الثلاثاء، 16 أبريل 2019

الرقابة القضائية آلية لحماية المال العام



 الرقابة القضائية آلية  لحماية المال العام

مقدمـــة:

يبرز دور القضاء بشكل كبير في حماية المال العام بوصفه سلطة مستقلة عن السلطة التنفيذية و هنا يمكن التمييز بين نوعين, القضاء الزجري و القضاء الإداري, فبعد رصد الإختلالات و التجاوزات يبقى القضاء هو السلطة الأكثر نجاعة في حماية المالية العمومية مما قد يطالها من تبديد أو اختلاس أو سوء تدبير, و من هنا تبرز إشكالية نجاعة القضاء في التصدي للنزيف المستمر الذي لا زال المال العام يحاول الخروج منه. فحماية القضاء للمال العام آلية تعزز مبدأ فسل السلط الذي نص عليه دستور فاتح يوليوز 2011 و تسمح ببث روح جديدة في جسم الإستثمار و الإقلاع الإقتصادي الذي يتم تمويل أرضياته من المالية العمومية فماهي آليات حماية القضاء للمال العام و ماهي مجالات اختصاص كل من القضاء الزجري و القضاء الإداري بعد رصد الإختلالات. السؤال الذي سوف نجيب عليه في الموضوع الذي اخترنا له التصميم التالي:

المبحث الأول: حماية المال العام من خلال القضاء الزجري
المطلب الأول : العلاقة بين القضاء المالي و الزجري
المطلب الثاني : المخالفات الجنائية والإجراءات المتخدة
المبحث الثاني: حماية المالية العمومية من قبل القضاء الإداري
المطلب الأول : آليات حماية القضاء الإداري للمال العام
المطلب الثاني :  إكراهات حماية المال العام من قبل القضاء الإداري


المبحث الأول: حماية المال العام من خلال القضاء الزجري
 يندرج سوء استخدام الأموال العامة أو تحويلها من اجل مصلحة خاصة او تبادلها في مقابل خدمة معينة أو تأثير معين ضمن ما يسمى بالفساد المالي (1)، و من المتفق عليه أن  امتلاك سلطة ،ومن ضنها سلطة تدبير المال العام ، لا يمكن أن تأخذ مجراها السليم دون إقرار رقابة فعالة و صارمة (2).
و مما تتميز به منظومة الرقابة القضائية للمغرب على المال العمومي هو تعدد الجهات القضائية المختصة ، بدءا بالقضاء المالي الذي يجسده المحاكم المالية، ثم القضاء الجنائي الذي أصبح من اختصاص المحاكم الزجرية إلى القضاء الإداري الذي يندرج ضمن اختصاص المحاكم الإدارية  و المتعلق أساسا بالمنازعات الضريبية و منازعات تحصيل الديون العمومية والصفقات العمومية ...
  إلا أن هذا التعدد لا ينفي بالبثة وجود تعاون جزئي بينها ، كما هو الشأن بالنسبة للعلاقة التي تربط المحاكم المالية والقضاء الزجري كما سنأتي على بيانه.

 المطلب الأول : العلاقة بين القضاء المالي و الزجري :
إن من بين أهم المستجدات التي واكبت تعزيز مكانة المحاكم المالية في التعديل الدستوري الأخير، هو فتح جسر التعاون و التواصل بين هده المحاكم و القضاء عبر التنصيص في الفقرة الثالثة من الفصل 8 على تقديم المجلس الأعلى للحسابات المساعدة للهيئات القضائية.
و رغم التكريس الدستوري لهذه العلاقة، و في غير واضحة المعالم، إلا أن الأمر لا يعنى الوجود المسبق لها، خصوصا من المحاكم المالية و القضاء الزجري، و يتجلى ذلك في العديد من المعطيات المخصصة في مدونة المحاكم المالية(3)، فما هي معالم هذه العلاقة ؟
 

((1)الرملاوي محمد سعيد،أحكام الفساد المالي و الإداري في الفقه الجنائي الإسلامي بدار الفكر الجامعي ، الإسكندرية، مصر، الطبعة الاولى  2012
(2)الاستاذ محمد الخمليشي باحت في المحاكم المالية ، مقال بعنوان ، إشكالية حماية المال العام على ضوء العلاقة بين المحاكم المالية و القضاء الزجري .
(3) الأستاذ محمد الخمليشي ، نفس المرجع .
الفقرة الأولى: اكتشاف مخالفات ذات طابع جنائي
إن مناط اكتشاف أفعال ذات طابع جنائي حسب مدلول المحاكم المالية يرجع إلى هذه الأخيرة باعتبارها الجهة المحيلة على القضاء الزجري و يرتبط هذا الاكتشاف بالنظر في الاختصاصات المسندة إليها .
أولا: اكتشاف أفعال ذات طابع جنائي في إطار الاختصاصات القضائية :
إن اختصاص القاضي المالي و تدخله في هذا الباب لا يرتبط بطبيعة المال فقط ، إنما يوجد محاسب عمومي و مراقب و أمر بالصرف و بكون الرقابة شاملة لكافة العمليات المالية ، و يلاحظ أن صيغة المخالفات لا يكن أن تعتبر مطلقة لأن التحديد التشريعي ـ خصوصا في مدونة المحاكم المالية ـ يرسم الحدود بين اختصاص هذه المحاكم و القضاء الزجري
هذا و تعتبر المادة 111 قانون 99-62 المتعلق بمدونة المحاكم المالية ألأساس القانوني لهذا الفصل ، و التي تشير مالي أن المتابعات أمام المجلس الأعلى للحسابات لا تحول دون ممارسة الدعوى التأديبية و الدعوى الجنائية ، و الأصل في هذا الفصل لا ينفي وجود تعاون تكرسه نفس المادة مؤد لا في حالات اكتشاف  المجلس الأعلى للحسابات أفعال ذات طابع جنائي يقوم بإحالة الأفعال على القضاء الزجري
و  بهذا المعنى تعتبر المادة111 بمثابة الشريعة العامة و الخيط الناظم لعلاقة المحاكم المالية بالقضاء الزجري، فما هي المجالات التي يمكن أن تكتشف فيها المحاكم المالية أفعال قد تستوجب العقوبة جنائية ؟
كما هو معلوم يتم التمييز في إطار اختصاصات المحاكم المالية القضائية بين اختصاصين، اختصاص النظر في الحسابات واختصاص التأديب المالي . وهذا يقودنا إلى افتراض وجود هذه بمناسبة النظر في الاختصاصين معا ، لكنه وبتفحص بعض مواد المدونة ،يمكن أن نبدي ملاحظة تتعلق بكون المشرع تعامل مع نوع من التمييز فيما يخص اكتشاف أفعال ذات طابع جنائي بين اختصاص النظر في الحسابات واختصاص التأديب المالي ،هذا الطرح تعكسه المادة 37 والمادة 66 من المدونة . 
 وحسب مقتضيات الأولى ،فإن الإشارة جاءت بذكر اكتشاف  عقوبات " تأديبية " فقط دون اكتشاف أفعال ذات طابع جنائي والتي تعتبر أساسا لتطبيق المادة  لدى ، إنما أقامت نوعا  من الفصل بين دعوى التسيير بحكم الواقع التي تكتشف بمناسبة النظر في الحسابات ، والدعوى الجنائية التي يكن أن تكون قد  أقيمت أمام المحاكم الزجرية  وفي مساطر أخرى غير الإحالة من طرف المحاكم المالية ، حيث تصير دعوى مستقلة رغم علاقة تأثير وثأثر بينهما ، حتى ولو كانت الدعوى الجنائية أمام القضاء الزجري سابقة على دعوى التسيير بحكم الواقع المحاكم المالية (4) .
 والغريب في الأمر أن البث في الحسابات يعتبر من النظام العام . بل وحتى  اكتشاف التسيير بحكم القانون  حسب وصف المادة 41 من المدونة ينطوي على عقوبات ذات طابع جنائي ، وبالتالي  يمكن للمحاكم المالية أن تتصدى تلقائيا لتسير بحكم الواقع بالإحالة من الوكيل العام للملك لدى المجلس الأعلى للحسابات أو المجالس الجهوية حسب الحالة –من
تلقاء نفسه وبالتالي يمكن أن يظهر أفعال ذات طابع جنائي ، فهل يمكن أن تطبق المادة 111  كشريعة عامة للإحالة ،أم الاقتصار على التمييز الذي كرسته المادة 37 ؟ ونعتقد بأن المشرع قد تجاوز هذا الفراغ القانوني  وعدم إقامة  الفصل بين الدعوى الجنائية والدعوى التأديبية فقط .
وعلى العكس من ذالك ،لا نجد هذا التمييز في اختصاص التأديب المالي حيث  تنص المادة 66 من مدونة المحاكم المالية على ، على أنه إذا اكتشف المجلس أفعالا تستوجب إجراءا تأديبيا أو جنائيا تطبق المادة 111 ، حيث أن الإحالة شملت و المتابعة الدعوى الجنائية  معا عكس المادة 37. (5)









-  (4) محمد براو، الوسيط في شرح مدونة المحاكم المالية ، دار السلام ،للطباعة والنشر ، الرباط ، الطبعة الأولى ، ص 29
 (5) محمد الخمليشي، مرجع السابق
 
ثانيا : اكتشاف أفعال ذات طابع جنائي في إطار الاختصاص الإداري
تتولى المحاكم المالية ممارسة صلاحيات إدارية تتعلق بمراقبة التسيير واستخدام الأموال العمومية والأموال التي يتم جمعها عن طريق التماس الإحسان  العمومي  ،وتعتبر رقابة التسيير الأبرز باعتبارها مسلسلا من الوسائل والمساطر والتي بواسطتها يتأكد المسؤولون من أن المالية العامة استعملت بفعالية  ونجاعة وملائمة طبقا لأهداف وتشمل هذه المراقبة جميع أوجه التسيير
وبناءا على ذالك تخضع رقابة التسيير ومراقبة استخدام الأموال العمومية ومراقبة استخدام الأموال التي جمعها عن طريق الالتماس لنفس الإجراءات  لنفس إجراءات المراقبة بتبليغ الملاحظات وتحرير التقارير الخاصة (7)، والأكيد أنه بمناسبة هذه الرقابة قد تكتشف المحاكم المالية أفعالا قد تستوجب عقوبات جنائية ، وقد تعامل معها المشرع بنفس ما استوجبته المعاملة المرتبطة بالأعمال التي قد يقتضي ارتكابها عقوبة جنائية أو تأديبية والمنصوص عليها في الفقرة الأخيرة من المادة 84 والموجبة لتطبيق مقتضيات المادة 111 
وقد صادق المشرع الصواب حينما عمم هذه المقتضيات على استخدام الأموال العمومية وأموال التماس الإحسان العمومي ،إضافة إلى ما هو منصوص عليه في المادة 151 من مدونة المحاكم المالية .








 

                    (6) المواد من 80 إلى 85 والمادة 88 و 91 من مدونة المحاكم المالية


الفقرة الثانية : الإحالة على القضاء الزجري
سنحاول من خلال هذه الفقرة إبراز خصائص القضايا المحالة على القضاء الزجري وكذا الإجراءات المسطرية المتطلبة .

أولا : خصائص القضايا المحالة :
 انطلاقا مما جاء مدونة المحاكم المالية ،يظهر بأن الإحالة على القضاء  الزجري (الجنائي) لا تكون بالضرورة ذات طابع موضوعي محض، بل يمكن  أن تكون الإحالة بناءا على اختلالات جنائية عارضة، وهذه الحالة عبر عنها المشرع في المدونة بالحالة التي من خلالها يتم عرقلة المجلس الأعلى للحسابات (7) ،وهي ذات طابع شمولي، حيث أن إمكانية العرقلة التي تستوجب تطبيق الإحالة على القضاء الزجري بناء على  المادة 111   تشمل جميع الاختصاصات الموكولة للمجلس الأعلى للحسابات وقضائه .
ومن جهة أخرى ثانية الإحالة في حالة اكتشاف أفعال قد تستوجب عقوبات جنائية على نحو ما ذكرناه سابقا وهذه الأخيرة طبعا هي التي تشكل جوهر العلاقة بين القاضي المالي و القاضي الزجري وتتسم بطابع موضوعي، بحيث تنصرف إلى جوهر الإخلال بالمال العمومي لاستجلاء ما إذا كان الأمر يتعلق بدعوى ذات طابع جنائي أم مجرد قضايا بسيطة يرجع فيها الاختصاص إلى المحاكم المالية، والأمر لا يبدو بالنسبة  للفصل بين دعوتين بتلك البساطة، فحتى المشرع في مدونة المحاكم المالية أشار إلى مقتضيات تبري على نوع من التشابه بين المتتابعة التأديبية المالية التي هي من اختصاص المحاكم المالية، وبين المتتابعة الجنائية التي هي من اختصاص القضاء العدلي، حيث نجد تقاطعات بين بعض
فصول القانون الجنائي و ما ورد في مقتضيات المادة 54 و 56 (8)، من مدونة  المحاكم المالية ومن بين بعض النماذج التي تؤكد هذا التشابه.

 
 (7) المادة 140 من المدونة هذا المقتضى تقابله المادة 159 من نغس القانون بالنسية نئمجانس الجهوية.
(8) انظر الفصول من 243 وما بعدها من مجموعة القانون الجنائي كما تم تتميمه حسب ظهير شريف رقم 1.59.413 الصادر في 62/11/26 بعمصادقة على مجموعة القانون الجنائي - الجريدة الرسمية، عدد 2640 مكرر بتاريخ 12 محرم 5 يونيو 63 ص 1253.

-       تحويل المال العام لفائدة شخصية أو لفائدة للغير.
-       إصدار مستندات مزورة أو الإشهاد بصحتها.
-       الأمر باستخلاص أموال غير مشروعة أو تجاوز ما هو مشروع.
وهذا ما قد  ينعكس بشكل سلبي على تكييف الطبيعة القانونية خصوصا مع وجود طابع جنائي غير بين في القضايا المثارة، فحتى المشرع وقع في آزمة توصيف لطبيعة المخالفات المذكورة في المادة 54 و 55 من المدونة (9)، لذلك لا بد من تجاوز هذا الخلل التشريعي في إطار تمييز واضح وإيجابي يسمح بوضع تشريع يحدد أسسا معقولة و منطقية، حتى  تكون الإحالة على القضاء الجنائي مناسبة وفعالة تخدم الهدف من إنشاء القضائيين وتوزيع الاختصاصات بينهما  على نحو بناء (10)
ثانيا : مسطرة الإحالة
تفييد مقضيات مدونة المحاكم المالية  إلى وجود  فاعليين أساسيين في الإحالة ، يتعلق الأمر بكل من الوكيل العام للملك لدى المجلس الأعلى للحسابات كمحيل على للقضايا ذات طابع الجنائي ، و زير العدل كجهة متلقية للإحالة على أساس إحالتها على الجهة المعنية ، وقد تم نقل هذا الاختصاص إلى   وكيل الملك العام للملك لدى محكمة النقض  - باعتباره رئيسا للنيابة العامة بحسب ما نصت عليه المادة  2 من القانون17-33 (11)
وتكون الإحالة من طرف الوكيل العام للملك لدى المجلس إما تلقائيا من طرفه أو بإيعاز من الرئيس الأول للمجلس ( المادة 111 من مدونة المحاكم المالية )


 

(9) تنص المادة 54 في احدى المخالفات التي تستوجب التأديب التالي اخفاء المستندات او الادلاء بأوراق مزورة او غير صحيحة، و كذلك تنص المادة 56 على أنه يخضع للعشات المنصوص عليها في ها الفصل كل محاسب او موظف اذا اخفوا المستندات او ادلوا بوثائق منورة أو غير صحيحة
(10) محمد الخمليشي ، مرجع سابق


المطلب الثاني : المخالفات الجنائية والإجراءات المتخدة:
إن الجهد الذي يبدله المجلس الأعلى للحسابات والمجالس الجهوية  بصفتهم القضائية لرصد الاختلالات التي تشوب عملية تنفيد المال العام عبر التدقيق في الحسابات والتأديب المتعلق بالميزانية  والشؤون المالية ، من المجحف أن يذهب هباءا منثورا نتيجة  تضبيب مآلات تقاريره ،خاصة منها التي تحتوي مخالفات ذات صبغة جانئية ،الأمر الذي يثير معه الاستهجان حول صدق وإرادة الدولة في مكافحة الفساد المالي الذي ينخر جسدها ،كا يسنزف الطاقة الرقابية لهذه الهيئات التي من شأنها عدم اتخاد إجراءات صارمة في حق من ثبث تورطه أو قيامه بالعبث بالمال العام ، أن يفقدها أهميتها وكذا هيبتها .  
وإطلاعا على مآلات تقارير هذه الهيئة خصصنا هذا المطلب لجرد عدد ملفات الفساد المحالة على وزير العدل خلال مزاولته لمهمة الإشراف على النيابة العامة والتدابير المتخدة حيالها .

الفقرة الأولى :  نظرة حول بعض ملفات الفساد المالي  المحالة على القضاء الزجري والاختلالات الواردة
بلغ عدد ملفات الفساد المالي المحالة على وزير العدل مند سنة 2001  إلى حدود 2015 بمقتضى المادة 111 من القانون 99-62 ، 54 ملفا موزعة على عشرة تقارير سنوية كما سنأتي لتوضيحه  عبر الجدول أدناه :







عدد الملفات المتوصل بها في وزارة العدل من طرف المجلس الأعلى للحسابات


عدد الملفات

ملفات الفساد المالي المتوصل بها في التقارير السنوية  ل :
2
سنة 2001

1

سنة 2005

9

سنة 2007
5
سنة 2008
10
سنة 2010

11

سنة 2011

5

سنة 2012

1

سنة 2013

2

سنة 2014

8

سنة 2015

54

مجموع الملفات المتوصل بها


إضافة إلى هذه الملفات  الملفات المتوصل بها من طرف المجلس الأعلى فقد توصلت الوزارة  إلى حدود سنة 2014 بما مجموعه 32 ملفا للفساد المالي موزعا كالتالي :
9- ملفات تندرج في إطار الدراسة التي انجزتها لجنة على ضوء تقرير المجلس الأعلى للحسابات سنة 2010
-ملف من وزارة الاتصال
-ملف واحد من الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ، فرع بن بنسليمان يستند على تقرير المجلس الأعلى للحسابات سنة 2011 
21- ملف في إطار الدراسة التي قامت بها لجنة على ضوء تقرير المجلس الأعلى للحسابات سنة 2012 (11)
 إنه باستقراءنا تقارير المجلس الأعلى للحسابات، خاصة منها التي ترتبط بالمهام الرقابية يجعل القارئ عاجزا عن استنباط نوع المخالفات التي كانت سببا في تصييف اختلال ما ضمن خانة الأفعال المتصفة بالجرم و الموجبة للعقوبة الجنائية، خاصة أن القضايا التي يتم الإشارة إلى إحالتها على وزير العدل في صلب التقرير مسكوت عن نوعها، والاختلالات الواردة فيها والأطراف المنسوبة إليهم، كماهو الحال بالنسبة لتقرير المجلس برسم سنة 2015 حيث جاء في مستهله:
"أنجز المجلس الأعلى للحسابات خلال سنة 2015 ثمانية وعشرون مهمة رقابية، من بين الممارسات المبرمجة برسم هذه السنة، في إطار مراقبة تسيير الأجهزة العمومية وتقييم البرامج العمومية، كما تم إصدار 199 قرارا قضائيا فيما يتعلق بمادة التدقيق والبث في الحسابات، و25 قرارا فيما يخص التأديب المتعلق بالميزانية و الشؤون المالية. كما قام المجلس بإحالة ثماني قضايا تتعلق بأفعال قد تستوجب عقوبة جنائية على السيد وزير العدل."
لتبقى مهمة النظر في الاختلالات الواردة في تقارير المجلس الأعلى للحسابات ودراستها لمعرفة مدى توفرها على مكونات الفعل الجرمى من اختصاص خلية مركزية مكونة من قضاة متخصصين في جرائم الأموال تم خلقها على مستوى وزارة العدل و الحربات سنة 2012 لهذا الغرض.




 

حصيلة منجزات وزارة العدل و الحريات خلال سنة 2014 (11)، الموقع الرسمي لوزارة العدل و الحريات



الفقرة الثانية : التدابير المتخدة في الملفات المحالة على النيابة العامة ووضعيته

إن إحالة الملفات من طرف المجلس الأعلى للحسابات على وزير العدل سابقا أو على الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض حاليا لا تعني بالضرورة متابعتهم جنائيا بالأفعال المنسوبة إليهم، ذلك أن القانون لا يلزم وزير العدل ولا حتى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض إحالة مثل هذه الملفات على الوكلاء العامين قصد مباشرة المسطرة في حق الأشخاص الذين ثبت تورطهم في خروقات مالية تشكل أفعالا إجرامية، وهذا ما يستشف من منطوق الفقرة الثالثة من المادة 111 من القانون 99.62 التي جاء فيها:
"... و إذا كان الأمر يتعلق بأفعال يظهر أنها قد تستوجب عقوبة جنائية، رفع الوكيل العام للملك الأمر من تلقاء نفسه أو بإيعاز من الرئيس الأول إلى وزير العدل قصد اتخاذ ما يراه ملائما... "، و نفس المقتضى نجده في مشروع قانون 16.55 المتعلق بتغيير و تتميم قانون 99.62 الذي نص على الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض عوض وزير العدل. ليتم الإبقاء على السلطة التقديرية لرئيس النيابة العامة في مسألة تحريك الدعوى من عدمها، وسنحاول من خلال هذا المطلب الوقوف على الملفات التي تمت فيها تحريك الدعوى الجنائية، عددها و وضعيتها.      
إن مجموع عدد الملفات التي توصلت بها وزارة العدل و الحريات حسب تقرير حول منجزات الوزارة لسنة 2015 سواء من طرف المجلس الأعلى للحسابات أو اللجنة المختصة بدراسة تقارير المجلس أو هيئات أخرى هو 83 ملفا تمت إحالتها بالكامل على النيابة العامة، نفصلها على الشكل التالي:







الملفات المتوصل بها
الملفات المحالة على النيابة العامة

السنوات
العدد
المحاكم
2001
2
محاكم الاستئناف' الرباط
2005
1
محاكم الاستئناف' الرباط
2007
9
محاكم الاستئناف' الدارالبيضاء ، خريبكة، آسفى، طنجة، وجدة، المحكمة الابتدائية بتمارة
2008
5
محاكم الاستئناف' الدار البيضاء، اسفى، الحدبدة، وجدة
2010
10
محاكم الاستئناف' الرباط، الدارالبيضاء ، مراكش، قنطرة،
الجديدة، سطات
2011

11
محاكم الاستئناف' الدار البيضاء، تازة، سطات، وجدة، مراكش،

2012
2013
15
1
محاكم الاستئناف' الرباط، الدارالبيضاء ، فاس محكمة الاستثناف بالرباط
2014
24
محاكم الاستئناف' الدار اكضاء، فاس
2015
5
محاكم الاستئناف' الدار البيضاء، مراكش
مجموع الملفات المتوصل بها  83
مجموع الملفات المحالة على النيابة العامة
83



لا بد للملفات المحالة من استنفاذ الإجراءات المسطرية حتى يتم معاقبة الأضناء في حال ثبتت التهمة الجنائية في حقهم و ذلك أيضا مرتبط بالإرادة الفعلية للجهات النافذة في تحقيق الإصلاح القضائي المنشود عبر ردع كل من سولت له نفسه العيث في المال العام فسادا. ومن خلال الجدول أدناه سنبرز وضعية الملفات 83 المحالة على النيابة العامة:


                                               

الوضعية

الملفات
الحفظ
2
حكم نهائي
10
قيد المحاكمات
16
التحقيق
11
البحث التمهيدي
44


بما مجموعه 83 ملفا (12)
والملاحظ من خلال هذا الجدول المبرز لوضعية لوضعية الملفات المحالة على النيابة العامة خلال الفترة الممتدة من سنة 2001 إلى 2015 هو أنه رغم ما يقارب يقارب 16 من التقارير التي ترصد الاختلالات المالية في عدة مجالات وضآلة الملفات المحالة لم يعرف منها الطريق إلى الحكم النهائي إلا 10 ملفات ،يبقى أبرز ملفات الفساد التي آثار ردودا صاخبة  ملف القرض السياحي والعقاري حيث
في سنة 2007 تفجرت قضية اختلاس أموال باهظة من البنك عبر تحصل أطراف منه على قروض كبيرة دون تقديم ضمانات، وكانت أسماء وشخصيات نافذة متورطة في هذا الملف، تم التضحية ببعض الأكباش فداء للحيتان الكبيرة التي تقف وراء تلك الاختلاسات، والتي لا يراد لها أن تظهر في الواجهة فبالأحرى أن تحاكم.
 وتمت متابعة الرئيس مولاي الزين الزهيدي المتهم في هذه القضية بـ20 سنة سجنا نافذا، و13 شخصا بمدد سجنية متفاوتة، تراوحت بين 5 سنوات سجنا نافذة وسنة واحدة مع إيقاف التنفيذ (13).
لكن 15 مليار درهم التي تم نهبها لم يتم استرجاعها حتى اليوم، ما يعني أن هناك أسماء لها وزنها استفادت من تلك القروض الضخمة، ولكنها ليست قابلة للمساءلة والمحاكمة
 لذا فقد ا نتهت فصول المحاكمة دون أن تحقق أي شيء، إذ أن الأحكام كانت موقوفة التنفيذ، والمتهم الرئيسي مولاي الزين الزهيدي فر خارج البلد واستقر بالديار الفرنسية، دون أن يعمد المغرب إلى إصدار مذكرة إيقاف دولية في حقه مثلما تفعل كل بلدان العالم حينما يهرب مجرموها إلى الخارج(14).



 

 (12)المصدر: تقرير منجزات وزارة العدل والحريات لسنة 2015 من موقع: (https://www.marocdroit.com) تم الإطلاع عليه في 25 أبريل 2018 على الساعة 13:23
(13) خالد بن الشريف ،مقال بعنوان " أبرز 6 قضايا فساد هزت المغرب والجزائر " متوفر على الموقع التالي :
تم الإطلاع عليه في 25 أبريل 2018 على الساعة 13:56

(14) خالد بن الشريف ، نفس المرجع

المبحث الثاني: حماية المالية العمومية من قبل القضاء الإداري
المطلب الأول : آليات حماية القضاء الإداري للمال العام
عمل القضاء الإداري المغربي على إعطاء عناية خاصة للمال العام من خلال تشديده على ضرورة التقيد بالإطار القانوني للعقود الإدارية التي تندرج في إطار الصفقات العمومية من خلال المرسوم المؤطر للصفقات العمومية كما استند خلال بته في بعض المنازعات المرتبطة بالمال العام على علة المصلحة العامة كآلية لإضفاء حماية خاصة على هذا الأخير.
الفقرة الأولى: فرض التقيد بالنظام القانوني للصفقات العمومية
تشكل الصفقات العمومية اللبنة الأساسية لتلبية حاجات الإدارة، وبالنظر لأهمية موضوعها المتمثل في إنجاز أوراش كبرى أو تقديم خدمات وإنجاز توريدات، فإن إطارها القانوني يخضع لبعض المبادئ الرامية إلى ترسيخ الشفافية والحفاظ على مصالح الإدارة والقطاع الخاص، في إطار شراكة متوازنة يتوخى منها إنجاز أعمال بجودة عالية ، وبتكلفة مناسبة ، فضلا على الرغبة في تخليق الحياة العامة ومحاربة كل الممارسات المرتبطة بأفعال الغش والرشوة.  و في هذا الصدد، فقد سن المرسوم المؤطر لها الصادر بتاريخ: 5 فبراير2007(15) قواعد خاصة لإبرامها (16) مما جعل رقابة  القضاء الإداري على إعمال مقتضيات القانون المذكور تتوخى من جهة ضمان شفافية إبرام عقد الصفقة العمومية و من جهة أخرى ضمان حسن تنفيذ وإنهاء ذلك العقد.
أولا: رقابة القضاء الإداري على شفافية إبرام عقد الصفقات العمومية
بالاطلاع على المرسوم المؤطر للصفقات العمومية يتضح أن المشرع يسعى إلى تكريس مبدأ الشفافية في إبرام العقود الإدارية المندرجة في إطار الصفقات العمومية .
ونشير هنا إلى أن الضمانات القانونية لحماية مبدأ الشفافية في نظام صفقات الدولة لا تغني في شيء عن رقابة القضاء الإداري على صحة مسطرة إبرام عقد الصفقة، باعتبار أن الغاية منها هو تأمين حسن استعمال المال العام، لذلك نجد أن الرقابة القضائية تمتد إلى الاجراءات الممهدة لإبرام عقود الصفقات كما أن الشواهد القضائية في هذا المجال تؤكد إثراء العمل القضائي للمحكمة الإدارية بالرباط للضمانات المذكورة من خلال ابتكاره لبعض المبادئ بخصوص الصفقات المبرمة حيادا على القانون.
 

 (15)-  المرسوم رقم:2.06.388الصادر في 16محرم 1428(5فبراير2007) بتحديد شروط وأشكال إبرام صفقات الدولة وكذا بعض القواعد المتعلقة بتدبيرها ومراقبتها، المنشور بالجريدة الرسمية عدد:5518،بتاريخ فاتح ربيع الأول 1428(19أبريل2007)ص:1235
.
(16) -  حدد المرسوم المذكور أصناف ومساطر إبرام الصفقات العمومية في المواد من 15 إلى 74،حيث حدد القواعد الواجب سلوكها سواء من طرف صاحب المشروع ﺃو من لدن المتنافسين بمناسبة إبرام  هذه الصفقات العمومية.
وباستقراء مختلف النصوص المومأ إليها أعلاه يتضح أن الأصل هو خضوع إبرام صفقات الأشغال والتوريدات والخدمات لقاعدة المنافسة القبلية، واستثناء يمكن اللجوء إلى المسطرة التفاوضية والى سندات الطلب حيث تكون المنافسة جد محدودة.
     وعموما فقد حددت المادة 16 منه طرق إبرام صفقات الدولة في أربعة طرق أساسية وهي:
1-طلب العروض.
2-المباراة.
3-المسطرة التفاوضية.
4-تنفيذ أعمال بمجرد سند الطلب.











1 : رقابة القضاء الإداري على الاجراءات الممهدة لعقد الصفقة العمومية
بالرجوع إلى نماذج منتقاة من المقررات القضائية الصادرة بشأن المنازعات المرتبطة بمقدمات التعاقد بشأن الصفقات العمومية، يتبين أن القضاء الإداري يتعامل بنوع من المرونة مع اجراءات التقاضي، طالما أن موضوع الخصومة يستهدف شكليات عقد الصفقة التي تم تشريعها لضمان حسن تدبيرالمال العام ، كما تم وضع بعض الضوابط للسلطة التقديرية للإدارة فيما يخص قبول التعهدات أو إقصائها.
أ  التعامل المرن للقاضي الإداري مع اجراءات التقاضي
  تقضي القواعد الاجرائية العامة للتقاضي بأن تكون المصلحة في الدعوى شخصية ومباشرة ، لذلك لا تقبل الدعوى من شخص لمجرد أنه مواطن يهمه تطبيق حكم القانون وحماية الصالح العام، غير أن الغرفة الإدارية بمحكمة النقض تعاملت بنوع من المرونة مع الشرط المذكور في القضايا المرتبطة بالصفقات العمومية، حيث اعتبرت في قرارها الصادر في قضية "ح. ب. غ." ضد وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية (17) : "... أن كل شخص قبل المشاركة في عملية المزايدة الخاصة بكراء الأملاك الحبسية يكون ذي مصلحة في إقامة دعوى الإلغاء ضد مقرر رفض اللجوء إلى المزايدة ".
ب: تقييد السلطة التقديرية للإدارة في مجال إبرام عقد الصفقة
أما في شأن وضع القضاء الإداري لبعض الضوابط للسلطة التقديرية للإدارة، نشير إلى أنه بعد فتح أظرفة المتنافسين خلال أول جلسة عمومية، تجتمع لجنة طلب العروض في جلسة مغلقة لفحص الملفين الإداري والتقني وحصر لائحة المتعهدين التي يتلوها رئيس اللجنة عند استئناف الجلسة العمومية دون الافصاح عن سبب الإقصاءات (18)
والملاحظ من خلال العمل القضائي أن القاضي الإداري وإن سمح للإدارة بسلطة تقديرية في قبول التعهدات أو إقصائها أو رفض المصادقة على الصفقة بغاية ترشيد الإنفاق العمومي (19)، فإنه بالمقابل وضع بعض الضوابط لتلك السلطة .
وإذا كانت الاجراءات والشروط المقررة لنظام صفقات الدولة قد توحي بعدم وجود أي سلطة تقديرية للإدارة في هذا المجال، فإن هناك اعتبارات ترتبط بحسن تدبير المال العام تقتضي منح الإدارة هامشا من الحرية بهذا الصدد، ومن قبيل هذه الاعتبارات نذكر مراعاة الضمانات العينية والشخصية لإنفاق المال العام .
غير أن وجود نظام قانوني يحدد شروط وكيفيات إبرام الصفقات العمومية ، يقتضي الحد من السلطة التقديرية للإدارة من خلال سن بعض الضوابط المقيدة لتلك السلطة ، من قبيل فرض الرقابة على الأصول الواقعية للسبب المعتمد من طرف لجنة فتح الأظرفة في إقصاء المتعهد، وعدم الانحراف في استعمال السلطة المذكورة.
غير أن الإدارة قد تعمد أحيانا إلى تجاوز النصوص القانونية المؤطرة لنظام صفقات الدولة، وتبرم عقودا حيادا على تلك النصوص ،الأمر الذي يطرح التساؤل عن موقف القضاء الإداري من العقود المذكورة؟.
.
[17]- قرار الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى، عدد 50 وتاريخ 09/12/1966.
 [18]- المادة 35 من مرسوم 5 فبراير 2007
[19] - هناك من انتقد التوجه القضائي الذي سمح للإدارة بسلطة تقديرية في مجال إقصاء التعهدات، معتبرا أن أشغال لجنة طلب العروض خلال جلسة فتح الأظرفة تنصب على فحص مطابقة الملفات الإدارية والتقنية المقدمة من طرف المتعهدين للشروط المطلوبة منهم للمشاركة في المنافسة، وفقا لمقتضيات المرسوم الضابط لصفقات الدولة، ولنظام الاستشارة الذي يعده صاحب المشروع، وتبعا لذلك فإن كل العناصر والشروط التي يتم على أساسها فحص المطابقة معدة بشكل مسبق ودقيق ،بما فيها الشروط المتعلقة بكفاية المؤهلات المالية والتقنية الذي يحتكم فيه لمعيار التناسب بين رأسمال المقاولات وقدر معاملاتها وبين مبالغ الصفقات المطروحة للمنافسة، ولضوابط تصنيف المقاولات ،وبالتالي فإن سلطة صاحب المشروع في إقصاء التعهدات تكون مقيدة بهذه الشروط التي وضعت أصلا بهدف الحد من نزوع الإدارة إلى تضييق نطاق حق ولوج سوق الطلبيات العمومية بشكل مناف لضوابط المنافسة الحرة.
أنظر: الجيلالي أمزيد، مرجع سابق ،ص:131-132.

2 : موقف قضاء المحكمة الإدارية بالرباط من الصفقات العمومية المخالفة للقانون
تشمل الصفقات المخالفة للقانون(20) الحالات التي يتم فيها تنفيذ أشغال أو تسليم توريدات أو إنجاز خدمات دون التقيد بالشكليات المنصوص عليها بنظام صفقات الدولة.
بالنظر إلى أن المرسوم المؤطر لنظام صفقات الدولة شرع أساسا لضمان حسن تدبير المال العام ، فإن العمل القضائي بالمحكمة الإدارية بالرباط عمل على رعاية الغاية المذكورة وذلك بتشدده في إثبات عقد الصفقة و القضاء لفائدة المتعاقد مع الإدارة بمقابل تكلفة الأشغال.
أ: التشدد في إثبات عقد الصفقة:
يتبين من المادة 15 من المرسوم رقم 388-06-2 الصادر في 5/2/2007 بتحديد شروط وأشكال إبرام صفقات الدولة،  وكذا بعض القواعد المتعلقة بتدبيرها ومراقبتها، أن الصفقات عقود مكتوبة تتضمن دفاتر تحملات تحدد الشروط التي يتم بموجبها تنفيذ الصفقات وتتألف دفاتر التحملات من دفاتر الشروط الإدارية العامة(21) ، ودفاتر الشروط المشتركة(22) ، ودفاتر الشروط   الخاصة(23)
وباستقراء المواد من 15 إلى 74 من المرسوم المذكور، يتضح أن الأصل هو خضوع إبرام صفقات الأشغال والتوريدات والخدمات لقاعدة المنافسة القبلية، واستثناء يمكن اللجوء إلى المسطرة التفاوضية، والى سندات الطلب حيث تكون المنافسة جد محدودة.
 

[20]  يصفها بعض الباحثين بالصفقات الباطلة، أنظر: محمد صقلي حسيني، المنازعات العقدية على ضوء الاجتهاد القضائي الإداري، مجلة المحاكم الادارية،عدد:4، يونيو 2011،الصفحة:59،وهناك من يصفها بالصفقات غير المشروعة، أنظر: الجيلالي أمزيد، مرجع سابق الصفحة:146.
[21] - تحدد دفاتر الشروط الإدارية العامة المقتضيات الادارية التي تطبق على جميع صفقات الاشغال او التوريدات أو الخدمات أو صنف معين من هذه الصفقات، وتتم المصادقة على هذه الدفاتر بمرسوم.
[22] - تحدد دفاتر الشروط المشتركة المقتضيات التقنية التي تطبق على جميع الصفقات المتعلقة بنفس الصنف من الأشغال أو التوريدات أو الخدمات أو جميع الصفقات التي تبرمها نفس الوزارة أو نفس المصلحة المتخصصة.
[23] - تحدد دفاتر الشروط الخاصة الشروط المتعلقة بكل صفقة وتتضمن الاحالة إلى النصوص العامة المطبقة والإشارة إلى مواد دفاتر الشروط المشتركة وعند الاقتضاء إلى مواد دفاتر الشروط الادارية العامة التي قد يتم الحيد عنها طبقا لمقتضيات هذه الدفاتر، ويتم التوقيع على دفاتر الشروط الخاصة من قبل الآمر بالصرف ،أو مندوبه أو الآمر المساعد بالصرف قبل طرح مسطرة إبرام الصفقة. -المادة 15 من المرسوم-

ب: تكلفة الأشغال مقابل الصفقة غير المشروعة المنجزة.
بمراجعة المرسوم المؤرخ في5/2/2007 المتعلق بتحديد شروط وأشكال إبرام صفقات الدولة،  يتبين أن تلك الصفقات يجب أن تبرم في شكل عقود مكتوبة، وأن تتضمن مجموعة من البيانات ، من أهمها على الخصوص طريقة الإبرام وبيان الأطراف المتعاقدة ، وأسماء وصفات الموقعين المتصرفين باسم صاحب المشروع وباسم المتعاقد وموضوع الصفقة ، والثمن وأجل التنفيذ أو تاريخ انتهاء الصفقة،  وكذا المصادقة على الصفقة من طرف السلطة المختصة.
غير أن الإدارة قد تعمد أحيانا إلى إبرام عقود شفوية من أجل تنفيذ أشغال أو تسليم توريدات أو القيام بخدمات ، دون التقيد بالشكل المحدد بموجب المرسوم المذكور، وعند عرض النزاع على القضاء كثيرا ما تتمسك بكونها لم تبرم أي عقد مع الجهة المعنية بالأمر، أو أن هذه الأخيرة لم تنجز الأشغال المتفق عليها سواء كان الأمر يتعلق بأشغال أصلية أو إضافية، أو أن العقود الملحقة حتى في حالة وجودها غير مصادق عليها. فما هو موقف القضاء الإداري من الإشكاليات المذكورة؟ وما هي الحلول التي تبناها بخصوصها؟
إذا كان العقد الباطل لا يترتب أي أثر قانوني، فإن ذلك  لا يعني أن المتعاقد المتضرر لا يمكنه الحصول على التعويض المترتب عن أشغال يكون قد أنجزها بمناسبة صفقة أشغال باطلة ،و ذلك على أساس قانوني غير مستمد من العقد الباطل ، وإنما من خطأ الإدارة أو الربح الذي جنته من الأشغال التي قدمت لفائدتها ، أي أن الأساس المذكور قد يكون شبه تقصيري أو شبه عقدي بحسب الأحوال. (24)
لذلك اهتدى القضاء الإداري إلى اعتماد الأسس القانونية المطبقة على عقود القانون الخاص والتي تسمح بالاستجابة لطلب منجز الصفقات غير المشروعة في حدود تكلفة الأشغال المنجزة، وتتحدد تلك الأسس في نظرية الإثراء بدون سبب، والخطأ المشترك ودفع غير المستحق.
– نظرية الإثراء بدون سبب
     ومضمن النظرية المذكورة ، أن كل من أثرى على حساب الغير دون سبب قانوني يلتزم بأن يرد لهذا الغير قدر ما أثري به في حدود ما لحق الغير من خسارة، وقد تناولها قانون الالتزامات والعقود في الفصلين 66 و67 منه، فالفصل 66 أكد على أن :"من تسلم أو حاز شيئا أو أي قيمة أخرى مما هو مملوك للغير بدون سبب يبرر هذا الإثراء التزم برده لمن أثرى لحسابه"، أما الفصل 67 فنص على أن: " من استخلص بحسن نية نفعا من شغل الغير أو شيئه بدون سبب يبرر هذا النفع التزم بتعويض من أثري على حسابه، في حدود ما أثري به من فعله أو شيئه".
كشفت بعض التطبيقات القضائية عن استعانة بعض المحاكم الإدارية بنظرية الإثراء بدون سبب لتعويض منجز الصفقة الباطلة، عن افتقاره الناتج عما قام به من أعمال نافعة اغتنت منها الإدارة، في الحالات التي لم تبرم فيها الصفقة بصفة نهائية، أو في الحالات التي كان فيها العقد باطلا ، أو في الحالة التي لم يحترم فيها المتعاقد الالتزامات التعاقدية ، فقام بأعمال إضافية لم ينص عليها العقد(25)
وتستجيب الأعمال القضائية المذكورة لطلبات منجزي الأشغال دون التقيد بقانون الصفقات استنادا إلى النظرية المومأ إليها أعلاه، وذلك في حدود تكلفة الأشغال المنجزة، ودون احتساب نسبة الأرباح ،شريطة قيام علاقة مباشرة بين اغتناء الجهة الإدارية من الأشغال ،وافتقار منجز هاته الأشغال وأن تكون تلك الأشغال المنجزة بمناسبة تنفيذ الصفقة الباطلة غير معترض عليها من طرف الإدارة و بموافقتها، أو أن تعود عليها بفائدة حقيقية.
ولما كانت نظرية الإثراء بدون سبب تشترط عدم صدور أي خطأ عن الجهة التي حصل لها الافتقار فإن البين من القضايا المتعلقة بالأعمال المنجزة حيادا على ضوابط الصفقات العمومية، أن منجز هذه الأعمال ارتكب خطأ متمثلا في قبوله القيام بأشغال دون التقيد بالمرسوم المؤطر للصفقات لذلك نجد أن المحكمة الإدارية بالرباط تعتمد قاعدة الخطأ المشترك.

 [24]- محمد الصقلي الحسيني، مرجع سابق،ص:63.
 [25]-   في هذا الإطار أصدرت المحكمة الإدارية بفاس حكما بتاريخ 30/4/2002 قضت بموجبه لفائدة أحد المقاولين بتعويض عن الأشغال التي أنجزها لفائدة عمالة إقليم صفرو رغم غياب عقد يربط بينهما، وذلك بعد أن أعادت تكييف الطلب معللة ما ذهبت إليه كما يلي:
" حيث إن عدم توفر عقد الصفقة على أحد الشروط الجوهرية المنصوص عليها بموجب مرسوم 14-10-1976 يجعله باطلا وغير منتج لأي أثر قانوني ناتج عن العقد ، و ينأى بالتالي بمثل هذا العقد عن مجال العقود الإدارية ،والمنازعة القضائية في هذا الإطار ، ومن ثم يجرده من الضمانات التي يخولها للمتقاضين المرسوم المذكور والذي حل محله المرسوم رقم 482-89-2 المؤرخ في 30/12/1998، بتحديد شروط وأشكال إبرام صفقات الدولة.=
= وحيث إنه وإن كان الأمر كذلك بالنسبة للعقود المبرمة بين المتعاقدين والتي اختل أحد شروط انعقادها، فبالأولى والأحرى أن يكون من الحتمي استبعاد المرسوم المذكور عند انعدام عنصر التعاقد من أساسه كما هو الأمر في نازلة الحال."
ثم أضافت أنه " واعتبارا لكون إنجاز الأشغال ترتب عنها تحمل المدعي بنفقات أثبتتها الوثائق المدلى بها ، وتقرير الخبرة وفي المقابل حققت جهة الإدارة المنجزة هذه الأشغال لفائدتها نفعا ثابتا..... واعتبارا لكون المدعي لم يكن ليقوم بإنجاز تلك الأشغال إلا بموافقة جهة الإدارة وتحت إشراف موظفيها فإن مثل هذه الوضعية تشكل إثراء لهذه الإدارة على حساب المدعي بما أنفقه من مال ".
وخلصت في النهاية إلى أنه " لا يقضى في إطار مبدأ الإثراء على حساب الغير إلا برد قيمة تكلفة الأشغال والخدمات المنجزة مجردة عن أي ربح أو أي تعويض". حكم  عدد 239 في الملف عدد 20/2000 ت ، أورده محمد قصري ،القاضي الإداري و منازعات الصفقات العمومية ص : 79. وهو نفس الاتجاه الذي تبنته المحكمة الإدارية بوجدة في حكمها الصادر بتاريخ 07/12/2004 تحت عدد 315 والذي جاء فيه:
" إن المتعاقد بإنجاز أشغال إضافية يستحق عنها مبلغ القيام بها رغم أن كيفية إبرام العقد الملحق قد تمت دون احترام المسطرة القانونية الواجبة التطبيق وذلك استنادا للقواعد العامة".
مضيفة: "بأن المدعية قد قامت بإنجاز أشغال إضافية ولا تتحمل وزر خطأ المجلس بخصوص كيفية إبرام عقد الصفقة معها، كما لا يمكن الإثراء على حسابها" أورده يوسف الصواب، مرجع سابق، ص:70

الخطأ المشترك -                     
لما كانت المحاكم الإدارية مختصة في البت في دعاوي التعويض عن الأضرار التي تسببها أعمال ونشاطات أشخاص القانون العام طبقا للمادة 8 من القانون رقم 41/90 المحدث لها، فإن العمل القضائي أوجد أساسا آخر للبت في المنازعات المترتبة عن الصفقات غير المشروعة متمثلا في المسؤولية التقصيرية لكل من الإدارة و منجز الصفقة، وذلك بتوزيع المسؤولية بينهما، تجنبا لإنفاق الأموال العمومية حيادا على القواعد التي تكفل الشفافية.
ويراد بالخطأ المشترك اجتماع خطأ الإدارة المتمثل في تعاقدها خارج الضوابط القانونية المنظمة للصفقات العمومية، وخطأ المتعاقد مع الإدارة الذي قبل التعاقد على نحو غير مشروع(26)
3 : حماية المال العام خلال تنفيذ وإنهاء عقد الصفقة العمومية
يلتزم المتعاقد مع الإدارة باحترام شروط العقد، شأنه في ذلك شأن أي متعاقد، غير أن الطبيعة الخاصة للعقد الإداري بالنظر لارتباطه بتسيير مرفق عمومي، تجعل من بعض الالتزامات المفروضة على عاتق المتعاقد مع الإدارة تحظى بأهمية خاصة، من قبيل إلزامية تنفيذ المتعاقد للأعمال موضوع الصفقة.
فضلا على أن ارتباط عقد  الصفقة باعتباره من أهم العقود الإدارية بالمال العام، اقتضى تأطيره بقانون خاص يكفل حسن تنفيذ موضوع الصفقة تحت طائلة فسخها مع مراعاة حقوق الإدارة.

ثانيا: مشروعية فسخ الصفقة في حالة اخلال المتعاقد بالتزاماته
يعرف الفسخ بأنه إنهاء العقد نتيجة اخلال أحد المتعاقدين بالتزاماته العقدية(27)، أو هو حق  المتعاقد في العقد الملزم للجانبين، إذا لم يوف المتعاقد الآخر بالتزامه في أن يطلب حل الرابطة العقدية كي يتحلل هو من التزامه، فهو يدخل إلى جانب المسؤولية العقدية في نطاق الجزاء الذي يترتب على القوة الملزمة للعقد(28)
      ترتيبا على ذلك، يمكن القول بأن فسخ عقد الصفقة من قبل الإدارة صاحبة المشروع(29)، يكون نتيجة تقصير المقاول صاحب الصفقة في تنفيذ التزاماته الناشئة عن العقد، و يترتب عليه إعفاؤه نهائيا من تنفيذ الأشغال موضوع العقد.
وإذا كان المشرع قد أحاط المال العام موضوع الصفقة العمومية بمقتضيات تشريعية تكفل له الحماية من خلال تخويل الإدارة إمكانية الإعمال التلقائي لجزاء الفسخ، فإن الواقع العملي أفرز وضعيات يجعل ذلك المال محل تهديد نتيجة اخلال المتعاقد مع الإدارة بالتزاماته التعاقدية، ليتدخل القضاء الإداري لرد الأمور إلى نصابها بإضفائه للشرعية على عملية إنهاء العقد الإداري، و عدم اعتبار شكليات الإنهاء أحيانا، وترتيب الآثار الكفيلة بحماية المال العام، الأمر الذي يستوجب بيان مبررات فسخ عقد الصفقة –1-  وكيفية تعامل القضاء الإدارة مع شكليات الفسخ –2-، ثم تحديد الآثار المترتبة على الجزاء المذكور –3.
...........................
 [26] - يقوم الخطأ المشترك إذا لم يستغرق أحد الخطأين الخطأ الآخر، بحيث يبقى كل منهما متميزا عن الآخر، ويكون للضرر سببان: خطأ المدعى عليه وخطأ المضرور، وقد اعتبر بعض الفقه بأن الخطأ المشترك تعبير غير دقيق ،بحكم أن الخطأ ليس مشتركا ارتكبه الاثنان معا ، بل هما خطآن مستقلان أحدهما ارتكبه شخص والثاني ارتكبه الاخر.
أنظر: عبدالرزاق أحمد السنهوري، مرجع سابق، ص:1008.
[27]- Christian larroumet, droit civil, tome 3, les obligations, le contrat, éditions delta, (28) liban, 1996;p: 761
[28]- عبد المنعم فرج الصده، نظرية العقد في قوانين البلاد العربية، دار النهضة العربية للطباعة والنشر، بيروت لبنان، 1974 ص:582
[29]-سلطة الإدارة في توقيع الفسخ الجزائي على المقاول في مجال عقد الأشغال العامة في المغرب تنظمه النصوص التالية:
- المواد من 41 إلى 48 من المرسوم رقم: 1087-99-2 الصادر في 29 محرم 1421 الموافق ل 4 مايو 2000 بالمصادقة على دفتر الشروط الإدارية العامة المطبقة على صفقات الأشغال المنجزة لحساب الدولة.
-المادة 44 في حالة تأجيل الأشغال.
-المادة 41 في حالة وجود عيوب في البناء.
-المادة 42 في حالة صعوبة التنفيذ.
المادة 43 في حالة القوة القاهرة.
    أما المواد 46 ، 47 و48 فإنها تنظم فسخ الصفقة بقوة القانون في حالة وفاة المقاول أو فقدانه للأهلية المدنية، وفي حالة التسوية أو التصفية القضائية.

1: مبررات فسخ الإدارة لعقد الصفقة وفقا للعمل القضائي 
لا يعتبر كل خطأ من جانب المقاول سببا مبررا لتوقيع جزاء الفسخ عليه، بل لابد أن يرتكب المقاول خطأ على درجة معينة من الجسامة، ويوصف الخطأ بالجسيم إذا أخل المتعاقد بالتزام تعاقدي أو قانوني جوهري، و يخول للإدارة صلاحية تقدير مدى جسامة الخطأ وكفايته لتقرير جزاء الفسخ، ويقوم القاضي الإداري بعد ذلك بناء على طلب المقاول المفسوخ عقده ، ببسط رقابته على تقدير الإدارة لمدى فداحة الخطأ وكفايته للفسخ الجزائي للعقد(30)
وإذا قرر القاضي الإداري أن خطأ المقاول لم يكن جسيما لتبرير توقيع جزاء الفسخ، فإنه لا يستطيع أن يقضي بإلغاء قرار الإدارة بفسخ العقد، ذلك ما سار عليه مجلس الدولة في فرنسا عكس مجلس الدولة المصري، لكنه-أي القاضي الإداري- يستطيع في هذه الحالة أن يطبق النظام القانوني للإنهاء الإداري للعقد لدواعي المصلحة العامة مع تعويض المقاول، مع الأخذ بعين الاعتبار أخطاء المقاول الثابتة في حقه(31)
..........................

 [30]- هذا ما أكدته المحكمة الإدارية بالدار البيضاء حينما صرحت بأن: " وحيث إن الثابت كذلك أن كل مخالفة من جانب المتعاقد لالتزاماته
التعاقدية تمثل خطأ تعاقديا كما تمثل في نفس الوقت خطأ مرتكب ضد المرفق العام، ومن المقرر أن الادارة هي التي تملك سلطة تقدير مدى جسامة الخطأ وكفايته لتقريره كجزاء لانهاء العقد، على أن يقوم قاضي العقد بعد ذلك ،إما بناء على طلب الادارة القائمة بالفسخ أو بناء على طلب نائل الصفقة، بمراقبة مدى سلامة تقدير الفسخ ومدى جسامة الخطأ وكفايته للانهاء الجزائي للعقد" حكم صادر بتاريخ: 07/12/2009في الملف عـدد : 273/13/2009 ،غير منشور.
[31] - الحسين اندجــــار،  الفســخ الجزائـي لعقد الأشغـال العامـة، الندوة الجهوية المنظمة بمناسبة الذكرى الخمسينيـــة لتأسيـس المجلـس الأعلى للقضــاء  محكمة الاستئناف بمراكش يوم: 22/23 مـارس 2007.ص:6.

2تعامل القضاء الإداري مع شكليات فسخ عقد الصفقة.   
إذا كان للإدارة سلطة توقيع الفسخ بإرادتها المنفردة، فإنه يتعين عليها قبل ترتيب الجزاء المذكور أن تنذر صاحب الصفقة ، وتخبره بجميع الاخلالات التي شابت تنفيذ عقد الأشغال، وتدعوه إلى إصلاحها داخل أجل محدد ضمانا لحقه في الدفاع(32)
غير أن هناك وضعيات تبرر تعامل القضاء الإداري مع مسطرة إنهاء عقد الصفقة بنوع من المرونة بحيث تعفى الإدارة من  توجيه إنذار إلى المتعاقد، فالأخطاء الجسيمة التي يرتكبها المقاول والتي يتعذر تداركها ، تخول لصاحبة المشروع امكانية فسخ الصفقة دون توجيه أي إعذار إلى صاحب الصفقة، طالما أن الإجراء المذكور سوف لن يحقق أي نتيجة، ويجد هذا الاتجاه سنده في حماية المال العام، إذ أن فداحة الخطأ المرتكب من قبل المتعاقد  تبرر الفسخ التلقائي للعقد دون توجيه انذار بشأن ذلك إلى هذا الأخير،  وهو ما أكدته المحكمة الإدارية بالرباط في حكم صادر عنها بتاريخ: 8 مارس 2012  الذي أسس لاجتهاد قضائي يضمن حماية خاصة للمال العام(33)، وهو توجه له حظ كبير من الوجاهة، طالما أنه من غير المعقول أن نعتبر أن فسخ عقد الصفقة غير مشروع لمجرد اخلال شكلي بسيط، والحال أن الاخلال المرتكب من قبل المتعاقد يتسم بالجسامة ويتعذر تداركه، لذلك اعتبرت المحكمة المذكورة أن : "عدم إنجاز الأشغال من طرف المدعية وفقا للمواصفات الواردة في عقد الصفقة ، والتي تطلبت من الإدارة هدمها ،يبرر  فسخ الصفقة .....وأن ثبوت عدم توجيه إنذار بفسخ الصفقة للمدعية ،باعتباره إجراء أساسيا ولازما قبل قرار الفسخ، لا يخولها حق التعويض، طالما أن مخالفة الشكل الذي يؤدي إلى  عدم مشروعية القرار المعيب لا ينال من صحته موضوعا ،مادام أن القرار سليم من حيث الموضوع ، وأن الوقائع التي قام عليها تبرر صدوره ، وأنه في وسع الإدارة أو كان في وسعها تصحيحه وفقا للأوضاع الشكلية المطلوبة ، فضلا عن أن هذا الاتجاه يجد أساسه القانوني في مبدأ حماية المال العام  ، طالما أن خطأ الشركة المدعية يعتبر خطأ جسيما لا يغتفر، الشيء يتعين معه رفض الطلب أيضا بهذا الخصوص". 
علما أن هناك استثناءات أخرى ترد على قاعدة إلزامية الإنذار، وتتحدد في الحالات الآتية:

ورود نص صريح في عقد الأشغال العامة أو دفتر الشروط العامة يعفي الإدارة من الالتزام بالإعذار المسبق للمقاول قبل توقيع جزاء الفسخ عليه.
إذا أعلن المقاول صراحة من تلقاء نفسه رفضه تنفيذ التزامه أو عدم قدرته على تنفيذه.
 ارتكاب المقاول أفعال الغش في تنفيذ التزامه.
مخالفة المقاول لالتزام جوهري يتعذر تداركه أو إصلاحه.
 تنازل المقاول عن عقد الأشغال إلى الغير أو من الباطن بدون موافقة الإدارة.
حالة الاستعجال أي عندما تقتضي الظروف عدم تنفيذ العقد فورا.
...........

[32]- تأكيدا لذلك ورد في قرار لمحكمة النقض صادر بتاريخ 10/05/2006  :
" وحيث إنه بالرجوع إلى دفتر الشروط الإدارية العامة المطبق على صفقات الأشغال المنجزة لحساب الدولة ، خاصة الفصل 70 منه ، يتبين أن حق الإدارة في الفسخ مقيد بشرط الإعذار، مع منح أجل لا يقل عن 15 يوما من تاريخ تبليغه لامتثال المقاولة له، الشيء الذي لم يحترمه المكتب  وتمسكه بحالة الاستعجال لا يعفيه من منحه أجل معقول ، لأن الأجل الوارد بإعذاره تستلزمه حالة الاستعجال القصوى ، الشيء الذي لم يبرره المكتب ، علما بأن التأخير في الانجاز مشفوع بالغرامة المحددة في 500 درهم عن كل يوم تأخير، الأمر الذي يجعل قرار الفسخ المتخذ مخالفا للقانون. قرار عدد: 355 صادر في  الملف الإداري عدد: 2067/4/1/2005 بين مكتب استغلال الموانئ ومن معه ضد شركة حفيان، غير منشور.
[33] - حكم رقم : 836 صادر بتاريخ 8/3/2012  في الملف رقم : 1581/07  ،غير منشور.


  
3  الآثار المترتبة على الفسخ المشروع لعقد الصفقة
 
إذا اتسم فسخ الصفقة بالمشروعية، فإنه يحق للإدارة إعمال الجزاءات المالية في حق المتعاقد معها المخل بالتزاماته، وذلك بتطبيق الغرامات المالية-المقررة قانونا- في حقه، ومصادرة الضمانة.
فالغرامات المالية تطبق في حالة تأخير المتعاقد في تنفيذ الصفقة، ولا يشترط لتطبيقها وقوع ضرر للإدارة إذ بمجرد انتهاء المدة المخصصة لإنجاز المشروع ، يتم احتساب الغرامات حسب العقد دون حاجة إلى إعلام المقاول.
و يمكن للإدارة أن تطبق غرامات التأخير دون اللجوء إلى القضاء ، وذلك بمقتضى قرار صادر منها  ويكون من حق المقاول أن يطعن فيه قضائيا، إذ يمكن أن يتحلل من الغرامة إذا أتبت ان تأخير ناتج عن خطأ الإدارة أو القوة القاهرة.
وحيث لما كان مبلغ الكفالة المودع من طرف صاحبة الصفقة مرصد لتأمين الالتزامات التعاقدية، وكان الثابت من المعطيات الواردة أعلاه أن هذه الأخيرة لم تلتزم ببنود عقد الصفقة ، فإن طلب إرجاعها يبقى غير مؤسس استنادا إلى  مقتضيات المادة 16 من دفتر الشروط الإدارية العامة التي تقضي بعدم إرجاع الضمان النهائي في حالة إعمال مقتضيات المادة 52 كما هو الشأن في النازلة الماثلة، الأمر الذي يوجب رفض الطلب المذكور." (34)
 

[34] - حـكـم رقم: 1864  صادر في الملف عـدد : 98-13-2011غير منشور.

  
الفقرة الثانية: المصلحة العامة كآلية لحماية المال العام
     يتجسد الدور الابتكاري للقاضي الإداري في المنازعات المرتبطة بالمال العام من خلال استناده على بعض المبادئ لتبرير حماية ذلك المال من قبيل فكرة المصلحة العامة ، وتتبلور هذه الفكرة على وجه الخصوص في القضايا التي يروم من خلالها القاضي الإداري ضمان السير العادي للمرفق العام ، وكذا في تعامله الاستثنائي مع الخبرة القضائية المحددة للتعويض المترتب على عاتق الإدارة كما تتجسد فكرة المصلحة العامة بشكل واضح في قضايا الاعتداء المادي حيث أسس القضاء الإداري لبعض الاجتهادات الهادفة إلى ضمان رعاية خاصة للمنشآت العامة و تفادي هدر الإدارة لأموالها.

أولا: ضمان السير العادي للمرفق العام و تعامل القاضي الإداري مع الخبرة.

لما كان للقاضي الإداري مجال واسع لابتكار بعض القواعد الاجتهادية، سيما في القضايا المربطة بالمال العام، فإنه وجد في فكرة المصلحة العامة سندا لتأسيس تلك الاجتهادات ، حيث استند إليها لتأمين السير العادي للمرفق العام كما اعتمدها كعلة لتبرير تعامله الاستثنائي مع الخبرة القضائية
1: تأمين حسن سير المرفق العام
تعد المصلحة العامة علة وجود المرفق العمومي وسبب إنشائه، فلا يمكن أن يقوم هذا الأخير إلا إذا كانت هناك مصلحة عامة ينبغي تأمينها للأفراد، فهي اذن الهدف والغرض الأساسي الذي من أجله وجد المرفق وانشئ، فهي بذلك تعد الركن الأساسي والجوهري الذي يهدف إليه نشاط المرفق العمومي ويدخل ضمن المصلحة العامة كل الحاجيات التي تعتبر مفيدة ونافعة للمجتمع . (35)
[35] - عبدالله حداد، المرافق العمومية الكبرى، مطابع منشورات عكاظ، الرباط ، 1997، ص: 29-35

أ : عدم جواز حجز أموال الإدارة اللازمة لحسن سيرها
لما كانت المرافق العمومية تحتاج في أدائها للخدمة المنوطة بها تحقيقا للنفع العام إلى وسائل مادية لأداء وظيفتها، فقد كان من اللازم أن يحاط المرفق العام بكل الضمانات التي تمكنه من أداء وظيفته بصورة مضطردة ومنتظمة لجمهور المنتفعين بخدماته، تحقيقا للمصلحة العامة .
وإذا كانت المشرع قد خص الأموال العامة بمقتضيات حمائية، باعتبار تخصيصها للمنفعة العامة وضمان حسن سير المرفق العمومي(36)، فإن ثبوت مديونية الدولة بمقتضى حكم قضائي حائز لقوة الشيء المقضي به، وامتناع الإدارة عن التنفيذ، يثير التساؤل بخصوص امكانية سلوك طرق التنفيذ الجبري  في مواجهتها قصد استيفاء ذلك الدين، وخاصة اللجوء إلى مسطرة الحجز على بعض أموالها؟.
وقد اهتدى القاضي الإداري إلى امكانية سلوك مسطرة الحجز في مواجهة الإدارة سواء كان الحجز تحفظيا أم تنفيذيا، غير أنه حصر اعمال تلك المسطرة على الأموال الخاصة العائدة لها دون الأموال العامة اللازمة لحسن سيرها، بحكم أن الحجز على المال العام يتعارض مع مبدأ تخصيصه للمصلحة العامة ، و أن الحجز بهذا الشكل يعطل سير المرافق العامة، ويحول دون تنفيذها لوظيفة النفع العام الملقاة على عاتقها ، علما أن الحجز ينقلب في النهاية إلى بيع قضائي ، والحال أن البيع الاختياري غير جائز.
[36]- نص القانون المصري رقم 583 لسنة 1955 على أنه: " لا يجوز الحجز ولا اتخاذ إجراءات تنفيذية أخرى على المنشآت والأثاث والأدوات المخصصة لإدارة المرافق العامة ".
كما نص القانون الفرنسي المؤرخ في 22/11/1790 في مادته الثامنة على أن : " أموال الدولة لا تشكل ضمانا للدائنين ". ونصت المادة 9 من القانون الفرنسي المؤرخ في: 22 غشت 1791 على أنه : " يحضر كل أنواع الحجز عامة على أموال الدولة ".
باطلاعنا على التشريع المغربي نجد أن هناك مجموعة من القوانين نصت على قاعدتي عدم جواز التصرف في الملك العام وعدم إمكانية اكتسابه بالتقادم، نذكر من هذه القوانين ظهيري 1 يوليوز 1914 و 19 أكتوبر 1921 ، كما جاء ظهير 28/06/1941 بقاعدة عدم جواز الحجز على الأموال العامة، وهي نفس القاعدة التي أقرها الفصل الثامن من ظهير 18 يونيو 1954.


ب: عدم جواز عرقلة أشغال عمومية
تقتضي المصلحة العامة المرتبطة بتنفيذ أشغال عمومية تخويل بعض المؤسسات العمومية ممارسة صلاحيات من شانها أن تمس بالملكية الخاصة ، وذلك من قبيل الامتياز المخول للمكتب الوطني للكهرباء(37)
وأثناء قيام المكتب الوطني للكهرباء بتنفيذ أشغال ترتبط بالمهام الموكولة إليه ، قد يصادف أن يعترض عليها أحد الأفراد ، بدعوى قيام المكتب بأعمال الحفر بقطعته الأرضية  قصد إنجاز  وتثبيت  عمود كهربائي للضغط المرتفع  دون  سلوكه  لإجراءات نزع الملكية وفقا لمقتضيات القانون رقم 81/7  وأن هذه الأفعال تشكل تعديا على حق الملكية المكفولة دستوريا ، كما أن استمراره  في هذه الأعمال من شانه خلق وضعية يصعب تداركها في المستقبل، تبعا لذلك يتقدم بطلب إلى قاضي المستعجلات قصد إيقاف تلك الأشغال.
وبالنظر إلى أن إقامة الأعمدة الكهربائية يدخل في إطار ممارسة المكتب المذكور للامتياز المخول له قانونا، وطالما أن حق مالك العقار في المطالبة بالتعويض عن إحداث تلك المنشأة محفوظ، وعملا بمبدأ عدم جواز عرقلة أشغال عمومية ، فإن القضاء الاستعجالي لا يستجيب لطلبات من هذا القبيل (38)

[37]- تنص المادة 2 مكرر من القانون رقم1.73.201 بتاريخ 19/9/1977 المعدل والمتمم للظهير الشريف رقم 1.63.226  بتاريخ 5/8/1963 المتعلق بالمكتب الوطني للكهرباء على مايلي: "رغبة في تمكين المكتب الوطني للكهرباء من ضمان تسيير المصلحة العمومية لإنتاج الطاقة الكهربائية ونقلها وتوزيعها:
يؤدن له في احتلال أراضي الملك العمومي اللازمة لإقامة منشئات إنتاج الطاقة الكهربائية...........
ولا تؤدي ممارسة الحق في الحرمات المبينة أعلاه إلى تجريد المالك من ملكيته بأي وجه من الوجوه ......وأن وضع الأعمدة على الجدران والواجهات والسقوف والسطوح لا يحول دون حقه في أعمال الهدم أو الإصلاح أو التعلية وإنشاء قنوات أرضية وأعمدة لناقلات الكهرباء الجوية......
وفيما يخص المنشآت التي لا تكفي الحرمات المشار إليها أعلاه لإقامتها يخول المكتب الوطني للكهرباء جميع الحقوق التي تعترف بها النصوص التشريعية والتنظيمية لفائدة الدولة أو الجماعات المحلية قصد تنفيذ أشغال عمومية ولاسيما في ميدان نزع الملكية والاحتلال المؤقت.

[38]- جاء في أمر استعجالي صادر عن رئيس المحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ:09-11-2011:
" حيث يهدف الطلب إلى استصدار أمر بإيقاف أشغال إقامة أعمدة كهربائية ذات ضغط مرتفع ، الجارية فوق العقار موضوعه حيادا على ضوابط نقل الملكية كما هي محددة في القانون رقم 7/81 المتعلق بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة.
لكن حيث إن إقامة الأعمدة الكهربائية بملك الطالب تعد من قبيل الارتفاقات  القانونية المنصوص عليها بالفصل 2 من ظهير 12/09/1977 المغير والمتمم لظهير 05/08/1963 المتعلق بإحداث المكتبالوطني للكهرباء ,والتي تنتفي  معها حالة الاعتداء المادي  علاوة على عدم  تجريدها المالك من ملكية عقاره، وتخويله في هذا الخصوص إمكانية المطالبة بالتعويض  عن الأضرار الناتجة عن إقامة هذه الأعمدة ، مما يبقى معه الطلب غير مبرر من الناحية القانونية وحليفا بعدم القبول " أمر رقم :    1129 صادر بتاريــــخ : 9/11/2011 في الملف رقم : 1069/1/2011، غير منشور.

2: التعامل الاستثنائي مع تقديرات الخبرة القضائية .
بالاطلاع على مجموعة مهمة من المقررات الصادرة عن المحكمة الإدارية بالرباط ، نرصد أن الحالات الني يمارس فيها القضاء سلطته التقديرية بخصوص تقديرات الخبرة، وذلك بالتخفيض من مبلغ التعويض المقدر من طرف الخبير في مواجهة الإدارة أكثر بكثير من حالات المصادقة.
ولإبراز ذلك ارتأينا إدراج الجدول الآتي الذي يكشف عن إعمال المحكمة الإدارية بالرباط لسلطتها التقديرية بخصوص الخبرة المقدرة للتعويض عن فقد الملكية.
جدول يعكس تعامل قضاء المحكمة الإدارية بالرباط مع الخبرة القضائية بخصوص التعويض عن فقد الملكية.
 
مراجع الحكم         مبلغ التعويض المقدر من طرف الخبير عن فقد الملكية      المبلغ المحدد من طرف المحكمة
 حكم رقم : 1488
 بتاريخ : 27 رمضان 1426
 موافق :  31/10/2005
 ملف رقم : 1349/03 ش ن    500,00 درهم     300,00 درهم
   حكم رقم : 2110
   بتاريخ   : 13/06/2011
   ملف رقم : 2276/08  ش ن        200,00 درهم     80,00 درهم
حكم رقم : 1413
   بتاريخ   : 17/10/2005
   ملف رقم : 403/6/04       300  درهم  150 درهم
حكم رقم :  2195
بتاريخ :  20/06/2011

المصدر: تركيب شخصي للأستاذ عبد الحق أخو الزين المحكمة الإدارية بالرباط.
 
الملاحظ أن جل المقررات القضائية ،حين تخفيضها لمبلغ التعويض المضمن في الخبرة، تستند على علة المصلحة العامة  وتخصيص العقار للمنفعة العامة ، ويتم ذلك على وجه الخصوص في قضايا نزع الملكية.
بخصوص العلة المتعلقة بتخصيص العقار للمرفق العام ، نورد الحكم الصادر عن المحكمة المذكورة الذي خفض من تقديرات الخبير من مبلغ: 60000 درهم إلى مبلغ:30000درهم بالاستناد على التعليل الآتي: "حيث إن المحكمة بما لها من سلطة تقديرية في تحديد التعويض عن الحرمان من الاستغلال ، وبالاستئناس بما جاء في تقرير الخبرة ، وبعد الأخذ بعين الاعتبار رصد جزء من العقار لخدمة مرفق عام ، علما أن ذروة الاستغلال لا تتعدى فصل الصيف دون باقي الفصول ترى تحديده في ظل المعايير المذكورة في مبلغ 30.000 درهم"(39)
ويمكن القول بأن تعامل القضاء الإداري مع تقديرات الخبراء على النحو المذكور أعلاه  فرضته تقديرات الخبراء التعسفية والمبالغ فيها للتعويضات التي ستتحملها الإدارة ،لذلك فإن المحاكم تعمد أحيانا إلى تخفيض مبلغ التعويض إلى الثلث أو أقل من ذلك ، رعيا للمصلحة العامة المتمثلة في تجنب هدر المال العام، علما أن الأمر بخبرة إضافية أو مضادة بقصد التبين من تقديرات الخبرة الأولى سوف لن يجد في الموضوع ، طالما أن الخبرة الثانية سوف تتضمن نفس التقديرات إن لم تحدد مبالغ تفوق التقديرات المضمنة في الخبرة الأولى.
[39]- حكم رقم : 1113 صادر بتاريخ : 3 شعبان 1424 موافق : 29 شتنبر 2003  في الملف رقم : 96/00 ش ت، غير منشور.

ثانيا :المصلحة العامة في قضايا الاعتداء المادي  
استقر العمل القضائي  للمحاكم الإدارية في موضوع  رفع الاعتداء المادي يتضح أنه سعى إلى معالجة هذا الوضع بشكل يضمن حماية للمال العام، وذلك إما باتخاذ التدابير الوقتية التي تحول دون إهدار ذلك المال، أو إقرار مبدأ عدم المساس بالمنشأة العامة من خلال تمييزه بين حالة عدم إنشاء الإدارة لمنشآت بالعقار المغصوب وحالة إنجاز تلك المنشآت
1: غصب الإدارة لأملاك الأفراد دون إحداث منشئات
تعمد الإدارة أحيانا إلى الاعتداء على حق الملكية الخاصة بدريعة الاستعجال أو تعقد مسطرة نزع الملكية و طولها، الأمر الذي يدفع المالكين إلى مقاضاتها أمام القضاء الإداري ، بهدف رفع ذلك الاعتداء ، طالما أن الإدارة لم تنجز أي أشغال بالعقار المغصوب ، أو أن تلك الأشغال لازالت في بدايتها ، غير أن الإدارة قد تعرض على مالك العقار أثناء سريان الدعوى إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه تجنبا للحكم عليها بالتعويض ، حيث أقر العمل القضائي مبدأ أولوية التعويض العيني.
أ : رفع الاعتداء المادي تجنبا لإهدار المال العام
 تتوزع طلبات رفع الاعتداء المادي المقدمة في مواجهة الإدارة بين القضاء الاستعجالي وقضاء الموضوع بحسب طبيعة اختصاص كل جهة
        اختصاص القضاء الاستعجالي الإداري في قضايا رفع الاعتداء المادي:
أسندت المادة 19 من القانون رقم: 90-41 المحدث للمحاكم الإدارية لرئيس المحكمة الإدارية أو من ينيبه عنه مهمة قاضي المستعجلات للنظر في الطلبات الوقتية (40)، كما أن المادة 7 من القانون المذكور نصت على تطبيق القواعد المقررة في قانون المسطرة المدنية أمام المحاكم الإدارية ما لم ينص قانون على خلاف ذلك، مما حاصله أن القضايا الاستعجالية أمام القضاء الإداري تحكمها مقتضيات الفصول 149 إلى 154 من قانون المسطرة المدنية.
ويستمد القضاء الاستعجالي الإداري اختصاصه من اختصاص المحكمة الإدارية نفسها كقضاء موضوع في مجال رفع الاعتداء المادي والتعويض عنه، لأن قاضي المستعجلات الإداري جزء من المحكمة الإدارية(41).
ويستجيب القضاء الاستعجالي لطلبات إيقاف الأشغال أو افراغ الإدارة كلما ثبت له أن هذه الأخيرة لم تنجز بها منشآت عامة أو أن الأشغال التي تباشرها لازالت في بدايتها.
[40] -  إن أهمية القضاء الاستعجالي الإداري لم تكن بارزة عند وضع مشروع القانون المحدث للمحاكم الإدارية ،إلا أن لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب هي التي أكدت على ضرورة إقحام مقتضيات قانونية تمنح لرئيس المحكمة الإدارية هذا الدور من خلال المادة 19 من القانون رقم: 90-41.
محمد مياد، العمل القضائي في دعاوى استيلاء الإدارة على الملكية العقارية(الاعتداء المادي)، ص:60-61.
 [41]- ذلك ما أكده القرار الصادر عن الغرفة الإدارية بمحكمة النقض بتاريخ 20/06/1996 الذي ورد فيه:" وحيث إنه من جهة أخرى، فإذا كان الاختصاص قبل إحداث المحاكم الإدارية منعقدا للمحاكم الابتدائية كدرجة أولى، ولمحاكم الاستئناف كدرجة ثانية للنظر في دعاوى  التعويض عن الأضرار التي تسببها أعمال ونشاطات أشخاص القانون العام ، وكانت هذه المحاكم تنظر في دعاوى التعويض عن الاعتداء المادي في هذا الإطار، وتقضي تبعا لذلك إذا طلب منها برفع حالة الاعتداء المادي وإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه كطلب تابع ، أو بأمر استعجالي وقتي من قاضي المستعجلات ، أو بحكم قطعي بناء على طلب منفرد بذلك ، فإن المشرع عندما نقل اختصاص النظر في دعاوى التعويض عن الأضرار التي تسببها أعمال ونشاطات أشخاص القانون العام، ومنها دعاوى التعويض عن الاعتداء المادي إلى المحاكم الإدارية ، ونقل اختصاص قاضي المستعجلات الوقتي المرتبط برئيس المحكمة الابتدائية إلى رئيس المحكمة الإدارية، يكون بذلك قد نقل إلى المحاكم وإلى رئيسها اختصاص النظر في الطلبات التبعية، وأصبح اختصاصها بالتتبع إذا طلب منها ذلك النظر في رفع الاعتداء المادي الممارس من طرف الإدارة" قرار عدد:: 474، اورده عبد الحميد الحمداني  ،مرجع سابق، ص: 248

      رفع الاعتداء المادي من قبل قضاء الموضوع:
نشير بداية إلى أن قضاء الموضوع لا يستجيب لطلبات إيقاف الأشغال التي تقوم بها الإدارة على اعتبار أن الأمر المطلوب هو اجراء وقتي  يعد من صميم اختصاص قاضي المستعجلات الذي أسندت له المادة 19 من القانون رقم:90-41 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية أمر البت في الطلبات الوقتية والتحفظية، وفي هذا الإطار قضت المحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ 26 يونيو 2007 بأن "طلب إيقاف الأشغال  باعتباره طلبا وقتيا يدخل ضمن اختصاص القضاء المستعجل لا قضاء الموضوع"(42)
وإذا كان القضاء الإداري يستجيب لطلبات إخلاء الإدارة من العقار المعتدى عليه إذا كانت الأشغال العامة لم تبلغ مراحل متقدمة، فإن تقدير مراحل تلك الأشغال تخضع للسلطة التقديرية للمحكمة بعد استعانتها بخبرة في الموضوع، فإذا تبين أن رد العقار لمالكه أضحى مستحيلا لكون الأشغال بلغت مراحل نهائية، فإنه يستعاض عن الافراغ بالتعويض النقدي، غير أنه قد يكون للإدارة تقدير آخر بحيث يتبين لها أن التعويض المالي سيكلفها مبالغ مالية مهمة ،لذلك وبهدف ترشيد إنفاق أموالها تعرض على المدعي مالك العقار إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه، فهل يمكن الاستعاضة عن التعويض النقدي بالتعويض العيني رعيا لحسن ترشيد المال العام ؟.
[42]- حكم رقم: 1468 صادر في الملف رقم:198-7. غير منشور.

ب: أولوية التعويض العيني
تواتر العمل القضائي على جبر الضرر عن طريق التعويض النقدي، علما أن مقتضيات الفصل 77 من قانون الالتزامات والعقود استعملت مصطلح التعويض بشكل مطلق دون تحديد، إذ ورد في الفصل المذكور: " كل فعل ارتكبه الانسان عن بينة واختيار ومن غير أن يسمح له به القانون، فأحدث ضررا ماديا أو معنويا للغير، التزم مرتكبه بتعويض هذا الضرر ، إذا ثبت أن ذلك الفعل هو السبب المباشر في حصول الضرر."
وبالنظر لعمومية لفظ التعويض يمكن القول بأن جبر الضرر يتم بالتعويض المالي أو التعويض العيني طالما أن اللفظ المطلق يحمل على إطلاقه، ووفق لهذا التأويل سار العمل القضائي الفرنسي(43)
وتبدو أهمية قاعدة أولوية التعويض العيني على مستوى حماية المال العام وضمان حسن إنفاقه ذلك أن رد العقار إلى مالكه سيوفر للإدارة مبالغ مالية هامة كانت ستؤدى كتعويض عن فقدان الملكية وبإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه يمكن للإدارة تصحيح وضعيتها القانونية،  وسلوك المساطر القانونية لوضع يدها على العقار، إذا كانت المصلحة العامة تقتضي ذلك.
[43]- أنظر في هذا الصدد حسين عامر و عبدالرحيم عامر، المسؤولية المدنية والعقدية، الطبعة الثانية، دار المعارف،1979، ص:31.
وقد أورد المؤلفان بعض التطبيقات القضائية للقضاء الفرنسي في هذا الصدد.


2: إقامة منشآت عامة في إطار الاعتداء المادي
إذا كانت المصلحة العامة تقضي في حالات الاعتداء المادي بعدم جواز هدم المنشأة  العامة فإن تعويض مالك العقار عن فقدان الملكية يقتضي نقل ملكية العقار المعتدى عليه إلى الإدارة رعيا للمصلحة المذكورة.
أ: مبدأ عدم المساس المنشأة العامة
إن استيلاء الإدارة على عقار عائد للخوص حيادا على الاجراءات القانونية لنزع الملكية   وإحداثها لمنشأة عمومية به، يجعلنا أمام  وضعية تتنازعها مصلحتان خاصة وعامة.
فالمصلحة الخاصة تتمثل في حق الملكية المصون بحكم الدستور والمواثيق الدولية وكذا القوانين الخاصة(44)
أما المصلحة العامة فقوامها عدم المساس بالمنشآت العمومية ، بحيث يمنع الحكم بهدم أي بناية عمومية قد تقام على ملك خصوصي، ولو كانت تلك البناية محدثة في إطار الاعتداء المادي، فإنجاز الإدارة لأشغال عامة على أرض الغير تترتب عنه لا محالة صرف أموال عمومية تحملتها الميزانية العامة، لذا فمن غير المستساغ المساس بالمنشأة ، بالنظر لما يترتب على ذلك من إهدار للأموال العامة.
وإذا كان القضاء الإداري لا يستجيب إلى طلبات إخلاء الإدارة من العقار المغصوب إذا أقيمت عليه منشآت عامة، وذلك رعيا للمصلحة العامة التي تقضي بأن المنشأة العامة  المحدثة على وجه غير سليم لا يمكن هدمها حماية للمال العام، فإن التساؤل يثار بخصوص وضعية العقار المعتدى  عليه ؟.
[44]- ذلك أن الفصل35 من الدستور المغربي[93] ينص على أنه : "يضمن القانون حق الملكية ويمكن الحد من نطاقها وممارستها بموجب القانون إلا إذا اقتضت ذلك متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، ولا يمكن نزع الملكية إلا في الحالات ووفق الإجراءات التي ينص عليها القانون".
    كما جاء في المادة 17 من التصريح العالمي لحقوق الانسان والمواطن الصادر سنة 1789 على ان حق الملكية مقدس، ولا يمكن ان يحرم أي احد منه إلا اذا فرضت ذلك قطعا الضرورة العامة بصورة قانونية وشرط تعويض عادل ومسبق.
   وينص الفصل 10 من ظهير2 يوليوز1915 المحدد للتشريع المطبق على العقارات المحفظة على انه : "لا يجبر احد على التخلي عن ملكه إلا لأجل المنفعة العامة ووفق القوانين الجاري بها العمل".


ب : نقل ملكية العقار المغصوب إلى الإدارة
إذا كان مالك العقار المعتدى عليه محق في التعويض عن فقدان ملكه، فإن نقل ملكية ذلك العقار إلى الإدارة تعترضه بعض الصعوبات، ذلك أن هذه الأخيرة قد تعمد إلى تصحيح وضعيتها وذلك بسلوك مسطرة نزع الملكية قصد تملكها للعقار موضوع نزع الملكية وفقا للقانون، حيث تنقل إليها الملكية بدون أي إشكال وهذا ما أكدته محكمة النقض المغربية في قرار لها بتاريخ:10 نونبر 2004(45)، حينما اعتبرت أن الحكم للمنزوعة ملكيته بالتعويض عن فقد ملكية عقاره في إطار دعوى التعويض عن الاعتداء المادي لا يحول دون الحكم بنقل ملكية نفس العقار لفائدة نازع الملكية، مادامت دعوى نزع الملكية مستجمعة لكافة الشروط المنصوص عليها في قانون نزع الملكية للمنفعة العامة والاحتلال المؤقت، والمحكمة لما قضت بعدم قبول دعوى نزع الملكية لسبق الحكم بالتعويض عن الاعتداء المادي لم تجعل لقضائها أساس.
غير أن عدم تصحيح الإدارة لوضعيتها من مجرد معتد إلى نازع للملكية، وذلك عن طريق استصدار مرسوم بذلك النزع ، ولجوئها إلى مسطرة نقل الملكية أمام المحكمة الإدارية المختصة يجعل نقل ملكية العقار محل الاعتداء إليها محل إشكال، وقد تضاربت بشأنه الأحكام القضائية.
فعلى الرغم من ذلك، فإن العمل القضائي بالمحكمة الادارية بالرباط تواترعلى نقل ملكية العقار محل الاعتداء إلى الإدارة إذا ما تقدمت هذه الأخيرة بطلب بشان ذلك، باعتبار أن المصلحة العامة إن كانت تقضي بعدم المساس بالمنشأة العامة المحدثة بشكل غير سليم ، فإنها توجب كذلك نقل ملكية العقار المغصوب إلى الإدارة طالما ان مالكه عوض عن فقدان الملكية، ونشير في هذا الصدد إلى الحكم الصادر عن المحكمة المذكورة بتاريخ:28 فبراير 2006 (46) الذي قضى في الطلب الأصلي بتعويض عن فقد الملكية والاستغلال لفائدة المالك، وفي المقال المضاد المقدم من طرف الإدارة بنفل ملكية العقار محل الاعتداء إلى هذه الأخيرة علما أن هذا الحكم تم تأييده من قبل محكمة النقض(47)
 [45]- قرار عدد: 640 صادر في الملف الإداري رقم:3070-4-2-2003 أشار إليه محمد مياد، مرجع سابق، ص: 101.
 [46]-  حكم رقم: 341صادر في الملف رقم: 1042-7-04، غير منشور.
[47]-  بموجب القرار عدد: 54 الصادر بتاريخ: 20 يناير 2010 في الملف الإداري عدد: 1048—4-2-09، غير منشور.

المطلب الثاني :  إكراهات حماية المال العام من قبل القضاء الإداري
لقد عمل القضاء الإداري على رعاية المال العام من خلال قضائه في النوازل المعروضة عليه، وذلك  بالتطبيق الصارم للقاعدة القانونية التي تروم ضمان الشفافية أو ابتكار آليات اجتهادية من شأنها ترجيح المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، وبالتالي إضفاء حماية للمال العام، لكن القضاء الاداري قد يجد نفسه أمام وضعيات يتعذر معها ضمان رعاية خاصة لذلك المال ، بحيث يعجز العمل القضائي عن توفير حماية له حتى ولو أعمل اجتهاده، طالما أن ضمان تلك الحماية في الحالات المذكورة قد يتطلب معارضة نصوص قانونية صريحة، أو المس بالمصالح الخاصة للأفراد بشكل بين، علما أن العمل القضائي – من خلال بعض المقررات الصادرة عنه- قد يتسبب في هدر المال العام من خلال الإعمال غير السليم لبعض القواعد القانونية، وهو ما يمكن تصنيفه في إطار الحدود القضائية لحماية المال العام .
وبخصوص الاكراهات الأخرى نشير إلى أن عدم تقيد الإدارة بمبدأ الشرعية يسهم في تبذير ذلك المال لذلك يمكن القول بأن بعض التطبيقات القضائية، وكذا عدم انضباط الإدارة لمبدأ الشرعية يشكل أحد معيقات حماية المال العام ينضاف إلى ذلك ، عدم إيلاء هذه الأخيرة الأهمية اللازمة للدعاوى المقدمة في مواجهتها، و كذا عدم تقديرها للمقررات القضائية الصادرة في حقها.
الفقرة الأولى: الحدود المرتبطة بالعمل القضائي وبعدم انضباط الإدارة لمبدأ الشرعية.
إذا كان المطلوب من القضاء الإداري أن ينخرط في التوجه القاضي بتأمين الحماية للمال العام فإن بعض التطبيقات القضائية سلكت بعض التوجهات من شأنها أن تسهم في هدر ذلك المال، وشكلت بذلك حدودا قضائية لحماية المال العام ، كما يبقى عدم انضباط الإدارة لمبدأ الشرعية أحد أبرز تجليات اكراهات حماية المال العام.
أولا: الحدود القضائية لحماية المال العام
من خلال تفحص العمل القضائي الصادر عن المحاكم الإدارية في القضايا التي لها ارتباط بالمال العام يتضح أن القضاء الإداري وإن كان يسعى في عمومه إلى تأمين حماية خاصة لذلك المال، فإن بعض المقررات القضائية تطالعنا باجتهادات مناقضة لذلك المسعى، فضلا على أن الخبرة القضائية المأمور بها من قبل المحاكم الإدارية كثيرا ما تتسم بالمبالغة في تقدير التعويض الذي ستتحمله الإدارة ، مما يترتب عنه هدر للمال العام.
1: تطبيقات قضائية تسهم في هدر المال العام
   من أهم التطبيقات القضائية التي تحول دون إضفاء حماية للمال العام نذكر العمل القضائي الذي يضفي المشروعية على الصفقات الباطلة ، واعتبار عدم جواب الإدارة بمثابة إقرار و الزيادة في مبلغ التعويض المقترح في إطار نزع الملكية في غياب منازعة المنزوعة ملكيته.
أ: إضفاء المشروعية على الصفقات الباطلة
إذا كانت الصفقات الباطلة هي التي تبرم حيادا على المرسوم رقم 388-06-2 الصادر في 5/2/2007 بتحديد شروط وأشكال إبرام صفقات الدولة، وكذا بعض القواعد المتعلقة بتدبيرها ومراقبتها  فإن بعض الأحكام القضائية تضفي المشروعية عليها ، من خلال القضاء لفائدة المتعاقد مع الإدارة بكامل مقابل الصفقة، واعتماد بيانات أخرى -غير عقد الصفقة- لإثبات الصفقة موضوع النزاع ، من قبيل الخبرة القضائية.
ب: اعتبار عدم جواب الإدارة بمثابة إقرار
كثيرا ما تستنكف الإدارة وخاصة الجماعات الترابية عن الجواب عن الدعاوى المقدمة في مواجهتها، رغم توصلها بالاستدعاء بصفة قانونية مرفقا بنسخة من المقال الافتتاحي، الأمر الذي جعل بعض المواقف القضائية تركن إلى اعتبار عدم الجواب بمثابة اقرار بما هو مضمن بصحيفة افتتاح الدعوى، عملا بمقتضيات الفصل 406 من قانون الالتزامات والعقود الذي ورد فيه:" يمكن أن ينتج الاقرار القضائي عن سكوت الخصم عندما يدعوه القاضي صراحة إلى الإجابة عن الدعوى الموجهة إليه فيلوذ بالصمت، ولا يطلب أجلا للإجابة عنها."
لذلك فإن اعتبار عدم جواب الإدارة بمثابة إقرار يشكل إعمالا غير سليم لمقتضيات الفصل 406 خصوصا إذا أخذنا بعين الاعتبار الصعوبات المترتبة على واقع التبليغ بالمغرب، وكذا الآثار الخطيرة للاستنتاج المذكور على حقوق الإدارة المطلوب منها الجواب بصفة خاصة وما يشكله ذلك من مساس بالمال العام بصفة عامة.
ج: الزيادة في مبلغ التعويض المقترح في إطار نزع الملكية في غياب منازعة المنزوعة ملكيته.
إذا كان المشرع قد راعى من خلال بيان كيفية تقدير التعويض الممنوح للمنزوعة ملكيته مبدأي حماية المال العام و تخصيص العقار للمنفعة العامة، فإن بعض التطبيقات القضائية في مجال نزع الملكية قد حادت عن ذلك التوجه خلال تعاملها مع تقدير ذلك التعويض، ذلك أن الثابت وفق القواعد القانونية لنزع الملكية ، أن الإدارة تقترح على المنزوعة ملكيته مبلغا للتعويض ، وإذا حظي هذا الاقتراح بموافقته يتم تحرير محضر بشأن ذلك، أما إذا لم يتم التوافق بشأن ذلك ، ونازع المالك في التعويض المقترح فإنه يبقى للقضاء صلاحية تحديد التعويض المناسب.
2: عدم التزام الخبراء بالعناصر الموضوعية لتقدير التعويض
بقراءة متأنية للخبرات القضائية المنجزة في النوازل المعروضة على المحاكم الإدارية والمتعلقة بتقدير التعويض الذي ستتحمله الإدارة ، يتضح أن الخبراء لا يتقيدون بأساليب التقييم الجاري بها العمل(48)، بحيث يكتفون أحيانا بالإشارة إلى أحد تلك الأساليب دون الإدلاء بأي بيان يثبت اعتمادهم لها، ويبقى أهم ما يطبع الخبرة القضائية بهذا الخصوص هو المبالغة في تقدير التعويض كلما كان الأمر يتعلق بطلب تعويض مقدم في مواجهة الإدارة
[48]- تحدد أهم أساليب التقييم في أسلوب المقارنة، أسلوب الدخل،  و أسلوب التكلفة.

ثانيا: عدم التزام الادارة بمبدأ الشرعية
يقصد بعدم التزام الإدارة بمبدأ الشرعية عدم تقيدها بالنصوص القانونية حين تدبيرها للشأن العام (49)، حيث تعمد إما إلى القيام بأفعال يترتب عنها أضرار للأفراد، مما يوجب عليها تعويضهم جبرا لتلك الأضرار، وإما إلى غصب أملاكهم حيادا على القواعد القانونية الجاري بها العمل الأمر الذي يكلف الميزانية العامة مبالغ مالية مهمة، نتيجة مطالبة المعتدى على ملكهم  بتعويضهم عن حرمانهم من أملاكهم، فضلا على استنكاف الإدارة عن تحصيل الديون العمومية المستحقة لفائدتها.
[49] - تعني الشرعية  حسب بعض الفقه أنه لا يجوز للإدارة أن تأتي عملا قانونيا أو ماديا مخالفا للقانون وهذا يعني أن تصرفات الإدارة تكون مشروعة طالما أنها لم تخالف القانون، أنظر: ثروت بدوي، النظم السياسية، (القاهرة: دار النهضة العربية، 1972) ص: 175.
1: الاعتداء المادي
يعرف الاعتداء المادي بأنه كل عمل مادي غير شرعي تأتيه الإدارة في مواجهة الأفراد بحيث يتميز بعد شرعيته الجسيمة الشيء الذي يفقده كل علاقة بالسلطة الإدارية المخولة للإدارة(50)
إن وضع الإدارة يدها على عقار أحد الأفراد حيادا على مسطرة نزع الملكية من شأنه أن يكلفها مبالغ مالية مهمة، باعتبار أن التعويض عن الاعتداء المادي يخضع للقواعد العامة  ، فضلا على أنه يشمل التعويض على فقد الملكية  والتعويض عن الحرمان من استغلال العقار المعتدى  عليه ،كما أن الإدارة لا تستفيد بهذا الخصوص من المساهمة المجانية موضوع الفصل 37 من قانون التعمير.
أ:  التعويض عن فقد الملكية.
إذا كان التعويض عن فقد الملكية في إطار نزع الملكية يحدد على أساس الضرر الحالي والمحقق والناشئ مباشرة عن نزع الملكية، كما يحدد مبلغه – مبدئيا- حسب قيمة العقار يوم صدور قرار نزع الملكية، دون أن تراعى في تحديد هذه القيمة البناءات و الأغراس والتحسينات المنجزة دون موافقة نازع الملكية، فإن الاعتداء المادي يخول لمالك العقار المعتدى عليه حق المطالبة بقيمة ذلك العقار بتاريخ تقديم الدعوى ووفقا للقواعد العامة، مع الأخذ بعين الاعتبار المنشآت المقامة عليه من قبيل البنايات و الأغراس.
ب: التعويض عن الحرمان من الاستغلال.
يقصد بالتعويض عن الحرمان من الاستغلال جبر الضرر الناتج عن الحرمان من المردودية التي كان بإمكان المالك أن يجنيها من أرضه لو ظلت تحت يده، كما عرفته الغرفة الإدارية بمحكمة النقض المغربية بأنه: " تعويض على ما فات المستأنف عليهم من كسب وما حرموا منه من نفع في حالة ما إذا بقي العقار في حوزتهم" (51)
ج- عدم إعمال قاعدة المساهمة المجانية لمالكي العقارات المجاورة للطرق.
تنص المادة 37 من القانون رقم 90-12(52) على أن الجماعة تقوم بتملك العقارات الواقعة في مساحة الطرق العامة الجماعية، وذلك إما برضى ملاكها وإما بنزع ملكيتها منهم مع مراعاة الأحكام الخاصة المنصوص عليها في نفس المادة، والمتعلقة بمساهمة مالك كل بقعة أرضية تصير أو تبقى مجاورة للطريق العامة الجماعية المقرر إحداثها مجانا في إنجازها إلى غاية مبلغ يساوي قيمة جزء من أرضه يعادل مستطيل يكون عرضه عشرة أمتار، وطوله مساويا لطول واجهة الأرض الواقعة على الطريق المراد إحداثها، شريطة ألا تتعدى هذه المساهمة قيمة ربع البقعة الأرضية ، مع إلزام الجماعة بتملك الجزء الذي يبقى من البقعة المذكورة إذا أصبح غير قابل للبناء بموجب الضوابط القانونية
. [50]- أنظر بهذا الخصوص المطلب الثاني من المبحث الثاني من الفصل الأول.
 [51] - قرار القسم الثاني عدد: 32 صادر بتاريخ: 16-01-2003 منشور بمرجع إبراهيم زعيم الماسي، مرجع سابق ، ص:255.
 [52] - صدر هذا القانون بمقتضى الظهير الشريف المؤرخ في 15 من ذي الحجة 1412 موافق 1 يونيو 1992.

2: عدم انضباط  الإدارة للقاعدة القانونية
لقد تبين من خلال استقراء مواضيع الدعاوى القضائية المرفوعة ضد الإدارة، وكذا الأحكام القضائية الصادرة في مواجهتها، أن نسبة كبيرة من القضايا المذكورة تهم التعويض عن أضرار تسببت فيها الإدارة، إما بفعل التهاون أو التقصير في أداء مهامها أو بفعل تجاهل القواعد القانونية المعمول بها، مما يكلف المالية العامة أموالا باهضة تخل بتوازنها المالي ، وتعرقل السير العادي والمنتظم للمرفق العام (53)، لذلك فإن عدم التزام الإدارة بالقواعد القانونية يشكل أحد العوامل التي تحول دون ضمان حماية فعالة للمال العام من قبل القضاء الإداري فضلا على تقصير المصالح المختصة في تحصيل الديون العمومية -وخاصة ما يتعلق بالضرائب - في إبانها ،مما يعرضها  للتقادم.
 

[53] - لعل ما يؤكد ذلك هو صدور دورية عن وزير الداخلية نبهت إلى تجاهل المسؤولين الجماعيين للقواعد القانونية والتنظيمية المعمول بها، وما يترتب عن ذلك من أضرار للغير مما يكلف ميزانية الجماعة أعباء مالية، وأشارت إلى إمكانية محاسبة هؤلاء بصفة شخصية، ومما ورد في تلك الدورية: " لا يخفى عليكم أن المسؤولين الجماعيين سواء كانوا منتخبين أو موظفين قد يرتكبون أخطاء، أحيانا تكون جسيمة، إما بفعل التهاون والتقصير أو بفعل تجاهل القواعد القانونية والتنظيمية المعمول بها، وقد يكلف ذلك خزينة الجماعة أموالا باهضة تخل بتوازنها المالي وتعرقل السير العادي والمنتظم لمرافقها العامة كما قد تؤدي أحيانا إلى حد الأمر بالحجز على أموالها وممتلكاتها.
 ولمعالجة هذا المشكل الذي أضحى من الأسباب الرئيسية للدعاوى القضائية التي ترفع ضد الجماعات المحلية والأحكام القضائية التي تصدر ضدها، فإنه أصبح من الضروري تنبيه هؤلاء المسؤولين إلى أن أي عمل أو تصرف قد يصدر عنهم أثناء ممارستهم المهام المنوطة بهم يترتب عنه إضرار بالغير ويكلف ميزانية الجماعة أعباء مالية، إما بسبب مخالفة القوانين والأنظمة المعمول بها وإما بفعل التهاون والتقصير ، فإنهم سيحاسبون عن تلك الأخطاء طبقا لقواعد المسؤولية المنصوص عليها في الفصلين 79 و80 من قانون الالتزامات والعقود ، ويتعين عليهم تبعا لذلك، تسديد المبالغ المالية التي أهدرت بدون مبرر قانوني أو التي دفعت كتعويض لجبر الضرر الحاصل بالأغيار إلى الخزينة العامة."
دورية رقم: 21-ق.ت.م.- موجهة إلى السادة ولاة وعمال العمالات والأقاليم وعمال المقاطعات بالمملكة حول ضبط المنازعات القضائية للجماعات المحلية وهيئاتها، منشور بالدليل القانوني للجماعات المحلية،2010 ص:464.

أ: عدم التزام الإدارة بالقواعد القانونية. 
تتعدد الحالات التي لا تنضبط فيها الإدارة للقواعد القانونية المعمول بها، حيث تتصرف خارج إطار الشرعية، فتتسبب بذلك في إحداث ضرر للأفراد، مما يرتب على كاهلها التزاما بتعويضهم، الأمر الذي يسهم في هدر للمال العام.
ب: تقادم تحصيل الديون العمومية نتيجة التهاون في تحصيلها
باستقراء القضايا المتعلقة بالنزاعات الضريبية المعروضة على المحاكم الإدارية، يتضح أن أغلبها يتعلق بطلبات سقوط حق القابض في الاستخلاص نتيجة تقادم الدين العمومي (54)، ذلك أن المادة 123 من مدونة تحصيل الديون العمومية تقضي بأنه : "تتقادم إجراءات تحصيل الضرائب والرسوم والحقوق الجمركية وحقوق التسجيل و التمبر بمضي أربع سنوات(4) من تاريخ الشروع في تحصيله.
[54] - يعرف التقادم فقها بأنه سبب لانقضاء الحقوق المتعلقة بالذمة المالية  ،ولا سيما الالتزامات إذا توانى  صاحبها عن ممارستها أو أهمل المطالبة بها خلال مدة معينة يحددها القانون ، لأن الأساس الذي ترتكز عليه فكرة التقادم هو توفير الاستقرار في المجتمع
وإشاعة الاطمئنان والثقة بين أفراده.
عبد العزيز اليونسي – تقادم إجراءات تحصيل الديون العمومية ، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسلة مواضيع الساعة عدد 31/2001   صفحة: 78.
وبخصوص فلسفة التقادم يقول الفقيه عبدالرزاق أحمد السنهوري:" يرتكز التقادم على اعتبارات تمت للمصلحة العامة بسبب وثيق، فإن استقرار التعامل يقوم إلى حد كبير على فكرة التقادم، ويكفي أن نتصور مجتمعا لم يدخل التقادم في نظمه القانونية، لندرك إلى أي حد يتزعزع فيه التعامل وتحل الفوضى محل الاستقرار"
أنظر: الوسيط في شرح القانون المدني الجديد، نظرية الالتزام بوجه عام، الجزء الثالث، الطبعة الثالثة، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت لبنان،2000 ص:  996


الفقرة الثانية: عدم تقدير الإدارة للدعاوى والمقررات القضائية
من خلال تتبع مسار القضايا المرتبطة بالمال العام المعروضة على المحاكم الإدارية يتضح أن تعامل الإدارة مع تلك القضايا يتسم بعدم الفعالية، بشكل يسهم في تبذير للمال العام ، بحيث أن القضاء الإداري يجد نفسه في حالات كثيرة  عاجزا عن ضمان حماية ناجعة لذلك المال بالنظر لمواقف الإدارة المتسمة بالتقصير في الاهتمام بالدعوى الإدارية فضلا على إهمالها تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة في مواجهتها.
أولا: التقصير في الاهتمام بالدعوى الإدارية
لعل أهم ما يميز الإطار القانوني لتمثيل الشخص المعنوي العام أمام القضاء هو تشتت النصوص القانونية وتعددها، فضلا على تعدد المؤسسات التي تتولى الدفاع عن مصالحه (55)، بحيث ينص الفصل 515 على أنه: "ترفع الدعوى ضد :
-  الخزينة، في شخص الخازن العام.
الدولة، في شخص الوزير الأول وله أن يكلف بتمثيله الوزير المختص عند الاقتضاء.
الجماعات المحلية، في شخص العامل بالنسبة للعمالات والأقاليم وفي شخص رئيس المجلس القروي بالنسبة للجماعات.
المؤسسات العمومية، في شخص ممثلها القانوني".
وبخصوص الدفاع عن مصالح الشخص المعنوي العام أمام القضاء، نشير إلى أن للدولة الخيار بين اللجوء إلى أحد موظفيها المنتدبين لهذه الغاية أو اللجوء إلى أحد المحامين أو الاستعانة بالوكيل القضائي (56) وإن كانت الممارسة العملية تكشف أن الإدارات العمومية والمكاتب والمؤسسات العمومية تعهد إلى الوكيل القضائي للمملكة لتمثيلها والدفاع عنها خلال الدعاوى المقدمة في مواجهتها، علما أن الثابت من القضايا المطروحة على المحكمة الإدارية عدم فعالية الدور التمثيلي للوكالة القضائية للمملكة علاوة على تقصير الجماعات الترابية في الدفاع عن مصالحها المالية.

[55]-  بالنسبة للأملاك العامة  ، يمثلها  وزير التجهيز أو وزير الأشغال العمومية، إذ ينص الفصل الثاني من ظهير 3-4-1917 المغير والمتمم لظهير 6 غشت 1915، على ما يلي: "ويخول أيضا الاختصاصات المشار إليها أعلاه للمدير العـام للأشغال العمومية فيما يتعلق بالأمـلاك العمومية وذلك وفقـا للظهير الشريف المؤرخ في 7 شعبان 1332 هـ الموافق لفاتح يوليوز 1914"،ونشير إلى أن إدارة الأملاك العمومية المذكورة في هذا النص هي التي أصبحت فيما بعد الاستقلال وزارة الأشغال العمومية.
- بالنسبة للأملاك الخاصة للدولة، فإن مدير الأملاك المخزنية هو الذي له صلاحية تمثيل الدولة أمام القضاء، جاء في الفصل الفريد من ظهير 6 غشت 1915 المغير بظهير 3 أبريل 1917،  ما يلي: "لا يجوز التدخل في المرافعات المتعلقة بتقييد أملاك الدولة الخاصة إلا لرئيس إدارة الأملاك المخزنية أو نائبه".
وقد أكد المرسوم رقم: 78-539 الصادر بتاريخ 22 نونبر 1978 المتعلق بتحديد اختصاصات وتنظيم وزارة المالية في  الفصل 14 عل أنه: "يعهد لمديرية الأملاك المخزنية بتكوين وتسيير ملكا للدولة الخاص غير الملك الغابوي، وكذلك النزاعات المتعلقة به واقتناء العقارات وتخصيصها بالمرافق العمومية".
     - وبالنسبة للأملاك الغابوية، فإن وزير الفلاحة هو المختص بتمثيل الدولة بخصوصها،  حيث ينص الفصل الثاني من ظهير 10-10-1917 المغير بمقتضى ظهير 21-6-1960 على ما يلي: "يتمتع وزير الفلاحة وحده بصلاحية التدخل باسم مصالح الملك الغابوي في مسطرة التحديد والتحفيظ وكذا التقاضي أمام القضاء".
    - في ميدان الأوقاف، و بالرجوع إلى الظهير المؤرخ في 13-7-1913 المتعلق باختصاصات المصلحة المركزية للأحباس،نجده قد أعطى صلاحية التقاضي باسم الأوقاف إلى المديرية المركزية للأوقاف التي حلت محلها وزارة الأوقاف، كما منح الظهير المؤرخ في 13-1-1918 المنظم لمراقبة الحبس العائلي من طرف وزارة الأحباس، صلاحية التقاضي لهذه الوزارة في هذه القضايا، وبذلك فإن وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية باعتباره قيما على ملك الأوقاف، هو الذي يتمتع بصلاحية التقاضي باسم هذا الملك.

[56]- الخيار المذكور تقره النصوص القانونية التالية:
- الفقرة الثانية من الفصل 34 من قانون المسطرة المدنية: "أن الإدارات العمومية تكون ممثلة بصفة قانونية أمام القضاء بواسطة أحد الموظفينالمنتدبين لهذه الغاية."
 - المادة 354 من القانون المذكور:"تعفىالدولة من مساعدة المحامي طالبة كانت أو مطلوبا ضدها وذلك خلافا لمقتضياتالفقرتين 1 و2 أعلاه.
يوقعفي هذه الحالة على مقالاتها ومذكراتها الوزير المعني بالأمر أو موظف منتدب لهذاالغرض ، ويمكن أن يكون هذا الانتداب عاما يشمل نوعا من القضايا."
-المادة 33 من قانون المحاماة:"لا يسوغ أن يمثلالأشخاص الذاتيون والمعنويون والمؤسسات العمومية وشبه العمومية والشركات ، أويؤازروا أمام القضاء إلا بواسطة محام ، ما عدا إذا تعلق الأمر بالدولة والإداراتالعمومية تكون نيابة المحامي أمرا اختياريا."
-المادة 10 منالقانون رقم 80.03 الـمحدثة بموجبه محاكم استئناف إدارية:" يقدم الاستئناف إلى كتابة ضبط المحكمة الإدارية التي أصدرت الحكم المستأنف بواسطة مقال مكتوب يوقعه محام، ما عدا استئناف الدولة والإدارات العمومية حيث تكون نيابة محام أمرا اختياريا."
-الفصل 514 من قانون المسطرة المدنية:" كلماكانت الطلبات تستهدف التصريح بمديونية الدولة أو إدارة عمومية أو مكتب أو مؤسسةعمومية للدولة في قضية لا علاقة لها بالضرائب والأملاك المخزنية وجب إدخال العونالقضائي في الدعوى وإلا كانت غير مقبولة"
-الفقرة الأخيرة من ظهير 2 مارس 1953 بشأن إحداث مؤسسة الوكيل القضائي على ما يلي : " يمثل الوكيل القضائي في المحاكم الدولة الشريفة، ومكاتبها ومؤسساتها العمومية في القضايا التي تكون مدعى عليها فيها، وأن يقوم في ذلك مقام رؤساء الإدارات والمديرين المختصين بالأمر حين يكلفونه بذلك "

  1: حدود دور الوكالة القضائية للمملكة في الدفاع عن المصالح المالية للإدارة.
إذا كان الفصل 514 من قانون المسطرة المدنية قد أوجب إدخال الوكيل القضائي في الدعوى كلما كانت الطلبات تستهدف التصريح بمديونية الدولة، أو إدارة عمومية أو مكتب، أو مؤسسة عمومية للدولة في قضية لا علاقة لها بالضرائب أو الأملاك المخزنية تحت طائلة عدم القبول، فإن نفس الإلزام ورد في ظهير 2 مارس 1953 ، إذ اعتبر إدخاله ضروريا في الدعاوى التي تستهدف " إثبات دين على الدولة الشريفة أو على أحد إداراتها أو مكاتبها أو مؤسساتها العمومية، وكان هذا الدين غير داخل في شؤون الضرائب أو شؤون الأملاك المخزنية "
وقد اعتبرت محكمة النقض أن المقتضيات المذكورة ، باعتبارها تروم حماية مصالح الدولة، تعد من متعلقات النظام العام، بحيث لا يجوز إغفالها(57).
يتبين من خلال مجموعة من القضايا المعروضة على المحكمة الإدارية بالرباط والتي تهم مديونية الدولة أن هناك تقصيرا من قبل الوكالة القضائية في الدفاع عن الأشخاص المعنوية التي تمثلها ، ويتمثل هذا التقصير على وجه الخصوص في عدم استجابتها للاستدعاءات التي توجهها إليها المحكمة، مما يجعل هذا الأخيرة تصدر أحكاما بناء على المعطيات التي قدمها خصم الإدارة ،الأمر الذي يرتب التزامات مالية مهمة بذمة هذه الأخيرة، وخاصة في القضايا التي تتعلق بالعقود الإدارية ، ولتوضيح هذا المعطى ارتأينا تقديم مثال يخص وزارة التجهيز والنقل ، حيث أن هناك قضايا كثيرة تخص الوزارة المذكورة معروضة على القضاء الإداري ، وترتبط على وجه الخصوص بعقود الصفقات التي تبرمها مع أشخاص القانون الخاص، وتترتب عنها منازعات تهم في الغالب المطالبة بمقابل الصفقة وكذا التعويض، غير أن الإدارة المعنية غالبا ما تستنكف عن الدفاع على مصالحها المالية على الرغم من أن الأمر يتعلق بمبالغ مالية مهمة، وهذا ما سيتضح من خلال الجدول التالي:
جدول يبين تعامل الإدارة مع الدعاوى المقدمة في مواجهتها.

مرجع النازلة  موضوع الدعوى         موقف الإدارة
(وزارة التجهيز والنقل) المبلغ المحكوم به   
حكم صادربتاريخ
07/06/2012                                     في الملف رقم:
7 -13-2012
بـتـاريخ  :
       مقابل صفقة  عدم الجواب رغم توصلها بالاستدعاء      (285597,36)درهم عن الصفقة عدد: 32-2005-DPDPM ، مع فوائد التأخير عن المدة الممتدة من تاريخ 26 -09-2008  إلى غاية تاريخ 20-09-2011، والفوائد القانونية من تاريخ الحكم.
حكمصادر بتاريخ
 07/06/2012                                 في الملف عـدد :
8-13-2012
       مقابل صفقة  عدم الجواب رغم توصلها بالاستدعاء      (233016,00)درهم عن الصفقة عدد: 2004-17-AH، مع فوائد التأخير عن المدة الممتدة من تاريخ 29 -05-2008  إلى غاية تاريخ 20-09-2011، والفوائد القانونية من تاريخ الحكم، وتحميل المدعى عليها الصائر
حكم صادر بتاريخ
 07/06/2012                                 في الملف عـدد :
 68-13-2012   مقابل صفقة  عدم الجواب رغم توصلها بالاستدعاء      93092,00درهم عن الصفقة عدد: LGP-201009، مع فوائد التأخير ابتداء من تاريخ: 26-11-2010
حكم صادر بتاريخ
07/06/2012                                 في الملف عـدد :
 4/13/2012      مقابل صفقة  عدم الجواب رغم توصلها بالاستدعاء      444.303.00 درهم  و الفوائد التأخيرية  ابتداء  من 12-7-2006إلى  20-9-2011عن الفوائد القانونية ابتداء من تاريخ الحكم  مع الصائر
المصدر: تركيب شخصي للأستاذ عبد الحق أخو الزين المحكمة الإدارية بالرباط.
 الأحكام المشار إلى مراجعها في الجدول المذكور غير منشورة.

 الملاحظ من خلال الجدول المذكور أن الوكالة القضائية لم تعمل على حماية المال العام في القضايا المذكورة، على الرغم من أنها تمثل الدولة في القضايا التي تستهدف مديونيتها ، فضلا على أن الوزارة المعنية لم تكلف نفسها عناء انتداب أحد موظفيها للدفاع عنها أمام القضاء، كما لم تنتدب أحد المحامين لتمثيلها في القضايا المذكورة وحماية مصالحها، بحيث أنها أبت إلا أن تستنكف عن الجواب رغم توصلها بالاستدعاء بصفة قانونية، و لم تنازع في الطلبات المقدمة في مواجهتها، مما كان نتيجته صدور أحكام قضائية ضدها من شأنها أن ترهق ميزانيتها، علما أن القضايا التي أوردناها بالجدول المذكور هي مجرد نموذج تم انتقاؤه من قضايا كثيرة صدرت بموجبها أحكام قضائية خلال تاريخ 07-06-2012، وقد بلغ مجموع المبالغ المحكوم بها في مواجهة وزارة التجهيز والنقل بالنسبة لتلك القضايا: 10500214,90درهم فضلا على فوائد التأخير ومصاريف الدعاوى.

2: تقصير الجماعات الترابية في الدفاع عن مصالحها المالية.
إن الاختصاصات المنوطة بالمجالس الجماعية ورؤسائها في مختلف الميادين ذات الارتباط بتدبير الشأن المحلي جعلتها تدخل في علاقات متعددة ومتشعبة مع الغير، سواء عن طريق تدخلها من أجل تنظيم نشاط الأفراد داخل الجماعات بواسطة مقررات فردية وتنظيمية، أو عن طريق التعامل مع الأشخاص الاعتباريين أو المعنويين بواسطة الاتفاقيات والعقود من أجل استغلال وتسيير مرافق عمومية جماعية أو أداء خدمات والقيام بأشغال لفائدة هذه الجماعات، الأمر الذي أدى إلى المس بالحقوق وتضارب مصالح أطراف العلاقة وتشعبها وهو ما نتج عنه كثرة وتنوع المنازعات أمام القضاء تكون فيها الجماعات المحلية إما طرفا مدعيا أو طرفا مدعى عليه، غير أن وافع تدبير هذه المنازعات كشف عن تهاون المجالس الجماعية في التعامل معها مما دفع إلى إحداث مؤسسة المساعد القضائي للجماعات المحلية ، غير أن الإطار القانوني لهذه المؤسسة وكذا الممارسة العملية أثبتا عدم نجاعتها في الدفاع المصالح المالية للجماعات الترابية.
فإذا كانت الجماعات الترابية تتمتع بالشخصية المعنوية التي تؤهلها لمقاضاة خصومها والدفاع عن مصالحها أمام القضاء، فإن وضع مؤسسة المساعد القضائي المكلفة بالمساعدة القانونية للجماعات الترابية تحت سلطة وزير الداخلية يطرح التساؤل بخصوص مدى استقلالية تلك الجماعات في ممارسة حق التقاضي ؟.
ثانيا: إهمال تنفيذ الأحكام القضائية
بالنظر لتزايد حالات امتناع الإدارة عن تنفيذ الأحكام القضائية ،فقد اهتدى القضاء الإداري إلى إعمال بعض الآليات القانونية التي من شأنها ترتيب التزامات مالية بذمة الإدارة ، بهدف دفعها إلى الرضوخ لما تقضي به المقررات القضائية، ومن ضمن تلك الآليات هناك التعويض والغرامة التهديدية و الحجز على أموالها الخاصة غير اللازمة لسيرها علما أن إعمال هذه الآليات سيسهم في هدر للمال العام.
1: التعويض
إن امتناع الإدارة عن تنفيذ الأحكام الصادرة في مواجهتها يشكل في كل صوره خطأ إذا ما سبب للغير ضررا ، ويتمثل خطأ الإدارة هنا في تعمدها عدم تنفيذ الأحكام الصادرة ضدها.
ففي قرار للغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى اعتبرت بأن عدم تنفيذ حكم نهائي من طرف الصندوق الوطني للتأمين والتقاعد قضى بتحويل المبالغ المالية التي توصل بها لفائدة أصحابها هو نشاط سلبي للإدارة موجب التعويض(58)

[57] - قرار عدد:  29بتاريخ 4 دجنبر 1958 صادر في الملف الإداري عدد 215:/58، منشور بقرارات المجلس الأعلى ، أهم القرارات الصادرة في المادة الإدارية الجزء الأول ، منشورات الذكرى الخمسينية لتأسيس المجلس الأعلى ، مطبعة الأمنية بالرباط2007 ص 6.
 ([58]) قرار الغرفة الإدارية، في الملف 490/97 الصادر بتاريخ: 05/01/1997 غير منشور.


2: الغرامة التهديدية
ويؤطرها الفصل 448 من قانون المسطرة المدنية الذي ورد فيه:" إذارفض المنفذ عليه أداء التزام بعمل أو خالف التزاما بالامتناع عن عمل ، أثبت عونالتنفيذ ذلك في محضره ، وأخبر الرئيس الذي يحكم بغرامة تهديدية ما لم يكن سبقالحكم بها."
وقد دأب القضاء الإداري على تحديد الغرامة التهديدية في مواجهة مختلف أشخاص القانون العام وفي مختلف المنازعات الإدارية ، معتمدا في ذلك على الإحالة التي تضمنتها المادة 7 من القانون   رقم 41/90  المحدث للمحاكم الإدارية على قانون المسطرة المدنية ، وكذا صياغة الفصل 448 من القانون المذكور الذي تضمن عبارة «إذا رفض المنفذ عليه...» بشكل مطلق، إذ أنه لم يفرق بين أشخاص القانون العام وأشخاص القانون الخاص(59).
3: الحجز في مواجهة الإدارة الممتنعة عن التنفيذ
يعتبر الحجز على الأموال صورة من صور التنفيذ الجبري المعمول بها في إطار القانون الخاص وإذا كان المبدأ العام يقضي بعدم جواز الحجز على الأموال العمومية حفاظا على مبدأ سير المرفق العمومي بانتظام واضطراد، فإن ذلك لم يمنع القضاء الإداري من إيجاد إمكانية لإعمال مسطرة الحجز على الأموال الخاصة للدولة(60).


[59]- في هذا الإطار قضت محكمة النقض بما يلي: "لكن حيث إن الهدف من الحكم بالغرامة التهديدية هو إشعار المحكوم عليه بأنه قد يتعرض إلى الحكم بتعويضات عن تماطله في تنفيذ حكم قضائي صادر ضده، عندما تتم تصفية الغرامة التهديدية إلى تعويض.
وحيث إن المشرع لم يستثن من الحكم بالغرامة التهديدية المرافق العمومية التابعة للدولة، وأن القضاء يدخل في اختصاصه وصلاحياته، كما استقر على ذلك اجتهاد الغرفة الإدارية، اللجوء إلى الغرامة التهديدية لإجبار المحكوم عليه على تنفيذ حكم صادر ضده، الشيء الذي يعني أن الحكم بها في النازلة الحالية لا يتعارض مع المبادئ القانونية والفقهية، ولكن يكرس مبدأ حماية حقوق المحكوم له في مواجهة تصرفات الإدارة". قرار الغرفة الإدارية، عدد 836 بتاريخ 1/7/1999 في الملف رقم 1331/1/1998.
كما ورد في أمر استعجالي صادر عن المحكمة الإدارية بالرباط:" حيث يهدف الطلب إلى استصدار  أمر بتحديد الغرامة التهديدية في مواجهة الإدارة المدعى عيها ، لامتناعها غير المبرر عن تنفيذ قرار نهائي قضى بإحالة المدعية عليها لتسوية وضعيتها الإدارية من خلال إدماجها في     السلم 10 وإلحاقها بالإطار المستحق. 
وحيث إن الغرامة التهديدية تعتبر وسيلة لإجبار الطرف المحكوم عليه على التنفيذ، متى كان التنفيذ لصيقا بإرادة  المنفذ عليه، وجائزا قانونا، دون أن تسعف في تحققه إجراءات التنفيذ الجبري الأخرى بالاعتماد على الفصل 448 من قانون المسطرة المدنية المحال عيه بمقتضى المادة  7 من القانون رقم  90-41  المحدثة بموجبه المحاكم الإدارية ، والمتميزة مقتضياته بمخاطبتها  لكل  من أشخاص القانون العام أو الخاص ،وبالتالي  كل طرف يعد امتناعه  غير المبرر عن التنفيذ سببا كافيا لتحديد الغرامة التهديدية في مواجهته ،تكريسا لمبدأ سيادة القانون  الذي لا قيمة له  إلا باحترام  أحكام القضاء ووجوب تنفيذها من طرف المسؤولين الإداريين المعنيين بشأن التنفيذ .
 وحيث في نازلة الحال فإن البادي من المحضر موضوعها  المنجز بتاريخ 27/9/2007  امتناع  المنفذ عليها وزارة التربية الوطنية عن تنفيذ قرار قضائي حائز لقوة الشيء المقضى به بدون مبرر مقبول، مما يبرر المطالبة بتحديد الغرامة التهديدية في حقها ، وبالتالي بما لنا من  سلطة تقدير مبلغ  الغرامة التهديدية أخذا بعين الاعتبار طبيعة العمل محل التنفيذ، والأضرار الناتجة عن الامتناع عن التنفيذ وتعنت المنفذ عليها في التنفيذ ، نرى تحديدها  يوميا في مبلغ 1500 درهم على أن يكون منطلق سريانها  تاريخ الامتناع عن التنفيذ بالتفصيل الوارد  لاحقا في منطوق هذا الأمر " أمر استعجالي رقم: 672 صادر بتاريخ: 27/4/2011 في الملف رقم: 664/1/2011، غير منشور.
[60]- أكدت الغرفة الإدارية بمحكمة النقض جواز سلوك مسطرة الحجز لدى الغير في مواجهة المؤسسات العمومية متى اعتبرت أموالا خاصة اعتمادا على الحيثية التالية:
"إن الإدارة في مجال نزع الملكية للمنفعة العامة ترصد مسبقا أموالا لتغطية التعويضات الناتجة عن نزع ملكية أرض الخواص وهي بذلك تخرج بإرادتها هذه الأموال من ذمتها لتخصيصها للتعويض عن نزع الملكية وبالتالي تضفي عليها صبغة خصوصية وتجعلها قابلة للتنفيذ عليها وأنه يحق للمنزوعة ملكيتهم القيام بتلك الإجراءات  القانونية على هذه الأموال بما في ذلك مسطرة الحجز لدى الغير". قرار صادر بتاريخ 22/5/97. أشار إليه الأستاذ محمد قصري في مقالة الغرامة التهديدية والحجز في مواجهة الإدارة الممتنعة عن تنفيذ الأحكام الصادرة ضدها» المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية العدد 34، ص:31.
وتأكيدا لذلك التوجه ورد في أمر استعجالي صادر عن رئيس المحكمة الإدارية بالرباط:
" اذا كان المبدأ العام هو عدم قابلة المال العام للحجز لما يترتب على ذلك في تعطيل وظيفة النفع العام الملقاة على عاتقه ، فانه استثناء من ذلك اجاز الفقه والقضاء امكانية الحجز على الأموال الخاصة للأشخاص الاعتبارية العامة ، التي لا يترتب على إيقاع الحجز عليها تعطيل وظيفة النفع العام الموكولة اليها،  أو عرقلة السير العادي للمرفق العالم ، وباعتبار ان المبلغ المحجوز حجزا تنفيذيا من المفروض رصده لأداء ديون الجماعة بما فيها الديون الناتجة عن عقد الصفقة اعلاه في اطار قواعد المحاسبة العامة ، ولا دليل بالملف على عرقلة وظيفة النفع العام الملقاة على المجلس  المحجوز عليه باستمرار الحجز وتنفيذه ، مما تبقى  معه الوسائل المثارة  وسيلة للتماطل ولا تشكل الصعوبة الواقعية والقانونية المتطلبة في ايقاف التنفيذ مما يبقى الطلب حول ذلك غير مؤسس ." أمـر رقم :    217 صادر بتاريخ: 24/5/2006 في الملف رقم :  185/06 س ، غير منشور.

هكذا وفي غياب نص قانوني يعطي الحق في الحجز على أموال المؤسسات العمومية لإجبارها على التنفيذ، فإن القضاء المغربي قد أعمل آلية  الحجز كوسيلة لإجبار المؤسسات العمومية والجماعات المحلية والإدارة بصفة عامة لتنفيذ الأحكام الإدارية الصادرة ضدها، وذلك بقصد مواجهة ظاهرة الامتناع عن التنفيذ مستبعدا المبررات التقليدية المتمثلة في ملاءة الذمة، والحفاظ على السير العادي للمرفق ، وكون الإدارة رجل شريف يفي بالتزاماته في أسرع وقت ، طالما أن الامتناع غير المبرر عن التنفيذ  يخل بمصداقية تلك المبررات  وهنا نشير لمحاولات الالتفاف على هذا الإجراء من خلال التعديل الذي جاء بالمادة 8  مكرر التي كانت ستمنع الحجز على ممتلكات الدولة حيث تم سحبها نتيجة حملة قادها مجموعة من النقباء توجت برسالة موقعة من قبل ثلاثة رؤساء سابقين لجمعية هيآت المحامين بالمغرب و التي اعتبرت اقرار المادة انكارا للعدالة.
 
تجسدت حماية القضاء الإداري بالمحكمة الادارية بالرباط للمال العام على وجه الخصوص في تعامله مع الخبرة القضائية المحددة للتعويض الذي ستتحمله الإدارة ، حيث إن أغلب المقررات القضائية تخفض من تقديرات الخبرة بعلة "المصلحة العامة" و "تخصيص العقار للمنفعة العامة"، وذلك لمواجهة التقديرات المبالغ فيها للخبراء التي تحول دون إضفاء حماية فعالة للمال العام إلى جانب معيقات أخرى ، هذا و يمكن القول بأن إكراهات حماية المال العام من قبل القضاء الإداري ترتبط  من جهة ببعض الأعمال القضائية التي لا تؤمن أية حماية لذلك المال، و من جهة أخرى فإن بعض السلوكات الصادرة عن الإدارة تسهم بشكل مباشر في إهدار المال العام، بحيث يتعذر على القضاء الإداري ضمان رعاية خاصة للمال المذكور، بالنظر لطبيعة الاخلالات المنسوبة للإدارة.  و فيما يخص القضاء الزجري ومن خلال تجميع المعطيات المتوفرة فإن الخلاصة الأساسية التي يمكن استخراجها هي أن القضاء الزجري ضل عاجزا عن حماية المال العام في غياب إرادة سياسية حقيقية لتفعيل دوره و تطوير أدائه, ومع استقلالية النيابة العامة عن وزير العدل فإنها أصبحت أمام امتحان عسير سيشكل النجاح فيه قطيعة ماضي الإفلات من العقاب و التسيب الذي فوت على المغرب فرصا كثيرة في التنمية و الإستثمار.


من إنجاز الطلبة الباحثين ماستر الحكامة القانونية والقضائية
عبد الله التائب

أيمــــن الحداد
يوسف حسني
سعيــد أوداود


لائحة المراجع :
·       مواقع الكترونية:

- عبد الحق أخو الزين,  دور القضاء الإداري في حماية المال العام - المحكمة الإدارية بالرباط نموذجا-،

تاريخ الإطلاع 25 أبريل 2018  على الساعة 19:45
Justice.gov.ma
Adala.justice.gov.ma
·       الكتــب و المؤلفات:

- امحمد قزيبر، النظام القانوني لميزانية الدولة، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية مكناس، السنة الجامعية 2016/2017
- نجيب جبري : التنزيل الدستور المالي بالمغرب "تنزيل الدستوري المالي بالمغرب بين ضرورة الإصلاح و رهان الحكامة المالية" ،مساهمة في النقاش العمومي حول إصلاح القانون التنظيمي للمالية بتقديم منهجية حديثة لتدبير المالية العمومية ،سلسلة "الدراسات و الابحات الاصدار السادس -2013
- عبد النبي اضريف، أسس وقواعد تدبير الميزانية العامة ومراقبتها، دار القرويين الدار البيضاء الطبعة الأولى 2007

- بلخال عبد الفتاح، علم المالية العامة والتشريع المالي المغربي، مطبعة فضالة الدار البيضاء، 2005

- منار مصطفى " واقع الاموال العمومية بين ضعف البرلمان وهيمنة الحكومة" المجلة المغربية الادراة المحلية للتنمية ،ماي –يونيو عدد 70- 2008
- عثمان الزياني: الرقابة المالية للبرلمان المغربي : بحث في سبل التطوير والتفعيل في أفق إصلاح القانون التنظيمي للمالية، منشورات مجلة الحقوق،سلسلة اﻷعداد الخاصة،العدد 6 سنة 2013
- نجيب جبري الرقابة المالية بالمغرب بين الحكامة المالية و متطلبات التنمية منشورات مجلة الحقوق المغربية
- رشيد المساوي: المالية العامة، الطبعة الأولى 2003
- الدكتور عبد النبي اضريف :قانون ميزانية الدولة على ضوء القانون التنظيمي للمالية 130.13 و نصوصه التطبيقية الطبعة الرابعة 2016
- عسو منصور قانون الميزانية العامة  الطبعة الأولى 2005

·       المقالات و المجلات:
-         المصطفى معمر:"قراءة في مضمون مدونة المحاكم المالية " المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية
عدد مزدوج  51-52يوليوز، أكتوبر 2003 - ،

-         إبراهيم زعيم :المحاكم المالية كآلية رقابية و استشارية، المجلس الأعلى للحسابات
نموذجا المحاماة ،مجلة دورية تصدرها جمعية هيئات المحامين بالمغرب،

-         بروحوعبد اللطيف،"ماليةالجماعات المحلية بين واقع الرقابة و متطلبات التنمية"
، المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية ، سلسلة مواضيع الساعة عدد  70
السنة 2011

-         المجلة المغربية للأنظمة القانونية و السياسية العدد 12 السنة 2011
-         العرائض: مجلة دورية تهتم بالمعرفة القانونية و المهنية عدد 7 السنة 2016 صفحة 77 حتى 100

·       نصوص قانونية:
-  الدستور المغربي لفاتح يوليوز 2011
القانون التنظيمي للمالية 130.13  -
- المرسوم 2.15.246 المتعلق بإعداد و تنفيذ قوانين المالية
- قانون المسطرة الجنائية
الظهيرالشريف رقم 1.02.124 صادرفي فاتح ربيعالأول 1423
3 أبريل 2002 بتنفيذ القانون رقم 62.99 المتعلق بمدونة
المحاكم المالية،الجريدة الرسمية عدد 5030 بتاريخ 6جمادى1423
15 غشت 2002
التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات برسم سنة 2015 بوابة الالكترونية
www.coursdescomptes.ma

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آثــار إثبــات البنـوة والنسـب على ضــوء مقتضيات قانون مدونة الأسرة الجديد 70.03                            الجزء الأول   مقدمة ع...