فور إقراره .و
لعل أن تلك السيادة المطلقة والتامة التي متع بها المشرع الدستوري مجلس الشعب في
وضع نظامه الداخلي نابعة من شرط المصادقة
عليه بالأكثرية المطلقة .
ملاحظة : للتفصيل في هذا الموضوع أدعوكم إلى قراءة كتاب الدكتور رشيد المدور تحت عنوان "إشكالية النظام الداخلي للبرلمان في ضوء الدستور "
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق